جيمس جيفري: لم نرتكب «أخطاء أوباما»... ومنعنا قيام «جنوب لبنان» في سوريا

جيمس جيفري: لم نرتكب «أخطاء أوباما»... ومنعنا قيام «جنوب لبنان» في سوريا

Dec 13 2020

قال جيمس جيفري المبعوث الأميركي السابق للملف السوري والتحالف الدولي ضد «داعش»، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إنه «نصح» إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن بالاستمرار بالسياسة التي اتبعتها إدارة الرئيس دونالد ترمب في سوريا، لأنها «ناجحة، أولاً لأننا لم نقم بأي من أخطاء إدارة باراك أوباما، واستخدمنا جميع عناصر القوة التي في حوزتنا بما فيها القوة العسكرية». وأضاف: «لم نجلس ونحن نرى (خطوطاً الحمراء) يتم تجاوزها أمام أعيننا ولا نرد عندما استخدم النظام السلاح الكيماوي» في نهاية 2013.

وأضاف جيفري، أن بلاده تقدم «الدعم الضروري» لإسرائيل في جهودها لمنع «تموضع» إيران في سوريا وأن «الإسرائيليين نجحوا بمساعدة منا بمنع إيران بإقامة وضع ثانٍ مثل (جنوب لبنان) في جنوب سوريا ومنع تهديد إسرائيل ودول أخرى بنظام صاروخي طويل المدى»، لافتاً إلى وجوب خروج إيران وقواتها من سوريا في «أي تسوية نهائية».

وقال المبعوث الأميركي السابق، رداً على سؤال أن روسيا «في خضم المستنقع السوري»، مضيفاً أن الروس «يدركون أنهم في المستنقع. لكن حتى لو كنت في مستنقع، وهذا حصل معنا في فيتنام (...)، فإن الأمر يأخذ وقتاً كي تدرك ذلك وتتصرف على هذا الأساس. حصل هذا مع السوفيات في أفغانستان وحصل مع إيران في جنوب العراق في الثمانينات. الأمر يأخذ سنوات»، لافتاً إلى أن أميركا «ستواصل الضغط إلى أن يدركوا ذلك» ويوافقوا على تسوية في سوريا.

وعن إدلب، قال جيفري إنه «متأكد أن النظام لن يعود إلى إدلب بسبب الجيش التركي. لديه حوالي 20 ألف جندي، وربما 30 ألفا هناك، ولديهم (الأتراك) القدرة على منع النظام من الذهاب إلى إدلب»، لافتاً إلى حصول أنقرة على دعم من أميركا و«حلف شمال الأطلسي» (ناتو) وأوروبا لوجودها في شمال غربي سوريا.

وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» عبر الهاتف، مساء الجمعة:

> كيف تقرأ الوضع في سوريا حالياً؟ هناك ثلاث «مناطق نفوذ»، ما هي الفروقات بينها وما هي نقاط التقاطع؟

- هناك منطقة تحت سيطرة نظام الأسد مع كثير من التحديات (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية) وبعض التحديات من «داعش». وهناك شمال غربي سوريا التي هي تحت سيطرة تركيا وفصائل معارضة. هناك أيضاً، شمال شرقي سوريا تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من أميركا، وهناك أيضاً قاعدة «التنف». الانقسام الحقيقي هو بين منطقة تحت سيطرة الأسد ومناطق أخرى ليست تحت سيطرته، وليس هناك مجال لتكون تحت سيطرته.

> لا تظن أن قوات الحكومة ستعود إلى إدلب في أي وقت قريب؟

- لا، لا أظن ذلك.

> لماذا؟

- بسبب الجيش التركي لديه حوالي 20 ألف جندي، وربما 30 ألفاً، هناك ولديه القدرة على منع النظام من الذهاب إلى إدلب.

> هل تقول لأهل إدلب إن دمشق لن تعود إلى إدلب في أي وقت قريب؟

- إنني متأكد من أن تركيا بدعم من أميركا والاتحاد الأوروبي و«حلف شمال الأطلسي» (ناتو) لن تسمح بذلك.

> أي دعم تقدم أميركا لتركيا في إدلب؟

- قدمنا الدعم الدبلوماسي، وتحدثنا مع الأتراك حول ذلك والدعم اللازم. كما أن الرئيس دونالد ترمب قال هذا بوضوح في سبتمبر (أيلول) 2018، إضافة إلى الرسالة التي نقلها السفير ديفيد ساترفيلد إلى حلف «ناتو» لدعم لتركيا في مارس (آذار) العام الماضي.

> أنت تترك منصبك بعد حوالي ذلك سنوات. هل تظن أن النظام السوري أقوى حالياً مما كان عندما تسلمت منصبك أم أقوى لأنه وسع مناطق سيطرته؟

- أضعف اقتصادياً. انظر ما يحصل لقيمة الليرة السورية. انظر إلى الانقسام في النخبة الحاكمة، ووضع (رجل الأعمال وابن خال الرئيس السوري) رامي مخلوف. أيضاً، فإن داعمي النظام روسيا وإيران وخصوصاً الأخيرة تحت ضغط العقوبات الأميركية. أيضاً، العقوبات الأميركية ستزداد تشدداً على النظام. النظام ضعيف سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

> تقول إن لأميركا أدوات عدة للإبقاء على دمشق في «صندوق العزلة»، إحداها العقوبات. لكن سوريين يقولون إن العقوبات تضر بالناس والمواطنين أكثر من المستهدفين؟

- العقوبات تضرب بالنظام وتعرقل قدرته على اتخاذ القرار والأعمال العسكرية. في المقابل، فإننا نحن قدمنا أكثر من 12 مليار دولار أميركي لدعم السوريين. ربما هناك بعض التأثير على السكان، لكن يجب ألا ننسى أن السبب الرئيسي لمعاناة السوريين هو قرار نظام الأسد والفساد والرشاوى. هذا ليس بسبب العقوبات.

> لكن العقوبات لم تؤد إلى مرونة أو تنازلات سياسية؟

- لأن الأسد يفضل الاعتماد على روسيا وإيران. وطالما هناك هذا الدعم، سيستمر في موقفه.

> سأعود لموضوع روسيا بعد قليل. لكن ماذا عن شمال شرقي سوريا. عدد القوات وأهدافكم هناك؟

- هناك قوة صغيرة تدعم «قوات سوريا الديمقراطية» لهزيمة «داعش». لكن عبر وجودنا هناك في الأرض ووجودنا الجوي أيضاً، نريد أن نحرم الأسد وروسيا وإيران من السيطرة على الأراضي هناك، إضافة إلى التنف.

> بالنسبة إلى التنف. هل تقدم أي دعم لوجيستي للغارات الإسرائيلية في سوريا؟

- قاعدة التنف تعمل هناك للسيطرة على تلك الرقعة الجغرافية ومحاربة «داعش». بإمكان سؤال الإسرائيليين حول الدعم.

> ذكرت قبل أيام أنك حاولت إنجاز صفقة بين «وحدات حماية الشعب» الكردية وتركيا في شمال شرقي سوريا. ما هي التفاصيل؟

- لم أتحدث عن اتفاق بين «الوحدات» وتركيا، بل بين «حزب الاتحاد الديمقراطي» من جهة و«المجلس الوطني السوري» (الكردي) وقوات البيشمركة المدعومة من (الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق) مسعود بارزاني. أجروا مفاوضات وهي مستمرة. نأمل أن هذا سيؤكد لتركيا أن «حزب العمال الكردستاني» وفرعه السوري، «الوحدات»، لن يهيمن على جميع الأكراد.

> هل تعتقد أن هناك إمكانية لتفاهمات بين «قوات سوريا الديمقراطية» و«الوحدات» من جهة وأنقرة من جهة ثانية؟

- دائماً ممكن. كما تعرف التاريخ وفي عامي 2014 و2015، أجروا اتصالات مكثفة في دهوك.

> ماذا عن التطبيع مع دمشق. ما هي شروطكم للتطبيع؟

- تطبيق القرار 2254، أيضاً، في أي تسوية وكجزء من أي تسوية، يجب انسحاب تركيا وأميركا والقوات الإيرانية وعدم توفير ملجأ آمن للإرهابيين والعمل مع المجتمع الدولي ضد الإرهابيين، إضافة إلى تنفيذ جميع الالتزامات المتعلقة بالبرنامج الكيماوي في اتفاق 2013 (الذي أبرم بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف قبل إصداره في القرار الدولي 2118). أيضاً، محاسبة أولئك الذين ارتكبوا جرائم الحرب. والعمل مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لعودة كريمة وحرة للسوريين إلى بلادهم. هذا ما نتوقعه.

> في حال قبِل الرئيس الأسد هذه الشروط، هل ستقبل أميركا التطبيع والتعامل معه؟

- هذا لا يتعلق بقبول الأسد. هذا يخص مقاربة «خطوة مقابل خطوة». هذا ما قلنا للروس. في حال قبول هذه الشروط، فإننا سنخفف الضغط خطوة بعد خطوة ونرفع العزلة الدبلوماسية والعقوبات.

