سياسات العدالة الانتقالية في المنطقة العربية؟ دروس من الاتحاد الأفريقي

سياسات العدالة الانتقالية في المنطقة العربية؟ دروس من الاتحاد الأفريقي

Nov 29 2020

صوفيا براي* – (معهد بروكينغز)
يبرُز تطوير السياسات بشأن العدالة الانتقالية عادة عندما نشهد “انتقالاً” سياسياً. بيد أن الدروس المُستخلصة من السياسة العامة للعدالة الانتقالية التي اعتمدها الاتحاد الأفريقي تشير إلى أنه يمكنها أن تبدأ قبل ذلك بكثير. بإمكان عملية تطوير السياسات بحد ذاتها أن ترسم معالم الخطاب الخاص بالعدالة الانتقالية وممارستها مصممين ليناسبا بشكل أفضل السياقات الإقليمية ومدفوعين بحاجات الضحايا. وفي سياق الاتحاد الأفريقي، ساعد تطوير السياسات على تعزيز مبادئ العدالة والمساءلة والمصالحة والشفاء والسلام المستدام في أرجاء القارة.
فهل بإمكان السياسات أن تؤدي دوراً في إطلاق عمليات عدالة انتقالية ودعمها في العالم العربي؟ وكيف نُطلق تطويراً للسياسات عندما تكون الدول في خضم الصراع أو عندما تفتقر إلى مؤسسات موثوقة وإرادة سياسية؟ كانت هذه الأسئلة متعددة الأوجه موضع نقاش خلال حلقة حوارية حول العدالة الانتقالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ورشة عمل أقامها مركز بروكنغز الدوحة في آذار (مارس) 2020 بعنوان “الإبداع في العدالة الانتقالية: تجارب من المنطقة العربية”. وخلال التحضير لهذه الورشة، تأملتُ في تجاربي كشخص يمارس العدالة الانتقالية ويعمل في سياقات أفريقية مختلفة. واستقيت من الدروس المحصلة من الخطاب المتغير للعدالة الانتقالية في أفريقيا لأحدد إن كان بينها وبين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أوجه شبه محتملة.
تشكل وثيقة السياسة العامة للعدالة الانتقالية خطوطاً توجيهية للدول الأعضاء لتطوير سياساتها واستراتيجياتها وبرامجها الخاصة التي تناسب سياقها من أجل الوصول إلى تحول ديمقراطي واجتماعي اقتصادي وسلام مستدام ومصالحة وعدالة. وتم التوصل إلى عملية تطوير هذه السياسات بعد عشرة أعوام من البحوث والانخراط المجتمعي وإقامة الشبكات والمناصرة الاستراتيجية، وقد نجحت بحد ذاتها في تحسين التصورات الشعبية للعدالة الانتقالية والربط بين أصحاب المصلحة الإقليميين ووضع الأسس لعمليات عدالة مستقبلية بقيادة وطنية. ويمكن أن تلاقي مبادرةٌ من هذا القبيل نجاحاً مماثلاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الربط بين البحوث والسياسات والممارسة
مع أن العدالة الانتقالية السائدة ترتكز على العدالة والحقيقة والتعويضات وضمانات عدم التكرار، تبين دراسات عدة لحالات أفريقية أن هذه الركائز الأربع وحدها لا تعالج بشكل ملائم تجارب الصراع ونتائجه المتنوعة في أرجاء القارة. وعوضاً عن اعتماد مقاربة واحدة لكل الحالات تم استيرادها من بلدان الشمال، كان السياق الأفريقي بحاجة إلى عملية تعطي الأولوية للتصورات المحلية الموضوعة للعدالة والمصالحة والسلام والشفاء وتستلهم منها. وهكذا، حددت السياسة العامة للعدالة الانتقالية 11 عنصراً تشكل جزءاً لا يتجزأ من وضع تصور للعدالة الانتقالية وتطبيقها في سياقات وطنية مختلفة في أفريقيا.
ولكن، حتى تتحول السياسات إلى ممارسة قابلة للتنفيذ ينبغي عليها أن تتحول من نظرية إلى واقع من ناحية التصميم والتطبيق. وتشكل البحوث عنصراً حاسماً في ردم الهوة بين الاثنين. وفي ما يخص السياسة العامة للعدالة الانتقالية، أمنت التقارير القُطرية عن الصراعات البيانات والتحليل والمعلومات لصانعي السياسات والممارسين والجهات الحكومية. والمعلومات المُستخلصة من هذه البحوث مهمة لأنها سلطت الضوء على حاجات الناس الأكثر هشاشة في الصراعات وعلى التجارب التي عاشوها، لتأكيد الحرص على معالجة مخاوفهم.
تأسيس مجتمع من الممارسة
العدالة الانتقالية عملية سياسية بشكل متأصل؛ إذ تعتمد على إرادة الدولة ودعمها لكي تنطلق. وغالباً ما تُوجه إليها التهمة بأنها عملية نخبوية. وفي بداية عملية تطوير السياسة العامة للعدالة الانتقالية، كانت الدول الأعضاء مقتنعة بأن العدالة الانتقالية مفهومٌ غربي يهدف إلى تجريد القيادة الأفريقية من سلطتها. ولذلك، لم تقدم دعماً يُذكر للمبادرة. وكان للضحايا والمجتمعات مفاهيم ضيقة عن مكونات العدالة الانتقالية الأساسية، ولا سيما مفاهيم العدالة والتعويضات والسلام، ما أفضى إلى توقعات غير واقعية وإلى غياب الدعم المجتمعي للمبادرات بقيادة وطنية. ومن الأمثلة التي شهدناها عن ذلك في مالي وغامبيا وجنوب السودان الظن بأن التعويضات تعني تعويضات مالية فحسب. ومع أن الدول تتحمل المسؤولية الأساسية بتقديم التعويضات، علينا أن نتذكر بأننا نتعامل مع حكومات بموازنات محدودة لا تخولها تقديم تعويض نقدي ولن تكون قادرة على تلبية مطالب الضحايا أو حاجاتها.
تشارك الاتحاد الأفريقي والمجتمع المدني في عدد من النشاطات التي شملت ورش عمل ومؤتمرات. وأتاحت هذه المنصات الفرص لبناء قدرة أصحاب المصلحة في الدولة والمجتمع المدني بغية العمل على تحقيق أهداف العدالة الانتقالية وتسليط الضوء على منفعتها في السياق الأفريقي. وبذل قسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأفريقي الجهود للحرص على تخصيص بعض النشاطات المحددة للمجموعات المُهمشة والهشة، على غرار النساء والفتيات وكبار السن وذوي الإعاقة والشباب والشتات.
في نهاية المطاف، نجحت عملية السياسة العامة للعدالة الانتقالية في دمج الخبرات والجهات الفاعلة والموارد الأفريقية. ونجحت أيضاً في تشكيل مجتمع ممارسة قاري رسخ شرعية المقاربة الأفريقية للعدالة الانتقالية. وسهلت النقاشاتُ حول السياسات المحتملة الانخراط المباشر مع الدول الأعضاء وشددت على الحاجة إلى انخراط هذه الدول في عملية التطوير بحد ذاتها. وساعد هذا بدوره على بروز مناصرين للعدالة في دول عدة تشجع هذه السياسة الآن. وبهذه الطريقة، تم التخفيف من حدة الأفكار النمطية السلبية حيال العدالة الانتقالية في أفريقيا.
غياب العمليات الانتقالية: تحد مستمر
في خلال ورشة العمل، برز سؤالان أساسيان بشكل متكرر. أولاً، هل حصلت عمليات انتقال فعلاً في دول مثل مصر والسودان والجزائر وليبيا؟ وثانياً، هل تنفع العدالة الانتقالية في منطقة معقدة مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث العمليات الانتقالية جزئية في أفضل حالاتها؟ ليس لهذين السؤالين أجوبة بسيطة. لكن يبين عمل السياسة العامة للعدالة الانتقالية أن الجهات الفاعلة الإقليمية بحاجة إلى المساحة اللازمة للبدء بمعالجة هذين السؤالين. ومن المفترض أن تكون قادرة على بحث أفكار جديدة لتوسيع حدود العدالة الانتقالية السائدة.
بغض النظر عما إذا كانت الصراعات انتهت أو ما تزال الإرادة السياسية للتغيير المجتمعي قائمة، من شأن عملية لمراجعة السياسات أن تتيح الفرص لوضع أساس للعدالة الانتقالية. وربما لم يحن “الوقت المناسب” للبدء بتطوير السياسات، فلم تحظ السياسة العامة للعدالة الانتقالية بوقت مثالي للشروع بها، لكننا عرفنا أنه ليس هناك وقت غير مناسب، وأننا إذا لم نحاول، فإننا لن نعرف أبداً.

