ديلارا المحمد :

ديلارا المحمد : "الأحلام هي واقع مُحقق إن آمنا بها"

Sep 27 2019

لقاء مع أصغر إعلامية كُردية
برجاف |خاص -رياض علي
في خضمّ الحرب القائمة في سوريا بين النظام والمعارَضة من جهة ، وبين اقتتال الفصائل المعارِضة فيما بينهم من جهة أخرى ، ومنذ أكثر من أربع سنوات ، كانت مصطلحات "اللجوء ؛ اللاجئين ؛ طريق الموت" من أكثر الكلمات والمصطلحات المتداولة في الإعلام العربي والغربي وبين السوريين عموماً ، وتحول البحر الذي التهمت أسماكه جثث الكثير من الغرقى في طريق الموت ؛ إلى كابوسٍ يُخيف كل من سار فيه ، فقضى فيه من قضى ، ووصل إلى بر الأمان من وصل .

في جانب آخر ؛ ونتيجة لجوء السوريين إلى الدول الأوربية انقسمت العائلات إلى عائلاتٍ منغلقة على نفسها وتراثها وعاداتها ، وعائلات حافظت على كل ما سبق ولكن أضافت ميزة الانفتاح على المجتمعات الأخرى والتأقلم معهم تحت مسمى الاندماج الإيجابي ، ولكن ثمة أفراد قلة اندمجوا في المجتمعات الأوربية بطريقة سلبية ؛ فزادوا في الأمر واتخذوا لمفهوم الحرية منحىً آخر ، فتدهورت حياتهم وخسروا مستقبلهم خلال أقل من خمس سنوات ..

في الجهة الأخرى من الحياة الجديدة في أوربا ، هنالك ناجحون أثبتوا لأنفسهم ولمجتمعهم السوري ولمجتمعهم الجديد بأن تجربتهم في خوض رحلة الموت لم تكن عبثاً وبأن تلك المغامرة كانت في مكانها ، فأن تغامر بحياتك في عرض البحر كي تصل إلى حياة جديدة لتؤمّن مستقبلك يستحق هذه المغامرة التي ربما يكون الخطأ الواحد فيها هو خسارتك لحياتك .

من منطقة الحسكة ظهرت الطفلة الكُردية ديلارا المحمد ذات الأحد عشر عاماً ؛ التي اجتازت حاجز اللغة الألمانية في أقل من سنة ، ودخلت عالم الإعلام الألماني بقوة وثبات على السعي وراء هدفها ؛ وأصبحت حديث الشارع الكردي والعربي والألماني منذ حوالي أكثر من عام ، وهي تعتبر إحدى قصص النجاح التي يتحدث عنها إعلام السوشيال ميديا مؤخراً وبكثرة .

في حديث برجاف الذي أجرته معها ؛ تقول ديلارا : "رحلة الموت لم تكن سهلة أبداً ، ولكنني لم أكن خائفة ؛ خاصة بأنني سبّاحة ماهرة ولا أهاب المياه ؛ ولكنني كنت خائفة على الأطفال الرضّع الذين كانوا معنا في القارب البلاستيكي "البلم" ، لقد كانت أصوات الأمهات والأطفال تقشعر لها الأبدان ؛ وكنتُ أحاول أن أعطيهم القوة والأمان في عرض البحر ، وصراحةً ؛ بعد وصولنا إلى البر اليوناني نسيت كلّ شيء ورحتُ أنا وأمي مع الأطفال الآخرين نرقص فرحاً وابتهاجاً بوصولنا إلى بر الأمان الذي طالما حلمنا به خلال السنة الأخيرة من وجودنا في تركيا "

وحول معضلة اللغة الألمانية تقول ديلارا المحمد : "لم أكن أشعر بصعوبة اللغة أبداً ، خاصةّ بأنني أجيد التحدث باللغة الكردية والتركية والعربية بطلاقة ، وحديثاً أتقنتً الألمانية بشكل جيد جداً ؛ ولازلت أتعلم الإنكليزية أيضاً ؛ بالإضافة إلى اللهجة الكردية الصورانية التي تعلمتها خلال ستة أشهر فقط من مشاركتنا السكن مع عائلة كردية - كانت قد وصلت هي الأخرى في ذات الشهر إلى ألمانيا ؛- فكنت مضطّرة للتحدث مع أطفال هذه العائلة كي نستمر في اللعب معاً ؛ لأنني لاحظت بأنهم غير قادرين على تعلم لهجتنا الكرمانجية" فتعلمتُ لهجتهم .