> حتى من الأسد نفسه؟

- إذا الأسد نفسه بدأ تنفيذ هذه الشروط، فإننا سنبدأ بالرد (بخطوات). نعم صحيح.

> ماذا عن إيران وقواتها في سوريا؟

- الهدف الأول لإيران كان الإبقاء على الأسد في السلطة. ثم، قرر الإيرانيون التموضع في سوريا ضد إسرائيل وضد تركيا والدول العربية والنظام الإقليمي بقيادة أميركا.

> الإسرائيليون يتحدثون عن انسحابات إيرانية. هل تظن أن إسرائيل نجحت بإبعاد إيران عن الجنوب؟

- أعتقد، أن الإسرائيليين نجحوا بمساعدة منا بمنع إيران بإقامة وضع ثانٍ مثل «جنوب لبنان» في جنوب سوريا ومنع تهدد إسرائيل ودول أخرى بنظام صاروخي طويل المدى.

> ما هي طبيعة الدعم الأميركي لإسرائيل في سوريا في هذا السياق؟

- الدعم الضروري.

> نتحدث عن الدعم العسكري والاستخباراتي؟

- الدعم الضروري.

> ماذا عن روسيا. ذكرت مقاربة «خطوة مقابل خطوة» وكنت إلى وقت قريبا من مفاوضات للروس حول سوريا. ما هي قراءتكم لموقفهم ومدى استعدادهم للتسوية في سوريا؟

- أولاً، الروس مقتنعون بأنهم لن يحققوا نصراً عسكرياً في سوريا. ثانياً، يدركون أن الأسد ليس ذا شعبية وليس مؤثراً، لكن الروس لا يزالون لم يتخذوا خطوات للحل السياسي والدبلوماسي. حاولوا دعم مؤتمر اللاجئين الأخير في دمشق، لدعوة المجتمع الدولي. نعرف أن المجتمع الدولي لن يقبل ذلك، لذلك عرقلنا أي مشاركة جدية في هذا المؤتمر كي نظهر لهم أن ذلك (مقاربة روسيا) ليس صحيحا. إذا الروس واصلوا محاولاتهم هذه، فإننا سنواصل إظهار لهم أن هذا لن ينجح. لدينا الوقت.

> ذكرت مرات عدة سابقاً أن دورك أن تغرق روسيا في «المستنقع السوري». كيف؟

- المستنقع، هو عندما يكونوا في وضع يستثمرون مواردهم من دون نجاح ومن دون الخروج (مخرج من الأزمة). لذلك، سيكون عليهم الصراع كي لا يسقطوا أو يغرقوا. في نهاية المطاف، سيقررون اتباع أسلوب آخر، وهو التعاون معنا والمجتمع الدولي.

> هل تعتقد أن روسيا حالياً في عمق «المستنقع السوري»؟

- نعم إنهم في خضم المستنقع. أظن. نعرف أنهم يدركون أنهم في المستنقع. لكن حتى لو كنت في مستنقع، وهذا حصل معنا في فيتنام، فإن الأمر يأخذ وقتاً كي تدرك ذلك بعمق وتتصرف على هذا الأساس. حصل هذا مع السوفيات في أفغانستان، وحصل مع إيران في جنوب العراق في الثمانينات (خلال الحرب بين الطرفين). الأمر يأخذ سنوات.

> كم من الوقت ستأخذ روسيا كي تدرك أنها في «المستنقع» وتغير منهجها؟

- لا أعرف. سنواصل الضغط إلى أن يدركوا ذلك.

> قررت ترك منصبك مبعوثاً للملف السوري. ما هي نصيحتكم للفريق الجديد للملف السوري في إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن؟

- استمروا في هذه السياسة الناجحة القائمة على الضغط. هي ناجحة، أولاً لأننا لم نقم بأي من أخطاء إدارة باراك أوباما التي ارتكبتها في سوريا. ناجحة لأننا استخدمنا جمع عناصر القوة التي في حوزتنا بما فيها القوة العسكرية. لم نجلس ونحن نرى «خطوطنا الحمراء» يتم تجاوزها أمام أعيننا ولا نرد عندما استخدم النظام السلاح الكيماوي (في نهاية 2013). لم نتخل عن التحالف الدولي (ضد داعش). استعملنا الأمم المتحدة. والأهم، لدينا سياسة، تدعمها جميع الأطراف في المنطقة، بما فيها أوروبا. هذه بداية ممتازة لهم (الفريق الجديد) كي يستمروا فيها.

> تقصد الإمساك بالضغط والعزلة عبر الأدوات العسكرية والدبلوماسية؟

- لا. انتظر. كل هذا مربوط أيضاً بحل سياسي (تسوية). هذا يعني أننا لا نقرر (لا نحكم) كيف ستكون الحكومة السورية. أي، نريد الاستجابة للقرار 2254. نحن لا نقول إنه على الأسد أن يغادر (الحكم). لا نقول إنه على روسيا أن تغادر (سوريا). نقول، إنه على إيران أن تغادر، لكن كجزء من التسوية النهائية في سوريا. أيضاً، أميركا ستغادر. تركيا ستغادر. إسرائيل ستغادر. هذا هو عرضنا.

> إذن، أميركا تقبل سوريا بوجود روسيا وبخروج إيران. صحيح؟

- تماماً.

> بوجود الأسد؟

- إذا كان الأسد يغير سياسته. نعم.

> أنت التقيت مع الفريق الجديد للملف السوري في إدارة بايدن. ماذا أخبرتهم؟

- لا أتحدث عن مضمون اتصالاتي الدبلوماسي الداخلية.

> مثلاً؟

- أنا أخبر كل شخص ما أخبرتك به للتو...

> هل تعتقد أن الإدارة الأميركية الجديدة ستواصل ذات السياسة للإدارة السابقة؟ هناك حديث عن استثمار أكثر بالعملية السياسية والتفاوض مع الروس؟

- سنرى ما سيقوم به الفريق الجديد.

> بالنسبة للسوريين الموجودين خارج سوريا. ماذا تقول لهم؟ متى تظن أن التسوية ممكنة وعودتهم قريبة؟

- لا أستطيع إعطاء تاريخ.

> كم سنة؟

- لا أستطيع القول.