*مديرة مشروع “مناصرة”
مركز دراسة العنف والمصالحة
المصدر :الغد الأردني




لماذا استحقت شجرة الزيتون يوماً عالمياً للاحتفاء بها؟

لماذا استحقت شجرة الزيتون يوماً عالمياً للاحتفاء بها؟

Nov 27 2020

د. سميرة مبيض
جمعت شجرة الزيتون منذ آلاف السنين بين ثقافات عديدة التقت على تثمين قيمتها عالياً في المجتمع الإنساني، فتوارد في موروثنا الإنساني ذكر الزيتون وخصائصه القيّمة جامعاً بين المعتقدات المشرقية القديمة والأديان السماوية التي ذُكرت شجرة الزيتون في كتبها الثلاث ضمن سيرورة حياة الأنبياء والقديسين.

فغصن الزيتون في العهد القديم كان دليل النبي نوح لوجود اليابسة ورمزية لعودة مظاهر الحياة، وكذلك كان جبل الزيتون في العهد الجديد منبر تعاليم يسوع المسيح والمسيح هنا تأتي من المسح بالزيت المقدس والذي قوامه من زيت الزيتون والطيب، وفي القرآن الكريم ذكرت شجرة الزيتون كشجرة مباركة في سورة النور، وهذه الرمزية المستمرة لشجرة الزيتون لازالت تحييها معتقدات مشرقية قديمة ايضاً كالديانة الايزيدية عبر مراسيم تقليدية متوارثة لقطف الزيتون وعصره لإنارة المعابد.

هذه الشجرة المعمرة بشكل شبه اسطوري، حيث تعيش في زمننا هذا أشجار زيتون يزيد عمرها عن ثلاثة آلاف عام شاهد على ما مرَّ على البشرية من أجيال وأجيال طيلة حقبات حياتهم المتتالية امام ثباتها، وهي الأشجار التي تتصف بمرونة عالية في تحمّل التغييرات من البرد القارس الى درجات الحرارة المرتفعة وبين الجفاف والرطوبة، ويعتبر انتشارها متمركزاً في منطقة المناخ المتوسطي بشكل رئيسي وهو مناخ انتقالي بين المعتدل والجاف وتشكل في هذه المنطقة أيضاً مرتكزاً اقتصادياً هاماً يدور حول كل ما يتعلق بالنشاطات الانتاجية الاقتصادية المرتبطة بهذه الشجرة، فلا يقتصر الامر على الزيت والزيتون والخشب بل يتعداه للاستخدامات الطبية التي أسفرت عنها البحوث والدراسات وكشفت عن الفوائد الطبية والعلاجية العالية القيمة للمواد المستخلصة من هذه النبتة.

كما أتت الفوائد البيئية لشجرة الزيتون لتتمم لوحة التكامل التي تقدمها فكما تشير دراسات عديدة قدمها المجلس الدولي للزيتون، وهو مؤسسة دولية مركزها اسبانيا وتضم عدة دول منها سوريا، أشار في بحوثه الحديثة أن أشجار الزيتون، إضافة لدورها في حفظ التنوع الحيوي وفي تحسين التربة والحد من التصحر فهي تمتلك إمكانية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون أي انها تحتجز في كتلتها الحيوية وفي التربة كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون أكثر مما تصدره في الغلاف الجوي، وذلك عند استخدام تقنيات زراعة مناسبة، ولذلك أثر إيجابي في التخفيف من غازات الانبعاث الحراري والتي تعد مسبباً لظاهرة ارتفاع درجات حرارة المناخ.

لأجل ذلك كله فقد استحقت شجرة الزيتون يوماً عالمياً والذي يوافق يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام وفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو.

ختاماً تجدر الإشارة الى أن الحروب والصراعات هي العدو الأبرز لأشجار الزيتون التي تصبح هدفاً لحرائق المتعمدة والاقتلاع والاحتطاب، وكأن من يحارب الزيتون يحارب استقرار الإنسان الذي تؤمنه الحياة بتكامل مرتكزاتها الثقافية والعلمية والغذائية والصحية والبيئية لا يختل أحدها إلا ليؤدي لاختلال المجموع، عسى أن تستمر أشجار الزيتون بحمل رسالة الحياة المتجددة في سوريا كما كانت دوماً وكما ستبقى في وجداننا موروثاً انسانياً تتناقله الأجيال بثقافاتها المختلفة يجتمع تحت أغصانها وفي جذورها انتماءات عديدة لأرضية الاعتدال والتوازن والاستمرارية.
المصدر:وكالة زيتون




