خلاصة بيدرسون... لا أحد مسؤول في سورية

خلاصة بيدرسون... لا أحد مسؤول في سورية

Sep 05 2019

عبد الوهاب بدرخان
ليس كبيراً الاختلاف في اللغة بين المبعوثَين الأمميين الحالي والسابق الى سورية، فكلاهما ملزم بحكم ما يمثّل اعتبار "الحكومة السورية"، أي النظام بالمصطلح الأدقّ والأكثر واقعية، ركيزة المهمّة التي انتدب لها والعملية السياسية "الجادة" التي يُفترض أن تؤكّد جدوى الأمم المتحدة ونجاحها في وظيفتها الدولية. لطالما وُصفت لغة ستافان دي ميستورا بأنها "جوفاء" أو "سطحية" و"خشبية"، ولطالما عبّر وبعضٌ من فريقه عن مجاملة مكشوفة للنظام على رغم الأهوال التي ارتكبها بعلمهم وكانوا يتجاهلونها خشية أن لا يتعاون معهم. ومع أنه لم يكن متعاوناً حقّاً بل مضللاً ومتحايلاً في الجانب السياسي الذي يعنيهم، ولا متعاوناً في الجانب الإنساني والحقوق-انساني الذي يعني الهيئات التابعة للمنظمة الدولية، فإن تقاريرهم دأبت على تجهيله كـ "طرف" أو كـ "فاعل" تنبغي ادانته أو لومه على أقل تقدير، تحديداً لأنه "الدولة المعترف بشرعيتها دولياً"، ما كرّس مفهوم أن الدولة والحكومة والشرعية يمكن أن تُقدِم على جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وأن تُعاملها الأمم المتحدة باعتبارها غير مسؤولة ومؤهّلة للإفلات من المحاسبة والعقاب.

في قراءة للإحاطة الأخيرة للمبعوث غير بيدرسون، وهو يقارب إنهاء عام على تولّيه مهمته، كان واضحاً أن هناك إصراراً وتوسّعاً في التجهيل وإغراقاً للمعلومات في العموميات، حتى أنه يكاد يبدو محتقراً ذكاء مَن يصغي إليه، ولا سيما السوريين، مع أن الرجل مشهود له بالحصافة والرزانة أكثر من سلفه. فعلى سبيل المثال، استهلّ تقريره بعرضٍ سريع ومقتضب للوضع في شمال غربي سورية، والحملة العسكرية التي تشنّها "القوات الموالية للحكومة" في إدلب. وحين يشير الى استهداف المدنيين والمنشآت الطبية والبنى التحتية كالأسواق والمدارس ومخيمات النازحين ومحطات المياه، كذلك إفراغ شبه كامل للقرى وفرار سكانها العراء من دون مأوى أو غذاء أو ماء، فإنه لا يثير المسؤوليات بوضوح... فلا وجود ولا دور لروسيا إلا عندما يقفز فوراً الى اجتماع الرئيسين الروسي والتركي و"تفاهمهما" على "كيفية تثبيت الوضع في إدلب"، ثم يحيي "هذه الديبلوماسية رفيعة المستوى". لا شيء عن العنف الأقصى للقصف الروسي وسياسة الأرض المحروقة التي تحبذها موسكو. لا شيء عن مشاركة قوات روسية وأخرى لـ "حزب الله" وميليشيات إيرانية. ولا شيء في العمق عمّا في اتفاق سوتشي من نفاق وتكاذب وتعهّدات لا تستطيع تركيا الإيفاء بها.

كانت محنة إدلب ولا تزال تستحق من المبعوث الأممي أن يدعو المجتمع الدولي الى العمل لتفادي تكرار نموذجَي الموصل أو الرقّة اللتين كان وجود "داعش" فيهما سبباً لتدميرهما واستحالة عودة السكان إليهما بعد "تحريرهما". قال بيدرسون أن محاربة الإرهاب ينبغي ألّا تعرّض ملايين المدنيين للخطر، معتبراً أن الوضع في إدلب "يتطلّب حلاً سياسياً في المقام الأول". كانت أطراف دولية عدة توصّلت الى هذا الاستنتاج غير أن روسيا بديبلوماسيتها "رفيعة المستوى" ترى غير ذلك، وتريد إعادة إدلب الى كنف النظام، علماً بأن سيطرة النظام مثل سيطرة "داعش" أو "هيئة تحرير الشام" تؤدّي في نهاية المطاف الى التدمير والتهجير. وكانت "الهيئة" قدّمت نفسها على أنها مختلفة عن "داعش" لكنها لم تتمكن من إثبات ذلك بأي شكل، فهي ساهمت بفاعلية في تصفية فصائل المعارضة العسكرية وكوادر المعارضة المدنية للنظام وتدافع الآن عن سلطتها أو بالأحرى تسلّطها، ولا مشروع آخر لديها. ومن أجل بقائها، ولن تبقى، تقيم علاقة مصالح مع تركيا وتمرّر إحداثيات ميدانية للأميركيين ليقصفوا "حراس الدين" و"أنصار التوحيد" وفصائل أخرى، علّها تعزّز وجودها، لكن وظيفتها ستنتهي يوماً.

لم يبدُ بيدرسون معنيّاً بـ "المنطقة الآمنة" بل بالتوتر في شمال شرقي سورية وكيف أن تفاهمات أميركية - تركية "ساهمت في تفادي انفجار الموقف". ومع أنه يعرف جيداً أن ثمة ترابطاً بين إدلب والشمال الشرقي بسبب استياء روسيا من عدم اشراكها بمشروع "المنطقة الآمنة"، إلا أن المبعوث الدولي يتحاشى أي إشارة الى ذلك ويفضّل الهرب الى صيغة "الحاجة الى تسوية سياسية حقيقية تضمن احترام سيادة سورية" مع أنها صارت مفرغة من أي معنى. وفي عرضه لما يسمّيه "التوتر بين ايران وإسرائيل" يعود الى حثّ الأطراف على "احترام سيادة سورية"، ولا رأي له بطبيعة الحال في أن النظام هو مَن وزّع تلك السيادة قطعاً لضمان بقائه.

أورد بيدرسون عشرة مخاطر قال ان العائلات السورية تواجهها في الداخل، وأضاف اشارة إلى ملايين اللاجئين الذين يواجهون عقبات أمام عودة آمنة وطوعية "بشكل يحفظ كرامتهم"... وعلى قاعدة أن لا أحد مسؤول في سورية، تبدو هذه المخاطر أو المآسي كأنها جاءت من المجهول وتمضي الى المجهول، بلا محاسبة. وعلى بعد أيام من اليوم العالمي للمخفيين تطرّق بيدرسون الى المفقودين السوريين، وهم يقدّرون بنحو 90 ألفاً بينهم أطفال ونساء أمكن توثيق حالاتهم، من دون أن يفصح عن المسؤولية المباشرة للنظام في اخفائهم، وهو الجهة التي ترفض إعطاء أي معلومات عنهم أو تمكين هيئة الصليب الأحمر الدولي من زيارة السجون والمعتقلين.

كان الرئيس الروسي وصف "مسار استانا" أخيراً بأنه الأكثر فاعلية ونجاحاً، إلا أنه تجاهل كيف أن هذا المسار سجّل فشلاً فادحاً في معالجة ملف المسجونين والمفقودين. أما الأمم المتحدة التي راقبت هذا المسار عن كثب فلم تستطع أن تحرّك هذا الملف الذي يُفترض أنها تحتاج إليه في ما تسمّيه "إجراءات بناء الثقة". لكن المبعوث الأممي متفائل بحصول تقدّم من خلال اللجنة الرباعية (روسيا وايران وتركيا والأمم المتحدة) وإشراك الصليب الأحمر، إلا أن المعتقلين الذي أفرج عنهم بعمليات تبادل يبقى عددهم رمزياً بالمقارنة مع العدد الحقيقي، وسط إغفال للذين تمت تصفيتهم بالتعذيب ولا يمكن الوصول الى ما يوثّق مصيرهم. أما بالنسبة الى المفقودين فلم يسبق للنظام أن تعاون جديّاً في ملف كهذا، فالمخفي عنده نادراً ما يظهر أو لا يظهر أبداً.