> لكن هل تعتقد أنهم سيعودون إلى بلادهم؟

- أنا متفائل. في حياتي أكيد. وكل تقديري لكل الشعب السوري.
المصدر: الشرق الاوسط




تأملات مبعوث للملف السوري: لحظات مظلمة قبل الفجر

تأملات مبعوث للملف السوري: لحظات مظلمة قبل الفجر

Dec 10 2020

مارتن لنغدن*
لا يتحدث الدبلوماسيون دوماً بوضوح، وينبع حرصنا في استخدام اللغة من سبب وجيه، فالتوجه غير المباشر غالباً ما يكون مفيداً على نحو أكبر في رسم حدود اتفاق ما أو تمهيد الطريق أمام جهود التعاون الدولي. غالباً، وليس دائماً.
ويتطلب حجم وحدة الأزمة القائمة في سوريا منا جميعاً التحدث بجلاء وصدق أكبر حول الواقع الذي تتكشف ملامحه أمامنا، والخطيئة الكبرى وراء الاستمرار في رفض عمل ما يجب عمله إذا كانت هناك رغبة حقيقية في إنقاذ سوريا من كارثة أكثر فداحة.
بطبيعتهم، يتحلى الدبلوماسيون بالتفاؤل، ذلك أننا متمرسون في إيجاد حلول مبتكرة لقضايا شائكة. بيد أنه في الوقت ذاته يتعين علينا التحلي بالواقعية والصدق. في الحقيقة، حجم الدمار الذي لحق بسوريا يعني أن إعادة تأهيل البلاد سيكون دوماً مهمة صعبة. لكن رفض نظام الأسد المشاركة بجدية في عملية إصلاح سياسي، حسبما يطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع استمراره في الوقت ذاته في سلوكه القمعي، الذي يؤتي بنتائج عكسية، أطال أمد شقاء الكثيرين وأهدر وقتاً ثميناً. وفي يومنا هذا، أصبح الوقت - مثل الغذاء والوقود - سلعة توشك على النفاد داخل سوريا.
وغالباً ما قيل، إنه رغم أن الاحتمالات تشير إلى أن النظام سيفوز في الحرب في سوريا، فإنه سيواجه صعوبات جمة في «الفوز» بالسلام، بمعنى أن النصر العسكري للنظام لن يكون باستطاعته أبداً إصلاح أي من الأسباب الجوهرية للأزمة الراهنة، أو تحقيق استقرار حقيقي أو توفير الأمن والرخاء للشعب السوري.
اليوم، تقف سوريا على حافة الهاوية. وتشكل الأزمة الاجتماعية - الاقتصادية التي ألمت بالبلاد تهديداً خطيراً ومتفاقماً للسوريين. من جهتها، حذرت الأمم المتحدة هذا الشهر تحذيراً صادماً من أن مليوني سوري إضافيين الآن أصبحوا في حاجة ملحة لمساعدات إنسانية، ليرتفع الإجمالي إلى 13 مليوناً. وتتصدر سوريا اليوم القائمة العالمية لمتطلبات التمويل الإنساني.
ومع زيادة المسار السلبي الخطر الذي يتبعه النظام سوءاً من أسبوع لآخر، هل لا يزال من الممكن وقف هذا التردي والتحرك نحو علاجه؟
في حال الاستمرار في النهج الحالي للنظام السوري، فإن الإجابة بالقطع لا. ومع اقتراب الشتاء، تحتشد صفوف المواطنين الذين تعتمل نفوسهم بيأس متزايد طلباً للحصول على الوقود والخبز، في الوقت الذي تبدو خطابات النظام حول «عودة الأوضاع إلى طبيعتها» أكثر خواءً يوماً تلو آخر. الواضح أن النظام وداعميه، يفتقرون إلى الموارد اللازمة لإصلاح هذه السفينة التي تحدق بها الأخطار، لكن في كل الأحوال يتركز اهتمامهم حصراً على ضمان البقاء لهم وللنخب المتآكلة.
وبدلاً عن الانخراط بجدية في العملية التي صاغتها الأمم المتحدة، وهي عملية بمقدورها بالفعل نقل سوريا إلى وضع أفضل وخلق مساحة أمام الدعم المالي الدولي والمصالحة الوطنية، تسعى دمشق حصراً لتعطيل أي تحرك نحو الأمم. ويأمل النظام السوري في أن تفلح الانتخابات المقررة العام المقبل، والتي بالطبع لن يسمح للكثير للغاية من السوريين بالمشاركة فيها، في خلق فرصة للبدء من جديد وقلب الصفحة. لكن كيف يمكن أن تأمل في قلب صفحة بينما الكتاب نفسه تلتهمه النيران؟
الواضح أن سوريا بحاجة إلى مساعدات اقتصادية ضخمة - وبسرعة، لكن هذه المساعدة لن تأتي من موسكو. في الواقع، قدمت روسيا حداً أدنى من المساعدات المالية لسوريا، ذلك أن حلفاء النظام يأخذون من سوريا، ولا يعطونها. في المقابل، نجد أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وشركاء أوروبيين يقدمون النصيب الأكبر من الدعم المالي للسوريين، عبر كامل أرجاء البلاد وما وراء ذلك.
لكن يجب أن تكون تلك مساعدات إنسانية في الجزء الأكبر منها، بحيث تركز على تلبية الاحتياجات القصيرة الأجل، بما في ذلك الطعام والمأوى والتعليم الأساسي، وليس مساعدات اقتصادية بمعنى أوسع. وتبقى المملكة المتحدة وحلفاؤها واضحين وعاقدي العزم على عدم توفير دعم لإعادة إعمار سوريا إلا في إطار حل سياسي. ولا يعكس هذا موقفاً يقوم على المبادئ فحسب، وإنما بصراحة، يعكس كذلك حدود ما يمكننا فعله من أجل خلق اختلاف إيجابي.
في جوهرها، تحمل القضايا التي خلقت وتُبقي على الأزمة السورية، طابعاً سياسياً. أما التداعيات الاقتصادية، فليست سوى عرضية (وإن كان ذلك عرضياً فتاكاً) لذلك الداء الأوسع. ومن دون حدوث تغيير حقيقي في سلوك النظام، وتوفير بيئة آمنة لعقد انتخابات حرة ونزيهة بحق، لن تتمكن أي مساعدات اقتصادية مهما بلغ حجمها إعادة الاستقرار لسوريا، وتمكين اللاجئين من العودة إلى منازلهم والسماح بإقرار مصالحة وطنية وإعادة بناء البلاد.
في الواقع، لقد خضنا نضالاً مستمراً لضمان عدم تغيير مسار المساعدات الإنسانية الأساسية التي يجري تمريرها عبر قنوات الأمم المتحدة في دمشق على يد النظام واستغلالها لخدمة أجندته السياسية. وعليه، فإنه في وقت تحتاج سوريا بشدة إلى اقتصاد يوفر الوظائف والدخل للناس، لماذا يتعين على الدول الغربية المانحة المخاطرة بملء جيوب النظام وتعزيز محاباة الأقارب والفساد الذي استوطن في مفاصل الدولة السورية وأصابها بالعفن؟
الحقيقة أن كل المعنيين بهذه الأزمة يقفون في مواجهة اختيار بسيط وواضح: إما أن نعمل معاً بسرعة وتصميم لتحقيق حل سياسي ينهي حالة عدم الاستقرار، ويفتح الباب أمام الدعم المالي، وإما نتبع المسار الوحيد البديل - الذي أخشى أننا نسير عليه بالفعل في الوقت الراهن - حيث تدفع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وغياب المستوى الأساسي من الأمن سوريا من على حافة الهاوية. النظام وأعوانه يقفون في مواجهة هذا الاختيار اليوم، بينما تقترب لحظة الحسم واتخاذ القرار.
لقد سبق أن قلت إن الدبلوماسيين كائنات تتميز بالتفاؤل بطبيعتها، وثمة أسباب تدعو لعدم اليأس. في الواقع أكثر اللحظات ظلاماً تلك التي تسبق بزوغ الفجر مباشرة، ولا يزال من الممكن أن نعاين أمامنا سبيلاً بمعاونة الأمم المتحدة والممثل الخاص لها غير بيدرسون للخروج من نفق هذه الأزمة.
على الصعيد الدولي، ليست هناك دولة تستفيد حقاً من وجود سوريا محطمة وغير مستقرة، وينبغي أن نسعى للاتفاق حول توجه مشترك لتحقيق تسوية تحترم المصالح الوطنية لجميع الأطراف المعنية. وداخل سوريا، يتعين على داعمي النظام أن يدركوا أنه من المتعذر استمرار الوضع القائم حالياً، خاصة أن التكاليف التي يتحملونها، وهم وراء دعم نظام فاشل، تتفاقم يوماً بعد آخر. في الواقع ما كان يوفر لهم الحماية ذات يوم أصبح الآن عبئاً.
وتبقى هناك رؤية بديلة: سوريا موحدة ومزدهرة وذات سيادة تمثل التركيب المتنوع بداخلها ويجري حكمها بما يخدم مصالح جميع السوريين، وليس أقلية قليلة للغاية. لقد تشرفت من خلال عملي هذا بمعرفة سوريا وشعبها، وأنا على ثقة من أنه حال إعطائهم الحرية وبدعم دولي، باستطاعة الشعب السوري، بصلابة السوريين وقوتهم وطاقتهم وعزيمتهم وإنسانيتهم وروحهم، إعادة بناء وطنهم الممزق وتحقيق كامل إمكاناته. وآمل من صميم قلبي أن يقدم أصحاب النفوذ الأكبر على صانعي القرار في دمشق أخيراً على فعل كل ما هو ضروري للسماح بإنجاز ذلك، قبل فوات الأوان.
* المبعوث البريطاني إلى سوريا
المصدر:الشرق الأوسط




دمشق تودع «كاتم أسرار» القوتلي و«شاهد جميع الانقلابات»

دمشق تودع «كاتم أسرار» القوتلي و«شاهد جميع الانقلابات»

Dec 10 2020

شُيع بهدوء، إلى مقبرة الباب الصغير، في دمشق القديمة، عبد الله الخاني «شيخ الدبلوماسيين السوريين» والشاهد على عشرين انقلاباً، وتحولات القصر الرئاسي من الرئيس شكري القوتلي إلى حافظ الأسد، وانتهاء بالرئيس بشار الأسد الذي عزّى فيه بعد وفاته عن 98 سنة. وعُرِف بأنه «كاتم أسرار» القوتلي، وأدار انتقال السلطة إليه من هاشم الأتاسي، منتصف خمسينات القرن الماضي.

كان والد «عبد الله بيك»، كما يُلقب، قاضياً شرعياً تولى مناصب عدة في ريف دمشق. وُلِد الخاني في 1922 وكان زميل دراسة للشاعر الراحل نزار قباني، ودرس في مدرسة الفرير، والتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، قبل أن يُكمل دراسته في جامعة دمشق، حيث نال شهادة بالحقوق، وعمل في مكتب المحامي نعيم أنطاكي (أحد رموز الحركة الوطنية).

وفي «يوم جلاء» الانتداب الفرنسي 17 أبريل (نيسان) 1946، شاهد الخاني من ضفاف نهر بردى الاستعراض العسكري المهيب وفرسان الجيش السوري الخيّالة على جيادهم البيض، ثم فِرقاً من الكشّافة ورجالات «الثورة»، حاملين صورة كبيرة لوزير الدفاع الراحل يوسف العظمة.