كيف نفهم إدارة بايدن؟

كيف نفهم إدارة بايدن؟

Nov 26 2020

عثمان ميرغني
الذين يحاولون قراءة سياسات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن من خلال سياسات أو مذكرات الرئيس السابق باراك أوباما، يخطئون، والأسباب كثيرة. فبايدن عندما يتسلم الرئاسة رسمياً في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، سيجد الأوضاع المحلية والدولية مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل أربع سنوات عندما غادر البيت الأبيض مع أوباما. أربع سنوات تغير فيها المشهد بفعل عوامل كثيرة، وأيضاً بسبب سياسات وأسلوب الرئيس دونالد ترمب.
بايدن نفسه تطرق لهذا الأمر في المقابلة التي أجرتها معه شبكة تلفزيون «إن بي سي» الأميركية هذا الأسبوع عندما قال في رده على سؤال مباشر في هذا الموضوع، إن إدارته «لن تكون مثل ولاية ثالثة لأوباما». وبعدما نوه إلى أن العالم مختلف اليوم عما كان عليه في سنوات أوباما، أشار بالتحديد إلى سياسة «أميركا أولاً» التي انتهجها ترمب واعتبر أن هذه السياسة عزلت أميركا وأضعفت دورها القيادي في العالم.
عموما بايدن كان نائباً للرئيس، وإن حظي بدور وتأثير مع أوباما، فإن السياسة العامة في نهاية المطاف يقررها الرئيس ويبقى مسؤولاً عنها وعن تبعاتها. وتأكيداً لهذا الأمر فإن بايدن على سبيل المثال لم يكن متحمساً لفكرة تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا، وهو التدخل الذي أسهم في إطاحة العقيد معمر القذافي في 2011، كذلك فإنه يرى أن أميركا تحتاج اليوم لأن تكون أكثر حزماً مما كانت عليه في السابق مع الصين، وقد أوضح تفكيره في مقال نشر في مجلة «الشؤون الخارجية» في يناير الماضي.
بعض الناس قد يكونون رأوا أن وجود عدد ممن عملوا مع أوباما في إدارة بايدن المتوقعة يعني أنها ستكون امتداداً لسياسات الرئيس السابق، لكن هذا أيضاً قد يقود إلى نتائج خاطئة. خذ على سبيل المثال أنتوني بلينكن الذي عمل في إدارة أوباما نائباً لمستشار الأمن القومي ثم نائباً لوزير الخارجية، وهو اليوم مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية. فقد بات يرى اليوم أن السياسة التي انتهجت إزاء الأزمة السورية في عهد إدارة أوباما كانت خاطئة، وعبر عن هذا الأمر في مقابلة منتصف العام الحالي قال فيها إنه لا بد من الإقرار بأن تلك السياسة فشلت في منع مأساة فظيعة أودت بحياة آلاف السوريين.
بايدن وفريقه سيرون العالم بعين مختلفة عن إدارة أوباما، لأن الأوضاع تغيرت، ولأنهم يحتاجون في الفترة المقبلة إلى رسم سياساتهم الخاصة التي تتناسب مع المشهد الراهن ومع الأولويات الضاغطة. أولى الأولويات للرئيس الجديد ستكون التعامل مع جائحة الكورونا التي طغت مع آثارها الإنسانية والاقتصادية المدمرة على كل ما عداها وكانت من بين الأسباب الرئيسية التي أسهمت في إسقاط ترمب. فأميركا تتربع على رأس قائمة الدول المتضررة من الجائحة بأكثر من 12 مليون إصابة و260 ألف حالة وفاة، وتواجه اليوم ارتفاعاً كبيراً في الإصابات. وسيكون على الإدارة الجديدة التعامل فوراً مع الأزمة وتنظيم عمليات التطعيم مع بدء إنتاج وتوزيع اللقاحات الجديدة التي يؤمل أن تساعد في كبح جماح الفيروس الذي غيّر حياة الناس وضرب الاقتصادات بشكل لم يمر على العالم منذ الكساد الكبير في نهاية عشرينات وبداية ثلاثينات القرن الماضي. في الوقت ذاته سيكون على الإدارة العمل على النهوض بالاقتصاد الأميركي مجدداً، وجزء كبير من هذه المهمة سيكون على عاتق جانيت يلين التي يتوقع أن يعلن بايدن ترشيحها لتكون أول امرأة تقود وزارة الخزانة في تاريخها.
في مضمار السياسة الخارجية ستهتم إدارة بايدن أولاً بترميم علاقات أميركا مع المجتمع الدولي ومع حلفائها الغربيين بعد الشروخ التي أحدثتها صدمات ترمب. كان هذا واضحاً في كلمة الرئيس المنتخب التي قدم بها مرشحيه الذين أعلنهم أول من أمس وشدد فيها على أن فريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي يوضح «عودة أميركا واستعدادها لقيادة العالم لا الانسحاب منه»، ويمثل قناعته بأن أميركا أقوى عندما تعمل مع حلفائها، وأنه يتوقع من هذا الفريق «أن يقول لي ما يجب أن أعرفه، لا ما أريد أن أسمعه». هذه العبارات تحمل في طياتها نقداً لنهج ترمب وطلاقاً مع سياساته وتأكيداً على أن الإدارة القادمة تضع في أولوياتها إصلاح العلاقات مع حلفائها في الناتو، وتنشيط دورها في حوض المحيط الهادي، والانضمام مجدداً إلى اتفاقية باريس للمناخ، واستئناف مساهمتها في منظمة الصحة العالمية.
خلال المائة يوم الأولى لإدارة بايدن سيتضح للعالم أيضاً ما إذا كانت تنوي اتباع سياسة خارجية حذرة تنأى عن المشاكل ولغة الحرب الباردة، أم أنها ستتبع نهجاً أكثر حزماً لاستعادة دور أميركا في وقت تواجه فيه منافسة قوية من الصين، وتحديات مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران. بالنسبة للتدخلات العسكرية فقد أوضح بايدن موقفه أن إدارته لا تريد الخوض في أي حرب «غير ضرورية»، كما قال إنه يفضل حصر دور أميركا العسكري في أفغانستان في قوة صغيرة مهمتها تنصب على الحرب ضد الإرهاب.
إدارة العلاقات المعقدة مع الصين ستكون أحد التحديات الحساسة لبايدن، فهو يريد نهجاً أكثر دبلوماسية من ترمب، وفي الوقت ذاته يرى أن أميركا لا بد أن تتصدى بحزم لحماية دورها ومصالحها أمام التنين الصيني الزاحف. وفي مقالاته التي نشرتها مجلة «الشؤون الخارجية» خلال العام الحالي يوضح بايدن موقفه بأن الولايات المتحدة تحتاج لأن تكون أكثر حزماً مع الصين ومع روسيا أيضاً من منظور أن كلاً منهما يشكل تهديداً مختلفاً للمصالح الأميركية. ويشعر بايدن والحزب الديمقراطي بغضب شديد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرون أن تدخلات أجهزته الاستخباراتية في انتخابات عام 2016 كانت من أسباب فوز ترمب على هيلاري كلينتون.
ماذا عن قضايا الشرق الأوسط والخليج وأفريقيا؟
الأمر المؤكد أن الإدارة الجديدة ستكون داعمة بشدة لإسرائيل، فبايدن يصف نفسه بأنه كاثوليكي وصهيوني، وقال في أحد خطاباته إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا أن توجدها لحماية مصالحها. لذلك يتوقع أن يستمر الدعم المطلق لإسرائيل وتشجيع الدول على التطبيع معها، لكن من دون الخوض في ملف السلام الشائك في هذه المرحلة، علماً بأن جيك سوليفان الذي رشحه بايدن لمنصب مستشار الأمن القومي لديه دراية جيدة بهذا الملف وقد قاد مفاوضات الهدنة في غزة عام 2012، كما لعب دوراً في المفاوضات السرية مع إيران التي قادت إلى توقيع الصفقة النووية. وفي هذا الصدد فإن إدارة بايدن يتوقع أن تعدل سياسة الانسحاب من الصفقة النووية التي عمد إليها ترمب، لكنها على الأرجح ستريد إدخال تعديلات على الاتفاقية وتضمينها بنوداً تسد بها بعض الثغرات التي ظهرت وأزعجت دول الخليج وإسرائيل أيضاً.
ورغم الكلام عن اهتمام بايدن بموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تطرق إليه في مقالاته المنشورة وفي بعض تصريحاته السابقة، فإنه لن يكون في أولويات إدارته في ظل جبل المشاكل الذي تواجهه، وستبقى حماية المصالح هي الموجه للسياسات الأميركية. ومن المرجح أن الإدارة الجديدة ستعطي اهتماماً أكبر بأفريقيا من ترمب، وذلك ضمن حسابات التصدي للنفوذ الصيني المتنامي، ولأن الإدارة ستضم وجوهاً لها معرفة جيدة بأفريقيا مثل ليندا توماس غرينفيلد المرشحة لمنصب مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة التي عملت دبلوماسية في أفريقيا (سفيرة لدى ليبريا)، وشغلت منصب مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية من 2013 وحتى 2017. كذلك يتوقع أن يمنح بايدن منصباً ليوهانيس أبراهام وهو أميركي من أبوين إثيوبيين مهاجرين عمل مع إدارة أوباما ويشغل الآن منصب مدير الفريق الانتقالي الذي يشرف على ترتيبات تسلم إدارة الرئيس المنتخب لمهامها من إدارة ترمب.
بايدن سيكون بالتأكيد رئيساً مختلفاً عن أوباما، فالرجل لديه خبرة تمتد لأكثر من أربعة عقود في العمل السياسي ما بين عضويته الطويلة في مجلس الشيوخ وعمله في البيت الأبيض، ولديه رؤاه التي يريد تطبيقها. والأهم من ذلك أنه يواجه عالماً مختلفاً عن ذلك الذي كان في فترة أوباما.
المصدر:الشرق الاوسط




اليونيسيف توزيع لقاح

اليونيسيف توزيع لقاح "كوفيد-١٩ " في بداية انطلاق العام الجديد للدول الفقيرة

Nov 23 2020

برجاف| رنا عمر -الإستجابة الإنسانية
في وقتٍ تحدثت فيه التقارير عن صعوبة حصول الدول الفقيرة على لقاح كوفيد-١٩، أعلنت منظمة "اليونيسيف" إحدى قطاعات الأمم المتحدة، الاثنين، عن توزيع قرابة 2 مليار جرعة من اللقاحات لمكافحة " كوفيد-19" للدول الفقيرة مطلع العام القادم في عملية وصفتها بـ"عملاقة".

