الباحث الهولندي مايكل ليزنبرغ: الأدب الكُردي بحاجة الى جسر بين ماهو سوراني وماهو كورمانحي..!

الباحث الهولندي مايكل ليزنبرغ: الأدب الكُردي بحاجة الى جسر بين ماهو سوراني وماهو كورمانحي..!

Sep 13 2019

برجاف|برلين-فاروق حجي مصطفى
يتحدث الباحث الهولندي والذي يكرّس جلّ اهتمامه بالأدب الكُردي، ولا سيما أدب أحمدي خاني، وصاحب كتاب قواعد الكُردي الأول علي ترماخي، بهدوءٍ وصبرٍ طويل عن الأدب الكُردي وإعلامه، وفاعلي المشهد الثقافي.
ويُذكر إنّ علي ترماخي، هو الأول الذي كتب عن قواعد اللغة الكُردية وتحديد تصريف الأفعال وذلك، ويُعتقد انه كتب بين ١٧٥٠ و١٨٠٠، وعلي ترماخي هو من بلدة قريبة عن هكاري. والكتاب هو باللغة الكُرديّة لكن بحروف عربيّة وكانت قد كُتب بخط اليد، وقد قام المؤرخ المعروف خزندار بطباعته وايضا بحروف عربيّة في بغداد في ١٩٧٠؛ الا انه اتى المؤرخ الكُردي زين العابدين زنار ليحوّل الكتاب إلى اللاتينية في السويد في ١٩٩٧.
يتحدث ليزنبرغ بلغة كُرديّة صافيّة، ويبرر ذلك بأن اللغة الكُرديّة تم تجزأتها إلى لهجات ولكنات ، وباعتقاده إنّ الكُرديّة كانت لغة موجودة وجامعة بين عامي١٧٠٠- ١٨٠٠ ومن يلمّ بنتاج الخاني يدرك ويعرف إنّ كل الكُرد كانوا يتحدثون لغة واحدة معروفة لدى كل الكُرد.
ويقول ليزنبرغ، وهو مدرس جامعي وله كتب عدة عن الإسلام، ومقالات وابحاث عن الأدب الكُردي إنّ الأدب الكُردي بحاجة إلى عنايةٍ أكبر، وإن النتاجات الادبيّة التي تُصدر في دهوك والسليمانيّة بحاجة الى تبادل والقيام بعمليّة التواصل الحي، من المهم ان يهتم الأدباء الكُرد بإنتاجات بعضهم البعض.
ويقيّم مايكل ليزنبرغ المشهد الثقافي الكُردي بإنه يمرّ في حالة جيدة، ويرى بأنّ الوضع لم يعد كما كان، فالآن نجد روائيين كُرد، ويأت بمثال أوزون، وبختيار علي، وجان دوست، وكوني رش وشيرزاد حسن وآخرون .
ويرى ليزنبرغ الذي يتواصل مع الكُرد منذ ١٩٩٠ منذ انطلاقة ثورة "راپرين" ، وتعلّم الكُرديّة في قامشلو، ماردين، درباسية وفي أورمية وسنندج ودهوك ، وهو زائر كل هذه البلدان الكُرديّة، انّه من الضرورة بمكان أن تقوم دهوك بتحول النتاجات التي تصدر بالحروف العربيّة إلى اللاتينية، وكما على مؤسسات السليمانية ان تقوم بنفس الشيء وحسبه انّ هذه الطريقة في التفاعل تساهم في انتعاش المشهد الثقافي الكُردي.
ومايكل، هو مدرس في جامعة أمستردام في قسم الفلسفة، وكان قد حضر عدد من الانتفاضات الكُردية وايضاً حرب الكُرد ضد داعش، وهو في الخمسينيات من العمر، يتردد الى كُردستان سوريا والعراق بين فترة وأخرى، ويُستضاف في المهرجانات والفعاليات الثقافية الكُرديّة.




"صالون ثقافي" من بوابات منظمة "نبض" في الرقة..

Sep 12 2019

برجاف| الرقة- ازاد نعسو
باشر مشروع نسمات فراتية في افتتاح "صالون ثقافي " في الرقة، وذلك لجمع أكبر عدد ممكن من المهتمين ومن الفاعلين في المشهد الثقافي في اطار وجدان هذا الصالون.
ومشروع نسمات فراتيّة هو مشروع ثقافي ادبي الهدف منه احياء الحياة الثقافية والفنية في المجتمع الفراتي في الرقة خاصة بعد ما شهدت المدينة نزاعات وحروب مختلفة وأبُعدت الحياة الثقافية.
وهذا المشروع النهضوي والذي يأتي بعد الويلات في المدن الفراتيّة تقوم به منظمة "نبض " بالشراكة مع منظمة "صناع الأمل " لتساهم وتبادر باقامة صالون ثقافي بعنوان "نسمات فراتية " هذا الصالون الهدف منه جمع كافة شرائح المجتمع من المثقفين والفنانين والشخصيات المهتمة بالفن والثقافة.
وقال أحد القائمين على المشروع لبرجاف انّ هذا الصالون سوف يقيم جلسات وامسيات شهرية يشمل برنامج موسيقى وشعر وقصة قصيرة وروايات وعرض افلام سينما وحكايات واضاءات عن المبدعين من هذه المدينة.
وتجدر الاشارة ان "نسمات فراتية " سيستمر حتى نهاية هذه السنة. وتأمل "نبض" وشريكتها الحصول على التمويل المناسب والداعم لهذا المشروع ليضاف إلى الحراك الثقافي والأدبي مرحلة ثانية منه ولاستمرار هذا الصالون الثقافي(حسب ما أفادو لبرجاف).