كالعادة، لا بدّ أن تتكرّر لازمة أنه "لا يوجد حل عسكري في سورية"، وهذا ما فعله بيدرسون على رغم يقينه بأن ما يحصل منذ منتصف 2011، وتحديداً منذ خريف 2015 مع التدخّل الروسي حتى الآن، هو بالتأكيد حلٌّ عسكري يُستخدم لرسم معالم الحل السياسي. لا شك أن بيدرسون اطلع على الملفات وأدرك أن المبعوثين الثلاثة السابقين واجهوا عمليات تضليل من جانب النظام دائماً ثم الإيرانيين الروس، سواء للتلاعب بالقرارات الدولية أو لتوجيه المفاوضات بقصد إفراغ الحل السياسي من أي مضمون تغيير أو انتقالي. لم يغادر هؤلاء اللاعبون "مربع الحل السياسي" الذي رسمه النظام منذ البداية وتبنّاه الروس من دون أي تعديل، وهو "الحلّ داخل النظام" أو "الحكومة"، الذي لا يزالون يتحايلون لتمريره بمشاركة تركيا في "مسار استانا" واختزاله بـ "اللجنة الدستورية" والانتخابات. وليس خافياً أن التوصل الى "إطار الحلّ" هذا، بما فيه التلاعب بتركيبة اللجنة الدستورية"، تمّ بالضغط العسكري الروسي الأقصى وليس بالعمل السياسي.

في النهاية يعترف المبعوث الأممي بأنه لا يستطيع شيئاً إذا لم تتحمل الأطراف الدولية مسؤوليتها، لكن أي "مسؤولية" يمكن توقّعها فيما يتنافس اللاعبون على الخريطة السورية. فالروس يكرّرون في كل مناسبة تمسّكهم بـ "وحدة أراضي سورية"، وإذا تمكنوا من ذلك فإنهم يصرّون في المقابل على بقاء النظام الذي يديرون سيطرتهم من خلاله، علماً بأن "مسار استانا" ولد واستمرّ كإطار لتقاسم النفوذ أكثر مما هو للحفاظ على وحدة البلد، فأي وحدة ممكنة مع عمليات التفريس والتشييع، كذلك التتريك والأخونة، في العمق السوري. أما الاميركيون فهم أكثر اهتماماً بالوضع المستقبلي لشمال شرقي سورية، مصرّين على "تزويج" مستحيل للأكراد والأتراك، ومتصرّفين بعرب دير الزور والرقة بإخضاعهم لسلطة الأكراد... كل ذلك يختصره بيدرسون بـ "تشجيع" الولايات المتحدة وروسيا على "تعميق الحوار الثنائي" بينهما، وهو ما جُرّب ولم يفلح.

المصدر:جريدة الحياة




صلحة عشائرية بين عشيرة الشداد وعشيرتي علدين والشيخان

صلحة عشائرية بين عشيرة الشداد وعشيرتي علدين والشيخان

Sep 04 2019

برجاف| كوباني
أقام مجلس العدالة ولجنة الصلح في إقليم الفرات صلحة عشائرية بين عشيرة الضحية الشداد، والعشيرة التي ساهمت بالقتل علدين والشيخان، بعد خلاف ثلاثة أعوام بينهم إثر إقدام ثلاثة أشخاص من عشيرتي علدين والشيخان على قتل شخص من عشيرة الشداد في قرية عين البط بريف كوباني، حيث تمت عملية قتل المغدور في تركيا، لخلافات شخصية.

وأقيمت الصحلة أمام مبنى الإدارة الذاتية بحضور عدد كبير من العشائر وأعضاء لجنة مجلس العدالة ولجنة الصلح والإدارة الذاتية، وتم عقد الصلح بعد وساطات من قبل لجنة الصلح والإدارة الذاتية بين الأطراف المتنازعة وإرضاء أهل المغدور.

وأوضح بوزان مختار الإداري في لجان الصلح في إقليم الفرات، أن مجلس العدالة وأعضاء لجنة الصلح ساهم بشكل إيجابي بحل المشاكل العشائرية، بعد خلاف بينهم لمدى ثلاثة اعوام، وكانت أسباب الخلاف والصراع بين العشائر، إثر إقدام ثلاثة أشخاص أثنان من عشيرة الشيخان من آل سعيد من قرية لهينه ، وشخص من عشيرة علدين من عائلة مسلم من قرية اليابسة، وكان الضحية عزالدين كرعو البالغ 25عاماً من عشيرة الشداد في قرية عين البط بريف كوباني، وكانت أحداث الصراع في تركيا وقتل المغدور في أورفا، لخلافات شخصية.

وتجدر الإشارة إن هناك ما يقارب 25 دعوى معلقة لدى لجنة الصلح في إقليم الفرات، حيث أن هناك بعض الدعاوي تجاوزت 18عاماً، وأحياناً تقوم اللجنة بحل الخلافات البسيطة وتتجاوز شهرياً 100خلاف تقريباً، وخلال ثلاثة أعوام تم حل 15 خلاف والثأر بين العشائر، بحسب لجنة الصلح.




8 تحديات ميدانية في سوريا... و3 عقبات أمام اللجنة الدستورية

8 تحديات ميدانية في سوريا... و3 عقبات أمام اللجنة الدستورية

Sep 04 2019

المبعوث الدولي يسعى لتشكيل «مجموعة اتصال» دولية ـ إقليمية... وموسكو تتمسك بـ «مسار آستانة»
ثمانية تحديات ميدانية في سوريا. ثلاث عقبات أمام المضي في تشكيل اللجنة الدستورية السورية بعد إحداث خمسة اختراقات. اعتراض روسي على تشكيل مجموعة اتصال دولية - إقليمية تضم اللاعبين الدوليين والإقليميين للبحث عن توافقات لحل الأزمة السورية.

كانت هذه قراءة مصادر دبلوماسية غربية حضرت مشاورات المبعوث الدولي غير بيدرسن في مجلس الأمن السبت الماضي قبل سفره إلى واشنطن للقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. ومن المقرر أن تجري سلسلة اتصالات بحثاً عن مقاربات لهذه التحديات. ويشمل ذلك استضافة بيدرسن لممثلي «المجموعة الصغيرة» التي تضم أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، ودولاً عربية في جنيف في 12 الشهر الحالي، وعقد لقاء وزاري إنساني - سياسي - اقتصادي دعت إليه مسؤولة الخارجية والأمن الأوروبية فيدريكا موغيريني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في النصف الثاني من الشهر الحالي، إضافة إلى اجتماع وزاري في نيويورك لـ«المجموعة الصغيرة».

ثمانية تحديات

بحسب بيدرسن ومسؤولين غربيين، هناك ثمانية تحديات عاجلة في سوريا:

الأول، الوضع في شمال غربي سوريا. إذ إنه رغم محاولات روسيا وتركيا لإعادة تثبيت وقف النار الذي تم الإعلان عنه نهاية أغسطس (آب)، استُؤنفت الأعمال القتالية في إدلب ومحيطها. إذ قامت الحكومة بشن حملة عسكرية واسعة النطاق سيطرت خلالها على الجزء الجنوبي من منطقة خفض التصعيد. واستمرت الهجمات الجوية من القوات الموالية للحكومة. ولقي المزيد من المدنيين مصرعهم، وهرب المزيد من الأشخاص من بيوتهم، واستهدفت منشآت طبية وبنى تحتية، بما في ذلك الأسواق والمدارس ومخيمات النازحين ومحطات المياه. وأُفرغت قرى بشكل شبه كامل من سكانها.

وهناك اعتقاد أن الهدنة الجديدة التي بدأ تطبيقها قبل أيام لا تزال هشة ومعرّضة للانهيار باستئناف العمليات القتالية خصوصاً وسط حديث عن تعزيزات وقصف. وبدا، بحسب المصادر الدبلوماسية، أن روسيا منخرطة بشكل كامل في العملية العسكرية على عكس الجولة السابقة قبل أشهر. كما أن دور «حزب الله» وإيران اقتصر على وجود مستشارين من دون انخراط كامل للتنظيمات في العمليات القتالية.

الثاني، استهداف النقاط التركية. أعلنت تركيا عن استهداف قافلة عسكرية تابعة لها في إدلب بضربات جوية، في حين حُوصرت نقطة المراقبة التركية في مورك من قبل القوات الموالية للحكومة، وتعرضت هي الأخرى لقصف، وهو بمثابة تذكير بأن الوضع في إدلب يمكن أن يشعل صراعاً إقليمياً. والتقى الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان الثلاثاء الماضي وأعلنا عن التوصل إلى تفاهم حول كيفية تثبيت الوضع في إدلب استناداً إلى مذكرة التفاهم الموقعة في سبتمبر (أيلول) الماضي. ويعتقد أن موسكو أعطت أنقرة مهلة لتنفيذ «اتفاق سوتشي» الذي يتضمن تفكيك التنظيمات الإرهابية وإعادة تشغيل طريق حماة - حلب واللاذقية - حلب وتشغيل دوريات مشتركة ما يفسر إرسال تركيا تعزيزات، مقابل ضمانات روسية بعدم استهداف النقاط التركية. وشددت موسكو على «التطبيق الحرفي» لاتفاق سوتشي الذي يبدأ بوقف النار.