وقالت اليونيسيف إنها تعمل مع أكثر من 350 شركة طيران وشركات "شحن" لإيصال اللقاحات وأكثر من مليار إبرة إلى الدول الفقيرة، من بينها اليمن وأفغانستان وبوروندي، كجزء من برنامج "كوفاكس" (COVAX) العالمي لمكافحة الوباء.

وتقود جهود "كوفاكس" كل من شركة "GAVI" للقاحات ومنظمة الصحة العالمية وتحالف "المبادرات لمكافحات الأوبئة"، ويهدف البرنامج أساساً إلى منع حكومات العالم من احتكار اللقاحات والتركيز على منح اللقاح أولاً للأكثر عرضة في كل دولة.

وتأتي هذه الخطوة بعد إن سرّب بإنّه من الصعوبة بمكان أن يصل اللقاح الى المساحات الواسعة من الدول، وان الدول الفقيرة ربما تعجز عن شراء اللقاحات.

وتجدر الذكر بإنّ دور اليونيسيف يعد أساسي في برنامج "كوفاكس"، كونها أكبر هيئة مسؤولة عن شراء اللقاحات في العالم، إذ تعمل روتينيا على شراء قرابة 2 مليار جرعة من لقاحات المناعة سنويا نيابة عن حوالي 100 دولة.




أثيوبيا... كأنّنا نقرأ عن بلدان كثيرة أخرى

أثيوبيا... كأنّنا نقرأ عن بلدان كثيرة أخرى

Nov 20 2020

حازم صاغية
صراع آخر من صراعات الهويّة، وصعوبة أخرى من صعوبات بناء المجتمع الواحد والدولة الواحدة.
من أين يبدأ التأريخ لمأساة إثيوبيا وسكّانها الـ110 ملايين؟

التأريخ الأبعد يقودنا إلى هيلاسيلاسي، إمبراطورها الذي كان أوّل من أقام حكماً مركزيّاً على حساب الأقاليم والمناطق.

قصّته تبدأ بالإمبراطور «الأعظم» مينيليك الذي هزم الإيطاليّين في 1896، لكنّه أصيب بالشلل والخَرف في 1908، رغم أنّه بقي على قيد الحياة حتى 1913. مينيليك هذا سمّى لخلافته ليج ياسو، المتوحّش والمريض بالسفلس، الذي كادت رعونته أن تجزّىء البلد كلّيّاً وتلقي به في أتون حرب أهليّة دائمة. لكنّ قريبه الشابّ تافاري ماكونّين تغلّب عليه في 1916، وأصبح وريثاً لعرش تربّعت عليه أمّه الإمبراطورة زوديتو، المرأة الأولى التي تتسنّم منصباً كهذا في أفريقيا. في 1930 توفّيت الإمبراطورة فصار نجلها تافاري الإمبراطور هيلاسيلاسي الأوّل.

الأحداث التي هبّت من الخارج متّنت هيبة الإمبراطور: في 1924 جرت محاولة بريطانيّة لتقاسم إثيوبيا مع إيطاليا الفاشيّة، لكنّه، كوليّ للعهد، أحبطها برسالة منه إلى عصبة الأمم. بعد ذاك كان الغزو الإيطاليّ، حيث تخلّت بريطانيا والعصبة عن إثيوبيا وحاولتا التملّص من تنفيذ العقوبات المفروضة على إيطاليا. بريطانيا امتنعت عن تزويد الإمبراطور بالسلاح فانهارت مقاومته وهرب إلى بريطانيا قائداً لشعب مضطهَد.

أحداث الداخل كانت تهبّ في اتّجاه آخر: في 1955 وضع دستوراً شكليّاً لكنّه حكم كإمبراطور مطلق. في أواسط الستينات، كان هناك 54 مشفى لقرابة 18 مليون إثيوبيّ، واحد منها فقط مجّانيّ. الطرقات قليلة جدّاً وبدائيّة جدّاً، وأوضاع الريف كما كانت منذ القدم، بينما نسبة الأمّيّة 90 بالمائة. المجاعات توالت، والمجاعة التي امتدّت من 1972 حتّى 1974 حصدت مائة ألف، بينما عائلة هيلاسيلاسي تمعن في إنفاقها الباذخ.

ثقافيّاً، فُرضت الأمهريّة ولغتها على سائر الأثيوبيّين، وكادت فئة الموظّفين الكبار تقتصر على الأمهريّين الذين تتّهمهم إثنيّة الأومورو بالاستيلاء على أراضيها، علماً بأنّ الأمهرا (30 بالمائة) هي الإثنيّة الثانية عدداً بعد الأورومو (34 بالمائة). مقاطعة أريتريا التي كانت الأبعد جغرافيّاً، والأشدّ تمايزاً ثقافيّاً ودينيّاً، كانت الأبكر في إعلان التمرّد فثارت منذ أواخر الخمسينات طالبةً الاستقلال. لكنّ الجيش أيضاً بدأت تدغدغه مغانم الانقلاب العسكريّ فنفّذ محاولة فاشلة في 1960.

التأريخ الأوسط للمأساة يقودنا إلى 1974. على رأس مجلس عسكريّ عُرف بـ«الدرغ»، أطاح الضابط منغِستو هيلا مريام الحكم الإمبراطوريّ المستمرّ منذ 1270. العهد الجديد تبنّى الماركسيّة–اللينينيّة والتحق بالنفوذ السوفياتيّ: قمعٌ أشدّ وجوع أكثر وحروب داخليّة وخارجيّة متواصلة. نظام منغستو و«عهد الإرهاب الأحمر» أُسقطا في 1991. ملس زيناوي، أحد الذين قادوا المقاومة لمنغستو وتولّى رئاسة الحكومة بعد سقوطه، وصف أحوال الإثيوبيّين آنذاك بالتالي: طموحي أن يتمكّن الإثيوبيّ من تناول وجبات ثلاث في يومه.

زيناوي كان من قادة «جبهة التحرير الشعبيّ في تيغراي» التي لعبت الدور العسكريّ الأبرز في إضعاف منغستو ثمّ إسقاطه. الجبهة تأسّست في 1975. بداياتها طلاّبيّة وماركسيّة أيّدت إطاحة الإمبراطور لكنّها شكّكت بقدرة منغستو و«الدرغ» على «حلّ مشكلة القوميّات»، وما لبثت أن تحوّلت إلى الكفاح المسلّح. بعد 1991 تولّت الجبهة حكم مقاطعتها الشماليّة، تيغراي، كما باتت مكوّناً أساسيّاً من مكوّنات السلطة الجديدة. التيغريّون (6 بالمائة من السكّان) استحوذوا على سلطة تفوق كثيراً حجمهم.

التأريخ الأحدث يعود بنا إلى 2018 مع وصول أبيي أحمد إلى رئاسة الحكومة. لقد خفّف القبضة الأمنيّة وحدّ من نفوذ القوى الإثنيّة بما فيها جبهة تيغراي. صالحَ إريتريا، ما أكسبه جائزة نوبل للسلام، لكنّه أغضب التيغريّين، جيران الإريتريّين المباشرين، الذين شعروا بالهامشيّة حيال إديس أبابا وبتخلّيها عنهم.