وقائع وأرقام سورية

وقائع وأرقام سورية

Sep 11 2019

فايز سارة
بعيداً عن الموت السوري قتلاً، وخاصة ما يتم منه بهجمات الصواريخ والبراميل المتفجرة التي تنفذها طائرات نظام الأسد وحلفائه، وعمليات الاعتقال التي يتحول أكثرها إلى غياب مجهول التفاصيل، أو تنتهي بالموت تحت التعذيب، وما يرافقها من تواصل لحملات التهجير القسري عبر ما ظهر في مدن وقرى ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، وقد ترافقت بالاستيلاء على ممتلكات السكان بما فيها محاصيلهم الزراعية على سبيل الانتقام والتشفي، وتحقيق مكاسب مادية عبر عمليات التعفيش التي تقوم بها ميليشيات النظام وإيران.
وتزامناً مع الوقائع السابقة الجاري التركيز عليها، وما يحيط بها من أرقام، والتي تمثل كارثة مستمرة، فإن ثمة وقائع وأرقاماً، لا يتم تناولها إلا بصورة محدودة، رغم أنها لا تقل أهمية وخطورة مما سبق في أثرها على السوريين في الراهن كما في المستقبل، وأكثرها يتصل بواقع حياة السوريين في مناطق سيطرة النظام، وهو ما عبر عنه التصنيف الدولي الأخير باعتبار أن العاصمة السورية دمشق، هي أسوأ مدن العالم بالنسبة للعيش، وهي مكانة توصف بها دمشق للعام الثاني على التوالي، مما يعكس صعوبات الحياة فيها بسبب سوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تحيط بحياة السوريين تحت سيطرة النظام.
وإذا كان لنا أن نبدأ في تناول الأرقام والوقائع من الجانب الاقتصادي، فيمكن الإشارة إلى التردي الظاهر في قيمة العملة السورية، التي وصلت قيمتها إلى ما دون عشرة في المائة من قيمتها في تسع سنوات مضت، وما جره ذلك من تضخم وغلاء، وقد أصاب الأخير المواد والخدمات الضرورية، فرفع أسعارها وتكاليفها في اثنين من مؤشرات صعوبات العيش، وكان في عدادها ما أصاب السوريين من فقر وإفقار السوريين بمستويات، وضعتهم تحت الحدود الدولية للفقر المحسوبة على دولارين للفرد.
وأدى تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاعات الاقتصادية كافة بالتزامن مع زيادة نسب البطالة إلى تدهور في الأوضاع الاجتماعية، التي لم تنتج فقط عن تقطع الروابط والصلات وتشتت العائلات بسبب الحروب والتهجير، وإنما أيضاً بسبب غياب المداخيل وربما توقفها جزئياً أو كلياً في وقت أثبتت فيه المساعدات الإنسانية عجزها عن تلبية الاحتياجات الأساسية لأكثر من ثمانين في المائة من السوريين، طحنتهم مجريات الحرب من جهة وسوء سياسة نظام الأسد وأجهزته في التعامل مع ما يرد من مساعدات سواء من خلال نهبها أو عبر توجيه القسم الأكبر منها إلى غير المستحقين وخصوصاً مؤيدي النظام، وقد ضبطت بعض هذه المساعدات، وهي بتصرف جيش النظام.
وقد يكون الفقر، هو الأخف أثراً في وقائع الوضع الاجتماعي الراهن، مقارنة بالتفكك الأسري وتشرد الأطفال، وقد بات كلاهما ظاهرة عامة، لا تجد طرفاً يساعد في الحد منها أو مواجهتها ووقف تداعياتها، لا سيما أنها تغذي وتساهم في توسيع ظواهر أخرى منها عمالة الأطفال والدعارة وإدمان المخدرات، التي عملت أجهزة النظام وميليشيات «حزب الله» على تعميمها كما في مثال ريف دمشق الغربي والغوطة الشرقية أيام الحصار الطويل، كما أكدت تقارير ذات مصداقية عالية، وقد كشفت وقائع الأشهر الأخيرة، أن مناطق سيطرة النظام صارت مركزاً مهماً ليس لمرور الحبوب المخدرة والحشيش كما يقول ضباط المخدرات في وزارة الداخلية السورية، بل أصبحت منتجاً رئيسياً خاصة بعد كشف اليونان قبل أشهر عن وصول أكبر شحنة مواد مخدرة في العالم إليها من سوريا، تجاوزت قيمة محتوياتها المليار دولار.
أسوأ الأوضاع التي يعيش السوريون في ظلها هي الأوضاع الأمنية، ليس بسبب فقدان الأمن بمعناه المعروف والشائع، فمثل ذلك قائم ومستمر منذ آذار 2011، إنما في ترافق ما يصفه النظام بـ«الانتصار على الإرهابيين» مع السياسة الأمنية المتشددة من متابعات ومداهمات واعتقالات كيفية وخارج القانون الذي يقول النظام أنه يطبقه، ودون أن يكون للمحامين وللقضاء دور مؤثر، بل دور محدود، إذا تمت إحالة المعتقلين على القضاء.
صعوبة الأوضاع الأمنية التي يعيش السوريون في ظلها بمناطق سيطرة النظام، تكمن في انفلات الأجهزة الأمنية بضباطها وعناصرها في مواجهة الجمهور ليس لإخضاعه فحسب، إنما لاستخدام النفوذ من أجل تحقيق مكاسب شخصية بينها الحصول على رشى، وإجبار أشخاص على تقديم تنازلات خارج القانون لآخرين بما فيها بيع ممتلكات أو التنازل عنها، لقد أصبحت حياة السوريين في مناطق سيطرة النظام بصورة كلية تحت رحمة أجهزة الأمن، التي لم تعد مقتصرة على أجهزة النظام، فقد أضيفت إليها الأجهزة التابعة للإيرانيين وميليشياتهم وللشرطة الروسية، وكلها تقوم بالمداهمات والاعتقالات والتدخل في المنازعات، مما يؤشر إلى تعددية السلطات الأمنية، وهو تطور آخذ بالتزايد في الواقع السوري الراهن.
وقائع وأرقام سورية أخرى، قد لا تضيف شيئاً إلى تفاصيل الكارثة السورية، لكنها تؤشر إلى أخطار مستقبلية تحيط بالسوريين وأطفالهم الذين يعيشون وسط خراب، سيكون له تأثير أبعد بكثير من الجغرافيا السورية، وقائع وأرقام سورية، هي بمثابة إنذار متكرر لضرورة تحرك إقليمي ودولي من أجل معالجة القضية السورية وإخراج سوريا والمنطقة من النفق الأسود.




إردوغان... الأيام الذهبية ذهبت

إردوغان... الأيام الذهبية ذهبت

Sep 09 2019

غسان شربل
في أغسطس (آب) 2014 زرتُ الرئيس عبد الله غل بعد أيام من انتهاءِ ولايته الرئاسية. كانتِ الزيارة للمجاملة، فقد كان الرجل شديد الدماثة يوم كنَّا نقصد أنقرة وإسطنبول لمحاورة الثلاثي غل - إردوغان - داود أوغلو لاستكشاف ملامح السياسة التركية الناشطة في الإقليم. ولم يكن سراً أن غل كان رئيساً «في عهد إردوغان» تماماً، كما تولى ديمتري مدفيديف رئاسة روسيا في عهد فلاديمير بوتين. ثم إن التجارب تقول إن هاتف المسؤول في منطقتنا يتوقف عن الرنين حين يخسر لقبه، خصوصاً إذا غادر موقعه بعد تراجع منسوب الودِّ مع «الرجل القوي» في البلاد.

تحدثنا عن الأزمة السورية التي كانت مستعرة. تفادى المتحدث أي كلامٍ مباشر عن سياسة إردوغان هناك أو عن علاقته معه. خامرني شعورٌ أن الرجل يريد التقاط أنفاسه ولا يريد خوض معركة مبكرة مع رفيقه القديم هذا إذا كان يريد خوضها. وشعر غل أنه تباخلَ على الزائر بالإشارات، لهذا تعمّد أن يقول حين صافحته مودعاً: «في أي حال النبرة العالية لا تحل المشاكل لا في الخارج ولا في الداخل». وكانت الرسالة صريحة وهي تقصد احتجاجه على أسلوب إردوغان في إدارة العلاقات مع الدول مستخدماً العبارات النارية كانتقاله من عبارة «صديقي بشار» إلى عبارة «الديكتاتور في دمشق». وربما كان غل يحرص على عدم الصدام باكراً مع رجل لم يعرف بتسامحه مع الرفاق الذين يغادرون السفينة ويحمّلون قبطانها مسؤولية ارتطامها بالصخور.

عاودني السؤال عن سياسة إردوغان في سوريا بعد ثلاث سنوات. في سبتمبر (أيلول) 2017 ذهبت من الشرق الأوسط إلى إقليم كردستان. تيسَّر لي أن أقابل في مقر مكافحة الإرهاب في أربيل عدداً من المعتقلين من «تنظيم داعش» بينهم صيني وكازاخي وأميركي. كان الخيط المشترك في رواياتهم أنهم قدموا إلى الأراضي التركية وتولت شبكات نقلهم من هناك إلى «دولة الخلافة»، حيث انخرطوا في صفوف «داعش». ولأنني ابن الشرق الأوسط بحساسياته وحساباته هالني أن تكون تركيا تتصرف كمن يلعب بالنار حين فتحت حدودها أمام آلاف المقاتلين الجوالين وبذريعة «إسقاط نظام الأسد». ولم يخطرْ يومها في بال إردوغان أي هدية يقدم، ومن غير قصد، للرئيس الروسي الذي يفضِّل الانقضاض على المتشددين على المسرح السوري، بدلاً من دفع أثمان مواجهتهم على المسرح الروسي ومحيطه.

