وحيدة مسلم: لاشي مستحيل إذا كان الهدف واضح ومصاحب بالإرادة والتصميم

وحيدة مسلم: لاشي مستحيل إذا كان الهدف واضح ومصاحب بالإرادة والتصميم

Oct 16 2021

وحيدة مسلم أول طبيبة كوبانية، ابنة لعائلة عرفت قيمة التعليم وأعطته قدره.
سجلت في كليّة طب الأسنان في حلب عام 1980 وتخرجت عام 1985، تحدت المجتمع والظروف وكانت المَثل الأعلى لمن بعدها ليخطو خطاها.

*ما التحديات التي واجهتك في مسيرتك الدراسية والمهنية؟

-لابد من الذكر بأنني أعتبر مسيرة حياتي كلها أشواك ب أشواك (وما نيل الرغبات بالتمني).
فالإنسان الذي يضع هدفاً في حياته، حتماً سيتعترض للمصاعب ويحتاج لتضحيات في بعض الأحيان.
بالنسبة لي العقبات بدأت في سن مبكرة جداً، بعد مرحلة الدراسة الابتدائية حيث البيئة القبلية والعشائرية كانت تعارض فكرة تعليم المرأة، فسقف تعليمها كان الابتدائية وكان يُعتبر المكان الطبيعي لها هو المنزل ومهمتها تربية الأولاد فقط.


* ما دور العائلة فيما وصلتي إليه؟

-كان عليّ تحدي وتجاوز هذه المفاهيم، فالعقبة الأولى كانت  أن المدارس الإعدادية مختلطة وليس هناك مدارس خاصة بالإناث، مما جعل والدي رحمه الله في مواجهة مشكلتين، متابعة تعليمي كفتاة، وإقناع المجتمع بأن المرأة مثلها مثل الرجل يمكن أن تتبوء المناصب إذا اتيحت لها نفس الظروف، و أنّه لاضرر من الاختلاط بين الجنسين و لاخطر الفتاة من الاختلاط مع الشباب إذا تلقت الفتاة تربية سليمة.

كنت محظوظة لأن والدي كان يتمتع بهذه الذهنية المتنورة والمنفتحة وكانت هذه سمة مميزة فيه، ورث هذه السّمة من جدي رحمه الله والذي أيضاً كان يتمتع بالحنكة ويؤمن بأهمية التعليم .

تابعت مرحلة دراستي الاعدادية والثانوية (حتى الحادي عشر الثانوي العلمي هذا كان السقف في كوباني آنذاك)مع الشباب والذين كانوا بمنتهى الأدب والأخلاق و كانت هذه ميزة العشائرية حيث مفاهيم الشرف والنخوة والحرص على السمعة والتضحية في سبيل ذلك .
المشكلة الوحيدة في تلك الفترة هي قلة الكوادر التعليمية وغياب الاساتذة المتكرر، بعد الانتهاء من تلك المرحلة كان علينا جميعاً الانتقال إلى مدن سورية أخرى لدراسة البكالوريا.

بالنسبة لي انتقلت إلى حلب ولم أحظَ بدورات تعليمية خاصة كما حظي بها العديد من زملائي، أصبحت  الدراسة تحدياً حقيقياً خاصة أن أساسنا العلمي لم يكن بمستوى طلاب حلب.
لكن بفضل إصراري على النجاح وتخطي الصعاب تجاوزت المرحلة بنجاح ونلت ماكنت أحلم به وهو الحصول على معدلات عالية تؤهلني لدراسة الطب (حلم الطفولة) .

* لماذا اخترتي مهنة الطب تحديداً؟

-لا أتذكر السبب المباشر لذاك الحلم الطفولي، هل كان السبب هو اثبات الذات أمام المجتمع الكُردي الذي كان لايؤمن بتبوء المرأة للمناصب العالية الذي كان يُعتبر آنذاك مهنةً ساميةً، أم لأنه عمل إنساني وكان مجتمعنا متحفظاً بحاجة إلى طبيبة لسهولة التعامل، أم لأن مهنة الصحة من المهن الحرة والتي كان أغلب الكُرد يفضلونها لتجنب  مضايقات التوظيف وما إلى ذلك من اعتبارات ،أم لهذه الاسباب جميعا اخترت أن أكون طبيبة في سن مبكرة .