أبيي اتّهم قادة الجبهة بالفساد ومناوأة الإصلاحات، بينما اتّهمته الجبهة بالتنكّر للنظام الفيدراليّ الذي أقرّه دستور 1995 مانحاً الولايات الإثنيّة الحقّ في تقرير المصير. إيديولوجيّته المعروفة بـ«ميديمِر» تقضي بالجمع بين بناء الوحدة الوطنيّة والحفاظ على التعدّديّة، لكنّه جمع صعب كما يبدو في بلد ينطوي على 10 إثنيّات و90 لغة، فضلاً عن أنّ 63 بالمائة مسيحيّون و34 بالمائة مسلمون. هكذا أعلن في 2019 عن نيّته دمج الجبهة وباقي المكوّنات الإثنيّة في حزبه «حزب الرفاه». الجبهة رفضت الدمج، وردّت بإجراء انتخابات في مناطقها في سبتمبر (أيلول) الماضي. أبيي أحمد من أورومو، وهو أوّل أوروميّ يتولّى الرئاسة، لكنّ هذا لا يلغي وجود «جبهة تحرير أورومو» المناهضة للسلطة المركزيّة. معارضتها اشتدّت منذ 2015 حين قُرّر توسيع مساحة العاصمة على حساب أراضي الأوروميّين. داعمو أحمد الأساسيّون هم النخبة الأمهريّة، من موظّفين ومتعلّمين ومزارعين، إذ هم الأكثر انشداداً إلى الوحدة والسلطة المركزيّة والأشدّ عداء للحركات الانفصاليّة في الأطراف.

قبل أيّام اندلعت الحرب: طرفاها جبهة تيغراي والسلطة المركزيّة. خلال الحرب، وبالسكاكين والمناجل، نزلت مجزرة بالمدنيّين في بلدة ماي كاديوا، جنوب غرب تيغراي. الجبهة رُجّح أنّها ارتكبتها. كذلك تولّت الجبهة قصف أراض إريتريّة لاتّهامها أسمرا بدعم إديس أبابا. الآلاف هُجّروا إلى السودان، والمخاوف من حرب أهليّة مفتوحة قد تتعدّى حدود إثيوبيا عادت إلى الواجهة.

... كأنّنا نقرأ عن بلدان كثيرة وفقيرة أخرى!

المصدر:الشرق الاوسط




حرب إثيوبيا وسؤال السيناريو الليبي!

حرب إثيوبيا وسؤال السيناريو الليبي!