نموذج آخر من السياسات الإردوغانية المتعجلة. في ديسمبر (كانون الأول) 2008، استقبل إردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. وخلال اللقاء انتقل أكثر من مرة إلى غرفة جانبية للاتصال بالأسد آملاً تحويل اللقاء الثنائي قمة ثلاثية. لم يحضر الرئيس السوري واشترط تعهداً إسرائيلياً علنياً بالانسحاب من الجولان. كان إردوغان يراهن على رغبة دمشق في اختراق العزلة التي دخلتها بعد اضطرارها إلى سحب قواتها من لبنان في 2005 إثر اغتيال رفيق الحريري. قبل ذلك كانت إسطنبول استضافت، في أحد فنادقها وفي طابقين منفصلين، وفداً سورياً وآخر إسرائيلياً في مفاوضات غير مباشرة. وكان أحمد داود أوغلو ينتقل بين الطابقين حاملاً أفكاراً وصياغات. لم تنجح المحاولة، وغادر أولمرت وسرعان ما اندلعت الحرب في غزة.

استفاد إردوغان إلى حد بعيد من تحسن الاقتصاد في بلاده. استفاد أكثر من اعتقاد جهات غربية أن «النموذج التركي يشكل جسراً لإبرام مصالحة بين الشعوب الإسلامية وقيم الحداثة». وتباهت أنقرة في تلك الأيام بقدرتها على التحدث إلى الجميع وفضلت التغاضي عن الهجوم الإيراني الواسع في الإقليم، معتبرة إيران مجرد «منافس» وليست «خصماً أو عدواً». تبدلت الصورة مع اندلاع حرائق «الربيع العربي». وتزايدت الشواهد على ما سماه المراقبون «برنامجاً تركياً - قطرياً بنكهة إخوانية» ظهر جلياً في الموقف مما عاشته مصر وليبيا وسوريا. ولاحظ مراقبون في أوروبا أن امتداح النموذج التركي تضمن قدراً غير قليل من التسرع ومن نقص المعلومات حول السياسة العميقة لإردوغان، التي اختبأت سنوات تحت ابتسامة داود أوغلو وشعار «تصفير المشاكل».

في الحلقة السورية سارت الرياح خلاف ما يشتهيه إردوغان. التدخل العسكري الروسي حسم مسألة بقاء الأسد. وهكذا تقلَّصت طموحات أنقرة السورية إلى إبعاد المسلحين الأكراد عن حدودها. إسقاط تركيا الطائرة الروسية أوقعها في عملية تطويع روسية تتجاوز في أبعادها إقدام تركيا الأطلسية على شراء صواريخ «إس 400» الروسية وإغضاب واشنطن. اهتمام روسيا بهذا الاختراق الذي حققته داخل حلف «الناتو» عبر البوابة التركية لم يدفعها إلى تقديم هدايا كبرى لأنقرة على الأرض السورية. موضوع نقطة المراقبة التركية المحاصرة خير دليل ومعه الغارات الجوية على إدلب. اتبع الكرملين مع أنقرة أسلوب الهدايا الصغيرة لضمان الاستمرار في تعكير علاقتها مع أميركا. واشنطن التي باتت تراودها الشكوك في وفاء إردوغان للأطلسي اتَّبعت بدورها أسلوب الخطوات الصغيرة والهدايا المحدودة. تساير أنقرة في موضوع «المنطقة الآمنة» وتشارك فيه لوضع ضوابط للحركة التركية. هكذا بدت السفينة التركية حائرة بين الالتزامات القديمة حيال أميركا والأطلسي والالتزامات الجديدة حيال روسيا.

هذه العلاقات الرجراجة جعلت السياسة الخارجية التركية تتميز بالانعطافات المفاجئة والتوتر في ظروف إقليمية معقدة ومشهد دولي يتَّسم بضبابية عالية. خير دليل تهديد إردوغان أوروبا بفتح الأبواب لإغراقها باللاجئين السوريين إذا لم تدفع المبالغ المناسبة. لغة غير معهودة في التخاطب بين الدول. انتقلت السفينة التركية من تصفير المشكلات إلى تصفير الصداقات. سادت لغة سوء التفاهم.

ترافق ذلك مع انحسار موجة التفاؤل باستمرار الازدهار التركي. تراجعت العملة وتزايد تردد المستثمرين الأجانب. وجاء الأسلوب الثأري الذي عالج به إردوغان ما عرف بـ«انقلاب غولن». حملة تطهير واسعة تخطت الجيش إلى القضاء والإدارة والمدارس والجامعات. ووشوشات حول حملة تفجيرات «غامضة». جرحته إسطنبول حين رفضت أن تبايعه. فرض إعادة الانتخابات فيها فعمَّقت جرحه. لا يحق للسلطان أن يخسر إسطنبول. هذه الصفعة لا تنساها الكتب. تضاعفت شكوكه بأبرز الرفاق القدامى. استنتجوا أن مشكلة السفينة في قبطانها فبدأوا القفز منها قبل أن يطردهم. وها هم يستعدون لإطلاق حزب جديد.

يتمشى إردوغان متوتراً في القصر الشاسع. التانغو متعب مع ترمب. والتانغو باهظ مع بوتين. لا يريد أن يصدق أن الأيام الذهبية ذهبت.

المصدر: الشرق الاوسط




«الجلطة القلبية»... معاناة جديدة للسوريين جراء «ضغوط» الحرب

«الجلطة القلبية»... معاناة جديدة للسوريين جراء «ضغوط» الحرب

Sep 07 2019

1700 عملية جراحية و8 آلاف قسطرة في 2017
لم تعد ذخائر الأسلحة وصواريخ الطائرات و«البراميل» المستخدمة في الحرب وحدها من يقتل السوريين، فتفاقم الآثار النفسية والضغوط التي خلّفتها هذه الحرب باتت أيضاً تتسبب بقتل كثير منهم، بمن فيهم الشباب.

أبو أدهم رجل في العقد السابع من العمر، ويعيش مع زوجته وحدهما في أحد الأحياء الدمشقية، أصابته حالة من الرعب بسبب دقات قوية ومتتالية على باب شقته بعد منتصف الليل، وسماعه أصوات صراخ وبكاء أمام الباب.

الرجل الذي يمتلك سيارة خاصة، عندما فتح الباب وجد زوجة جاره في الطابق العلوي تبكي بشدة، وترجوه الإسراع لإسعاف زوجها الذي بات فجأة يشكو من ألم قوي في صدره. الأمر الذي بادر إلى فعله بأقصى سرعة ممكنة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «وصلنا بسرعة إلى المستشفى، فالطرقات كانت شبه خالية، كون الوقت متأخراً، ولكنني صدمت كثيراً عندما ذكر الأطباء أن الفحوصات الأولية تشير إلى أن زهير مصاب بجلطة قلبية، ويجب تحويله إلى قسم العناية القلبية».

بلهجة شابها كثير من الانزعاج والأسف لما أصاب جاره، يضيف أبو أدهم لدى عودته إلى المنزل مع زوجة زهير، وقد تجمع كثير من الجيران: «شاب في الثلاثين من العمر، ما زال في بداية حياته، كيف أصابته جلطة؟!»، مشيراً إلى أنه «منذ أن وعينا على هذه الدنيا نعرف أن (الجلطة) تصيب كبار السن. لا حول ولا قوة إلا بالله».

زوجة زهير التي بدت مرهقة للغاية، وبعدما طال صمتها ردّت على استفسارات الجيران عن حالة زوجها، وقالت والدموع لا تفارقها: «الحمد لله على كل حال. لكن ما حصل مصيبة كبيرة»، وتوضح أن تزايد الضغوط الاجتماعية والمالية هي السبب الرئيسي في الجلطة التي أصابت زوجها، وتضيف: «بعد عودته من عمله لا يفارق المنزل، ويقضي معظم الوقت في التفكير، لدرجة أنه لا ينام في كثير من الأيام. يفكر فيما آل إليه وضع العائلة بعد دمار المنزل في داريا. يفكر بأولاد أخيه، يتامى الأب والأم. يفكر بكيفية تدبير إيجار المنزل ومصروف الشهر».

