أولويات التفاوض كُردياً: الحفاظ على نظام الإدارة الذاتية، وعفرين:

أولويات التفاوض كُردياً: الحفاظ على نظام الإدارة الذاتية، وعفرين:

Aug 14 2018


برجاف |مصطفى عبدي
شكلت المفاوضات التي جرت بين "وفد كُردي" و "الحكومة السورية" في دمشق في الـ 25 تموز حدثاً بارزاً ومفصلياً في "الحرب السورية" التي أوشكت على الإنتهاء بخروجهما كطرفين منتصرين. الأكراد الآن يسيطرون على قرابة 30% من مساحة الأرض السورية في حوض الفرات وهي مناطق غنية تتضمن النفط والزراعة والمياه والثروة النفطية والغاز، فيما النظام وبعد الإنتهاء من درعا توجه لخوض معركة "تحرير إدلب" وهو الآن بحكم المنتصر على التمرد السني الذي خرج في أواخر 2011 بهدف الإستيلاء على السلطة.
لعبت أمور عديدة دوراً محورياً في الدفع بتحريك ملف المفاوضات بين الحكومة السورية ومجلس سوريا الديمقراطي. التطورات التي جرت على الأقل منذ الاحتلال التركي لعفرين، والتصريحات الامريكية المتضاربة حول إمكانية مغادرتهم سوريا إلى جانب غياب استراتيجة واضحة ومحددة لإدارة ترامب في إدارة الملف السوري كل ذلك جرى بالتزامن مع الإنتصارات السهلة التي حققها النظام السوري في درعا، وفي الغوطة الشرقية وصولاً الى دير الزور وقبل ذلك في حلب، وهو الإنتصار الذي أنهى التمرد السني الذي بدء منذ نهاية 2011 للإطاحة بالحكم في دمشق وهم الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر على الأسد في 2013 ثُمَّ مجدداً في 2015، حتى التدخل الروسي، وثم الإيراني وأخيراً التركي، الذي تكفل بالاجهاز على "التمرد" باتمام صفقات تسليم المدن وتدعيم الخطة الروسية في عقد "المصالحات" و "عمليات التهجير الطائفية والتغيير الديمغرافية" بستار "وقف التصعيد" وهي الخطة التي كانت قوات النظام تستفيد منها بالانقضاض على المدن الخارجة عن سيطرته تباعاً.
بانتهاء معركة درعا، والتحضير لمعركة إدلب نصبح أمام المشهد ماقبل الأخير في سيناريو الحرب الأهلية في سوريا، وهو لن يعني نهاية للحرب السورية بأي حال، فما زال هنالك ثلاث مناطق أخرى من سوريا خارج سيطرة النظام، تُشكِّل معاً نحو 40% من مساحة البلاد. وهي:
1- المنطقة المحيطة بالقاعدة التي تُبقي عليها الولايات المتحدة في التنف جنوبي سوريا، وهي منطقة صحراوية تتعاون فيها الولايات المتحدة مع مجموعة صغيرة من المعارضة تُسمَّى مغاوير الثورة، هدفها مراقبة التحركات الايرانية عبر الحدود العراقية السورية.
2- المنطقة في شمال غربي سوريا، والتي يسيطر عليها جهاديو القاعدة في ادلب وفصائل اسلامية متحالفة معها في درع الفرات وغصن الزيتون، وهي مناطق محتلة من قبل تركيا بشكل مباشر و غير مباشر.
3- المنطقة الكبيرة شرقي نهر الفرات التي تُدار حالياً من جانب فيدرالية شمال سوريا المُعلنة من طرفٍ واحد ويوجد فيها ألفا جندي أميركي على الأقل موزعين في ستة قواعد عسكرية. هذه المناطق في الوقت الحاضر محميّة مباشرةً بقوات التحالف الدولي بدءاً من منبج ومنطقة حوض الفرات مع مدينة الطبقة، وقاعدة التنف. فيما تركيا مع روسيا تفرض سيطرتها على الشمال الغربي.
ثلاث ملفات متداخلة على طاولة المفاوضات الأميركية الروسية، الروسية التركية، ملف إدلب ومناطق الاحتلال التركية في شمالي وشمال شرق حلب تحت الوصاية الروسية التركية وملف حوض الفرات تحت الوصاية الامريكية، وملف التنف الذي تبقيه واشنطن كورقة ضغط على ايران ومراقبة نشاطها بين سوريا والعراق.
أولويات كُردية:
اللقاءات التي جمعت مسؤولي الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية في دمشق لم تكن الأولى حيث جرت قبلها عدة لقاءات. منها لقاء في مركز القاعدة الروسية في حميميم، جرى فيه الاتفاق على مناقشة رؤية كل طرف لحل الازمة السورية، مع مناقشة ترتيبات لعقد لقاءات أخرى على قاعدة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، واحترام سيادة الدولة ومؤسساتها.
المسؤولون الأكراد منذ البداية كانوا واضحين في تحديد رؤيتهم اللازمة، رفضوا الإنخراط في العمل المسلح لإسقاط النظام، مطالبين بتغييره، وهو الشعار الذي رفعته الثورة السورية قبل انحراف مسارها.
القيادي الكُردي صالح مسلم، في حديث إلى وكالة "فرانس برس" كشف أنهم يضعون في أولوياتهم التفاوضية "الحفاظ على نظام الإدارة والديمقراطية والمؤسسات" دون أن يخفي صعوبة ذلك "هناك ذهنية لن تقبل بالأمر مباشرة لذلك سيتم الأمر بالتدريج، أي عبر المفاوضات على مراحل". مسلم كان واثقاً أن "سوريا لن تعود كالسابق" وشدد أنها "يجب أن تكون لامركزية وديمقراطية" وأن "لدى الأكراد مشروعهم الذي يشكل مثالاً لكل سوريا ونحن متمسكون به”.