Nov 20 2020

عثمان ميرغني
من الغريب والمؤسف أن تنزلق إثيوبيا مرة أخرى نحو متاهات حرب أهلية ستكون لها أبعادها المدمرة داخليا وامتداداتها الخارجية. فإثيوبيا يفترض أن تكون مدركة لمعنى الحروب لأنها اكتوت بنيرانها وذاقت مراراتها عقودا طويلة. كما أن رئيس الوزراء آبي أحمد يفترض أن يفهم معنى السلام لأنه في وقت ليس ببعيد كان وسيطا بين السودانيين لتجاوز الخلافات وتهيئة ترتيبات الفترة الانتقالية الراهنة، ولأنه أيضا منح جائزة السلام من لجنة نوبل العام الماضي بعد طي ملف النزاع مع أريتريا. لكن المفارقة المريرة أن آبي أحمد يقود الآن بلاده إلى حرب أهلية، ويرفض الوساطات لحل الأزمة التي يمكن أن تجر بلاده والمنطقة إلى حرب مكلفة.
صحيفة «الغارديان» البريطانية تساءلت في عنوان قصة نشرتها منتصف الأسبوع الحالي ما إذا كانت الحرب في إقليم التيغراي ستحول إثيوبيا إلى «ليبيا شرق أفريقيا». مثل هذا الاحتمال يبقى واردا إذا طال أمد النزاع في منطقة فيها تعقيدات كثيرة في عدد من دولها، وتقاطعات مصالح إقليمية ودولية متنافسة. فرغم تصريحات آبي أحمد بأن المعارك ستحسم خلال أيام وأن القوات الإثيوبية تتقدم نحو مكيلي عاصمة إقليم التيغراي، فإن هذا لا يعني نهاية هذه الحرب، التي يرى كثيرون أنها يمكن أن تطول وتتعقد.
ما الذي قاد إثيوبيا إلى هذا الوضع المتفجر؟
الحروب تقع بسبب فشل السياسيين أو طموحاتهم في السلطة وبسط النفوذ، أو نتيجة الفشل في التعايش بين المكونات الإثنية للبلد. وما يحدث الآن في إثيوبيا نموذج صارخ لكل ذلك. فهذه الحرب هي بين حلفاء الأمس الذين فرقت بينهم صراعات السياسة، وعجزوا عن كبحها وحلها منعا لكارثة رآها كثيرون قادمة وحذروا منها إذا لم تتلافاها أطراف التحالف الذي حكم إثيوبيا منذ إسقاطه نظام منغستو هيلا مريام عام 1991 بدعم قوي ومباشر من الحكومة السودانية آنذاك عندما كانت علاقاتها تتسم بالتوتر الشديد مع جارتها الشرقية ويدعم كل طرف معارضي الطرف الآخر. جبهة تحرير شعب التيغراي كانت تتمتع بحصة كبيرة في السلطة وتمسك بمفاصل الدولة خلال العقود الثلاثة الماضية، مهيمنة بذلك على الجبهة الثورية الديمقراطية لشعب إثيوبيا التي كانت تضمها مع ثلاث حركات أخرى تمثل القوميات الرئيسية وهي «حركة الأمهرا الوطنية الديمقراطية»، و«منظمة شعب الأورومو الديمقراطية»، و«الحركة الديمقراطية لشعوب وقوميات جنوب إثيوبيا». لكن بعد تسلم آبي أحمد، وهو من قومية الأورومو، رئاسة الوزراء في عام 2018 بدأت الأمور تتوتر مع جبهة تحرير شعب التيغراي. كانت للرجل طموحات كبيرة ورؤية مختلفة وضعته على خط المواجهة مع جبهة التيغراي التي عارضت أيضا تقاربه واتفاقيته مع إريتريا.
قام آبي أحمد بعملية واسعة لقصقصة أجنحة جبهة تحرير التيغراي، فعزل عددا من مسؤوليها السياسيين والعسكريين والأمنيين من مناصبهم في الحكومة الفيدرالية، لتواصل العلاقات بين الطرفين السير في خط متحدر. وعندما قرر آبي أحمد إنشاء حزب جديد باسم «الرخاء» أو «الازدهار» كما يترجمه البعض، ليحل محل الجبهة الثورية الديمقراطية لشعب إثيوبيا رفضت جبهة التيغراي الانضمام واعتبرت الأمر محاولة من رئيس الوزراء للهيمنة وإضعاف حلفائه وسلطات الأقاليم لصالح المركز. التوتر بلغ أشده عندما قررت الحكومة الإثيوبية تأجيل الانتخابات المقررة الصيف الماضي وعزت الأمر إلى جائحة كورونا، لكن حكومة إقليم التيغراي رفضت الأمر وأجرت انتخاباتها في الإقليم متحدية آبي أحمد الذي اعتبرها غير شرعية.
وصلت الأمور لنقطة الاشتعال بداية نوفمبر (تشرين الثاني) بعدما اتهمت الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا جبهة تحرير شعب التيغراي بمهاجمة معسكرين للجيش الفيدرالي الإثيوبي في الإقليم وقتل عدد من الجنود والاستيلاء على المعدات العسكرية بما فيها كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة. كذلك اتهم آبي أحمد جبهة تحرير التيغراي بمحاولة خلق فتنة بين إثيوبيا وإريتريا بارتداء جنودها الذين هاجموا قاعدة الجيش الإثيوبي بزات عسكرية إريترية، وهو ما نفته الجبهة. بعدها خرج آبي أحمد ليعلن عبر صفحته في «فيسبوك» ثم في بيان عبر التلفزيون بدء عمليات عسكرية ضد حكومة إقليم التيغراي واتهمها بالخيانة متوعدا بإنهاء ما وصفه بالتمرد وجلب المسؤولين للمحاكمة، وهو ما رد عليه رئيس الإقليم دبريتسيون غبرامكائيل بالقول «إننا جاهزون لا للمقاومة فقط، بل للانتصار».
مشكلة حكومة التيغراي تكمن في موقع الإقليم المحاط من الجنوب بالأمهرا ومن الشرق بعفار ومن الشمال بإريتريا ومنفذه الوحيد عبر حدوده الشرقية مع السودان الذي تدفق عليه الهاربون من الحرب حتى بلغ عدد اللاجئين وفق تقديرات المنظمات الدولية حتى أمس أكثر من 25 ألفا. لكن طبيعة الإقليم الجبلية تناسب أيضا حرب العصابات التي ستلجأ إليها حتما جبهة تحرير شعب التيغراي إذا خسرت مواقعها في المدن الكبرى أمام قوات الجيش الإثيوبي المتقدمة. فقادة الجبهة لن يقبلوا الاستسلام لآبي أحمد ما يجعل احتمال أن تطول الحرب مرجحاً ما لم تجد الوساطات فرصة لتهدئة النزاع وحل الأزمة بين الطرفين. وإذا طالت الحرب فإن تداعياتها لن تبقى داخل حدود إثيوبيا بل ستمتد لتهدد الاستقرار الهش في المنطقة.
السودان أكبر المتضررين ليس فقط بسبب الضغوط الإنسانية والاقتصادية والأمنية مع تدفق اللاجئين الهاربين من الحرب، وإنما لأن حدوده قد تصبح منفذا يستخدمه مقاتلو جبهة تحرير التيغراي لتهريب السلاح والإمدادات مستفيدين من معرفتهم الطويلة بالمنطقة. أضف إلى ذلك أن وجود أعداد كبيرة من اللاجئين قد يثير مشاكل مع المزارعين السودانيين والأهالي في المنطقة التي كثيرا ما شهدت دخول عصابات إثيوبية مسلحة وسيطرتها على أراض زراعية، علما بأن هناك مشكلة حدودية كامنة بسبب الأراضي السودانية التي احتلتها إثيوبيا في الفشقة. فآخر ما يريده السودان الآن هو زيادة التوترات في مناطقه الشرقية التي تشهد صراعا داخليا تتهم عدة جهات إريتريا بتأجيجه طمعا في ضم أراض سودانية.
إريتريا أيضا قد تمتد إليها الحرب للعداء بينها وبين جبهة تحرير شعب التيغراي التي ترى أن هناك تنسيقا ضدها في هذه الحرب بين آبي آحمد والرئيس الإريتري آسياس أفورقي. وقد شنت جبهة التيغراي بالفعل هجوما بالصواريخ نحو أسمرة، وهناك تقارير تتحدث عن قصف مدفعي عبر الحدود. إريتريا ستحاول ألا تدخل في عمليات عسكرية مباشرة رغم أنها تدعم آبي أحمد، وهذا قد يكون متاحا لو انتهت الحرب سريعا، لكنها إذا طالت فلن تستطيع أن تنأى بنفسها بكل ما قد يعنيه ذلك من تعقيدات عليها، وهي غير محصنة من المشاكل الداخلية ولأفورقي أيضا أعداء.
مصر أيضا ليست بعيدة عن المشهد في ظل أزمة سد النهضة وقضية المياه التي تعتبرها مسألة حياة أو موت. فما يحدث في إثيوبيا اليوم أو غدا سيكون له صداه في القاهرة التي قد تكون أكثر من مجرد مراقب يكتفي بالمتابعة عن بعد. ورغم أن القاهرة سعت لإخماد الضجة التي أثارها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عندما قال في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إنها قد تهاجم سد النهضة وتفجره، معلنة أنها تفضل خيار الحل التفاوضي، فإن الكلام ذكّر الناس بأن مصر مستعدة للذهاب إلى أقصى حد في هذا الملف. لذلك لن يكون غريبا ولا مستبعدا أنها تدرس الآن كل الاحتمالات والخيارات مع تطورات حرب التيغراي.
هناك بعد آخر في حرب إثيوبيا إذا طالت وأدت إلى تفجر الأوضاع الداخلية بشكل واسع في ظل التوترات الكامنة بين القوميات والمشاكل المتراكمة. فحركات «الدواعش» المتطرفة ليست بعيدة عن إثيوبيا بوجودها في الصومال وبنشاطها الذي توسع مؤخرا بشن عمليات في تنزانيا، وإذا ما رأت فرصة جديدة فإنها لن تتوانى عن استغلالها، بما سيضيف المخاطر والتداعيات على المنطقة.
هل من الغريب بعد كل هذا أن تتساءل «الغارديان» البريطانية ما إذا كانت هذه الحرب ستحول إثيوبيا إلى «ليبيا شرق أفريقيا»؟
المصدر: الشرق الأوسط




تقرير الخرج

Nov 19 2020


رئيس اقليم كوردستان وضع النقاط على الحروف!

رئيس اقليم كوردستان وضع النقاط على الحروف!

Nov 17 2020

نوري بيخالي*
بعد اسقاط النظام البعثي عام ٢٠٠٣ على ايدي قوات التحالف الدولي, شارك الكورد في بناء العراق الجديد بأرادته الحرة, مبيتغيا بناء دولة المواطنة, دولة اساسها التعايش والسلم, دولة تتبنى مباديء التوافق والتوازن والمشاركة في ادارة الحكم. وعلى هذه الاسس شارك الكورد مساوما على كثير من حقوقه المشروعة في وضع دستور يستجيب لمرحلة ما بعد الدكتاتورية وتطلعات الشعب العراقي بتنوعه القومي والاثني والديني والمذهبي, لكن يبدوا ان من حكموا العراق فيما بعد صدام, عملوا على نقيض ما ورد في الدستور الذي صوتوا له شعبيا وسياسيا.

نص الدستور العراقي على ان الدولة الجديدة هي دولة اتحادية (فيدرالية), لكن لم تمر سنوات قليلة, حتى ظهرت في بغداد قوى وقيادات حاولت جاهدة وبشتى السبل العودة بالعراق الى ايام الديكتاتورية, حيث فرض المركزية وبسط سلطتها المطلقة. وهذا ما أشار اليه ضمنيا السيد نيجيرفان البارزاني رئيس اقليم كوردستان في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد اجتماع الرئاسات الثلاث في اقليم كوردستان لبحث تداعيات المصادقة على قانون تمويل العجز المالي وتمريره في مجلس النواب العراقي قائلا: ”إن ما عندنا الآن في العراق ليس نظاماً اتحادياً أبداً، بل مركزية قوية تريد السيطرة على كل شيء من بغداد“.

لذلك يخطيء من يعتقد بأن المشاكل العالقة بين اربيل وبغداد هي فقط ملف النفط, بل القضية اعمق من ذلك والمشاكل اكثر تعقيدا مما يتصور (بضم الياء وفتح التاء). بالأحرى, أن للكورد في العراق قضية شعب وأرض وحقوق مسلوبة. وهذه المشاكل لا تحل بالتهرب منها, أو بخلق أزمة جديدة, أو بفرض الارادة أو”بتمكن طرف أو أطراف لديها اليوم قوة في العراق من فرض قانون ما، فمشاكل العراق أعمق من ذلك بكثير - رئيس اقليم كوردستان“.