وأفادت «الهيئة العامة للطب الشرعي» في مناطق سيطرة الحكومة، العام الماضي، بارتفاع نسبة الوفيات الطبيعية عبر الجلطات القلبية أو الدماغية إلى نحو 70 في المائة من مجمل الوفيات بالبلاد، بعدما كانت لا تتجاوز 40 في المائة قبل الحرب.

وبيّنت إحصائيات صحية، بحسب تقارير، أن عدد المصابين بالأمراض القلبية في سوريا، بلغ نحو مليون مصاب، معظمهم تراوحت أعمارهم ما بين 28 إلى 60 عاماً، مؤكدة أن عدد المصابين بالأمراض القلبية الذين تجاوزت أعمارهم 28 سنة بلغ نحو 250 ألف مصاب. وأشارت إلى أن عدد المصابات من النساء وصل إلى 150 ألفاً، معظمهن تجاوزن سن اليأس.

وذكرت دراسات علمية، أن 80 في المائة من المصابين بأمراض قلبية هم من المدخنين، والبقية وراثة، ويلعب تعاطي المخدرات دوراً مهماً في حدوث النوبات القلبية، بينما نقلت تقارير عن طبيب إخصائي في أمراض القلب يعمل في مناطق سيطرة الحكومة، أن الجلطة القلبية التي تصيب الشباب بعمر الثلاثين والأربعين تعود لأسباب كثيرة كالتدخين وارتفاع كوليسترول الدم وارتفاع الضغط الشرياني وداء السكري وغياب النشاط البدني والسمنة والتعرض للضغوط النفسية.

وإن كانت العناية الإلهية لطفت بزهير، وتم إسعافه، وبقي على قيد الحياة، فإن شاباً لم يتجاوز العشرين من العمر، سقط فجأة على الأرض عندما كان يتجول في أحد شوارع دمشق، وفق شهود عيان لـ«الشرق الأوسط». لفتوا إلى أن الشاب رغم إسعافه مباشرة، تبين أنه توفي منذ لحظة سقوطه بسبب جلطة قلبية، على ما ذكر الأطباء.

كثير من الأطباء العاملين في المشافي الحكومية، وعاملون، يؤكدون لـ«الشرق الأوسط»، تضاعف عدد الذين يتم إسعافهم إليها، ويتضح أنهم مصابون بجلطات قلبية؛ حيث يجري القيام بإجراءات إسعافية سريعة لمن هو على قيد الحياة، ويتم إنقاذ كثير منهم، على حين يصل البعض وقد توفي.

ريم طالبة جامعية، وهي تتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن ويلات ومآسي ما سببته الحرب لعائلتها من تشرد وإفلاس وضغوط «تعجز الكلمات عن وصفها». توضح أنه بعدما سوّى القصف عمارتهم في غوطة دمشق الشرقية بالأرض، وكذلك مشغل خياطة يمتلكونه هناك، وأتى على أرضهم الزراعية التي كان فيها شجر من معظم أنواع الفاكهة، لم يتحمل والدها الذي كان يبلغ من العمر 41 عاماً ما آل إليه الوضع، «فبعد أشهر قليلة (من ذلك) أصابته جلطة مفاجئة أدت إلى وفاته مباشرة».

أما سوسن، وهي أم لـ3 شباب وفتاة، وتبلغ من العمر 45 عاماً، فقد أصيبت بجلطة قلبية إثر مقتل اثنين من أولادها في الحرب، بعد اعتقال الثالث منذ السنة الأولى للحرب، وفق ما تحدثت ابنتها لـ«الشرق الأوسط»، وتقول: «لم تستوعب نبأ استشهادهما، فحدث ما حدث بعد أيام، وما زاد من قهرها عدم معرفة مصير محمد (ابنها الثالث) إن كان على قيد الحياة أم لا». الفتاة توضح أنه عندما أصيبت والدتها بالجلطة أجمع الأطباء على أنها تحتاج إلى «عملية قسطرة» وتركيب «شبكة دورانية» لكي تشفى. «وهذا الأمر مكلف للغاية، لكن أقاربنا المغتربين أرسلوا المبلغ، وهو نحو 300 ألف ليرة، وتم تركيب الشبكة».

وبحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية، منتصف العام الماضي، عن المدير العام للهيئة العامة لمشفى الباسل لأمراض وجراحة القلب في دمشق، الطبيب دياب الفاعوري، تم في العام 2017 إجراء أكثر من 1700 عملية جراحة قلب مفتوح، و8 آلاف قسطرة قلبية، بعد أن كانت في بدء الأزمة 4700 عملية قسطرة. وأشار الفاعوري إلى أن «معظم الخدمات التي نقدمها مجانية 100 في المائة، أما المأجور منها فلا يشكل أكثر من 25 في المائة من نسبة الخدمات، وهذا لا يقارن في الدول الأخرى، حتى التي تتفاخر أنها تقدم خدماتها بأسعار منخفضة، لأن إجراء أي قسطرة مأجورة لدينا لا يتجاوز 35 ألف ليرة، في وقت تصل إلى أكثر من 3 ملايين ليرة في أي دولة مجاورة، وأما عمليات القلب المفتوح فلا تتجاوز لدينا 350 ألف ليرة، في حين تصل لدى دول الجوار إلى 10 ملايين ليرة»، موضحاً أنه «في القطاع الخاص في سوريا تصل تكاليف القسطرة والقلب المفتوح إلى 4 أضعاف الأسعار الموجودة في مشفى الباسل».

وأدت الحرب المستمرة في سوريا منذ أكثر من 8 سنوات إلى مقتل نحو نصف مليون شخص، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، وتهجير ونزوح ما يقارب نصف سكان البلاد البالغ أكثر من 23 مليون نسمة، بينما اعتلت سوريا وفق منظمة العمل الدولية المرتبة الأولى عالمياً بمعدلات البطالة، إذ وصلت نسبة العاطلين عن العمل فيها 50 في المائة، ذلك بسبب استمرار الحرب فيها وتدمير آلاف المنشآت الاقتصادية والاجتماعية، وهدم البيوت والمؤسسات وتشريد ملايين السوريين.

لكن خبراء اقتصاديين يشيرون في تصريحات نشرت مؤخراً إلى أنه رغم عدم وجود إحصائية دقيقة حول نسبة البطالة في سوريا، فإن التوقعات تقول إن النسبة تفوق 80 في المائة، إثر تهديم القطاعات التي تستوعب العمالة في سوريا، وذلك بعد أن كانت نسبة البطالة رسمياً في سوريا لا تتجاوز 8.8 في المائة عام 2010.

كما انخفضت الليرة السورية من نحو 50 ليرة قبل الحرب إلى نحو 650 ليرة في مقابل الدولار الأميركي حالياً، مع «ارتفاع جنوني» في أسعار السلع، توازى مع قيمة الدولار مقابل الليرة، ما خلّف عواقب كارثية على التكاليف المعيشية للمواطنين، مع مراوحة متوسط الراتب الشهري لموظف حكومي بين 30 و40 ألف ليرة سورية، ما أدى إلى اتساع شريحة الفقراء في البلاد، وبات بحسب بحث أجراه «المركز السوري لبحوث السياسات» بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت مؤخراً، أكثر من 93 في المائة من السوريين يعيشون في حالة «فقر وحرمان»، بينهم نحو 60 في المائة يعيشون في «حالة فقر مدقع».
المصدر :الشرق الاوسط




هل كان حمل السلاح خياراً أمام السوريين؟!

هل كان حمل السلاح خياراً أمام السوريين؟!