الثالث، وجود «هيئة تحرير الشام» المصنفة من قبل مجلس الأمن ومجموعات أخرى مثل «حراس الدين» بأنها تنظيمات إرهابية. ولوحظ أن بيدرسن قال في اجتماع مجلس الأمن: «محاربة الإرهاب لا ينبغي أن تعرّض حياة ثلاثة ملايين في إدلب ومحيطها من المدنيين للخطر. كل الأعمال التي تؤدي إلى قتلهم أو تشريدهم يجب أن تتوقف الآن. الوضع في إدلب يتطلب حلاً سياسيا في المقام الأول».

الرابع، التدخل الأميركي. استهدفت قبل أيام اجتماعاً قياديا لعناصر مرتبطة بـ«القاعدة» في ريف إدلب. وبحسب المصادر، فإن واشنطن أبلغت موسكو بأنها ستستأنف استهداف «إرهابيين في إدلب في حال توافرت معلومات بأنهم يشكلون خطراً على أمن أميركا أو حلفائها، إضافة إلى توافر معلومات عن قياديين رفيعي المستوى من تنظيم القاعدة». وكان هذا هو الاستهداف الأميركي الثاني بعد توقف استمر منذ بداية 2017.

كان وزير الخارجية الأميركي قدم إلى الجانب الروسي في مايو (أيار) مقترحات من ثماني نقاط بينها «محاربة الإرهاب». وكان هناك توافق أولي عليها، لكن الخلاف كان حول تسلسل تطبيقها. ويعتقد أن واشنطن تدفع للبدء ببند «مكافحة الإرهاب». يعني هذا نشاط القوات الجوية الأميركية غرب نهر الفرات وقت الضرورة، باعتبار أن مذكرة التفاهم الأميركية - الروسية نصت على سيطرة الأميركيين شرق الفرات والروس غربه. ولوحظ انتقادات موسكو لقصف واشنطن في ريف إدلب قبل أيام.

الخامس، شمال شرقي سوريا. تصاعدت وتيرة التوتر في يوليو (تموز)، حيث تمركزت القوات على جانب التركي من الحدود. وساهمت المحادثات التركية - الأميركية خلال شهر أغسطس في «تفادي انفجار الموقف»، بحسب بيدرسن. وجرت الخطوات الأولية لتطبيق التفاهمات المؤقتة التي تم الاتفاق عليها. لكن لا يزال هناك غموض في التفاهمات وتساؤلات حول سرعة التنفيذ وتهديدات تركية باللجوء إلى الخيار العسكري الذي سيخلط الأوراق في منطقة النفوذ الأميركي - الكردي شرق الفرات. وهناك من يعتقد أن التفاهمات بين واشنطن وأنقرة هي «تأجيل للتوغل وليس إنهاء له».

السادس، التوتر بين إيران وإسرائيل. أكدت إسرائيل قيامها بشن هجمات جوية على أطراف مدينة دمشق في 24 أغسطس معلنة أن الهدف كان إحباط هجوم بطائرات مسيرة من الأراضي السورية، قالت إسرائيل إنه تم التخطيط له من «فيلق القدس الإيراني» وتنظيمات تدعمها إيران. كما أعلن «حزب الله» أن اثنين من مقاتليه قتلا، وهدد بالرد من داخل الأراضي اللبنانية. وجرت أول من أمس جولة مضبوطة من التصعيد عبر جنوب لبنان، لكن القلق من جولة أخرى عبر البوابة السورية.

كانت إسرائيل وسعت دائرة استهداف إيران لتشمل العراق بعد سوريا، إضافة إلى إرسال «درون» إلى فوق بيروت. وقال بيدرسن: «هذه الأعمال التصعيدية مقلقة للغاية. أحث الأطراف كافة على احترام سيادة سوريا والدول الأخرى في المنطقة من خلال وقف هذه الاعتداءات والأعمال الاستفزازية وممارسة أكبر قدر من ضبط النفس قولاً وفعلاً».

السابع، هشاشة تسويات الجنوب السوري. وقال المبعوث الدولي لمجلس الأمن: «تصلنا تقارير حول عمليات الاعتقال والمظاهرات وحالات الاختفاء والاغتيالات في جنوب غربي سوريا وهي جميعها مصدر قلق بالغ»، ذلك بعد مرور سنة على تسوية رعتها موسكو وقضت بعودة قوات الحكومة إلى المنطقة مقابل ضمانات لمعارضين. وسجلت اغتيالات وتوترات في الجنوب، إضافة إلى أنباء عن تنافس روسي - إيراني وسط قصف إسرائيلي لمواقع في ريف درعا.

الثامن، تحديات إنسانية. المبعوث الدولي اختصر هذا التحديات بالقول: «عائلات سوريا تواجه مخاطر متعددة الأوجه، من العنف، والإرهاب، والنزوح، والتجنيد الإجباري، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، وتشريد الأسر، والعنف ضد المرأة، وعدد كبير من المسائل الأخرى المتعلقة بالحماية. كما يواجه السوريون مستويات غير مسبوقة من الفقر، والنقص في الموارد الاقتصادية، والشعور باليأس. هذا إضافة إلى ملايين اللاجئين الذين لا يزالون يواجهون عقبات تقف حائلاً بينهم وبين العودة الآمنة والطوعية بشكل يحفظ كرامتهم». وبرز في الفترة الأخيرة صعود المضايقات ضد السوريين في تركيا ولبنان.

عقد واختراقات

بالنسبة إلى بيدرسن، «بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى أنه لا يوجد حل عسكري في سوريا»، وأن وقف النار على المستوى الوطني «أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى»؛ لأن المسار السياسي «يضمن استعادة سوريا لسيادتها». عليه، فهو واصل عمله لـ«بدء مسار إنتاج دستور جديد يتم وفقاً له إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254».

وخلال مشاوراته، حرص بيدرسن مع الحكومة و«هيئة التفاوض السورية» وأطراف إقليمية ودولية للتأكيد أنه «لا يتم الاتفاق على شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء». ونجح في إحداث اختراقات في تشكيل اللجنة الدستورية، بوابة المسار السياسي. هي: «أولاً، اتفاق على أن تكون هناك رئاسة مشتركة للجنة بأن يكون هناك رئيس للجنة تسميه الحكومة وآخر تسميه المعارضة. الثاني، دور الأمم المتحدة بصفتها ميسّراً من خلال المساعي الحميدة للمبعوث الخاص. الثالث، نسبة تصويت 75 في المائة مع السعي لاتخاذ القرارات بالتوافق. الرابع، تشكيل جسم موسع من 150 عضواً، وجسم مصغر من 45 عضواً. الخامس، التزام واضح بضمان أمن وسلامة أعضاء اللجنة وأسرهم».

لكن، لا تزال هناك ثلاث عقد، حسب المصادر الغربية، هي: اعتراض تركيا على اسم في القائمة التي قدمتها دمشق وضمت أربعة أسماء في القائمة الثالثة للمجتمع المدني. عدم التوافق على كيفية الإشارة إلى القرار 2254 في مرجعية اللجنة، وعدم تثبيت ما إذا كان هدف اللجنة صوغ دستور سوري جديد أو تعديل الدستور الحالي للعام 2012. وقال بيدرسن للمجلس: «إنني على تواصل مع المعارضة والحكومة لهذا الغرض (حل العقد). كما أنني عبّرت عن استعدادي للعودة إلى دمشق في أقرب فرصة لاستكمال العمل» على تشكيل اللجنة وقواعد العمل فيها.

ويأمل المبعوث الدولي في الوصول إلى حل هذه العقد قبل اجتماع الجمعية العامة في النصف الثاني من الشهر المقبل. وتعمل موسكو للضغط كي تحقق إنجازاً قبل القمة الروسية - التركية - الإيرانية في أنقرة في 16 الشهر الحالي كي تتبنى إنجاز إعلان اللجنة الدستورية وفق مسار آستانة و«ضامنيه» الثلاثة. في المقابل، تتمسك الأمم المتحدة بملكية المسار الدستوري - السياسي. إضافة إلى ذلك، يتمسك بيدرسن بإعطاء أهمية خاصة لملف السجناء والمعتقلين والمخطوفين كي تلعب الأمم المتحدة دوراً بارزاً فيه.

وفي الصورة الأوسع، فإن مشروع بيدرسن لتشكيل «لجنة اتصال» دولية - إقليمية لا يزال قائماً للجمع بين كتلتين: «ضامني آستانة» وهم روسيا وإيران وتركيا و«المجموعة الصغيرة» بقيادة أميركا مع ضم الصين. لكن موسكو لا تزال تعطي الأولوية لمسار آستانة وغير متحمسة لاقتراح بيدرسن الذي قال: «حان الوقت لتجميع إرادة الدول المشاركة في هذه التكتلات وأيضاً الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بشكل عملي في إطار مجموعة تضم الفاعلين الأساسيين في إطار مشترك في جنيف من أجل دعم المسار السياسي».
المصدر: الشرق الاوسط




زيارة مجموعة من طلبة الدرسات العليا والبكالوريوس وخريجي الجامعات والاكاديميين الالمان والإسبان لمقر برجاف في هولير

زيارة مجموعة من طلبة الدرسات العليا والبكالوريوس وخريجي الجامعات والاكاديميين الالمان والإسبان لمقر برجاف في هولير

Sep 04 2019

برجاف|هولير
قام مجموعة من طلبة الدرسات العليا والبكالوريوس وخريجي الجامعات والاكاديميين الالمان والإسبان المهتمين بالتاريخ والفولكلوري الكُردي والمنطقة صباح اليوم بزيارة لمقر برجاف بهولير.