رغم اهميته الاستراتيجية, لكن ملف النفط وكيفية ادارته بين أربيل و بغداد, ليس الا قطرة من بحر المشاكل التي تتهرب منها بغداد طوال ١٧ السنوات الماضية. اهمها (طبيعة العلاقة بين اقليم كوردستان ودولة العراق, تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور العراقي, تأمين مستحقات اقليم كوردستان المالية في الموازنة العامة, الاستجابة لمطالب قوات البيشمركة التي هي جزء من المنظومة الدفاعية العراقية, تعويض ضحايا عمليات الابادة الجماعية...الخ), مشاكل جدية لا يستطيع العراق الحفاظ على استقراره بدون حلها جذريا.

ان اقليم كوردستان ككيان سياسي, امر واقع دولي (وفق القرار الدولي المرقم ٦٨٨) واقليم قانوني ودستوري (وفق الدستور العراقي). ومن هذا المنطلق يجب على من يحكمون العراق تغير عقليتهم وطريقة تعاملهم مع الاقليم بشكل يليق ومكانته السياسية والاستراتيجية. لكن يبدوا أن من قعدوا على سدة الحكم في بغداد ما بعد البعث ما زالوا مصممين على ممارسة السلطوية تجاه اقليم كوردستان, متناسين بأنه ولى زمن الموالي وأن ما يقومون به قد يقود البلد الى الهاوية, وهذا ما اكد عليه السيد نيجيرفان البارزاني: ”آن الأوان لكي تعيد بغداد التفكير في أسلوب تعاملها مع إقليم كوردستان, لإن هذا أكبر إخفاق لأي سياسي في العراق يظن أنه يستطيع إدارة البلد بهذه الطريقة. الذي يهمني هو أن هذه العقلية يجب أن تتغير“, مطالبا القوى السياسية العراقية جميعاً، بأن تقف بجدية على هذه المسألة, هذا إن كانوا حريصين على التعايش والسلام في العراق.

وعلى الرغم من كل تلك القساوة والضغينة التي تتعامل بها السلطات العراقية مع شعب كوردستان, الا ان رئاسة إقليم كوردستان و بسياستها الحكيمة كانت وما زالت مصصمة على حل هذه المشاكل مع العراق عن طريق الحوار, وسيبقى خيارها الوحيد في هذا الصدد هو الحوار والتفاهم, ساعيا من اجل التوصل إلى اتفاق شامل وجذري لكافة المشاكل وفق الدستور, لأن رئاسة اقليم كوردستان لا ترى من عداء احد من القادة والقوى العراقية لكوردستان وقضيتها مصلحة للعراق ومستقبل التعايش والسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي فيه.

