في التطبيع المدني

في التطبيع المدني

Sep 03 2018

فاروق حجّي مصطفى:
ما هو ملفتٌ للنظر إن كل الأطراف تتحدث عن التطبيع سواءً أكان عسكرياً أو سياسيًا، والإدارة الذاتية مؤسساتياً، ما عدا الحيّز المدني الذي ما لبث وتحول إلى حيّز ميت كما لو أنّه ملحق لأطراف الصراع سياسياً أو أمنياً-عسكرياً، في وقت أنّ هذا الحيّز كان يفترض أن تكون هي البوصلة.
فإذا كانت الأطراف وبحكم طبيعتها تهتم بالحيز الخاص فإنّ المدني هو المعبر عن الصالح العام.
ولا نستغرب أنّ سبب عدم الإكتراث بالتطبيع المدني يعود إلى:
-إنّ واقع المجتمع المدني لم يتبلور بعد كما هو المأمول.
-ثمة هيمنة سياسية واضحة على الحيّز المدني ما أثر سلباً على أداء المجتمع المدني.
-المجتمع المدني يعمل في بطن المجتمع الإنساني والذي ينظر إلى الصراع كطرف لإستجابة إغاثية وليس كطرفٍ له الموقف العام من الحدث ويحدد ما يجب أن تتحول الأوضاع. فضلاً عن انغراق بعد الأطراف الإنسانية في مسألة إقتصاد الحرب والتي أصبحت مورداً للصراع وليس جهداً لبلورة مفهوم السلام وتفعيل الحراك ليكون دافعاً لعملية سياسية وليس دافعاً لتفعيل مشهد الحرب.
ما هو المحزن أنه في كل جغرافيات الصراع توجد منظمات إنسانية-مدنية وهو الأمر لو كان ثمة واقع مدني حقيقي لكان ساهم في بلورة واقع مصلحة الناس وبالتالي عملت استجابة لتطلعات الناس لا انزلاق في متاهة الفئوية أو مشاركاً أو حامياً للمشهد العسكري.
المنطق العام يفرض على المشهد المدني أن يكون صاحب موقف من كل التداعيات، وإن السكوت وعدم ابداء الموقف من الصراع العسكري-المدني يعني بشكل أو بآخر المساهمة في استمرارية الأزمة وتعميق إستبداد فئة على الاخرى.
والحق إن المجتمع المدني أمام استحقاق تاريخي كبير وهو كيف بالوسع فتح نوافذ التواصل مع المشهد المدني في كل الجغرافيات، ولعل هذا لا يساهم في بلورة بناء السلام فحسب إنما يؤسس لإنعطاف تاريخي تجاه واقع مجتمع مدني حقيقي يلعب دور تفعيل الشأن العام، ويخلق بيئة للتحاور بين المتخاصمين والمتزاحمين في المشهد أو الحياة العامة، والسؤال، هل وصلت بِنَا الجرأة لكسر الجليد وتدمير الجدران ونكون قريبين للناس، ونحقق أمانيهم في عودة أبنائهم من المختطفين والمعتقلين، ونستعيد كرامة الضحايا من خلال إحياء ذكراهم وطي صفحة الحرب من خلال التفكير بدولة تكون إطاراً حامياً لحريات الأفراد والجماعات ونظام حكمها نظام يسيّر المصالح العامة متحرراً من المركزية الشديدة الوطأة؟