وكان برفقتهم الأكاديمي الكُردي محمد ميرو حيث كان المنسق .
وسبب الزيارة للإطلاع على واقع المجتمع المدني في المناطق الكُرديّة ، وأهمية برجاف، وآخر التطورات على مستوى العملية السياسية: مسألة الدستور، وحقوق الكُرد، والمنطقة الآمنة..

وغالبية الاسئلة تركزت على الدستور وحقوق الكُرد، والتطورات في مناطقنا..وإمكانية احداث التغييرات في البنية والذهنية الحكم في سوريا.

وتجدر بالإشارة ان الوفد قام بجولات عدة وزار برلمان كوردستان العراق وجامعات دهوك وصلاح الدين ومنظمات ذات الشأن .




خرائط متصدعة ونزاعات مديدة

خرائط متصدعة ونزاعات مديدة

Sep 03 2019

غسان شربل*
الخرائط كالمباني. سرُّ سلامتها يكمُنُ في حسن صيانتها. تركها في عهدة الوقت وحده ينهكها. يهجم عليها العمر. تنتابها التجاعيد. تضعف مناعتها وتتصدَّع. ومن هذه التصدعات تتسلل الرياح. تعثر على حلفاء وأعداء. وتضاف أسباب جديدة إلى أسباب الحروب الأهلية الموجودة أصلاً.
والصيانة تعني وجود دولة طبيعية. ترعى مواطنيها. تستمع إليهم وتشركهم وتنهمك بتحسين أحوالهم. مؤسسات جامعة. وقضاء نزيه. ومؤسسات أمنية تعمل في ظل الدستور وأحكامه. تتصدع الدول فتفقد حصانتها. يستباح قانونها في الداخل. وتستباح حدودها الدولية من الخارج. تتسرب إليها النزاعات العابرة للخرائط بأفكارها وميليشياتها فتلتحق الخريطة مرغمة بنزاعات تفوق قدرتها. ويضاعف من الخطر أن تتجاور الدول المتصدعة فيغذي اضطراب واحدة اضطراب جارتها وتتكاثر بحيرات الوحل والدم وقوافل القتلى والمهجرين.
رسم السياسي صورة قاتمة للسنوات المقبلة في هذا الجزء المجنون من العالم. قال إن دول الشرق الأوسط تحتاج إلى مدرسة ومصنع واستثمارات، لكنها موعودة بمزيد من الحروب والنزاعات. لاحظ غياب أي مرجعية يمكن اللجوء إليها لوقف الاندفاع نحو الهاوية. تآكلت هيبة المنظمة الدولية وقراراتها. صارت منبراً إعلامياً أكثر منها هيئة معنية بحماية الأمن والسلام الدوليين. المشكلة ليست فقط العجز عن إيجاد الحلول، إنها أيضاً العجز عن توفير هدنات تسمح بالتقاط الأنفاس وإعادة الحسابات.
لاحظ أن الانحسار في دور الشرعية الدولية يرافقه وضع دولي بالغ الصعوبة. في عالم المعسكرين كان يكفي أن تتفق واشنطن وموسكو ليتم احتواء أي نزاع ومنع امتداده أو استمراره. ذهب هذا العالم إلى غير رجعة. عالم القوة العظمى الوحيدة الذي ولد من رحم الانهيار السوفياتي لم يعمر هو الآخر. إدارة العالم مهمة أصعب من أن تضطلع بها قوة واحدة مهما امتلكت من الثقل الاقتصادي تتبلور توازنات جديدة وبديلة. تراجع الدور الأوروبي وتقدم الدور الصيني، لكن لم تتبلور بعد آلية دولية لضبط النزاعات تقوم على توزيع جديد للسهم في شركة القرار الدولي. توزيع يأخذ في الاعتبار عودة روسيا وصعود الصين وما أصاب العالم من متغيرات بفعل الثورات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة.
قال السياسي إن المشكلة هي أننا نتحدث عن بعض دول المنطقة من دون أن نأخذ في الاعتبار التغييرات العميقة التي أصابت التوازنات داخلها وتسلل لاعبين إقليميين أو دوليين إلى تركيبتها التي لم تنجح في التعافي من آثار الانهيارات المتلاحقة. إن عملاً روتينياً من نوع تشكيل الحكومة تحول مهمة شاقة، وخير دليل ما يرافق تشكيل أي حكومة في العراق ولبنان.
يطالب العالم حكومة عادل عبد المهدي بما لا تستطيع تقديمه مثلاً. ليست قادرة على إبقاء العراق خارج عملية تبادل الرسائل القاسية بين واشنطن وطهران. ليست قادرة في الوقت نفسه على إبقاء العراق خارج عملية تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل. أي محاولة جدية منها لإبقاء الساحة العراقية خارج هذه التجاذبات والمبارزات تعني سقوطها. وافتقاد حكومة عبد المهدي إلى هذه الحصانة تعبير صريح عن افتقاد الدولة العراقية إليها. هل يستطيع عبد المهدي مثلاً إلزام «الحشد الشعبي» بعدم الانخراط في أي مواجهة تخوضها إيران في المنطقة؟ الجواب الواقعي معروف. يمكن قول الشيء نفسه عن حكومة سعد الحريري في لبنان على رغم الفوارق في الموقع والظروف المحلية.
حقيقة الأمر أننا أمام دول متصدعة لم تنجح في ترميم وحدتها الوطنية لإقفال الثقوب التي تتسرب منها التدخلات الخارجية. احتاج العراق مثلاً إلى المساعدة العسكرية الأميركية للقضاء على كيان «داعش». لولا الغارات الأميركية لدام هذا الكيان فترة غير قصيرة. الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية. لها مصالح ومطالب. لا تستطيع الإفادة من القوة الأميركية ثم تختار السير في اتجاه معادٍ لها. لهذا الاضطراب في الخيارات أثمان. ثمة ما هو أفدح من ذلك. نجحت عملية شطب «دولة داعش» من الوجود، لكن التقارير تتحدث حالياً عن عودة التنظيم إلى التحرك قرب الموصل وفي أنحاء أخرى من الأنبار. المشكلة أن السياسات التي مهدت الأرضية لولادة «داعش» لم تغِبْ مع غياب دولته.
خذ الوضع السوري مثالاً. نجح التدخل العسكري الروسي في إحداث تحول في مسار الحرب. لم تعد فكرة إسقاط النظام مطروحة عملياً لكن هذا التدخل لم ينجح في إطلاق عملية لإنهاء الحرب. ليس بسيطاً أن نرى تركيا تؤسس مع أميركا «منطقة آمنة» داخل الخريطة السورية لدفع الأكراد بعيداً عن حدودها. الواقعية تفرض القول إنه من الصعب تصور سوريا وقد عادت قريباً دولة طبيعية تعيش في ظل قرارها، وتنتشر قواتها المسلحة على كامل خريطتها من دون شريك، سواء أكان دولة أم ميليشيا. عدم عودة اللاجئين السوريين من المخيمات التي أرغموا على اللجوء إليها يوفر الأرضية لانتشار التطرف مرة أخرى. شعور الأكراد بأن تضحياتهم في محاربة «داعش» لم تؤخذ أبداً في الاعتبار يؤسس هو الآخر لمشاعر ستتحيَّن أي فرصة للتعبير عن نفسها.
كان الشعور سابقاً أن الدول المتاخمة للكيان الإسرائيلي تعيش على خط الزلازل الذي أطلقه النزاع العربي - الإسرائيلي. يمكن القول اليوم إن هذا النزاع لم يعد البند الأول في مخاوف أهل المنطقة أو اهتماماتهم. التدفق الإيراني في الإقليم بعد اقتلاع نظام صدام حسين وضع عدداً من الدول أمام خط جديد للزلازل. تصدع الدول متعددة الانتماءات أطلق بدوره زلازلَ لم تنحسر تماماً بعد. الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في العراق ولبنان وسوريا ترسم بدورها خطاً جديداً للزلازل.
التصدع اليمني واضح بدوره وشهدنا في الأيام الأخيرة فصولاً تشير إلى ما يمكن أن يحدث ما لم يتخذ اليمنيون قراراً حاسماً بالاحتكام إلى الحوار الذي دعت إليه السعودية كطريق وحيدة لمعالجة مشكلاتهم ورسم مستقبلهم. تحول الحوثيين وكيلاً إيرانياً نشطاً يكشف أن التصدع في الخريطة اليمنية ذهب بعيداً.
تستطيع روسيا التعايش مع هذا التصدع المتفاقم في الخرائط، أميركا أيضاً تستطيع التعايش. وربما بعض الدول الإقليمية. لكن السؤال هو عن الشعوب الممزقة في ظل الخرائط المتصدعة التي باتت تستورد نزاعات جديدة وتضيفها إلى النزاعات القديمة.
*رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
المصدر:الشرق الاوسط