Sep 06 2019

أكرم البني
دافع السؤال هو المقارنة الظالمة بين الثمار الإيجابية التي قطفها السودانيون؛ لأنهم حافظوا على سلمية ثورتهم ولم ينزلقوا إلى لغة السلاح في مواجهة محاولات البطش والتنكيل باعتصاماتهم، وبين المأساة التي وصل إليها السوريون، بدعوى أنهم جازفوا وارتضوا تحويل نضالهم المدني إلى صراع عسكري. وربما الدافع هو الصدفة البحتة؛ حيث كان النقاش في أوجه احتدامه، في مثل هذه الأيام تحديداً، قبل ثماني سنوات، بين الناشطين المدنيين والسياسيين، حول مشروعية حمل السلاح، لتخلص غالبيتهم لتسويغه، شريطة اقتصاره على حماية المظاهرات من غدر السلطة.
في البداية، كان المتظاهرون في مختلف الأحياء المتمردة يسارعون لتسليم ما تتركه أجهزة النظام من مسدسات وبنادق رشاشة في زوايا الطرقات إلى مخافر الشرطة، ساخرين من محاولات إغرائهم بحمل السلاح؛ لكن الأمور تطورت بسرعة فاقت كل تصور، عندما نهجت القوات السلطوية، بشكل مبيت ومقصود وبتواتر مخيف، نهج إطلاق الرصاص العشوائي والقاتل على التجمعات المسالمة، مخلفة كل يوم العشرات بين قتيل وجريح.
وهنا ظهرت تساؤلات خافتة وخجولة في أوساط السوريين، حول المعنى والجدوى من استمرار الحراك السلــمي، حين يطلب من الشعب تقديم عنقه للذبح، بينما تعمل أجهزة السلطة سكاكينها فيه من دون رحمة، ثم أصبحت أسئلة جريئة وقوية طرداً مع تصاعد الفتك والتنكيل السلطويين، مثل: كيف لنا أن نصمد ونحافظ على سلمية الثورة أمام عنف منفلت للنظام، واستفزاز وإذلال لم يعرفا حدوداً؟! وأي خيار لدى المنشقين من الجيش غير اللجوء إلى سلاحهم للدفاع عن أنفسهم، ما داموا بانشقاقهم قد أحرقوا مراكبهم، وأصبح تراجعهم واستسلامهم أشبه بالوقوف أمام تعذيب انتقامي وموت بأبشع صوره؟ وكيف يمكن ردع متطرفين جهاديين ديدنهم الإرهاب أطلقهم النظام من سجونه، مراهناً عليهم لتشويه الحراك المدني وجره نحو العنف، أو محاصرة جماعات إسلاموية وجدت في مناخات التسعير المذهبي فرصة لوضع أجندتها الإقصائية والمتشددة موضع التنفيذ؟ ثم أنى يمكن مواجهة أصابع التدخل الخارجي وإغراء المال وتعويض قنوات التمويل، التي تناطحت لتغطية تكاليف استجرار السلاح، وحاجات أسر المقاتلين والجرحى والشهداء؟!
والحقيقة، فقد تضافرت حزمة من العوامل الموضوعية والذاتية التي لم تدفع فقط السوريين دفعاً صوب السلاح، وإنما حكمت أيضاً على ثورتهم ومطالبهم المشروعة بالهلاك. فهل كان لظاهرة الركون إلى السلاح أن تتقدم لولا انسداد أفق التغيير، واستحكام الاستعصاء السياسي، وفقدان أمل السوريين في دور عربي أو دولي يمكنه أن يوقف أو يحد من الاستخدام السلطوي المفرط للقوة، ويفرض مسارات تسوية لمعالجة الأوضاع المتفاقمة، بدليل فشل مختلف المبادرات العربية والعالمية لوقف العنف السلطوي، وعجز مجلس الأمن عن التدخل لحماية المدنيين، مع تكرار الفيتو الروسي الداعم للنظام؟!
ولعل ما زاد الطين بلة، غياب قيادة سياسية تحوز ثقة الحشود الثائرة، وقادرة على وضع أفضل الخطط لإدارة الصراع بأقل تكلفة وآلام. والقصد الإشارة إلى واقع المعارضة السورية، بتشتتها وضعف تأثيرها في قيادة الحراك الشعبي، وتقصيرها في ابتداع وتطوير أشكال من النضال السلمي، تمكن هذا الحراك من تحقيق خطوات ملموسة نحو الأمام، الأمر الذي عزز الموقف السلبي لقطاعات مهمة من المجتمع، بقيت خائفة ومحجمة عن الانخراط في التغيير جراء غموض البديل، واستسلمت لتشويش ومبالغات مغرضة في قراءة أحوال الثورة الناهضة ومآلها.
ألا يتحمل المسؤولية من أظهر في المعارضة السياسية حماساً منقطع النظير لسلمية الثورة، وكان يفاخر بتكاثر نقاط التظاهر، ثم انتقل، بسرعة غريبة، إلى تطرف معاكس، ليغدو من أشد المدافعين عن مواجهة العنف بالعنف، ومن أكثر المطالبين بمد المتظاهرين بالسلاح، أو بالتدخل العسكري الخارجي، متخلياً عن مسؤوليته في التشجيع على مزيد من النضال السلمي المدني، وفي ابتكار الطرق والوسائل الكفيلة بإبقاء المشاركة الشعبية في أفضل حالاتها؟!
وأيضاً، ألا يتحمل المسؤولية من رد على التسعير المذهبي السلطوي بتسعير موازٍ، ودعا إلى استباحة كل شيء كما يفعل النظام، ورفض الاعتراف بالدور الخطير للتيارات الإسلاموية المتشددة في التشجيع على العنف، فقلل من وزنها، وادعى أنها مجموعات مهاجرة ستترك البلاد بمجرد الانتهاء من مهمة إسقاط النظام، متهرباً من نقد ممارساتها القمعية وتجاوزاتها، حتى بعد أن وصلت سكينها إلى الرقبة، وطاولت كثيراً من المعارضين السياسيين والناشطين الإعلاميين؟!
والحال، هو أمر مفسر أن تتنامى في نفوس المحتجين، بعد أكثر من ستة شهور من الحراك السلمي المكتظ بالشهداء والمعتقلين، المشاعر بعدم جدوى المظاهرات في هز أركان النظام، وتفكيك لحمته الأمنية والعسكرية، وتالياً بعجز الطريق السلمي وحده عن إحداث التغيير. زاد الأمر وضوحاً التبدلات التي طالت القيادات الميدانية، حين تقصد القتل والاعتقال السلطويين إزاحة عدد غير قليل من الكوادر القديمة التي عرفت بنزعتها السلمية، وتولت تنظيم الاحتجاجات في مراحلها الأولى، لتتقدم الصفوف عناصر أقل عمراً وتجربة، وأكثر حماسة واستعداداً للتفاعل مع النتائج الإيجابية التي حققها اللجوء إلى السلاح أو التهديد باستخدامه، إن في حماية حشود المتظاهرين أو في ضمان سلامة عدد من أماكن الاحتجاج الساخنة. فكيف الحال مع النجاحات أو «الانتصارات» التي حققتها الجماعات المسلحة ضد قوات النظام، وفرضت ما صار يعرف بالمناطق المحررة؟
إن مأساة السوريين الحقيقية أنهم ابتلوا بسلطة استبدادية أنانية، لسان حالها يقول: «أنا ومن بعدي الطوفان»، ترفض الحلول السياسية، وتصر على إنكار مطالب المتظاهرين، وإظهارهم كأدوات تآمرية وطائفية يحل سحقهم. أو حين يؤجج إعلامها منذ اللحظات الأولى التعصب المذهبي والانفعالات العدوانية، ويغذي أبسط ردود الأفعال الطائفية الثأرية، حتى لو أفضى ذلك إلى جر البلاد كلها إلى العنف والاقتتال، وما يخلفاه من ضحايا ودمار! والأهم حين لا تضيع أي فرصة في تسخير القمع المفرط والبشع لتغذية ما يمكن من صراعات متخلفة، واستيلاد القوى المتطرفة وسربلتها بسربال تنظيم «القاعدة»، كي تتمكن، تحت ذريعة مواجهة الإرهاب وعصاباته المسلحة، وبدعوى الحفاظ على الأمن وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم، من إخضاع المجتمع كله لقواعد لعبة خطيرة ومدمرة تتقنها جيداً، وتمكنها من إطلاق يدها كي تتوغل أكثر في العنف والقهر، مدعومة بما تملكه من خبرات قمعية مشهودة لها، وبحلفاء يضاهونها فتكاً وتنكيلاً!
المصدر:الشرق الاوسط




