لقاء القمة لأنهاء النقمة!

لقاء القمة لأنهاء النقمة!

Jun 24 2021

نوري بيخالي
استقبل جلالة الملك عبدالله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية في قصر الحسينية بعمان السيد نيجيرفان البارزاني رئيس إقليم كوردستان. وتأتي هذه الزيارة التي قام بها سيادته في ٢٣ حزيران ٢٠٢١ ضمن جولته الدبلوماسية التي بدأت بفرنسا ومن بعدها إلى بغداد والإمارات المتحدة العربية بغية الوصول إلى تفاهمٍ مشتركٍ حول كيفية إعادة الأمن والإستقرار للمنطقة التي تشوبها صراعاتٌ دامية و صعود غير منتظر للعنف وذلك بعودة داعش إلى الساحة.

واللقاء هذا هو ثاني لقاء بين رئيس إقليم كوردستان وملك الأردن بعد لقائهما على هامش مؤتمر دافوس في كانون الثاني عام ٢٠١٨. والذي تناولا فيه أوضاع المنطقة برمتها وسبل الخروج من الازمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعاني منها المنطقة عموماً والعراق على وجه الخصوص.

تعود جذور العلاقات الكوردية الأردنية الى تأريخٍ بعيدٍ وتجذرت هذه العلاقات على يد القائد الراحل مصطفى البارزاني الخالد الذي قاد ثورة أيلول والراحل جلالة الملك حسين بن طلال، وبعد الانتفاضة المجيدة وبالذات بعد سقوط نظام البعث، دأب الرئيس مسعود البارزاني على توطيد هذه العلاقة والعودة بها إلى متانة ما كانت عليها سابقاً بل وأقوى, وأن الجهود التي يبذلها السيد رئيس إقليم كوردستان ليست إلّا امتداداً لهذه المسيرة التأريخية التي جمعت كوردستان والأردن شعباً وقيادة.

حسب ما أفادته وكالات الأنباء والقنوات الإعلامية, تباحث الجانبان في لقائهم آخر المستجدات السياسية والأمنية في المنطقة, لا سيما وأنها مرشحة لعملية إعادتها (أن لم نقل لتغيرات جذرية)، بالأحرى فإنّ المنطقة على أبواب انعطافة تأريخية واعادة صياغتها وفق ما تقتضيه المصالح المتداخلة على المستويين الإقليمي والدولي, وفي اولويتها إعادة الامن والاستقرار والحد من المنازعات والصراعات الدامية, وصولاً إلى تفاهمات مشتركة بين المتصارعين والمتخاصمين مراعية توازن المعادلات والمصالح الدولية.

إن لقاء السيد نيجيرفان البارزاني بالعاهل الأردني يأتي في وقتٍ تترقبُ فيه انظار الأوساط السياسية والإقليمية والدولية للزيارة المرتقبة لجلالة ملك الأردن كأول ملك ورئيس وقيادي في الشرق الأوسط إلى واشنطن واللقاء مع الإدارة الامريكية الجديدة والتباحث مباشرةً معها حول مواضيع حساسة ذات صلة بعملية ما اسميناها في مستهل مقالنا ب(إعادة الصياغة).

اذاً إنّ اللقاء بين رئيس إقليم كوردستان والملك عبدالله الثاني (وجلالته على مقربة من زيارته المنتظرة) تحمل في طياتها معانٍ واشاراتٍ مهمة، قد تكون أهمها رؤية واستراتيجية رئاسة إقليم كوردستان إلى كيفية حلحلة مشاكل وصراعات المنطقة ودور الإقليم في إنجاح العملية التي هي بحاجةٍ إلى مساهمة ومشاركة الجميع دولياً وإقليمياً وعراقياً وكوردستانياً.

إنّ للمملكة الأردنية الهاشمية عمقٌ استراتيجي ودورٌ فعالٌ في المنطقة على المستويين الإقليمي والدولي، وان الحكمة السياسية التي تحلت وتتحلى بها قيادتها، جعلتها موضع أنظار الجميع وثقة العالم ولا سيما كانت ولا زالت دولة مسالمة وظلت عاملاً لإستباب الأمن والإستقرار في المنطقة مراعيةً توازن المعادلات وتشابك المصالح، وإنّ الزيارة المرتقبة لملكها إلى واشنطن قد تأتي بنتائج إيجابية لكيفية التعامل مع ما يحدث في المنطقة.

وفي المقابل فإنّ السياسة الواقعية والرؤية المنطقية لكيفية حل المشاكل والجهود الدبلوماسية التي بذلها ويبذلها السيد نيجيرفان البارزاني من أجل إعادة المياه الى مجاريها الصحيحة على المستوى الكوردستاني والعراقي والإقليمي ومساهمته الفعالة في ترسيخ أسس الحوار والتفاهم ودوره الإيجابي في التمسك بالنقاط المشتركة بين أطراف النزاع بما يخدم السلم والأمن والإستقرار والمصلحة العليا الوطنية، كل هذا جعل من العالم الأوربي والغربي بأن ينظر إلى شخصيته كشخصية قيادية يُعتمد عليها في فك بعض العقد وتمهيد الأرضية اللازمة والإيجابية لحل الصراعات وفقاً لما تقتضيه السياسة الدولية.

كما نرى فإنّ المنطقة على شفا حفرة حروب طائفية قد لا تُحمد عقباها وذلك بسبب إعادة داعش إلى الواجهة ومحاولات دول إقليمية لإبقاء المنطقة على وضعها الدامي والمتأزم تحقيقاً لمأربها السياسية ومصالحها الضيقة.
ومن هذا المنطلق وفي ضوء ما ذكرناه فإنّ أقرب المعاني والإشارات التي يحملها لقاء القمة بين ملك الأردن ورئيس إقليم كوردستان ربما قد تكون إيصال رسالة بشيء ولو ضمني وبطريقة غير مباشرة إلى الإدارة الامريكية مفادها إنّ إقليم كوردستان سيبقى عاملاً لاستتباب الأمن والاستقرار ومساهماً في إعادة الثقة بين اطراف الصراع من اجل العودة إلى طاولة الحوار.