قناة كوردستان24 تعلق عملها في شمال سوريا، واتحاد الإعلام الحر يؤكد مواصل الجهود لإعادة فتح مكتبها

قناة كوردستان24 تعلق عملها في شمال سوريا، واتحاد الإعلام الحر يؤكد مواصل الجهود لإعادة فتح مكتبها

Sep 02 2019

برجاف| شمال سوريا
اصدرت مؤسسة (كوردستان 24) الإعلامية اليوم الاثنين، بياناً بشأن حظر عملها في شمال سوريا، وأشارت إلى أنها قررت إغلاق مكتبها في شمال سوريا، للاحتجاج على القرار السياسي الذي اتخذته الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
ووصفت (كوردستان 24) حظر عملها بمناطق الإدارة الذاتية بـ"السياسي"، إلا أنها تعهدت بمواصلة نقل هموم المواطنين، اعتماداً على مصادرها الإعلامية وبأسلوب مختلف، انطلاقاً من النهج الذي سارت عليه من حيث التوازن والموضوعية، بحسب وصفهم.
وأشارت المؤسسة في بيانها ‘‘انه عملت في شمال سوريا بترخيص رسمي من إدارة المنطق منذ سنوات، أخذنا في عملنا الصحفي بنظر الاعتبار المبادئ الاساسية ولوائح حقوق الانسان والمواثيق والعهود الدولية كافة، والتي تؤكد على حرية الصحافة وحرية التعبير’’.
وبخصوص تعليق عمل المؤسسة قال البيان ‘‘منذ أكثر من شهر، وبقرار فردي من بعض الاشخاص في إدارة شمال سوريا، ومن دون أي سبب مبرر، تم إيقاف عمل فريق مؤسستنا في شمال سوريا، وسحب ترخيص مكتبنا، وعلى الرغم من تواصلنا مع الإدارة هناك طيلة الفترة الماضية، وبذل كل الجهود لاستئناف العمل مجدداً، غير أن كل المحاولات باءت بالفشل، ولم تحقق أي نتائج تذكر’’.
وبدورها اصدر اتحاد الإعلام الحر في شمال سوريا بيانها بخصوص إغلاق مكتب قناة "كوردستان 24" في شمال سوريا.
وجاء في ردهم ‘‘ناقش برنامج "ROJEV" في فضائية "كوردستان24" أواخر شهر آب الفائت تصريحات للرئيسة المشتركة لمنظومة المجتمع الكردستاني بسي هوزات، وتهجم فيها ضيف القناة على شخصية القيادية الكردستانية دون تدخل من مقدم البرنامج لوقفه عن ذلك، إذ يتعارض ذلك مع القيم المجتمعية ومهنية العمل الإعلامي، الامر الذي خلق موجة من الغضب والاستياء، وعلى إثره علقت الإدارة الذاتية على القناة في شمال وشرق سوريا بشكل مؤقت’’.
وأشار اتحاد الإعلام الحر في بيناها أنه سعى منذ ذلك الوقت إلى احتواء الموقف، وتواصل مع مسؤولين في الإدارة الذاتية لعدة مرات، وتم النقاش معهم بخصوص تعليق عمل القناة، حيث كانت النقاشات إيجابية ووعد المسؤولون بإعادة افتتاحها خلال أيام قليلة، وقد أخبرنا إدارة مكتب القناة بهذا الأمر، لكننا تفاجأنا ببيان القناة الصادر يوم الاثنين 2أيلول والذي أعلنت فيه إغلاق مكتبها في قامشلو متهمة الإدارة الذاتية بتسييس قرار تعليق عمل القناة.
وناشد اتحاد الإعلام الحر، على ضرورة استمرار عمل المؤسسات الإعلامية دون أي ضغوط من أي جهة كانت، والسعي لإعادة تفعيل مكتب قناة كوردستان 24، ومواصلة الجهود لإيجاد حل يسمح بعودة القناة إلى عملها المعتاد.