في السنة التالية، دخل الخاني إلى بطانة القوتلي بتزكية من رئيس جامعة دمشق سامي الميداني. طلب منه القوتلي متابعة مجريات مجلس الأمن حول قرار تقسيم فلسطين، نظراً للغته الإنجليزية التي تعلّمها في الجامعة الأميركية في بيروت. وكتب المؤرخ سامي مبيض في نعيه على صفحته في «فيسبوك»: «أحبه القوتلي وقرر الاحتفاظ به، لكنّه لم يجد شاغراً له في ملاك القصر الجمهوري؛ فطلب منه أن يصبر قليلاً». هذه الفترة «ولدت علاقة متينة مع القوتلي، الذي صار يعتمد عليه كثيراً في إدارة شؤون القصر، وتحديداً في أمور المكتب الصحافي». وكان الخاني يرتدي بدلته البيضاء، ويصعد سلّم السراي الكبير في ساحة المرجة، أو يدخل إلى قصر المهاجرين ليلقي التحية على مُعلّمه الأول وصديقه الرئيس القوتلي.

بعد الإطاحة بالقوتلي سنة 1949، أغلق القصر الرئاسي بأمر من قائد الانقلاب الأول، الزعيم حسني الزعيم. عاد الخاني إلى عمله، ثم أرسله أديب الشيشكلي إلى فرنسا لدراسة شؤون المراسم في النظام الجمهوري، والإفادة من تعاليم قصر شارل ديغول، ثم إلى بريطانيا لدراستها في النظام الملكي.

تدرج في المناصب الإدارية، ليصبح مديراً للبروتوكول ثم أميناً عاماً بالوكالة في عهد الرئيس هاشم الأتاسي «الذي أحب الخاني كثيراً ووثق به نظراً تفانيه بالعمل»، واعتاد تقبيل يده في الصباح الباكر من كل يوم وهو داخل على مكتبه في الطابق العلوي من القصر الجمهوري القديم في حي المهاجرين، حسب مؤرخين.

ولدى انتخاب القوتلي رئيساً في 1955، نظّم الخاني عملية انتقال السلطة بينه وبين الأتاسي. وشارك الخاني في اجتماعات القوتلي مع قادة ورؤساء العالم، منهم الملك الأردني حسين بن طلال، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، والهندي جواهر لال نهرو، وداغ هامرشولد أمين عام الأمم المتحدة. كما شارك الخاني في مفاوضات الوحدة السورية - المصرية سنة 1958. وعند قيام الجمهورية العربية المتحدة نُقل إلى ملاك وزارة الخارجية.

في الخارجية، تعددت مناصبه الدبلوماسية، بين بروكسل ولندن وباريس، حيث عمل في «اليونيسكو» وتعرف على عدد من قادة العالم، مثل رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي، والرئيس الفرنسي شارل ديغول، واليوغوسلافي جوزيف تيتو.

وانضم إلى وفد سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة خلال حرب عام 1967. وعُيّن أميناً عاماً لوزارة الخارجية سنة 1969، حسب صفحة الخاني على «ويكبيديا».

ويروى أنه خلال عمله في لندن في الستينات، نصح يوسف الزعين بمواصلة دراسة الطب وعدم العودة إلى دمشق بناء على طلب نور الدين الأتاسي، الذي أصبح لاحقاً رئيساً، قبل سجنه من الرئيس حافظ الأسد. لكن الزعين عاد وأصبح رئيساً للوزراء في حكم «البعث» الذي وصل إلى الحكم في 1963.

وبعد تسلُّم حافظ الأسد الرئاسة في 1971، بعد سنة من «الحركة التصحيحية»، أصبح الخاني معاوناً لوزير الخارجية، وشارك في اجتماعات الأسد مع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في دمشق سنة 1974، وجيمي كارتر في جنيف سنة 1977.

وطلب الأسد من الخاني تأسيس وزارة السياحة، بعد أن كانت مديرية تابعة لوزارة الاقتصاد، وسُمّي أول وزير للسياحة في حكومة محمود الأيوبي في 1972، وبقي في منصبه إلى 1976، وتخللت ولايته «حرب تشرين» في 1973، وشهدت افتتاح أهم الفنادق الغربية في دمشق.

في 1980، انتخب عضواً في محكمة العدل الدولية، قبل أن ينضم إلى الهيئة الدولية للتحكيم التابعة لـغرفة التجارة الدولية في باريس في 1990. كما تم انتخابه عضواً مستقلاً في مجلس التحكيم الدولي في الرياضة، وكان حكماً في الألعاب الأولمبية منها في مدينة أتلانتا في 1996. وفي عام 1993، أصبح عضواً في المحكمة الدستورية لاتحاد البوسنة والهرسك من عام 1993 وحتى 1999. كما شارك في تدريب الفريق المكلف وضع دستور لسراييفو، وأدى دوراً في أن تضع الحرب أوزارها.

وقال مبيض في صفحته على «فيسبوك» إنه في السنوات العشر الأخيرة كان ينظر إلى سماء دمشق بكثير من الحزن والألم، وإلى أعمدة الدخان الأسود المتصاعدة منها، ويقول: «يا حوينت هالبلد»، لافتاً إلى أن «الحرب السورية الأخيرة استنزفت كثيراً من قلبه وعقله».
المصدر:الشرق الأوسط




في ظل الحكم الجديد: السودان تسحب جنسيتها من السوريين..

في ظل الحكم الجديد: السودان تسحب جنسيتها من السوريين..

Dec 10 2020

برجاف| كُوباني-مروى حسين
تتناقل الوسائل الأخبارية بانّ الحكومة السودانية أصدرت قرار يقضى بسحب الجنسية من أكثر من 3 آلاف أجنبي ومن بينهم السوريين،
وما إن بدأت الحكومة الجديدة السودانية بممارسة دورها ، حتى باشرت بسحب الجنسية السودانية من الأجانب الذين حصلوا عليها في العشر السنوات الأخيرة، والذي يبلغ عددهم 3548 شخصاً.
ويوجد في السودان آلاف السوريين، غالبيتهم من الحاصلين على الجنسية السودانية كامتياز لسهولة تسيير مصالحهم وأعمالهم.
وكانت حكومة البشير قد منحت آلاف الجنسيات للسوريين، كشكل من أشكال التعاطف واستثماراً لإمكانياتهم، الأمر الذي وُصف بأنّ "التوجه الإيديولوجي لدى بشير يفعل فعله" في إشارة إلى "الإخوان المسلمين".
ويأتي الرأسمال السوري بعد الرأسمال الصيني في السودان،وتشير الأرقام الحكومية السودانية إلى وجود قرابة 100 ألف سوري في البلاد، إلا أن العدد يُقدّر بأكثر من ذلك، إذ يعد السودان حاليًا وجهة للقاء السوريين بعائلاتهم كونه لم يفرض تأشيرة عليهم.
فقد وجد السوريين في السودان فرصة جيدة للاستثمار.
وتوجد في كُوباني مئات العائلات، استثمرت أموالها في السودان، وفِي القرن الافريقي، وغالبية الكوبانيين في السودان أصحاب أعمال في المستوى الأول والمتوسط، حيث هناك عدد من المعامل يملكها الكوبانيون إضافة إلى التنمية في المجال الزراعي، وأيضا في قطاع حفر الآباروالأشخاص الكُرد الذين من الممكن ان يتضررو بحدود 200 شخص .
وتجدر الإشارة أنّه هناك قلق يساور السوريين خاصة أن كل أوراق العمل مسجلة في داخل السودان والدول الاخرى،بالوثائق السودانية وهذا ما سيشكل إرباكاً كبيراً في أوساط السوريين وستنعكس سلباً على أدائهم على مستوى المال والأعمال.




كفى رعباً لناسنا..و أوقفوا الحرب!

كفى رعباً لناسنا..و أوقفوا الحرب!

Dec 09 2020

ارسلت منظمة برجاف للتنمية الديمقراطية والإعلام رسالة الى السيد المبعوث الخاص، وفريق عمله بعنوان (كفى رعباً لناسنا.. وأوقفوا الحرب!)..
وجاء في الرسالة شرحٌ عن مجريات اليوم وقصف القوات الموالية لتركيا لمناطق متفرقة من شمال وشرق سوريا.
وطالبت برجاف المبعوث الخاص، لقيام الامم المتحدة بلعب دور لطمئنة الناس في مناطق التي تتعرض للقصف التركي المتقطع وتسبب بنزوح المدنيين وشددت برجاف في رسالتها للمبعوث الخاص على ضرورة إعادة الطرق لتقديم الخدمة وإلزام أطراف النزاع بفصل الناس ومصالحهم عن النزاع وقالت ان الناس بحاجة:
- قيام الأمم المتحدة بلعب دور لطمئنتهم، وذلك عبر زيارة ممثلي التنسيق الإنساني، ومن يمثلكم ليكونوا في صورة المجريات عن قرب ولسماع الناس ومعرفة أحوالهم واحتياجاتهم، ولتخفيف القلق والرعب عنهم.
- تنفيذ وقف إطلاق النار وإلزام أطراف النزاع بالإتفاقيات الموقعة بين تركيا وأمريكا، وتركيا وروسيا، وموافقة قوات قسد، ومراقبة وقف إطلاق النار من قبل الأمم المتحدة.
-إعادة الطرق لتقديم الخدمة وإلزام أطراف النزاع بفصل الناس ومصالحهم عن النزاع، واعتبار طريق"أم ٤" طريقاً انسانياً متاحاً للمدنيين، وذلك عبر إبعاد المسلحين من الطرفين عن الطريق.
- تشغيل محطة "علوك"، للمياه والتي تقع تحت سيطرة الأتراك والتي تقدم الخدمة لكل سكان محافظة الحسكة، حيث إنّه منذ سيطرة الأتراك يعاني الأهالي في الحسكة من العطش، ما يؤثر على حياة الناس، ويخالف القانون الدولي.