وأعرب مسلم عن أمله في تخلي الحكومة السورية عن مواقفها السابقة إزاء الأكراد، قائلاً: “لم نكن سابقا في الحسبان، وأما اليوم.. فقد جرى تغيير كل المعادلات بإرادتنا وتنظيمنا ودفاعنا، وسندافع عما أسسناه”.
شاهوز حسن وهو الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي أشار أن تحرير عفرين هي أولوية تفاوضية بالنسبة لهم” لا يمكن قبول أي حل سياسي دون تحرير عفرين وإخراج الاحتلال التركي من الأرض السورية”
شاهوز حسن أكد أنهم في الشمال السوري يسعون إلى بناء سوريا حرة ديمقراطية لكافة المكونات والقوميات والأعراق إلا أن النظام الذي لم يستطع الوقوف ضد الإرهاب يريد الحل والتفاوض على أساس مفاوضات تشمل النظام والكُرد فقط وهذا مرفوض لدينا لأننا نحمل مشروعاً لكافة مكونات شمال سوريا .
عضو الهيئة الرئاسية في مجلس سوريا الديمقراطية حسن محمد علي وأحد مهندسي التفاوض والمشاركين فيه تحدث عن تفاصيل الإجتماع الذي عُقد بينهم وبين النظام السوري والنقاط الأساسية التي تم مناقشتها بين الطرفين خلال الإجتماع، وأنهم ملتزمون بتبني وجهة نظر ورؤيتهم في وقف الحرب في سوريا "الحل يكمن في الحوار السياسي السوري، لأن الشعب السوري عانى كثيراً من تبعات الحرب والعسكرة، وأن الحل لا يأتي عبر السلاح، باستثناء استخدام السلاح في وجه الإرهاب الذي حاول تغير الواقع السوري إلى جحيم". محمد علي أشار أن رؤية المجلس واضحة منذ تأسيسه وهو حل الأزمة عبر الحوار السوري السياسي مع الممثلين الحقيقيين لشعوب سوريا والذين ضحوا بحياتهم من أجل الدفاع عن حقوقهم" وإن"مجلس سوريا الديمقراطية في المناطق المحررة من قبل قوات سورية الديمقراطية في شمال شرق سوريا كالرقة, دير الزور, منبج، هم الأصحاب الحقيقيين لهذه الأرض، وقاموا بتحريرها وتأسيس إدارات محلية تدير شؤون تلك المناطق بنفسها"
محمد علي كشف انهم " ناقشو الإدارات الذاتية الديمقراطية والمناطق التي تم تحريرها من داعش "الإدارات المحلية" والانتصارات التي حققتها شعوب الشمال السوري، وإن هذه كانت نموذجا للحرية والديمقراطية, واستطعنا أن نقوم بحماية شعبنا وتأمين الأمن والاستقرار لهم"
وان البند الرئيس كان "أن الإدارات الذاتية والمحلية في شمال سوريا تشارك فيها جميع الطوائف, الاديان, والمكونات" وإن"النظام السوري فقد طرح القانون 107 الخاص بالإدارة المحلية في سوريا" وإنّه جرى"النقاش حول هذه الأمور وإيجاد الحلول المناسبة له, إلى جانب استمرار الحوارات بين الطرفين"
كما وجرت مناقشات ركزت على الأمور الخدمية, ومسألة سد الفرات ومسألة الصحة, والسجل المدني والبلديات. وأنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة من طرف مسد ولجنة من طرف النظام لمتابعة موضوع الإدارات الذاتية وكذلك موضوع الإدارة المحلية المنصوص عليه في القانون رقم 107.
وإنّ اللجان ستقدم توجيهاتها ومقترحاتها للجهات المعنية، للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين. نقول للجميع بأن اجتماعنا مع النظام السوري هي فقط للحوار تمهيداً للوصول مفاوضات بين الطرفين وهذه الحوارات لا تزال في خطواتها الأولى.
النظام غير مستعد وجاهز لأي تسوية سياسية شاملة في ظل الظروف الحالية مع الادارة الذاتية فهو لم يصل لحد تقبل اللامركزية التي يطرحها الأكراد بعد. خاصة وأنه منتشي بانتصاره الأخير على العرب السنة في معقلهم، ويعتقد انه مازال قادرا على اعادة الامور لما قبل 2011، لكن يدرك كذلك أنه ضعيف ولكن يكون بمقدوره تحقيق ذلك وأنه بحاجة لطرف يثق به لاعادة تنظيم الامور وفق رؤية جديدة. وهنا يأتي دور مدى قدرته على تقديم تنازلات لتحقيق التسوية التي ستنهي كل ما هو متبقي وعالق في الحرب السورية المستمرة منذ 7 سنوات.
النظام لن يرفض ضمنا الخطوات الادارة المتخذة وضمنها الاعتراف بالادارة الذاتية وانتخابات المجالس المحلية، مسؤولي الإدارة الذاتية لن يجدو مشكلة لعودة مؤسسات الدولة خاصة وانه لن يجري أي تغيير جوهري في عمل المؤسسات التي لم تتوقف منذ اعلان الادارة الذاتية لكن سيكون مهما عودة التواصل مع المركز، ضمن خطة شاملة لتوحيد الإدارات المشكلة في شمال سوريا ضمن حكومة واحدة. تبقى مشكلات الأمن /القوات الامنية، والقوات العسكرية في انتظار اتفاق نهائي ضمن خطوات ترتيب العلاقة بين الحكومة المركزية في دمشق والحكومة الفدرالية في قامشلو.