السياسي والثقافي

السياسي والثقافي

Aug 31 2019

حسين محمد علي
حين غامر "بروميثيوس" متسللاً إلى مملكة الإله "زيوس" وسرق النار، نار المعرفة، ترتب على تلك المغامرة محنة إنسانية ممتدة، وعقاب قاس، أقول حين فعل بروميثيوس، ذلك بدأت مغامرة العقل الأولى، عبرت عنه تلك الأسطورة في تراجيدية أخاذة، ذات دلالة معرفية فلسفية، وجودية، لعل أولى دلالاتها أن النار باتت رمزاً للمعرفة بقوة نورها الكشاف، وأحياناً بقدرتها على الإحراق والاكتواء بها.
والحال.. كان على الإنسانية أن تقطع طريقاً طويلاً في مراكمة المعارف والخبرات، عبر زحمة الاسئلة التي حاصرت الإنسان، منذ وعيه لذاتهن ووعيه لما يحيط به، طبعاً كان صعباً أن يقبض على إجابات شافية ترضي فضوله.
لقد رمت الأقدار الإنسان في لجة الوجود والكينونة، والاسئلة القلقلة المتوالدة وكتب عليه أن يخوض غمار الكشف والبحث في متوالية لا نهائية، وهنا بالذات كانت المحنة، والدراما الوجودية، ولزوم ما يلزم وما لا يلزم حتى يومنا، وتحول الوجود من حوله إلى معادلة جبرية فيها بعض المعالم، وعدد لا حصر له من المجاهيل، حيث كيف، لماذا، متى وأي وإلى أين، حيناً اهتدى وأكثر الأحايين انكمش على نفسه خائباً حائراً وقد هربت الإجابة منه!!
هنا في خضم الحراك الإنساني المتلاطم، وضع الإنسان قدمه في أرض المعرفة وانتقل من حدود الممارسة الحياتية، إلى آفاق المعرفة، وهكذا راكمت البشرية جبالاً من المعارف، والثقافات في حيزيات جغرافية عديدة، كانت تتجاوز وتتداخل، وتنغلق، وتتفاعل، وأصبح الكفار حقيقة كونية، وعبرت عن العقل الإنساني في أعلى حالات استيعابه، وتمثله ولارتقاء به.
فالآثار الفكرية لأمة أو أي مجموع بشرية تصبح ملكاً مشتركاً لجميع الأمم كما يقول ماركس، ويعود الفضل في هذا التبادل والانتقال في عصرنا إلى الرأسمالية التي حطمت أسوار الوحدات الإقطاعية لتقيم السوق القومية، وعلى انقاض الانعزال القطري والقومي، وليس سراً أنه عبر انتقال السلع والانتاج المادي، انتقلت النتاجات الفكرية ايضاً.
ومن هنا فقد اكتسبت الثقافة في هذه السيرورة الصفة المحلية القومية كونها تمثل مجموع خبرات وقيم وتصورات ومعتقدات ومعارف، فاكتسبت بعدها العولمة كذلك.
ودائماً...كان أسلوب الحوار بين الثقافات هو الفكر.
أقول.. في وحدة هنا التوتر الديالكتيكي تمضي السيرورة الإنسانية لمعانقة مطلقها الإنساني، وبالتالي بلوغ الإنسان إلى حالة يتعالى فيها على التقوقع والاجتزاء والاغتراب، وبلوغ الطاقة الإبداعية، بالعقل الخلاق المبدع حيث يصبح الإنسان موسيقياً، وحداداً أو مفكراً أو عامل بناء أو سياسياً، وأقول مطمئناً أنه لا وجود لثقافة خارج البنى الاجتماعية بمعنى أن الثقافة مندمجة بالبنية الاجتماعية في نظام تفاعلها المتبادل المتميز.
الثقافة تعريفاً
في أكثر التعاريف شيوعاً، وبساطة، وبعيداً عن الحذلقة الأكاديمية.. الثقافة هي مجموعة القيم المادية والروحية والفكرية التي راكمتها البشرية والمتوارثة عبر الزمان..
وفي هذه الحال، فالقلاع والأسوار ثقافة، ودور العبادة ثقافة، ونمط العيش من طعام ولباس ثقافة، ومنظومة العقائد ثقافة، وموروثات الفكر والفن ثقافة وطريقة التفكير ثقافة، والصناعة والزراعة ثقافة، والسياسة وأنماط الحكم ثقافة، والقيم الأخلاقية والجمالية والأعراف ثقافة.
الإنسان-إذاً-وتحديداً الإنسان المثقف ككائن اجتماعي هو منتج وحامل تلك القيم في الآن معاً، في فضاء رحب يجد تعبيره في حقل الممارسة المعرفية، استناداً إلى الحاضنة الاجتماعية التي ينتمي إليها؛ فكل تشكيلة اجتماعية اقتصادية تبدع ثقافتها- وفكرها- وقيمها- وهنا- بالذات- يكمن ثراء وتنوع وشمولية الثقافة في أي مجتمع.
الكرة المعرفية تكبر، وتزداد حجماً عبر تدحرجها في قارة التاريخ فما من معرفة تموت- وإنما هي محكومة بقانون التحول والصيرورة من حالة إلى أخرى، ولذلك نحن نحتاج إلى بوذا، وسقراط، وأفلاطون كما نحتاج إلى عيسى وماني وزرادشت ومحمد وماركس، وابن خلدون وفوكوياما، وعبدالله أوجلان.
وفي السياق لا بأس من أن أعرج قليلاً إلى دلالة كلمة <<المثقف>> في العربية والكردية لما يحمل الجذر اللغوي من دلالة معرفية عميقة، فجذر <<ثقف>> آت من فعل محسوس مادي هو تثقيف الرمح، أي إقامة اعوجاجه، وجعله مشذباً خالياً من أي نتوء وعوج.
واعتقد وانتم كذلك، أن هذه التسمية تحمل الكثير من دلالات عقلية وأخلاقية، اولاها هي "الاستقامة" وإعمال الفكر، والتخلص من السلوكيات الشائنة المشوهة، فالثقافة لا يجمعها جامع مع المكر والخبث والتذاكي والالتواء والتلفيق، وإزدواجية السلوك، والتمترس الإيديولوجي.
أما معادلها المعرفي في لغتنا "روشن بير" فقد اشتقت من النور والضوء بمعنى "المتنور".
واعتقد أن التسمية على صلة وثيقة بمفهوم النار، نار المعرفة التي جاء بها سارق النار بروميثيوس إلى مملكة الناس، والخلفية الحضارية هنا واضحة بيننا نحن الكرد، والثقافة الآرية، وهي ليس مجدد صدفة لغوية، بل جذر متأصل في التاريخ المعرفي.
علاقة المثقف بالسياسة/ بالسلطة
بداية لا بد من طرح اسئلة قد تكون إشكالية.. هل السياسة حالة معرفة؟ أهي علم أم فن أم هي الاثنان معاً؟ وكيف تعايشت السياسة والثقافة عبر الزمن؟ أكانتا في حالة من تقابل أم تداخل أم كانتا في اختلاف وتنافر، وما حدود الثقافة والثقافة والسياسة؟
إن المقاربة المعرفية كمثل هذه الاسئلة، ومحاولة الإجابة عليها، هي أيضاً مقاربة معرفية تاريخية موغلة في القدم، وتعكس مواقف رجالات الفكر والفلسفة فيها في الاختلاف والائتلاف وبالعودة إلى قراءة أوراق فلسفية قديمة، نجد انشغال فيلسوف كبير بهذه المسألة، مسألة العلاقة بين السياسة والفلسفة، هو أرسطو.
فمنذ تلك الأزمنة وضع أرسطو مسألة العلاقة بين السياسة والفلسفة "المعرفة" أو بين السياسي والفيلسوف كحالة ثقافية راقية، منذ ذلك الزمن البعيد أدرك أرسطو برؤية صافية نفاذة مرجعية هذه العلاقة مكتشفاً الترابط الجدلي في هذه المسألة بين وجهتين لم يستطع غيره من قبل أن يكتشف سر هذا الترابط العضوي بينهما، ويرى أرسطو أنه من العبث أن نحسم أمر هذه العلاقة بحكم مطلق يؤدي إلى الفصل المطلق بين السياسي والمثقف، فالدولة الفاضلة كما رأى أرسطو، هي تلك التي تقوم بأعمال فاضلة تحقق السعادة للناس، فالسعادة والأعمال الفاضلة، أمران متماثلان، فالقول بأن رجل السياسة لا يمكن أن يأتي بعمل فاضل أو العكس، قول متعسف، فالموقفان هنا حق في جزء وباطل في جزء، وهو يشير هنا إلى اعتبار المعرفة فاقدة الفعالية، والسياسة تعني الفاعلية فالأفكار الفاعلة، غرضها إحسان العمل، وشكلاً من الفاعلية، وهذه الفكرة سيتم التعبير عنها في الثقافة الفرنسية فيما بعد، وهي أن الأفكار تقود مسيرة الإنسانية.
أرسطو رأى أن السياسة هي حالة ثقافية فلسفية، فالأولى تعنى بالعمل والنفع العام والأخرى تعنى بالأفكار والتصورات في واقعها الذهني والوجداني الصرف.
لكن ما السياسة، ومن السياسي؟
مرة أخرى نرجع إلى الزمن البعيد، إلى أرسطو، فهو يرى أن السياسة لا تعني عنده السلطة بما هي مؤسسة للقهر والقمع فقط، إن السياسة عنده فن وعلم وفلسفة.
وقد اشتغل على هذا العلم كما اشتغل على الفلسفة والمنطق، وعلم الاخلاق، وعلم التاريخ، وعلم الطبيعة، هو ببساطة صنع السياسة.
في عصرنا انتهى لينين إلى أن السياسة علم وفن، وفي سياق تأكيده على الصفة العلمية لهذا المفهوم، نرى أن السياسة لديه أشبه بالجبر منها بالحساب، بل رأى أنها أشبه بالرياضيات العالية منها بالرياضيات الأولية.
وقد نشأ في عصرنا هذا علم يسمونه "علم الاجتماع السياسي" وظيفته السعي لفهم السياسة بكل تعقيداتها وتنوعها، وكونها علماً، وهي بهذا المفهوم تشكل مكوناً من مكونات الثقافة البشرية والوطنية والقومية، فالسياسي إذاً هو من يعمل في أحد حقول هذه الثقافة.
ورأى الدكتور حسين مروة أن علاقة التفاعل بين السياسي والمثقف كانت كالقانون من الإطراء والموضوعية، وهذا القانون من السعة بحيث لا نجد موقفاً للسياسي لا يحضره المثقف، ولا موقفاً للمثقف يغيب عنه السياسي.
واتسمت هذه العلاقة بالتداخل والتصارع، سواء كان هذا رجل دولة وصاحب سلطة أم كان رجل فكر يعمل في حقل الثقافة السياسية أو حقل السياسة الثقافية.
والحق أن التاريخ قديمة وحديثة شهد ظاهرة رجال ثقافة مدججين بالسياسة إلى ما فوق العنق، ومعسكرات للثقافة السياسية في حالة حرب، والطرفان كانا يحاولان هندسة المجتمع وفقاً لرؤية كل منهما، وسط واقع شديد التعقيد متمظهر في مركبات اجتماعية وسياسية وثقافية محكومة طبعاً بحركات الصراع الاجتماعي بمستويات متباعدة أحياناً ومتقاربة أحياناً رغم أن لهذه القاعدة كشأن كل قاعدة استثناءات ملحوظة، لكنها استثناءات باهته تزيد القاعدة وضوحاً، ذلك أن السياسي والثقافي كانا يتقاسمان الساحة نفسها، ومن هنا كان التنازع والتجاذب مظهراً من مظاهر الواقع الاجتماعي السياسي في مجتمعاتنا.
عصرنا وتجليات هذا التنازع بين الثقافي والسياسي
بعد زوال الأوان العثماني بكل عتمته واستبداده وانحطاطه، انبثق "عصر النهضة" رغم صعوبة وضع حدود صارمة بين عصر وعصر، لكن يمكن أن نلحظ علامة فارقة كبيرة في بزوغ عصر النهضة وهي تتمثل بنهوض ثقافي عارم اقترن اقتراناً عضوياً وموضوعياً بنهوض سياسي تمثل في صبوات وأشواق شعوب السجن العثماني إلى الانعتاق، والتحرر، وبداية ظهور حركات سياسية وفكرية من كل المشارب والاتجاهات؛ قومية دينية، علمانية، يسارية، كانت تتلمس طريقها تحت الشمس، ولا نحتاج هنا إلى كلام في المعطيات الجاهزة بهذا الصدد في إطار الثقافة المدرسية التي تعلمناها.
ومرة أخرى يمكنني القول دون تردد، بأن الظروف التاريخية التي جاءت بعوامل النهوض الثقافي هي نفسها التي جاءت بعوامل النهوض السياسي.
الأمر اللافت في موضوعنا هنا هو أن حركة النهضة نفسها بكينونتها العضوية وبعناصر إيقاعها البشرية، إما انطلقت بوجود مزدوج، أي بوجود ثقافي سياسي أو سياسي ثقافي رجالات عصر النهضة هم جميعاً، إما مثقفون تحركوا سياسياً، وإما سياسيون تحركوا ثقافياً وهنا أضع على مسامعكم بعض المعطيات والحقائق التي خرجت بها من قراءاتي للواقع السياسي والثقافي.
1-الرافعة الاساسية للحراك السياسي كما تبين كانت الثقافة بمعناها الواسع من نثر وشعر وفكر تنويري. يؤكد هذا أن رجالات الفكر والثقافة انغمسوا عميقاً في السياسة واكتووا بها.
2-تميز رجال السياسة بتحصيل ثقافي واسع الطيف استمدت نفسها من الفكر الأوربي الليبرالي التنويري، مطعماً بالثقافة الإسلامية والقومية مع تفاوت في مستوى هذا التحصيل أحياناً الإسلامي أكثر حضوراً وأحياناً الليبرالي.