ووصفت برجاف في ختام رسالتها بإنّ المجريات الحربية اليوم أصبحت بنظر الناس "أخطر من كورونا"، بالرغم من خطورة الاخيرة.




هل أصبحت سوريا «ملحقاً» بملفات أخرى؟

هل أصبحت سوريا «ملحقاً» بملفات أخرى؟

Dec 09 2020

لا تكتفي الأطراف المعنية بالملف السوري بالانتظار إلى حين تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مقاليد الحكم في نهاية الشهر المقبل. كل طرف يحاول خلق وقائع جديدة، يجدها فريق بايدن أمامه، من دون أن تصل إلى خطوات استفزازية للرئيس الأميركي الجديد. كان بين هذا إعلان القاهرة وعمان قبل أيام من اجتماع عربي رباعي ضم السعودية ومصر والأردن والإمارات، بهدف البحث عن تنسيق «الدور العربي» في حل الأزمة السورية. المشاورات غير المعلنة والعلنية ترمي إلى المساهمة في صوغ «استراتيجية عربية» تتضمن عناصر رئيسية، بينها الدفع لحل سياسي وفق القرار 2254 والحفاظ على أمن سوريا و«ووحدتها وسيادتها»، والمطالبة بخروج «جميع القوات والميليشيات الأجنبية»، حسبما نُقل عن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
وزاد منسوب القلق العربي من الدورين التركي والإيراني في سوريا و«أثر التدخلات الإقليمية على وحدة سوريا»، باعتبار أن أنقرة تسيطر عبر فصائل موالية أو بشكل مباشر على أكثر من 10% من مساحة الأراضي السورية البالغة 185 ألف كلم. وتحاول توسيع نفوذها في الشمال. كما أن طهران تعمّق تغلغلها تحت غطاء موسكو أو بالتحالف مع دمشق في جنوب سوريا وشرقها.
وتبلغت روسيا رسمياً من أطراف عربية، «تسهيلها» الوجودين التركي والإيراني في سوريا، بل إن المبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينييف سمع في عمان ملاحظات لعدم وفاء بلاده بالاتفاق المبرم في منتصف 2018 وقضى بـإبعاد تنظيمات إيران عن جنوب سوريا مقابل عودة القوات الحكومية السورية وتخلي حلفاء المعارضة عن فصائلها في «مثلث الجنوب»، أي أرياف درعا والقنيطرة والسويداء.
وضمن التفكير بـ«الدور العربي»، أفكار كثيرة، بينها دعم تكتل جديد للمعارضة السورية يقابل «هيئة التفاوض» أو «الائتلاف» اللذين يُنظر إليهما من أطراف عربية على أنهما تحت النفوذ التركي خصوصاً بعد عدم حل «عقدة المستقلين» في «الهيئة». أيضاً، طرح معارضون فكرة توسيع «الفيلق الخامس» الذي تدعمه قاعدة حميميم، ليضم آلاف المقاتلين والنهل من «الخزان البشري» الذي يضم 70 ألف متخلف عن الجيش السوري، تحاول طهران جذبهم عبر «إغراءات وإعفاءات». تُضاف إلى ذلك أمور تخص المسار السياسي والإعمار.
وتسعى أطراف عربية إلى تشكيل «كتلة عربية» خصوصاً أن هناك كتلتين أخريين: الأولى، هي «المجموعة المصغرة» وتضم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن. والأخرى، «مجموعة آستانة» وتضم روسيا وإيران وتركيا.
«المجموعة الصغيرة» استعادت التشاور بينها وعقدت اجتماعاً وزارياً قبل أسابيع تضمن التنسيق بين الدول الغربية والعربية إزاء الحل السياسي واللجنة الدستورية ومقاطعة مؤتمر اللاجئين الذي رعته موسكو في دمشق منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتدفع واشنطن إلى استمرار بقاء «دمشق في صندوق العزلة» عبر عدم التطبيع الثنائي والجماعي العربي وفرض عقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية وربط الإعمار بتحقيق تقدم في العملية السياسية، إضافة إلى دعم الضربات الإسرائيلية لـ«التموضع الإيراني».
ضمن هذا، فإن المبعوث الأميركي الجديد جويل روبرن، زار أنقرة والقاهرة، لهدفين: الأول، الحفاظ على خطوط التماس الحالية في سوريا وعدم قيام تركيا بعملية شرق الفرات بعد تردد معلومات عن نية الرئيس رجب طيب إردوغان استقبال بايدن بواقع جديد ضد الأكراد السوريين القريبين لقلب الرئيس الأميركي الجديد وفريقه. والآخر، عدم التطبيع العربي مع دمشق وعدم فك العزلة عنها. و«النصيحة» التي قدمها مسؤولو الملف السوري في إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى فريق بايدن، هي: الحفاظ على الجمود الحالي وخطوط التماس بين «مناطق النفوذ» الثلاث، لحرمان موسكو وطهران ودمشق من «الانتصار السياسي» وإبقائها في «المستنقع» ما لم تحصل تنازلات جيوسياسية وداخلية.
في المقابل، واصلت أطراف «مجموعة آستانة» التنسيق بينها. موسكو وطهران تحاولان إقناع دمشق بأن «مسار آستانة لصالحها». وكان هذا مضمون الكلام الذي سمعه فيصل المقداد من نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في أول زيارة لطهران لوحظ حجم الحفاوة الإيرانية بالوزير السوري الجديد، بعدما سمعت دمشق من الروسي سيرغي لافروف، أن «مسار آستانة حقق مكاسب لدمشق ووسّع مناطق السيطرة التابعة لها». دمشق، لها رأي آخر، فيه رغبة بالعودة إلى إدلب والقامشلي، اللتين تقف موسكو وواشنطن أمام تحويلهما إلى واقع. ما لم تقله طهران، أنها ربطت الملف السوري باحتمال مفاوضاتها مع واشنطن، كما هو الحال مع موسكو وتوقعاتها الأميركية. وبين تحركات «الكتل» المعنية بالملف السوري، استعاد المبعوث الأممي غير بيدرسن، فكرته القديمة، وهي خلق مجموعة اتصال جديدة أو التنسيق بين «الكتل». سابقاً، كان فيتو أميركا ضد الجلوس مع إيران على طاولة واحدة أحد أسباب عدم الدمج بين «ضامني آستانة» و«المجموعة الصغيرة». رهانه أن هذا قد يتغير مع إدارة بايدن. لكن الواضح أن «الملف السوري» بات ملحقاً بملفات دولية وإقليمية أخرى ولم يعد منفصلاً بذاته.
المصدر:الشرق الاوسط




وثيقة للمعارضة السورية في جنيف تطالب بـ«نظام جمهوري تعددي»

وثيقة للمعارضة السورية في جنيف تطالب بـ«نظام جمهوري تعددي»

Dec 06 2020

ردت «هيئة التفاوض السورية» المعارضة على وثيقة قدمها وفد الحكومة السورية في اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، بتقديم ورقة لـ«المبادئ الوطنية كمضامين دستورية» في أربع صفحات، تضمنت الكثير من العناصر، بينها أن يكون النظام السياسي «جمهورياً» يقوم على «التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع، وتسهم الأحزاب السياسية والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، وعليها احترام الدستور ومبادئ السيادة الوطنية».

وانتهت أول من أمس اجتماعات الجولة الرابعة للجنة، بإعلان المبعوث الأممي غير بيدرسن: «يسعدني جداً أن اللجنة اتفقت وأظن أنها المرة الأولى التي تنجح في ذلك، إذ اتفقنا على برنامج اجتماعنا المقبل وموعده» في 25 يناير (كانون الثاني) المقبل.

والتقت اللجنة الدستورية المؤلفة من 45 شخصاً، يمثلون مناصفة السلطات السورية والمعارضة والمجتمع المدني، الاثنين، في جنيف، للمرة الرابعة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وأوضح بيدرسون أن المحادثات خلال الاجتماع المقبل «ستتناول المبادئ الدستورية أو المبادئ الأساسية للدستور».
كان رئيس وفد الحكومة السورية أحمد الكزبري، إلى اجتماعات اللجنة الدستورية، قدم إلى فريق المبعوث الأممي وثيقة تضمنت مواقف أكثر تشدداً وتفصيلاً من الأوراق الحكومية السابقة، بينها مطالبتها ممثلي «هيئة التفاوض» المعارضة والمجتمع المدني بـ«رفض الأعمال الإرهابية»، بما في ذلك «الإرهاب الاقتصادي»، ومساواة الوثيقة بين «داعش» و«الإخوان المسلمين»، إضافة إلى «إدانة الاحتلال الأجنبي من تركيا وإسرائيل وأميركا»، من دون أي إشارة إلى إيران وروسيا. كما صعدت الوثيقة ضد «الإدارة الذاتية» الكردية لدى رفضها «أي أجندة انفصالية».