ولكن للأسف ولظروف اجتماعية خاصة لم أتوفق في التسجيل في الفرع الذي كنت أحلم به، تزوجت في تلك الفترة ورزقت بطفل ومع ذلك بقي الحلم يراودني باستمرار ،تقدمت لامتحان البكالوريا ثانية وتوفقت هذه المرة في الحصول على مرادي حيث أصبحت الظروف مهيئة للدوام في الجامعة .
هنا ظهرت عقبات من نوع آخر حيث الدوام في كلية علمية ليس بهذه السهولة، إضافة القيام باعباء المنزل ومن ثم التوافق  بين كل هذه المسؤليات لم يكن سهلاً ( لا عوامل مساعدة، طبخات جاهزة كما الآن ،لا غسالة اتوماتيكية ،لا جلاية.....)٠

حتى في هذا المجال أثبتت قدرتي وجدارتي وتخرّجت مباشرة وبدون أي تأخير وكنت محظوظة لأني لم أذق طعم الرسوب في حياتي، وأثبت لمجتمعي عكس ما كان سائداً وقتها ( Em kurd nabine tiştek)
لا أدري ماذا كان وراء هذا الاعتقاد الخاطىء؟
بدوري أنا اؤكد إن الارتقاء هو بيد المرء ،اذا جعل الترقي بنفسه هدفاً في حياته ،لاشي مستحيل إذا كان الهدف واضح ومصاحب بالإرادة والتصميم .
لابد من ذكر إنه في تلك المرحلة أهم داعم لي كانت المرحومة والدتي (صحيح إنها كانت أمية ولكنها كانت من أشد المؤيدين لفكرة العمل والتعليم لذلك شجعتنا كثيراً أنا وأخوتي في مسيرتنا الدراسية ) فأخذت على عاتقها مهمة تربية ابنائي حتى أتوفق في دراستي ومن بعدها عملي.
كما كان لزوجي المرحوم أيضاً الفضل الكبير في السماح لي بمتابعة دراستي الجامعية وتحمل أعباء الابتعاد عن أسرته لمدة ليست ببسيطة حيث سكن في كوباني وكان يزورنا في حلب أيام العطل .

* انتشار المشكلات الاجتماعية بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، هل يعد تراجع تأثير العرف والعشائرية سبباً في ذلك؟

-اثناء عملي في كوباني العقبات كانت أيضاً المفاهيم العشائرية حيث كان يعتبر عمل المراة كممرضة او كمساعدة في المنزل عيباً لذلك لم أحظَ لا بممرضة في العيادة ولا بمساعدة في البيت طبعاً الظروف والمفاهيم الآن تغيرت كثيراً لدرجة أنه لم يتم القضاء على المفاهيم العشائرية فقط (حيث البعض منها كان حسنا من حيث النخوة والشهامة والحفاظ على السمعة الحسنة ) بل تم نسف كل شي حتى الجيد منها .
فاتسعت رقعة الحرية بحيث تجاوزت لدى البعض كل الحدود حيث أصبح المرء يسير حسب أهوائه الشخصية بدون رادع ،لاديني ،لا مبدئي ،لا مجتمعي معتبراً ذلك من الحرية الشخصية.

*رغم الانفتاح والوعي، ووجود قوانين تحمي المرأة أكثر من ذي قبل، إلى أن حالات الطلاق و الانتحار في تزايد، ما السبب في ذلك برايك؟
للاسف جيل الإنترنت استغل الإنترنت بشكل سلبي بدون إرشاد ودون رقيب كل هذا العوامل أثرت سلباً على تفكك المجتمع وزيادة المشكلات الاجتماعية من وجهة نظري.

ختاماً أود أن أشكركم على هذه الدعوة الكريمة لكي أكون ضيفة في زاويتكم الهادفة لتحفيز الجيل الجديد بالتركيز على معاناة الجيل القديم وإنجازاته رغم الصعوبات.
شكراً لاتاحة الفرصة لي للتحدث عن تجربتي الخاصة .