3-الاتجاهات والمذاهب السياسية والفكرية التي طفت على السطح، تميزت بالتنوع وتحركت في واقع اجتماعي شديد التنوع والتعقيد، ذلك أن مجتمعاتنا عانت من ظاهرة تعايش الانماط الاجتماعية والاقتصادية من بداوة وزراعة وأنماط مدينيه، وتعيش حالة من الهيستيرية الحضارية وانفصام وازدواجية لم يبدأ منها حتى اليوم، وضاع أرباب الفكر بين التراث والأصالة والهوية والخصوصية، القديم والجديد، الإيمان الديني والعلم.
4-الكثير من الاتجاهات الفكرية بفعل الممارسة السياسية تحولت إلى ايديولوجيات إيمانية يقينية وتابوهات اغتصبت الوعي النقيض بدم بارد، الأمر الذي أضعف الكل، ولم تؤسس لحالة صحية تراكمية، وسقطنا في مصيدة الشكلانية المفرطة في السياسة كما في الثقافة، وباتت الايديولوجيا سبة ولوثة في الخطابات السياسية والثقافية في الفترة الأخيرة فكانت البديل هو البيروقراطية الحزبية الضيقة.
5-الكيانات الحزبية السياسية وحتى السلطوية عانت من حالة تمزق مقلق فكانت الانشقاقات اشبه بانقسامات خلوية سرطانية، ومرة أخرى كان السياسي في مواجهة ما هو ثقافي في إطار الكيان الواحد فشهدنا تمردات ونزقاً وانسحابات للمثقفين وهم يلعنون السياسة والساسة وانطواء على الذات، وهؤلاء كانوا بغالبيتهم من الفئة الوسطى وهي الحزام الناقل للثقافة، واصبحنا إزاء أزمة حقيقية في الواقع الاجتماعي السياسي فالبنية الاجتماعية للأحزاب السياسية بشكل عام كانت من البرجوازية الصغيرة المنحدرة من الريف، وهذه الفئة في بلداننا النامية تحمل تعدديتها الثقافية بشكلها البدائي الفج والمتخلف، وهذه التعددية قادرة على دمج الوعي الاجتماعي باليساري والديني والعلماني والقومي والطبقين وبالتالي ضاعت بنيتها العقلية وتمزقت، ايديولوجياً وروحياً وثقافياً.
في وقائع الحياة السياسية كما شهدنا، كان المثقف ينظر إليه بشيء من الريبة والتوجس فالمثقف كان دائماً ذا ميل إلى الشغب والمشاكسة في حياته الحزبية، كثير الاسئلة، عصي على الخضوع والتكيف للأطر الحزبية، المسألة هنا كما أرى أن السياسة محكومة بما هو يومي وما هو متحرك، متبدل، تسلك طرقاً متعرجة، وأحياناً ملتوية، بينما الثقافة تبحث في منظومة قيم مطلقة يقينية، ومحكومة بمثاليتها المعرفية، وتسلك أكثر الطرق استقامة.
ومن هنا هذا التنازع والتوتر الشديد في الممارسة السياسية والثقافية بن الثابت والمتحول هذه الإشكالية ليست بنت اليوم وليست بنت عصرنا، إنما هي تتوغل عميقاً في تاريخ الوعي البشري كما أشرت في المقدمات الآنفة، ومقاربة أرسطو لها، ويمكن في السياق أو أورد العديد من الشواهد التاريخية المبهرة والجارحة، فلقد اصطدمت الثقافة بمعناها المعرفي الشامل بقسوة السياسة منذ أن حكم على سقراط بالموت سماً، وتلك كانت إحدى أتاوات التاريخ الأليمة، سجلها تاريخ المعرفة الإنسانية.
كذلك دفعها الحلاج والسهروردي القتيلان، وغيلان الدمشقي، وابن المقفع وبولس الرسول وموسى عنتر وهارنت دينك، وكاد أن يدفعها عزيز نسين وفيكتور غارا وبزودا السياسة في أحيان كثيرة وبكل أسف مارست مجونها العبثي في العديد من محطات الممارسة السياسية، علماً أن هذه الظاهرة تسمح كذلك بتعدد القراءات بحسب الخلفية الثقافية والايديولوجية لكل منا، ولا تسمح بإجابات واستنتاجات جاهزة قاطعة بالضرورة.
الحزب أي حزب كجهاز تنظيمي دقيق، ومشروع لتغيير المجتمع، وإنما هو ماكنة طاحنة تفرخ الاغتراب، والانسحاق الروحي للمثقف المطمئن لقناعاته الفكرية ورؤيته المثالية للأشياء، فيصل بعضهم إلى حال من انسداد الأفق، وأزمة الانتماء والتواصل.
وفي هذا السياق لا بد من الاعتراف أن الاحزاب السياسية ليست نوادي للنقاش والثرثرة وهي لعبت دوراً لا يستهان به في التعبئة الثقافية، وإيجاد حالة ثقافية بدت في بعض الأوقات راقية وفاعلة، بل إن قيادات الأحزاب كانت ذات تحصيل ثقافي من الطراز الرفيع لدرجة أنها أدت دوراً تنظيمياً كبيراً ومؤثراً في أجيال عديدة، وهنا أميز حتماً بين حملة الشهادات والمثقف كحالة معرفية، فليس كل حامل شهادة بمثقف والعكس صحيح أيضاً.
فالإشكالية بين المثقف والسلطة تكمن أساساً في اشكالية التنازع الموضوعية بين الواقع والممكن ومن البديهي ان السياسي ليس دائماً هو المدافع عن الراهن، والمثقف ليس دائماً هو المدافع عن الممكن، وخاصة من مثقفي السلطة.
وكثيراً ما نجد تبادلاً للأدوار، ونجد المثقف في جمحه النقدي لا يقدم أي تصور بديل سوى أن يمارس طقوسه النقدية، والتي كثيراً ما تغدر الحقيقة الموضوعية لتأخذ شكل النميمة السافرة للإيقاع بخصومه، ويتحول نقده إلى مجرد هذيان فجائعي ونواح مفتعل على كارثة عبقريته المهدورة على مذبح الساسة، فيرجم المجتمع، ويمارس هجائية مقذعة لا تبقي ولا تذر، ويتبنى مقولة دون كيخوته في أن النصر في الجرأة وليس في كسب الوقائع.
استطيع القول، إن العديد من المثقفين وأنا لا أعفي نفسي أيضاً، كانوا عرضة لتأثرات عديدة أفقدتهم التوازن المطلوب، وبخاصة في الفترات العصيبة المتوترة، والحاضنات السياسية والاجتماعية، في ظل الإرهاب الفكري من قبل أنظمة القمع والجبروت، وإغراءات ملكوت المال، حتى أنهم تعرضوا لوباء الأيديولوجيات المضادة، فغيروا قناعاتهم، واصبحوا في الخندق الآخر.
ها نحن اليوم شهود على انحسار المد الثقافي والمنافات المعرفية الإيجابية التي كانت في السبعينات والثمانينات، ونشهد هذا العزوف عن الكتاب والمطالعة، وصرنا نبكي ونتحسر على تلك الأزمنة الجميلة، زمن المطارحات الثقافية، والشغف بالكتابة شعراً ونثراً، وضمور الوجدان الثقافي إلا من قلة تعيش في عزلة، ولا يكاد أحدهم يسمع بالأخر، وكيف أن النزعة الاستهلاكية قد فتكت لا بالمثقف فقط بل بالسياسي أيضاً.
صورة المثقف اليوم مرتبكة، لأن صورة المهمة ذاتها التي يتصدى لها مرتبكة، ففي عصر عاصف، بالمتغيرات والأحداث يبدو أحياناً أن السياسي اكثر تماسكاً من المثقف في فهمها، والاستعداد لها، والسياسي أبداً يسعى إلى تدجين المثقف وإدخاله بيت الطاعة الحزبي ليكون مجرد "زمبرك" في هذه الآلة الحزبية إن العلاقة بين الثقافة والسياسة بالإضافة إلى الالتباس الذي كان يشوبها بالنسبة لطرفيها ظلت عرضة لتجاذب سلبي وتمزقات ساهمت في خلق فجوة وأفرزت مجموعة من الأوهام في أن يكون طرف بديلاً عن الآخر، وانتجت خيبة أمل شملت الجماهير وأفقدتها يقينها.
إن أكثر ما يثير حنق المثقف، هو أن يرى الممارسة السياسية تجري بطريقة أقرب إلى البدائية وتقارب الواقع بطريقة تجريبية يحكمها منطق الخطأ والصواب والتي لا تعدو أن تكون شكلاً من أشكال حسد الانصار عن طريق الترغيب، وتوظيف يسمح لعلاقات القرابة والصداقة القبلية واللجوء إلى المبالغة والتخويف من الآخر، وبالتالي تكون المنظمة السياسية إطاراً هشاً لشرائح غير متجانسة مما يجعلها أقرب إلى تجمع انتهازي معرض دائماً للتفسخ والتغير لصالح بعض الأفراد، وتآكل جماهيريتها مع الأيام.
والحال فإن الطرفين حين يحاولان إضعاف بعضهما، عندئذٍ تكون الكارثة ويخسر الطرفان، وبالتالي يصبح المشروع السياسي في مهب الريح.
إننا نرى غالباً أن السياسي يلجاً لا إلى معاقبة المثقف، بل ومعاقبة الثقافة باعتبارها ترفاً وخيالاً، وفي أحسن الأحوال، تتم صياغة حلول تلفيقيه لا علاقة لها بالوقاع المحسوس، وتدخل فيها الثقافة في عزلة قاتلة.
في غياب الثقافة فإن أي انتصار سياسي يبقى مؤقتاً وقابلاً للإلغاء والتجاوز مالم ترافقه نهضة واختراق ثقافي ذي معنى.
مما سبق أود التأكيد مرة أخرى أن المثقف ليس بديلاً عن المنظمة السياسية، كما أن العمل السياسي الذي لا يستند إلى الثقافة غير قادر على مواجهة المشاكل، وإذا حرص المثقف على دوره النقدي فلا تفتنه لعبة السياسة ومناوراتها وعليه أن يمتنع عن الافتاء والتبرير لأي حدث سياسي بناء على طلب.
فالسياسة والإيديولوجيا هما نسق من الآراء والافكار والنظريات السياسية والحقوقية والاخلاقية والجمالية والفلسفية يمكن أن تكون عاملاً إيجابياً في تطوير الثقافة الوطنية، ويمكن أيضاً أن تلعب دوراً سلبياً إذا أصبحت قيداً على الإبداع أو شكلاً نمطياً للتفكير والتعبير، أو حين يُعتمد جزء من موروثها النضالي رادعاً للتفكير الحر وموقفاً تبريرياً استناداً إلى ما لديها من مخزون تاريخي لتماشى القائم وتنسج معه.
والوقائع أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، أن التواطؤ الصريح أو الضمني نتيجة الوهم أو القراءة الخاطئة بين قسم من المثقفين والمؤسسة السياسية كان الهدف منه اغتيال الحالة الديمقراطية كمناخ إن اندفاعة الاغصان إلى الخارج إلى الأعلى هي بمقدار ما يكون اختراق الجذور للداخل ومن هنا نشأت حالة جديدة، قوة المثقف وجدارته مستمدتان من خلال فكر محدد أولاً، ومن خلال ارتباطه بمؤسسة سياسية ثانياً، وندخل هنا أيضاً إلى مقولة أن السياسة هي انعكاس لواقع موجود ومحصلة له، بينما الثقافة مهمتها صناعة واقع أفضل.
والصحيح أن الحياة السياسية السليمة في بعض المجتمعات هي نتاج للتوازن الذي حصل في هذه المجتمعات وتحررها من عقدة توهم الخصم، والتخلص من معارك وهمية تستنزف الكثير حين نضع الثقافي في مواجهة السياسي، وحين نضع القيم السائدة بما فيها المفاهيم التي تعطى للغة والتاريخ والاخلاق والدين تفسيراً أحادياً لها صفة التعميم والأخلاق، وبالتالي يندر التعدد والاجتهاد والاضطرار فيما بعد إلى دفع فواتير باهظة، مع ما يتبع من ضمور المبادئ وخاصة الثورية لينتهي الأمر في النتيجة إلى الدفاع عن الصيغة القائمة بأي ثمن.
وما ستكون عليه الأمور هو أن كلا الطرفين يعاني من قحط رؤيوي عصي على إحداث ذي شأن بسبب غياب النسق العقلاني في الحياة والثقافة والفكر كما في السياسة وفي مجتمع متعدد الانماط تتعايش تحت سقفه كل المتنابذات والمتنافرات والمتناحرات من البدائية إلى الحداثة.
والوقائع تقول، أنه لم يتكون عندنا سياسي محترف بالمعنى لسيو اجتماعي، ولامثقف عضوي محترف بالمعنى المعرفي الشامل الآمن رحم ربي، كل ما هنالك، سياسي وجد نفسه بالصدفة في خضم صراع سياسي حزبي يوزع توجيهاته الكئيبة، ومثقف وضع قدمه في بحر الثقافة دون أن يقامر كثيراً في الإبحار وسط الأمواج المتلاطمة، مدجج فقط بمنظومة ثقافية يستظهرها عن ظهر قلب، يجيد النقد والهجاء، إن المثقف في تحلله من المسؤولية، واتهام ورجم السياسي، إنما يعبر عن عقل فوضوي، ويشرنق نفسه في وهم متضخم، فيتعالى على الأحزاب والتنظيمات.
لا يجوز أبداً أن نجفف النهر بدعوى إقامة الجسور، ولا بناء جسور فوق أحواض ووديان جافة.