في المقابل، قدم رئيس وفد «الهيئة» هادي البحرة، وثيقة مضادة من أربع صفحات، لخصت مداخلات وفد المعارضة للدستور السوري المقترح. وحسب النص، الذي حصلت «الشرق الأوسط» عليه، فإن «الدولة السورية دولة مدنية ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي عضو مؤسس في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وهيئة الأمم المتحدة، وتلتزم بمبادئ حسن الجوار، وبناء أفضل العلاقات مع محيطها الإقليمي والدولي، اعتماداً على مبدأ السيادة الوطنية والقانون الدولي، وتلتزم بإعادة الجولان المحتل بكافة الوسائل المشروعة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي». وأن الدولة «تتمتع بكامل السيادة الوطنية على قدم المساواة مع غيرها من الدول، وتلتزم بعدم التدخل في شؤونها».

واقترحت الوثيقة أن يكون «نظام الحكم في الدولة جمهورياً ديمقراطياً تداولياً، يقوم على التعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وأن الشعب السوري متعدد القوميات والأديان، يملك السيادة وهو مصدر السلطات، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بنفسه ولنفسه، ويمارس الشعب السيادة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور، وأن يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية، وعن طريق صناديق الاقتراع بدون تدخل خارجي، وفقاً لحقوق الدولة السورية»، إضافة إلى «مناهضة جميع أشكال الإرهاب والتعصب والتطرف والطائفية، وتلتزم بمكافحتها ومعالجة أسباب انتشارها».

كما اقترحت إحداث هيئتين، واحدة للمهجرين وثانية لحقوق الإنسان. وقالت: «لا يجوز حرمان أي عضو من الشعب من جنسيته»، مضيفة أن «هذه المضامين الدستورية المقترحة صالحة للبناء عليها وصياغتها لتكون ضمن المبادئ الأساسية في الدستور الجديد للبلاد، وأن تكون محل إجماع الشعب بكل أطيافه ومكوناته، مع تأكيدنا أن لا وجود لمبادئ وأسس يمكن وصفها بالوطنية خارج إطار الدستور».

وتجري اجتماعات اللجنة الدستورية بموجب مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي بداية العام الماضي، لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي نص على إصلاح دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية.
المصدر: الشرق الاوسط




إدارة بايدن تتجه لتصحيح أخطاء أوباما في سوريا

إدارة بايدن تتجه لتصحيح أخطاء أوباما في سوريا

Dec 02 2020

شارك المبعوث الخاص السابق لإدارة الرئيس ترمب إلى سوريا والتحالف الدولي لهزيمة «داعش»، جيمس جيفري (الذي تقاعد الشهر الماضي)، في إحاطة افتراضية عبر التليفون مع فريق الرئيس المنتخب جو بايدن، آخر المستجدات والتقييمات حول الوضع السياسي والأمني في سوريا، والعناصر والجماعات المتنافسة هناك، ودور الجنود الأميركيين في كل من سوريا والعراق، إضافة إلى مستجدات مكافحة «داعش»، علماً بأنه يوجد حاليا 600 جندي أميركي على الأقل في سوريا.

وجاءت هذه المكالمة التليفونية بين عدة إحاطات تمت بشكل مباشر أو افتراضياً، حول قضايا الأمن القومي الأميركي، إذ يسرع فريق بايدن الخُطى استعداداً للعمل منذ اليوم الأول لتسلم السلطة. وتنظر الأوساط السياسية إلى مواقف بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، حول الأوضاع في سوريا على أنها ستعمل على تصحيح بعض ما فشلت إدارة أوباما بالقيام به. فقد قال بايدن، في خطاب خلال حملته الانتخابية في ولاية أيوا، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن قرار ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا كان فشلاً كاملاً، وإن الانسحاب الأميركي ترك السوريين عرضة للهجمات، وأشار إلى ضرورة دعم الأكراد السوريين.

وفي وقت سابق هذا العام، اعترف بلينكن (الذي عمل نائب مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق باراك أوباما) بأن إدارة أوباما فشلت في سوريا، ملقياً باللوم على إدارة ترمب في سحب الجنود الأميركيين في سوريا. واعترف بلينكن، في حوار مع شبكة «سي بي إس نيوز» في مايو (أيار) الماضي، بأن إدارة أوباما فشلت في منع الخسائر في الأرواح، وفشلت في منع النزوح الجماعي داخل سوريا، وفشلت في وقف تدفق اللاجئين.
وكان أوباما قد رسم خطاً أحمر، في حال استخدام الرئيس السوري بشار الأسد الأسلحة الكيماوية، لكنه صمت عندما استخدم الأسد غاز السارين. وأشار بلينكن إلى أن الوضع في سوريا أصبح أكثر سوءاً، وأن إدارة ترمب فقدت أي نفوذ متبقٍ لها في سوريا. وحينما سئل عن إمكانية التطبيع مع نظام الأسد، قال بلينكن: «هذا مستحيل بالنسبة لي؛ تخيل ذلك»، مما يعني أنه ليس بالسيناريو المحتمل خلال السنوات الأربع المقبلة.

وكان السيناتور كريس كونز، وهو حليف مقرب من بايدن، قد قال إنه سيدعم استمرار وجود قوات أميركية على الأرض في سوريا وأفغانستان، لمنع مجموعات مثل «داعش» و«القاعدة» من معاودة الظهور، واكتساب الأرض والنفوذ مرة أخرى. وأدلى بايدن بتعليقات مماثلة، بقوله: «هذه الحروب الأبدية يجب أن تنتهي، وأنا أؤيد سحب القوات الأميركية، لكن المشكلة أنه لا يزال علينا القلق بشأن الإرهاب و(داعش)».

وفسر المحللون آراء بلينكن على أنها اتجاه داخل إدارة بايدن الجديدة للتدخل بشكل أقوى في الملف السوري، خاصة مع تقارير استخباراتية تشير إلى أن تنظيم داعش والقاعدة لا يزالا عازمين على إعادة الظهور، والتخطيط لتوجيه ضربات ضد الولايات المتحدة. كما أن الوجود العسكري الأميركي -رغم تواضعه- لا يزال يمثل الدعامة الأساسية للحفاظ على الوضع في سوريا، ومنع ظهور الإرهابيين مرة أخرى. وتشير التحليلات إلى أن بايدن سيرغب في إبقاء جنود أميركيين في سوريا، إلى جانب الاستمرار في العقوبات الاقتصادية على نظام الأسد.

وتبقى التساؤلات عن خطط بايدن وبلينكن حول الخيارات التي أمامهم في الأزمة السورية، فهل سيواصل بايدن العقوبات على سوريا أم سيرفعها؟ وهل سيطالب النظام السوري بتحقيق إصلاحات رئيسية معينة أو بالعودة الطوعية الآمنة للاجئين؟ لكن بالنظر إلى ترتيبات القوة على الأرض، سيكون على بايدن إيجاد وسيلة للعمل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وإيجاد مسار للانخراط في عملية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة. وفي إطار اهتمام بايدن بتأمين صفقة مع إيران حول طموحاتها النووية، سيرغب الرئيس المنتخب في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا.
المصدر:الشرق الاوسط




خلفَ حُدود الدم ... مُهرّبو البشر وِكالةُ سفَرٍ أم سُوقُ نِخاسة؟

خلفَ حُدود الدم ... مُهرّبو البشر وِكالةُ سفَرٍ أم سُوقُ نِخاسة؟

Nov 30 2020

خلال رحلاتِ الموت العابرة لحدود الدمِ بين سوريا وتركيا، يشُقُّ المهاجرونَ طريقهم الشّاقَّ في معادلة الهجرة غيرِ المنظمة على طول الشريط الحدودي الذي يلف كامل قرى شمال وشمال شرق سوريا، فيكتشفُ المغامرونَ أسرار تجارة الحدود والقائمينَ على تلك الصناعة، والتي تنتهي ببعضهم بعد عبورهم خطّ الحدود كَوليمةٍ لشبكة مافيا دولية تتقاسمهم وتتقاذفهم فيما بينها حتى ينتهي بهم المطاف في غياهب سجون الفصائل السورية المعارضة الموالية لأنقرة كمجرمين بتهمة أنهم مقاتلونَ من وحدات حماية الشعب الكردية، وهنا يلعبُ الجَشعُ دورهُ، المالُ مقابل جُرعةِ حياةٍ كلّفت العشراتَ منهم كل ما يملكونَ، أو انتهت حياتهم برصاصةٍ في الرأس بحسب رواية الناجين ومنهم (سردار محمد) وهو اسم مُستعارٌ لشابٍّ من مدينة القامشلي، الذي كان قد قرّر الهجرة إلى ألمانيا واللحاقَ بعائلته - زوجته وطفليه - ولَمِّ شملهم بعد تشتتهم لثلاثة أعوام، لم يُخفِ لـ مجلّة صُوَر حنينه وشوقه لعائلته التي كادَ الوصول إليها يكلِّفهُ حياته، لكنه عَدَلَ عن الفكرة حتى ضمانه فرصةَ وصولٍ آمنة .