*كاتب صحفي- اربيل






الفيدرالية الإثيوبية في قبضة حرب التيغراي

الفيدرالية الإثيوبية في قبضة حرب التيغراي

Nov 17 2020

د. حسن أبو طالب
في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بدء عمليات عسكرية ضد من سماهم المتمردين التيغراي، ووعد بأن يتم الحسم قريباً في غضون أيام، كما وعد بحماية المدنيين. إنها من وجهة نظره عملية تأديبية سريعة محسومة سلفاً. الأيام مرت، ومؤشرات الانتصار والسيطرة على الأوضاع تبدو غائبة تماماً أو محدودة.
التصعيد العسكري من كلا الطرفين (الحكومة الفيدرالية وحكومة التيغراي) يظهر كأنه المسار الوحيد المطروح حتى اللحظة، لا سيما أن الحكومة الفيدرالية تجتهد بأسرع وتيرة ممكنة في اتخاذ عديد من القرارات والمواقف التي تصب في شيطنة «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي» وزعمائها، وعزلهم من مواقعهم التنفيذية، سواء في حكومة الإقليم أو في مواقع الحكومة الفيدرالية، وتوجيه الاتهامات لهم بالفساد والخيانة والمشاركة في تمرد ضد القانون والدولة، وإصدار قرارات بالاعتقال بحقهم جميعاً. فضلاً عن منع التمويل الفيدرالي عن الإقليم، وتعيين قيادات جديدة تدين بالولاء للحكومة؛ لكنها لا تستطيع تسلُّم مهامها على الأرض.
وهكذا فقادة التيغراي من وجهة نظر آبي أحمد مجرد عصابة مجرمة، وفقاً لكلماته، ولا مجال أمامها سوى الانصياع للإجراءات القانونية والاعتقال والمحاكمة، باعتبارهم قيادات خائنة، ما يعني أن قبول قادة الجبهة لهذه الاتهامات سيؤدي بهم إلى مصير الموت حتماً. في المقابل ليس أمام قادة التيغراي سوى الدفاع عن أنفسهم، وفقاً لتصريحات رئيس الجبهة والإقليم ديبريتسيون غيبريمايكل، والتمسك بخيار المواجهة العسكرية الذي يفضي من وجهة نظرهم إلى تأكيد حقهم في الحكم الذاتي وفقاً للدستور، أو ربما يتطور الأمر إلى إعمال الحق في تقرير المصير وفقاً للدستور أيضاً في مادته 38.
كلا المنطقين المتواجهين يتمسكان بإعمال الدستور شكلاً: الأول يُعلي ما يراه حماية الدولة وحق الحكومة الفيدرالية في السيطرة على شؤون الأقاليم المختلفة، واستبعاد الفاسدين من مواقع السلطة ومحاسبتهم، والثاني يرى أن أسلوب آبي أحمد يناقض الدستور القائم على حق الأقاليم في حكم أنفسها والسيطرة على مواردها المحلية. والفكرة هنا ليست مجرد اختلاف في الرؤية وحسب؛ لكنها تعكس تقييماً سلبياً لما أقدم عليه آبي أحمد من إصلاحات سياسية حسب التعبيرات الشائعة، وفي جوهرها - وفقاً للتيغراي - استعادة تقاليد الحكم المركزي القائم على الحاكم الفرد والأقاليم التابعة للمركز، واستبعاد المخالفين وإقصائهم عن مراكز القرار بكل السبل، واستنساخ نمط الحكم الذي ساد إبان سيطرة الأمهرا على شؤون البلاد، منذ منيلك وحتى هيلاسلاسي، لعقود طويلة، وتميز بقمع الأعراق المختلفة والاستبداد وسوء توزيع الموارد وتخلف التنمية، والتعرض لأزمات العطش والجوع.
ونظراً لأن قادة التيغراي الذين سيطروا على حكم البلاد منذ الإطاحة بالإمبراطور هيلاسلاسي وحتى اعتلاء آبي أحمد رئاسة الوزراء في مارس (آذار) 2018، يعتبرون أنفسهم المؤسسين الأصلاء لنمط الحكم الفيدرالي الذي يعطي الأعراق المختلفة - كل عرق في إقليمه - الحق في حكم الإقليم والتعبير عن حقوقه أمام السلطة الفيدرالية، فمن الطبيعي أن ينظروا لكل الخطوات التي يقدم عليها آبي أحمد باعتبارها موجهة لهم بالدرجة الأولى؛ لا سيما أن غالبية القيادات في الجيش والشرطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة التي تم إقصاؤها بقرارات مباشرة منه شخصياً هي قيادات تيغرانية، تنتمي لـ«الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، عادت جميعها إلى الإقليم المحلي، وباتت ترى في «إصلاحات آبي أحمد» استهدافاً مزدوجاً لأشخاصهم ولتراثهم السياسي، ولنضالهم من أجل إثيوبيا جديدة، تتجاوز ما كان يعرف «بالإثيوبيانية» ذات النكهة الإمبراطورية، والذوبان العرقي لصالح المركز.
هكذا، فالصراع يقوم على مزيج من العوامل، منها عوامل آيديولوجية تتعلق بطبيعة الدولة الإثيوبية، إلى جانب مصالح شخصية. يُضاف إلى ذلك أن علاقة آبي أحمد بكل من الأرومو «من جهة الأب»، والأمهرا «من جهة الأم»، تبرر لقادة التيغراي الشكوك في خطواته السياسية، والنظر إليها كخطوات تناقض المسار السياسي للفيدرالية الإثيوبية ذات الاستقلالية العرقية، وترنو إلى استعادة نفوذ الأمهرا بتحالف نسبي مع الأرومو، على حساب نفوذهم التاريخي في بنية الدولة الإثيوبية الجديدة.
ويذكر هنا أن قادة إقليم التيغراي حاولوا التواصل مع آبي أحمد بعد قرار تأجيل الانتخابات إلى أجل غير محدد، بسبب ما قيل إنه تفشي وباء «كوفيد- 19»؛ حيث ذهب إلى أديس أبابا وفد يمثل قيادات «جبهة تحرير التيغراي» وزعماء قبليين، في يوليو (تموز) الماضي؛ لكنه رفض مقابلتهم، الأمر الذي اعتُبر رفضاً لمبدأ البحث عن حلول سياسية للمشكلات المتعلقة بالانتخابات الفيدرالية والمحلية، ونوعاً من استعلاء المركز على حقوق إقليم التيغراي والأعراق الأخرى. وربما أسهم ذلك في إذكاء مشاعر الغضب، واللجوء إلى الانتخابات المحلية التي جرت بالفعل في سبتمبر (أيلول) الماضي كعلامة للتحدي، وذلك رغماً عن رفض المركز لتلك الانتخابات واعتبارها غير قانونية ولا تمثل نتائجها للحكومة أي شيء. وهي خطوة رافقتها خطوات أخرى للتدليل على عدم شرعية بقاء آبي أحمد في السلطة بعد أغسطس (آب) الماضي، كرفض قراره تعيين قادة عسكريين للمنطقة العسكرية الشمالية الواقعة في نطاق إقليم التيغراي.
حين تسد كل أبواب المسارات السياسية، ليس هناك سوى التصعيد العسكري. هذه بديهية يبدو أنها غابت عن مستشاري رئيس الوزراء الإثيوبي. فقد تم رفض مبادرة الاتحاد الأفريقي للوساطة بين أديس أبابا وقادة التيغراي، كما رُفضت دعوات الأمم المتحدة والسودان ومجموعة «الإيغاد» المعنية أساساً بما يجري في شرق أفريقيا، بما فيه إثيوبيا. كما أن مسار الحرب والحل العسكري ليس مضموناً؛ خصوصاً في ضوء مؤشرات تدخل أطراف إقليمية قد تُجبَر على التدخل، أو تسارع إليه لأنه يحقق لها مصالح كبرى، مثل إريتريا التي استهدف التيغراي مطارها بعدة صواريخ، معللين ذلك بتدخل إريتريا لمناصرة حملة آبي أحمد العسكرية. ومع الإرث العدائي الطويل بين قادة أسمرة وقادة التيغراي، فمن المحتمل أن يتوسع نطاق المعارك غير المحسوبة، وتمتد آثاره إلى دول مجاورة كالسودان الذي يعاني من تدفق اللاجئين الإثيوبيين، وإلى أقاليم أخرى مثل إقليم الأمهرا الذي تعرض أيضاً لصواريخ من إقليم التيغراي. وهي تطورات تدل على أن استراتيجية التيغراي تقوم على توسيع نطاق المعارك وتشتيت جهود الحكومة الفيدرالية، وتحويل القضية إلى دولية تستدعي تطبيق حق تقرير المصير المتضمن في الدستور، ولكن برعاية دولية أممية.
مع توسع الحرب والمعارك وعدم القدرة على الحسم السريع، واحتمال التحول إلى حرب عصابات تبرع فيها قيادات تيغراي التي اختبرت تلك المهارات إبان الصراع مع حكم الإمبراطور هيلاسلاسي لسنوات طويلة، مع فائض أسلحة في القيادة الشمالية للبلاد، تبدو إثيوبيا معرضة لما هو أخطر من مجرد مواجهة عسكرية في نطاق إقليم واحد من بين عشرة أقاليم عرقية تشكل البلاد. الصيغة الفيدرالية نفسها في خطر، وإرث آبي أحمد السياسي والقصير زمنياً يبدو أنه يواجه تحدي النهاية السريعة.
المصدر :الشرق الأوسط




بين ناسنا وناس ناغورني كاراباغ..

بين ناسنا وناس ناغورني كاراباغ..

Nov 14 2020

فاروق حجّي مصطفى
لم أجد مشهدًا دقيقًا يجمع ناسنا بناس ناغورني كاراباغ مثلما شاهدناه اليوم، فسكان قرى ناغورني كاراباغ الذين رفضوا البقاء في منازلهم واضرموها بالنيران ، قبل خروجهم نحو أرمينيا نتيجة الإتفاقية الأخيرة لوقف الحرب (بين أذربيجان وارمينيا) بدا عليهم ترك كل شيء مقابل ألا يعيشوا تحت حكمٍ طالما نظروا إليه تحت مسمى "الأعداء".

والحق إنّ ذلك المشهد هو الوحيد الذي سيبقى مخلدًا في الذاكرة، ويصبح مادة تاريخيّة مثقلة بالظلم.

بعيداً عن مدى الشبه الذي يحكُمنا ويحكم الناس في ناغورني كاراباغ، لكن ثمة شبه أكثر تجسيداً لواقعنا بواقع الناس هناك، فالرفض التام للناس في مناطقنا ليس للاحتلال فحسب إنما لرياحه أيضاً.
ولعل الناس أكثر ذكاءاً حينما يعبرون عن مواقفهم على خلاف السياسيين، وما لبث وإنّ كان موقف الناس العفوي أكثر وقعاً، وتأثيره أقوى من بيانات الساسة، فهذا الموقف العفوي هو دليلٌ دامغٌ وقوي مفاده إنّ وعي الناس الرافض لوجود المارقين والمحتلين وحلفائهم ، ما هو إلّا انعكاسٌ لتاريخ لم يدوّن صفحة ناصعة من العلاقات الحسنة والطبيعية، بقدر ما دوّن من الظلم الذي مارسه أولئك الحكام، والطغاة ضد ناسنا، سواءً أكانوا أرمناً أم كُرداً!
ولا نستغرب حين يُحكى عن التهديد التركيّ، إن ناسنا يتركون بيوتهم خلفهم، ويلتجئون إلى مناطق النظام أو مناطق العمق (أي الرقة والحسكة).

بدا لي، وبعد مشاهدة إشعال النيران بمنازل ناغورني كاراباغ أن ضمائر الناس تبقى بمثابة ذاكرة قويّة، وعندما يطلّ الظلّام برأسه فإنّ هذه الذاكرة تستقيظ وتيّسر السلوك العام المجتمعي.

بقي القول، إنّ ما ظهر على الإعلام قبل ساعات، من حرق للمنازل في ناغورني كاراباغ، وقبل ذلك حدث في مناطقنا عندما هاجم الأتراك بلداننا ومناطقنا، في بذل الجهود والعمل المستحيل كي لا يكونوا تحت حكم الأتراك، الانتماء أقوى من أي تعبير سياسيّ، والذاكرة الحيّة هي التي تحرق نفسها عندما يعيد التاريخ نفسه من نافذة الظلم.




Pages