أهالي تل حاجب يطالبون بلدية كوباني بالبحث عن مكان بديل لمكب النفايات في قريتهم

أهالي تل حاجب يطالبون بلدية كوباني بالبحث عن مكان بديل لمكب النفايات في قريتهم

Sep 06 2019

برجاف|ريف كوباني
يشتكي أهالي قرية تل حاجب بريف كوباني الشرقي من وجود مكب النفايات الرئيسي هناك، ما يتسبب بمصدر إزعاج لأهالي القرية، من الانبعاثات الصادرة عنه والتي تشكل مصدر قلق وإزعاج لهم.

وبحسب بعض الأهالي فإن هناك أطنان من النفايات التابعة للمدينة والقرى المجاورة لها، تجمعت و شكلت تلل بالقرب من القرية ، حيث يعد مكب النفايات الشغل الشاغل لأهالي القرية، والتي تصل رائحة المكب للقرية، التي لا تبعد عنها سوى أمتار قليلة، وتشغل مساحات كبيرة من القرية.

وأشتكى أحد المواطنين من القرية ويدعى مصطفى عبد الكريم لـ"برجاف FM" ‘‘إن القرية اصبحت وكأنها مكب نفايات، وإنه لا راحة لهم من الآثار البيئية والصحية الناتجة عن تجمع النفايات في قريتهم، فإن انتشار الروائح الكريهة والبعوض والذباب أصبح مقلقاً لهم، لدرجة أنهم لا يستطيعون فتح نوافذ منازلهم’’.

مضيفاً ‘‘أن هناك مخاوف كبيرة من قبل الأهالي على أطفالهم نتيجة عواقب ومخلفات النفايات، حيث يضطرون بشكل يومي لرش المبيدات الحشرية والتي تسبب خطر على صحة أطفالهم’’.

ويطالب الأهالي بلدية كوباني بإيجاد حل لهذه المشكلة بالبحث عن مكان بديل لها، ونقل مكب النفايات، وإبعاده عن المناطق السكانية.

وأوضح أحد المواطنين إن طال انتظار المشكلة فإن ذلك يجعلهم يفكرون القيام باحتجاجات لمطالبة بلدية كوباني بترحيل مكب النفايات الرئيسي من قريتهم.

وكان قد توجه العديد من أهالي القرية إلى بلدية كوباني بخصوص هذا الموضوع والمطالبة بنقل المكب من قريتهم، لكن ردهم كان أنه لا بديل لديهم لتغيير مكانه، ولم يتجاوبوا مع أهالي القرية الذين أكدوا أنهم لن يصمتوا على هذه المشكلة لما لها من تبعات سلبية على صحتهم وصحة اطفالهم .




معرض الفن التشكيلي في كوباني

Sep 05 2019


نصر الحريري لـ«الشرق الأوسط» : مساعٍ لتشكيل «الدستورية» قبل الـ 20 من الشهر الحالي

نصر الحريري لـ«الشرق الأوسط» : مساعٍ لتشكيل «الدستورية» قبل الـ 20 من الشهر الحالي

Sep 05 2019

كشف نصر الحريري رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة، عن مساع تجري حاليا لتشكيل اللجنة الدستورية قبل انعقاد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر (أيلول) الجاري، وإحياء مفاوضات جنيف، منوها أن جولة المبعوث الدولي لدى سوريا في كل من طهران وأنقرة، تأتي في إطار وضع اللمسات الأخيرة لإيجاد حل ينهي نقاط الخلاف حولها.

وقال الحريري لـ«الشرق الأوسط» إن «النقاش حاليا يدور حول معالجة الخلاف حول موضوع الأسماء الـ6 وموضوع القواعد الإجرائية، حيث تم إنجاز أكثر من 95 في المائة من التوافق على تشكيل اللجنة الدستورية، غير أن ذلك، لا يعني أن الأمر انتهى هنا، لأن المشكلة الأكبر في مناقشة المضامين الدستورية».

وأضاف الحريري: «هناك اعتراض على بعض الأسماء من قبل المعارضة وكذلك الأمم المتحدة، والفترة الماضية جرت محاولات لتجاوز هذه المعضلة، وأمس المبعوث الدولي موجود في إيران وبعدها سيزور أنقرة، وسيكون له لقاءات مع هيئة المفاوضات والنظام من أجل حل هذه المشكلة، والاتفاق على موضوع الأسماء».

وتابع: «معاييرنا في الأسماء الـ6 واضحة، وهي نفسها معايير الأمم المتحدة، وذلك بأن تكون حيادية، ومتوازنة وشاملة لأننا نتحدث عن 6 أسماء من الثلث الثالث، وهي ثلث المجتمع المدني، حيث لا يجوز أن تكون هذه الأسماء محسوبة على النظام، ولا حتى محسوبة على المعارضة، وإنما تكون من مكونات الشعب السوري».

وأوضح الحريري، أن النظام السوري، وضع حزمة من التحفظات على القواعد الإجرائية، والتي أساسها أن النظام لا يريد مناقشة إلا التعديلات على الدستور الحالي وهو أمر مرفوض من قبل المعارضة، على حدّ تعبيره، مشيرا إلى أن القرار الأممي 2254 يتحدث بدوره عن وضع مسودة دستور جديد للبلاد.

وقال الحريري إن أغلب النقاط في اللجنة الدستورية تم الاتفاق عليها وبقي القليل منها، منوها أن هناك مساعي حثيثة حاليا، للانتهاء من اللجنة الدستورية خلال وقت قريب جدا على أمل أن تتشكل قبل انعقاد الاجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر الجاري.

وتابع: «إذا تشكلت اللجنة الدستورية بهذه المعايير، فتعتبر تقدما ملموسا في العملية السياسية، وحتى تنجح هذه العملية لا بد من توافر إرادة سياسية لدى الطرفين للوصول للحل، غير أنه غير متوفر لدى النظام السوري، خلال 9 سنوات من الحرب، ونحن نعمل مع كل هذه الأطراف من أجل ضمان تحقيق المعايير المنطقية، التي تتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولي، فيما يتعلق باللجنة الدستورية،».

وقال إن كل الأطراف «عدّ النظام، تطالب أن تتشكل اللجنة الدستورية، بأسرع وقت ممكن، وإنما المجتمع الدولي عموما من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا إلى البلاد العربية تسعى جميعا اليوم من أجل الانتهاء من هذه الخطوة، وما يليها من خطوات وبالتالي تسريع العملية السياسية».

ووفق الحريري، فإن النظام يختلق نقاط الرفض تارة بالقواعد الإجرائية، وأحيانا بموضوع الأسماء وتارة أخرى بموضوع الرعاية، ويتزرع النظام السوري كل مرة بأسباب يتصورها لمنع الانطلاق في هذا المسار، وإبطاء أي تقدم في مسار العملية السياسية، منوها أن النظام يسعى لتشويه هذا العمل السياسي من خلال إطلاق تعديلات دستورية على الدستور الحالي، وهو أمر مخالف لقرارات مجلس الأمن الدولي.