مصائر سوداء
كانت المرة الثانية التي جازف فيها "سردار" مع سبعة شبّانٍ آخرينَ اجتازوا الحدود عبر قرية "عتبة" شرقي القامشلي قبل 15 شهراً، يقول "سردار" إنهم كانوا أفراداً، وأن المُهرّبَ أشار إليهم أن يتبعوا الأضواء المُلَوِّحةِ لهم من الجانب التركي خلف الحدود.
كان على "سردار" ورفاقِ دربه خوضَ ذَروة المغامرة، لأنها كانت النافذة الوحيدة المفتوحة أمامهم كما يقول، ولكن: " ليس لدينا خَيارٌ آخر، كأنك مُطوّقٌ بحبائل الموت أينما ولَّيت وجهك، انطلقنا جميعاً بحلول الظلام وسلكنا الطريق الطويل المُمِلَّ المسكونَ بهواجس الخوف، وأكثرنا أذىً من هذه الرحلة الطويلة كان "عماد" الطفل ذي الثلاثة عشر ربيعاً بجسده الهزيل وقلبه الصغير مُمسكاً بيدي بقوةٍ وهو يؤكد لي في كل مرة يشدُّ فيها كفّيَ بألّا أتخلّى عنه ".
"ومع تباشير الفجر قال لنا المهرب المدعو (أبو جندل) كما عرّف نفسه بأننا سَنصلُ إلى القرية المقابلة لنا على الجانب التركي، ونتبع الأضواء مباشرة، ونتّصل به ليُرسل لنا المهرب الثاني من الجانب التركي والذي سيستضيفنا في منزله بمدينة نُصيبين بانتظار فرصةٍ آمنة لرحلةٍ باتجاه مدينة إسطنبول، وأخبرنا أن المهربين لا يُخفونَ هُويّاتهم بل يتراكضونَ صوبَ كل غريب يعرضون عليه خدماتهم برحلات سفر باتجاه أوروبا ".
تخلّى المهرب الذي تقاضى عن كل منهم مبلغ 3000 دولار بمجرد أن وَطئَت أقدام ضحاياه الجانب الآخر من الحدود، يقول سردار: "وصلنا إلى القرية بسلام، ولم نَصدُف حرس الحدود التركي المعروفين بـ"الجندرما"، واتصلنا بالمهرب الذي أرسل لنا مُهرباً آخر، و تحت جُنح ظلامِ اليوم التالي مضى بنا بحافلة ركّابٍ متوسطة مع خمسة شبّان ظننا أنهم مهاجرون مثلنا، تيقنّــا بعد أن سلّم المهرب الحافلة لأحد الأشخاص الخمسة الذين أشهروا الأسلحة في وجوهنا ووثّقوا أيدينا وعَصَبوا أعيينا أنهم مسلحين من الفصائل السورية، لاسيما حين قَهقَهَ أحدهم مُصوّباً فُوَّهة مُسدسه باتجاهنا وهو يرد على هاتفه النقال يُعلمُ المُتكلّم معه بالقول: " الليلة الصيدة غير شكل 8 رؤوس".
قال سردار إنهم سألوا المسلحين عن وُجهتهم، فاستهزأوا بهم بأبشع العبارات، وأخبروهم أنهم في رأس العين، ومضت بهم عدّة أيام لينتهي بهم المطافُ في غياهب سجنٍ بمدينة ادلب التي تسيطر عليها جبهة النصرة.

30 ألف دولار:
تعرض المغامرونَ الثمانية للضرب المُبرح من قبل السجّانين طيلة خمسة عشر يوماً، ليأتيهم مُسلّح بزيٍّ عسكريٍّ ولحيةٍ طويلة بيضاء يُدعى "أبو قحطان" يعرضُ عليهم صفقةً لجُرعة الحياة - كما فضّل سردار تسميتها - وهو الاتصال بذويهم وطلب فدية بمبلغ 30 ألف دولار مقابل تحريرهم.
يقول سردار، إن عملية الابتزاز والمساومات بين المسلحين وذوي الضحايا استمرت لشهور، والاتفاقَ على إرسال المبلغ عبر مكاتب تحويل الأموال في مدينة منبج إلى عفرين، ومن لم يملك المال يكون مصيره الموت، فدفع والد الشاب الثلاثيني المبلغ المطلوب، أمّا بالنسبة لعائلة الطفل عماد يقول سردار " كانت المساومات جارية بين عائلته وأبي قحطان بينما بقي مصير الآخرين مجهولاً بالنسبة لي حتى الآن".
تحرّر سردار مقابل دفع مبلغ 30 ألف دولار والتي ضَمِنت عودته للديار ليخوض رحلة العودة من الموت بسيارةٍ بيضاء سلكت طُرقاً جبليةً وعرة، ثم الأقلَّ وعورةً حتى وصلت به إلى أقرب نقطةٍ بريف مدينة منبج، وتمّ تسليمه إلى ثلاثة أشخاص مدنيين كانوا بانتظاره هناك، ويُضيف: " أدخلوني إلى منبج وسلّموني لوالدي الذي كان ينتظرني في المدينة، وهدّدونا بالقتل فيما لو أبلغنا عنهم القوات الأمنية المعروفة بالأسايش".

زوّادة أسى تكفي الجميع
تتوارى الأسئلة حول ضحايا حروب الرؤوس الكبيرة، وحول الأسباب الأساسية لمأساتهم وحول المعايير الواجب اتخاذها من دول العالم الغني القادر النافذ تجاه الحفاظ على ما تبقى من إنسانيتهم، بعيدًا عن تلك الأسئلة المختفية، يظهر المال كعامل أساسي يُحدّد طريقة التهريب المتوقعة لعبور الحدود، والوقوع في شِباكِ من أسماهم "عزيز" ذي (29 سنة) بالعصابات المجرمة، ويُضيف "عزيز" الذي رفض الكشف عن اسمه الثاني لـ"مجلة صور" أن " هؤلاء المهربين ليسوا سوى شبكة مافياوية لا تهتم بالمصير النهائي لضحاياها من المهاجرين".
فقبل حوالي السنة والنصف قبض خاطفو عزيز 25 ألف دولار بعد دخوله لكردستان العراق، ومنها دخل إلى إيران ثم إلى تركيا ليُقبضَ عليه من قبل القوات الأمنية التركية التي أدخلته إلى مدينة ادلب مركز التنظيمات المتشددة في سوريا، ليجد نفسه أسيراً لدى جبهة النصرة، يقول الشاب العشريني إن عائلته فقدت الأمل بعودته، واعتقدوا أنه لقي حتفه لاسيما وأن التهمة الموجهة له و لكل السكان المُتحدّرينَ من شمال شرق سوريا بأنهم مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية والذين تعتبرهم تركيا وبقية المتشددين الموالين لها من المجموعات السورية المسلحة بأنهم العدوُّ اللدود لهم.
أشار عزيز إلى أنه أُعيد إلى تركيا ومنها رجِع إلى كردستان العراق واستقر هناك، وهو الآن يعمل في مهنة صناعة الألمنيوم مؤكداً أن هاجس الهجرة إلى أوروبا توقف لديه بعد شهور من الخطف والاعتقال على يد الفصائل المتشددة وبضوء أخضر تركي.

إعدام ميدانيّ
تبدو الحياة لدى المهاجرين المغامرين مجرّد مشهدٍ مأساوي قاتمِ ومتكرر، مشهدٌ يُعيد استنساخ القصص ذاتها وبالصورة نفسها التي قد تختزل نهاية مأساوية تنتظر السالكين لدروب الهروب صوب حياة طبيعية للحالمين بالوصول لأضواء أوروبا الساحرة، لكن تلك الخيالات الوردية تبدّدت ولاحقت كوابيسُها أحلام "مولودة حاجي" الشابّة الكردية من مدينة القامشلي بعد أن تجهّزت لخوض تجربة عبورِ الحدود من مدينة الدرباسية الحدودية مع تركيا برفقة ابن شقيقها ( 14 سنة)، لكن وفاة عمّها ليلة سفرها أخّر رحلتها وخلّصها من عملية إعدام ميدانية كانت ستكون هي وابن شقيها من ضحاياها.
تقول مولودة (35 سنة) لمجلة صور، إن دفعة المهاجرين التي اجتازت السياج الحدودي قبل 15 يوماً قتلوا جميعاً برصاص الجيش التركي حسب رواية المهرّب الذي هو من أصدقاء شقيقها، وأبلغها أن المجموعة التي أدخلها (وعددهم 15 شخصاً) قد وقعوا بيد حرس الحدود التركي الذي لم يتورّع عن قتلهم وتنفيذ عملية اعدام ميدانية بحقهم، ولم تستطع مجلة صور التاكد من صحة هذه المعلومات لكن تقارير منظمات الدولية تؤكد استهداف حرس الحدود التركي لمن يحاولون دخول تركيا عبر الحدود.
وقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها في 10 أيار/مايو 2016 إن قوات حرس الحدود التركية تطلق النار عشوائياً على طالبي اللجوء السوريين الذين يحاولون العبور إلى تركيا، ويعيدونهم بشكل جماعي إلى حيث قدموا.