في سؤال لبرجاف حول البرنامج الألماني الذي تقدمه ديلارا ومَن يقف وراءه ؛ أخبرتنا المحمد بأن هذا الراديو خاص بمنطقة جنوب شتوتغارت ، تابع لولاية بادن فورتمبيرغ ، وتكمل ديلارا : "عند وصولي إلى هذه المنطقة أرادت إدارة الراديو بأن تقوم بإجراء مقابلة معي في برنامج يسمّى بالألمانية New Commer News ومعناه "أخبار القادمين الجُدد" ، وبعد تلك المقابلة أحبت الإدارة أدائي وطرحوا عليّ العمل معهم ولكنّ والدتي رفضت ذلك ؛ إذ كانت مصرّة على أن أتقن اللغة الألمانية أولاً ؛ وبعد سنتين تقريباً طرحت والدتي عليّ فكرة برنامج باللغة الألمانية للأطفال في ذات الراديو ؛ واتفقتُ معها على آلية العمل وطبيعة البرنامج ؛ وحين طرحنا هذا المشروع على إدارة الراديو وافقت فوراً ؛ ومنذ حوالي أكثر من ثمانية أشهر أُقدّم البرنامج أسبوعياً على أثير الراديو ، ويتم انتاج ومونتاج الحلقة كفيديو - لصالح الموقع الرسمي للراديو وأيضاً على صفحتي الرسمية على فيسبوك وقناتي اليوتيوب ؛ واسم برنامجي هو : "مع ديلارا"

تقول ديلارا المحمد حول الهدف من هذا البرنامج : "بأن فكرة البرنامج تتمحور حول المشكلات التي يتعرض لها الطفل - سواء كان لاجئاً أو ألمانياً - في المدرسة والشارع والبيت ، وفي نهاية كل حلقة فإنني أُقدّم الحلول المناسبة للمشكلة التي أتحدث عنها في الحلقة ؛ والمواضيع التي أتناولها هي بسيطة جداً وقريبة إلى الواقع ؛ كالهروب من المدرسة والرياضة والطعام الصحي وتنظيف الأسنان إلى ما هنالك من مواضيع تهم الطفل"

وحول سؤالنا عن الداعمين لبرنامجها ؛ تقول ديلارا : "والدتي التي تُعِدُّ لي البرنامج أسبوعياً تدعمني كثيراً من حيث اللغات التي أستخدمها في البرنامج والأفكار التي أتحدث عنها ، كذلك في البيت فهي بمثابة صديقة حقيقية لي ؛ وتُريني مكامن الخطأ والصواب في عملي الإعلامي ؛ وحتى حين أكون مع فريق العمل في الشارع - خارج مبنى الراديو - لإجراء المقابلات مع الناس ؛ فإن والدتي تأتي معي أيضاً وتكون حريصة جداً على كيفية ظهوري على الكاميرا من حيث الألبسة والإطلالة وتسريحة شعري وطريقة كلامي مع الناس وأمام الكاميرا ؛ وكثيرٌ من الأحيان وبسبب عدم رضى والدتي عن أداء فقرة ما فإننا كفريق عمل نضطر لإعادة الفقرة أكثر من مرة ، وهذا ناتج عن حرصها الكبير على ظهوري بالشكل اللائق"

وحول مشاركاتها في الفعاليات الكُردية في ألمانيا ؛ تقول ديلارا : "عيد النوروز هو الأحب إلى قلبي ؛ ولذلك - كُردياً - لا أرغب في المشاركة في أي نشاط كُردي أو عربي يتخذ منحىً سياسياً أو حزبياً ولا حتى طائفياً أو عرقياً ، لأنني أؤمن من داخلي بأن الإنسانية هي فوق كل شيء فلدي أصدقاء من كافة البلدان حول العالم ؛ يحبونني وأحبهم ، ولذلك فلقد شاركت مرتين في سنتين على التوالي في أعياد عيد النوروز وألقيت قصائد باللغة الكُردية وسأستمر في ذلك إن سنحت الفرصة في النوروز القادم أيضاً .

في نهاية الحديث أرادت ديلارا المحمد أن ترسل رسالتها إلى الأطفال عموماً ؛ فقالت : "لاتتخلوا عن أحلامكم ؛ فالأحلام هي واقع مُحقق إن ثابرنا عليها وآمنا بها وأحببناها"