جلسة تشاورية حول الدستور في كوباني

Aug 29 2019


تقرير عن عمل جمعية آزادي الخيرية في ألمانيا

Aug 29 2019


اختتام دورة تدريبية لعضوات مؤسسات الإدارة الذاتية حول التعريف بمفهوم جنولوجيا

اختتام دورة تدريبية لعضوات مؤسسات الإدارة الذاتية حول التعريف بمفهوم جنولوجيا

Aug 29 2019

برجاف|كوباني
اختتم مركز أبحاث جنولوجيا بإقليم الفرات دورة تدريبية لإداريات في مؤسسات الإدارة الذاتية حول جنولوجيا أو "علم المرأة" والتي استمرت لمدة خمسة أيام متتالية، بهدف تمكين النساء من معرفة جنولوجيا وأهميتها، واساسها، بشكل موسع، وذلك بانضمام 13 امرأة من إداريات وعضوات في مؤسسات الإدارة الذاتية والمجتمع المدني.

دجلة حيدر إدارية بمركز ابحاث جنولوجيا بإقليم الفرات أوضحت لـ"برجافFM" إنه ‘‘تم تدريبهن على مضمون "جنولوجيا" أو "علم المرأة" وتعريفها ومصطلحاتها، وماهيتها، وأهدافها، والساحات والمجالات التي تطرقت لها علم جنولوجيا، والتعريف بعلم المرأة والحياة الندية المشتركة بين الرجل والمرأة، ودورها في المجتمع، كما أن علم المرأة مرتبط بعلم النفس، وعلم الاجتماع’’.

وأشارت ‘‘أن مثل هذه الدورات التدريبية تفيد المرأة الإدارية حيث تنمي جوانب المرأة، وتنمي ثقة المرأة بذاتها وقدراتها، المرأة لم تتعرف على تاريخها بشكل جيد، وتجارب المرأة بالتاريخ وعبرها، وتتيح هذه الدورة في أن تكتسب المرأة ثقة بذاتها وخبراتها، ولتكون قادرة إدارية وريادية في كافة زوايا المجتمع’’.

وبدورها بينت المتدربة عائشة ناصر إدارية في مؤسسات الإدارة الذاتية، أن للتدريب أهمية كبيرة في حياة الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص، مضيفة أنها خلال خمسة أيام تعرفت على نقاط رئيسية في مضمون علم جنولوجيا.

وأشارت أن علم جنولوجيا لا يرتبط فقط بالمرأة وحدها وإنما هو علم المجتمع، يتضمن معلومات عن الطبيعة والحياة المشتركة ودورها في المجتمع، وعلم المرأة علم واسع يحتوي معه علوم أخرى، وذلك حتى تتعرف المرأة على طبيعتها، وتتعرف على حقوقها.
وفي نهاية التدريب تم تقييم الوضع التدريبي بشكل عام، ومدى قابلية المتدربات للدورة، وتوضيح النقاط ، وتأثير مثل هذه دورات في المرأة.




Pages