ونوه الحريري، أن النظام يحاول مناقشة هذه المسودة في البرلمان في دمشق ومحاولة مخالفة قرار مجلس الأمن، خاصة أن هذا البرلمان لا يمثل الشعب السوري لأنه لم ينتخبه الشعب السوري، وبالتالي لا يصح اعتماد تعديلاته أو نقاشاته.

ملف المعتقلين

وعلى صعيد ملف المعتقلين، قال الحريري: «حاولنا مع كل الأطراف الدولية، بذل مساع لدفع ملف المعتقلين من خلال إحراز خطوات ملموسة في الإفراج خاصة بالنسبة للأطفال والنساء وكبار السن والمرضى والجرحى كخطوة أولية على الأقل».

وفسر تعنت النظام أنه يعود لاستغلاله صمت المجتمع الدولي وعدم وجود إجراءات أو خطوات حقيقية للمجتمع الدولي تلزم النظام على القبول بفتح ملف إجراءات بناء الثقة وأهمها ملف المعتقلين، منوها أن هذا الملف ملف إنساني بالمقام الأول، لا علاقة له بالعملية التفاوضية، وهو جزء من قرارات مجلس الأمن بأنه لا يجب استغلاله في التفاوض والضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

الاتفاق الأميركي - التركي

وعلى صعيد المستجدات المتعلقة بالمنطقة الآمنة والاتفاق التركي - الأميركي، أوضح الحريري، أن الاتفاق ما زال في بدايته، وهناك نظرة إيجابية لهذا الاتفاق من مختلف الأطراف، تتفاوت درجة الإيجابية من طرف إلى آخر، منوها أنه جرت خلال الأيام الماضية خطوات تمهيدية، مثل إنشاء مركز العمليات المشتركة، من أجل إنشاء وإدارة هذه المنطقة الآمنة. ووفق الحريري، جرت بعض الخطوات الأخرى، مثل الدوريات العسكرية المشتركة الجوية، منوها أنه خرجت الدورية الثانية وربما تكون هناك دوريات عسكرية أميركية تركية مشتركة لاحقة على الأرض، بالإضافة إلى ضرورة سحب السلاح الثقيل وخروج قوات حزب العمال الكردستاني من هذه المنطقة، والسماح لمكونات هذه المناطق من نازحين ومهجرين بالعودة إلى مناطقهم، بجانب المشاركة في الإدارة المحلية، وفي حفظ الأمن في هذه المناطق من أجل منع أي ثغرة لعودة «داعش» للمنطقة.

وعلى صعيد ذي صلة، أكد الحريري، أن هناك مساعي يقودها المبعوث الدولي للأمم المتحدة، من أجل تجسير الفجوة ما بين المجموعة المصغرة وما بين مجموعة «آستانة» من أجل اجتماع الجميع لدعم تصور واحد من أجل تطبيق القرار 2254، غير أنها لا تزال هناك عقبات متعلقة بإيران تعطل مسارها، مؤكدا أن طهران تعد المعضلة الرئيسية التي تعترض تجسير هذه الفجوة، التي يفكر بها المبعوث الدولي لتجسير الفجوة بين هاتين المجموعتين.

وشرح أن إيران، تلعب دورا سلبيا في المنطقة في كل من العراق وسوريا واليمن، فضلا عن ممارسة التدخل السياسي الناعم غير المباشرة، بجانب دعمها لمجموعات إرهابية مثل «حزب الله»، والميليشيات في العراق والحوثيين في اليمن وتعطيل الحل السياسي في سوريا، ناهيك عن تعزيز وجود ميليشياتها في سوريا لقتل الشعب.

وتابع: «جنيف متوقفة منذ عامين، وما يجري حاليا هو محاولة إحياء العملية السياسية في جنيف بقناعة أن الحل السياسي في جنيف برعاية الأمم المتحدة من أجل تطبيق بيان 1 وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، على رأسها القرار 2254، والقرار 2118» مؤكدا أنه إذا تشكلت اللجنة الدستورية فستكون دفعة كبيرة للعملية السياسية في جنيف وتتلوها خطوات أخرى لتطبيق كامل للقرارات الدولية.

ورحب بكل ما من شأنه، أن يساهم في دعم العملية السياسية في جنيف أي خطوة في هذا الإطار، ولكن المرفوض حتما أي مسار ينافس جنيف أو يسعى إلى إبدال جنيف، معتقدا أن جميع الأطراف التي سعت لهذه الخطوة من معسكر النظام، تعي جيدا لا يمكن أن يوافق المجتمع الدولي ولا حتى مشاركة من المعارضة إلا في المسار الذي تراه الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
المصدر: الشرق الاوسط




خلاصة بيدرسون... لا أحد مسؤول في سورية

خلاصة بيدرسون... لا أحد مسؤول في سورية

Sep 05 2019

عبد الوهاب بدرخان
ليس كبيراً الاختلاف في اللغة بين المبعوثَين الأمميين الحالي والسابق الى سورية، فكلاهما ملزم بحكم ما يمثّل اعتبار "الحكومة السورية"، أي النظام بالمصطلح الأدقّ والأكثر واقعية، ركيزة المهمّة التي انتدب لها والعملية السياسية "الجادة" التي يُفترض أن تؤكّد جدوى الأمم المتحدة ونجاحها في وظيفتها الدولية. لطالما وُصفت لغة ستافان دي ميستورا بأنها "جوفاء" أو "سطحية" و"خشبية"، ولطالما عبّر وبعضٌ من فريقه عن مجاملة مكشوفة للنظام على رغم الأهوال التي ارتكبها بعلمهم وكانوا يتجاهلونها خشية أن لا يتعاون معهم. ومع أنه لم يكن متعاوناً حقّاً بل مضللاً ومتحايلاً في الجانب السياسي الذي يعنيهم، ولا متعاوناً في الجانب الإنساني والحقوق-انساني الذي يعني الهيئات التابعة للمنظمة الدولية، فإن تقاريرهم دأبت على تجهيله كـ "طرف" أو كـ "فاعل" تنبغي ادانته أو لومه على أقل تقدير، تحديداً لأنه "الدولة المعترف بشرعيتها دولياً"، ما كرّس مفهوم أن الدولة والحكومة والشرعية يمكن أن تُقدِم على جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وأن تُعاملها الأمم المتحدة باعتبارها غير مسؤولة ومؤهّلة للإفلات من المحاسبة والعقاب.

في قراءة للإحاطة الأخيرة للمبعوث غير بيدرسون، وهو يقارب إنهاء عام على تولّيه مهمته، كان واضحاً أن هناك إصراراً وتوسّعاً في التجهيل وإغراقاً للمعلومات في العموميات، حتى أنه يكاد يبدو محتقراً ذكاء مَن يصغي إليه، ولا سيما السوريين، مع أن الرجل مشهود له بالحصافة والرزانة أكثر من سلفه. فعلى سبيل المثال، استهلّ تقريره بعرضٍ سريع ومقتضب للوضع في شمال غربي سورية، والحملة العسكرية التي تشنّها "القوات الموالية للحكومة" في إدلب. وحين يشير الى استهداف المدنيين والمنشآت الطبية والبنى التحتية كالأسواق والمدارس ومخيمات النازحين ومحطات المياه، كذلك إفراغ شبه كامل للقرى وفرار سكانها العراء من دون مأوى أو غذاء أو ماء، فإنه لا يثير المسؤوليات بوضوح... فلا وجود ولا دور لروسيا إلا عندما يقفز فوراً الى اجتماع الرئيسين الروسي والتركي و"تفاهمهما" على "كيفية تثبيت الوضع في إدلب"، ثم يحيي "هذه الديبلوماسية رفيعة المستوى". لا شيء عن العنف الأقصى للقصف الروسي وسياسة الأرض المحروقة التي تحبذها موسكو. لا شيء عن مشاركة قوات روسية وأخرى لـ "حزب الله" وميليشيات إيرانية. ولا شيء في العمق عمّا في اتفاق سوتشي من نفاق وتكاذب وتعهّدات لا تستطيع تركيا الإيفاء بها.