قال جيري سيمبسون، باحث أول في قسم اللاجئين في هيومن رايتس ووتش: "رغم أن كبار المسؤولين الأتراك يزعمون أنهم يستقبلون اللاجئين السوريين بحدود وأذرع مفتوحة، إلا أن حرس الحدود يُمارسون القتل والضرب ضدهم. إنه لأمر مروّع أن يُطلقوا النار على رجال ونساء وأطفال مصدومين، فارين من القتال والحرب العشوائية".
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان بلغ تعداد الخسائر البشرية على يد حرس الحدود التركي 445 قتيلاً مدنياً في سوريا منذ عام 2011، هم: 324 رجلاً وشاباً و79 طفلاً دون الثامنة عشر، و42 امرأة فوق سن الـ 18، حيث تتواصل عمليات القتل بحقّ السوريين على الحدود التركية أثناء فرارهم من قصف النظام السوري.

شبكات التهريب مرتبطة بقادات الفصائل
يسلك المهاجرون من شمال شرق سوريا عدّة طُرقٍ للوصول إلى تركيا ومنها إلى شواطئ اسطنبول والعثور على مهربين لإيصالهم إلى اليونان ومنها ينتقلون إلى أوروبا.
"سعيد مصطفى" الذي عمل سابقاً كمهربٍ، تحدث لمجلة صور عن عدة طرق للتهريب وهي:" التهريب إلى إقليم كردستان العراق، ومن دهوك إلى تركيا والطريق الثاني هو من مدينة أربيل إلى مدينة السليمانية ثم إيران فتركيا".
والعبور الأخطر إلى العمق التركي بعد القرى الحدودية في ريف القامشلي والدرباسية التي يشير لها "مصطفى" هي عبر مدينة رأس العين، منوّهاً إلى أن المهربين يتصيّدون الراغبينَ بالوصول إلى الأراضي التركية، وإغوائهم بتسعيرةٍ لا تتجاوز 100 دولار ليُخطفُ المهاجر بعد وصوله للمدينة من قِبل الفصائل المتشددة المحتلة لها، وابتزازه وذويه بمبالغ طائلة مؤكداً أن غالبية شبكات التهريب مرتبطة بقادات الفصائل السورية الذين يحصلون على الحصة الأكبر من الفدية.
وأشار سعيد إلى أن التهريب عن طريق منبج ثم إلى جرابلس ثم إلى تركيا، لا تقلُّ خطورةً عن التهريب من رأس العين، وغالبية المهاجرين يَقعونَ ضحية الخاطفين من مسلحي الفصائل التي تطالبهم بالمال لقاء الحياة وبعضهم قد يُقتلونَ حتى لو دفعوا الفدية.
وأما طريق التهريب من منبج إلى جرابلس ثم اعزاز أو عفرين أو إلى ادلب، يُشرف عليه عناصر وقادات الفصائل السورية، مضيفاً أنه يتم تسجيل أسماء المهاجرين في نقاط التفتيش بالإضافة إلى الفيش، وهذه الطريقة بحسب الخبير المهرب آمنةٌ نسبياً ولكنها مُكلفة تصل لـ 1500 دولار على كل شخص، وهي مخصّصة للمُسنينَ والعائلات.
وكشف "مصطفى" أنه في حال تعرُّض المغادرين للاعتقال أثناء دخولهم للأراضي التركية يُسلمون مرَّةً أخرى من قِبل الشرطة التركية للمعبر الحدودي الذي تسيطر عليه الفصائل وإدارة المعبر التي تكون هي أيضاً تتشاركُ مع المهربَ حصّته من مبالغ التهريب، فتّتصل بالمهرب ليستلم المهاجرينَ المُعادين.

تسعيرة طرق التهريب
لكل طريقٍ تسعيرتهُ الخاصّة التي تختلف بين عبور آمنٍ أو مغامرة غير مضمونة، وعرض "سعيد مصطفى" لمجلة صور قائمةً بتسعيرة عمليات التهريب التي تتراوح تكلفتها للشخص الواحد من القامشلي إلى إقليم كردستان العراق بين800 إلى 1000 دولار أمريكي.
بينما تصل لـ 1500دولارمن مدينة دهوك إلى تركيا، أما من مدينة أربيل والسليمانية إلى إيران فتركيا فتصل لـ 2000 دولار.
ومن مدينة منبج إلى جرابلس إلى تركيا تُحدد ما بين 1250 /1350دولاراً، لكنها تبلغ 1500دولار من منبج اعزاز، ادلب، عفرين.
وأشارت مصادر خاصة لـمجلّة صُوَر عن وقوع 20 حالة خطف خلال السنة والنصف الماضية للمهاجرين من قبل شبكات الإتجار بالبشر المرتبطة بقادات المجموعات السورية المعارضة حُررت جميعها مقابل مبالغ مالية تراوحت بين 20 إلى 30 ألف دولار.
وأكدت المصادر عن عمليات خطف طالت 10 أشخاص وصلوا إلى جرابلس قبل عدة أيام كانوا قادمين من مُدُنِ وأرياف شرق الفرات، بينهم زوجان تزوجا حديثاً، وطالبهم الخاطفونَ بفدية 20 ألف دولار عن كل شخص.
وتبقى قِصصُ المهاجرينَ غير الشرعيين مليئةً بالمآسي والأحزان، فهُم في حالة هروب من جحيم حياة يعيشونها إلى جحيم آخر "مجهول"، وفي أحيان أخرى يكون الهروب هو نقطة النهاية بدل أن يكون نقطة البداية، فالمهاجرون والنازحون يظهرون في الأخبار كأرقام غالباً لا تلتفتُ إليهم ديباجات النشرات الإخبارية إلا كموضوعات لأحداث مأساوية وحزينة.
المصدر:مجلة صور




جولة محادثات جديدة لـ«الدستور السوري» اليوم

جولة محادثات جديدة لـ«الدستور السوري» اليوم

Nov 30 2020

دفع موفد الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أمس (الأحد)، باتجاه تحقيق تقدم على خط محادثات صياغة الدستور السوري ووضع حد للنزاع الذي تشهده البلاد منذ أكثر من 9 سنوات، وذلك عشية جولة محادثات جديدة ستنطلق في جنيف اليوم (الإثنين).

وقال بيدرسن، في مؤتمر عبر الفيديو: «نريد أن نشهد تقدماً». وأضاف بحسب وكالة الصحافة الفرنسية: «أتطلع إلى محادثات موسعة، وآمل أن تكون جيدة الأسبوع المقبل، يمكن أن تقربنا من بدء المحادثات في يناير (كانون الثاني) حول المبادئ الدستورية».

وأوضح أنه أجرى زيارات دبلوماسية مكثفة في الأسابيع الأخيرة، شملت طهران وموسكو، حليفتي دمشق، وأنقرة حليفة المعارضة. مشدداً على أنه «من الأهمية بمكان قيام دعم دولي واضح لما نقوم به، ويسرني القول إن هذا الدعم آتٍ». وقال المبعوث الأممي إنه «لا يوجد أفق زمني لإنهاء مفاوضات اللجنة الدستورية». مضيفاً أن مهمته تقتضي قيادة المسار التفاوضي إلى الانتخابات على أساس دستور جديد». وشدد على أن «التوصل إلى اتفاق حول المعتقلين والمحتجزين شرط لتقدم المفاوضات».

وتم تشكيل اللجنة الدستورية المصغرة في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، لكن عملها واجهته معوقات بسبب الخلافات حول جدول الأعمال وجائحة «كوفيد 19». وفي أغسطس (آب) أجريت جولة ثالثة من المحادثات لم تفضِ إلى أي تقدم ملموس. وكان من المقرر أن تعقد الجولة الرابعة في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنها أرجئت بسبب عدم التوافق على جدول الأعمال.

وفي السنوات الأخيرة باءت بالفشل جولات محادثات كثيرة رعتها الأمم المتحدة لإنهاء الاقتتال، وطغت عليها مفاوضات موازية تخوضها روسيا وتركيا.

وتتألف اللجنة الدستورية من 150 مشاركاً، 50 من الحكومة السورية، و50 من المعارضة و50 من المجتمع المدني، ما يسمى «الثلث الأوسط»، يمثلون خلفيات دينية وعرقية وجغرافية مختلفة.

وبموجب النظام الداخلي للجنة واختصاصاتها التي وافق عليها المشاركون، تم تكليف الهيئة الصغرى المكونة من 45 شخصاً بإعداد وصياغة المقترحات.

ثم تتم مناقشة هذه المقترحات واعتمادها من قبل الهيئة الكبرى المكونة من 150 عضواً، على الرغم من أن عتبة اتخاذ القرار البالغة 75 في المائة تعني أنه لا يمكن لأي كتلة واحدة أن تملي نتائج اللجنة.
المصدر الشرق الاوسط




Pages