لماذا استحقت شجرة الزيتون يوماً عالمياً للاحتفاء بها؟

لماذا استحقت شجرة الزيتون يوماً عالمياً للاحتفاء بها؟

Nov 27 2020

د. سميرة مبيض
جمعت شجرة الزيتون منذ آلاف السنين بين ثقافات عديدة التقت على تثمين قيمتها عالياً في المجتمع الإنساني، فتوارد في موروثنا الإنساني ذكر الزيتون وخصائصه القيّمة جامعاً بين المعتقدات المشرقية القديمة والأديان السماوية التي ذُكرت شجرة الزيتون في كتبها الثلاث ضمن سيرورة حياة الأنبياء والقديسين.

فغصن الزيتون في العهد القديم كان دليل النبي نوح لوجود اليابسة ورمزية لعودة مظاهر الحياة، وكذلك كان جبل الزيتون في العهد الجديد منبر تعاليم يسوع المسيح والمسيح هنا تأتي من المسح بالزيت المقدس والذي قوامه من زيت الزيتون والطيب، وفي القرآن الكريم ذكرت شجرة الزيتون كشجرة مباركة في سورة النور، وهذه الرمزية المستمرة لشجرة الزيتون لازالت تحييها معتقدات مشرقية قديمة ايضاً كالديانة الايزيدية عبر مراسيم تقليدية متوارثة لقطف الزيتون وعصره لإنارة المعابد.

هذه الشجرة المعمرة بشكل شبه اسطوري، حيث تعيش في زمننا هذا أشجار زيتون يزيد عمرها عن ثلاثة آلاف عام شاهد على ما مرَّ على البشرية من أجيال وأجيال طيلة حقبات حياتهم المتتالية امام ثباتها، وهي الأشجار التي تتصف بمرونة عالية في تحمّل التغييرات من البرد القارس الى درجات الحرارة المرتفعة وبين الجفاف والرطوبة، ويعتبر انتشارها متمركزاً في منطقة المناخ المتوسطي بشكل رئيسي وهو مناخ انتقالي بين المعتدل والجاف وتشكل في هذه المنطقة أيضاً مرتكزاً اقتصادياً هاماً يدور حول كل ما يتعلق بالنشاطات الانتاجية الاقتصادية المرتبطة بهذه الشجرة، فلا يقتصر الامر على الزيت والزيتون والخشب بل يتعداه للاستخدامات الطبية التي أسفرت عنها البحوث والدراسات وكشفت عن الفوائد الطبية والعلاجية العالية القيمة للمواد المستخلصة من هذه النبتة.

كما أتت الفوائد البيئية لشجرة الزيتون لتتمم لوحة التكامل التي تقدمها فكما تشير دراسات عديدة قدمها المجلس الدولي للزيتون، وهو مؤسسة دولية مركزها اسبانيا وتضم عدة دول منها سوريا، أشار في بحوثه الحديثة أن أشجار الزيتون، إضافة لدورها في حفظ التنوع الحيوي وفي تحسين التربة والحد من التصحر فهي تمتلك إمكانية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون أي انها تحتجز في كتلتها الحيوية وفي التربة كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون أكثر مما تصدره في الغلاف الجوي، وذلك عند استخدام تقنيات زراعة مناسبة، ولذلك أثر إيجابي في التخفيف من غازات الانبعاث الحراري والتي تعد مسبباً لظاهرة ارتفاع درجات حرارة المناخ.

لأجل ذلك كله فقد استحقت شجرة الزيتون يوماً عالمياً والذي يوافق يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام وفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو.

ختاماً تجدر الإشارة الى أن الحروب والصراعات هي العدو الأبرز لأشجار الزيتون التي تصبح هدفاً لحرائق المتعمدة والاقتلاع والاحتطاب، وكأن من يحارب الزيتون يحارب استقرار الإنسان الذي تؤمنه الحياة بتكامل مرتكزاتها الثقافية والعلمية والغذائية والصحية والبيئية لا يختل أحدها إلا ليؤدي لاختلال المجموع، عسى أن تستمر أشجار الزيتون بحمل رسالة الحياة المتجددة في سوريا كما كانت دوماً وكما ستبقى في وجداننا موروثاً انسانياً تتناقله الأجيال بثقافاتها المختلفة يجتمع تحت أغصانها وفي جذورها انتماءات عديدة لأرضية الاعتدال والتوازن والاستمرارية.
المصدر:وكالة زيتون