كانت محنة إدلب ولا تزال تستحق من المبعوث الأممي أن يدعو المجتمع الدولي الى العمل لتفادي تكرار نموذجَي الموصل أو الرقّة اللتين كان وجود "داعش" فيهما سبباً لتدميرهما واستحالة عودة السكان إليهما بعد "تحريرهما". قال بيدرسون أن محاربة الإرهاب ينبغي ألّا تعرّض ملايين المدنيين للخطر، معتبراً أن الوضع في إدلب "يتطلّب حلاً سياسياً في المقام الأول". كانت أطراف دولية عدة توصّلت الى هذا الاستنتاج غير أن روسيا بديبلوماسيتها "رفيعة المستوى" ترى غير ذلك، وتريد إعادة إدلب الى كنف النظام، علماً بأن سيطرة النظام مثل سيطرة "داعش" أو "هيئة تحرير الشام" تؤدّي في نهاية المطاف الى التدمير والتهجير. وكانت "الهيئة" قدّمت نفسها على أنها مختلفة عن "داعش" لكنها لم تتمكن من إثبات ذلك بأي شكل، فهي ساهمت بفاعلية في تصفية فصائل المعارضة العسكرية وكوادر المعارضة المدنية للنظام وتدافع الآن عن سلطتها أو بالأحرى تسلّطها، ولا مشروع آخر لديها. ومن أجل بقائها، ولن تبقى، تقيم علاقة مصالح مع تركيا وتمرّر إحداثيات ميدانية للأميركيين ليقصفوا "حراس الدين" و"أنصار التوحيد" وفصائل أخرى، علّها تعزّز وجودها، لكن وظيفتها ستنتهي يوماً.

لم يبدُ بيدرسون معنيّاً بـ "المنطقة الآمنة" بل بالتوتر في شمال شرقي سورية وكيف أن تفاهمات أميركية - تركية "ساهمت في تفادي انفجار الموقف". ومع أنه يعرف جيداً أن ثمة ترابطاً بين إدلب والشمال الشرقي بسبب استياء روسيا من عدم اشراكها بمشروع "المنطقة الآمنة"، إلا أن المبعوث الدولي يتحاشى أي إشارة الى ذلك ويفضّل الهرب الى صيغة "الحاجة الى تسوية سياسية حقيقية تضمن احترام سيادة سورية" مع أنها صارت مفرغة من أي معنى. وفي عرضه لما يسمّيه "التوتر بين ايران وإسرائيل" يعود الى حثّ الأطراف على "احترام سيادة سورية"، ولا رأي له بطبيعة الحال في أن النظام هو مَن وزّع تلك السيادة قطعاً لضمان بقائه.

أورد بيدرسون عشرة مخاطر قال ان العائلات السورية تواجهها في الداخل، وأضاف اشارة إلى ملايين اللاجئين الذين يواجهون عقبات أمام عودة آمنة وطوعية "بشكل يحفظ كرامتهم"... وعلى قاعدة أن لا أحد مسؤول في سورية، تبدو هذه المخاطر أو المآسي كأنها جاءت من المجهول وتمضي الى المجهول، بلا محاسبة. وعلى بعد أيام من اليوم العالمي للمخفيين تطرّق بيدرسون الى المفقودين السوريين، وهم يقدّرون بنحو 90 ألفاً بينهم أطفال ونساء أمكن توثيق حالاتهم، من دون أن يفصح عن المسؤولية المباشرة للنظام في اخفائهم، وهو الجهة التي ترفض إعطاء أي معلومات عنهم أو تمكين هيئة الصليب الأحمر الدولي من زيارة السجون والمعتقلين.

كان الرئيس الروسي وصف "مسار استانا" أخيراً بأنه الأكثر فاعلية ونجاحاً، إلا أنه تجاهل كيف أن هذا المسار سجّل فشلاً فادحاً في معالجة ملف المسجونين والمفقودين. أما الأمم المتحدة التي راقبت هذا المسار عن كثب فلم تستطع أن تحرّك هذا الملف الذي يُفترض أنها تحتاج إليه في ما تسمّيه "إجراءات بناء الثقة". لكن المبعوث الأممي متفائل بحصول تقدّم من خلال اللجنة الرباعية (روسيا وايران وتركيا والأمم المتحدة) وإشراك الصليب الأحمر، إلا أن المعتقلين الذي أفرج عنهم بعمليات تبادل يبقى عددهم رمزياً بالمقارنة مع العدد الحقيقي، وسط إغفال للذين تمت تصفيتهم بالتعذيب ولا يمكن الوصول الى ما يوثّق مصيرهم. أما بالنسبة الى المفقودين فلم يسبق للنظام أن تعاون جديّاً في ملف كهذا، فالمخفي عنده نادراً ما يظهر أو لا يظهر أبداً.

كالعادة، لا بدّ أن تتكرّر لازمة أنه "لا يوجد حل عسكري في سورية"، وهذا ما فعله بيدرسون على رغم يقينه بأن ما يحصل منذ منتصف 2011، وتحديداً منذ خريف 2015 مع التدخّل الروسي حتى الآن، هو بالتأكيد حلٌّ عسكري يُستخدم لرسم معالم الحل السياسي. لا شك أن بيدرسون اطلع على الملفات وأدرك أن المبعوثين الثلاثة السابقين واجهوا عمليات تضليل من جانب النظام دائماً ثم الإيرانيين الروس، سواء للتلاعب بالقرارات الدولية أو لتوجيه المفاوضات بقصد إفراغ الحل السياسي من أي مضمون تغيير أو انتقالي. لم يغادر هؤلاء اللاعبون "مربع الحل السياسي" الذي رسمه النظام منذ البداية وتبنّاه الروس من دون أي تعديل، وهو "الحلّ داخل النظام" أو "الحكومة"، الذي لا يزالون يتحايلون لتمريره بمشاركة تركيا في "مسار استانا" واختزاله بـ "اللجنة الدستورية" والانتخابات. وليس خافياً أن التوصل الى "إطار الحلّ" هذا، بما فيه التلاعب بتركيبة اللجنة الدستورية"، تمّ بالضغط العسكري الروسي الأقصى وليس بالعمل السياسي.

في النهاية يعترف المبعوث الأممي بأنه لا يستطيع شيئاً إذا لم تتحمل الأطراف الدولية مسؤوليتها، لكن أي "مسؤولية" يمكن توقّعها فيما يتنافس اللاعبون على الخريطة السورية. فالروس يكرّرون في كل مناسبة تمسّكهم بـ "وحدة أراضي سورية"، وإذا تمكنوا من ذلك فإنهم يصرّون في المقابل على بقاء النظام الذي يديرون سيطرتهم من خلاله، علماً بأن "مسار استانا" ولد واستمرّ كإطار لتقاسم النفوذ أكثر مما هو للحفاظ على وحدة البلد، فأي وحدة ممكنة مع عمليات التفريس والتشييع، كذلك التتريك والأخونة، في العمق السوري. أما الاميركيون فهم أكثر اهتماماً بالوضع المستقبلي لشمال شرقي سورية، مصرّين على "تزويج" مستحيل للأكراد والأتراك، ومتصرّفين بعرب دير الزور والرقة بإخضاعهم لسلطة الأكراد... كل ذلك يختصره بيدرسون بـ "تشجيع" الولايات المتحدة وروسيا على "تعميق الحوار الثنائي" بينهما، وهو ما جُرّب ولم يفلح.

المصدر:جريدة الحياة




Pages