هل تولد رؤية وازنة عبر تكتيكات طوارئ؟

هل تولد رؤية وازنة عبر تكتيكات طوارئ؟

May 17 2024

بقلم: علاء الدين زيات
منذ اطلاقه -وقد حضرت نسخته الأولى ورجعت أول أيار الحالي من الثامنة - وفي كل مرة تصلني أوراق الدعوة بترويستها وشعارها، أقف قليلا أتأمل ذلك اللوغو البسيط يتوسط العنوان:
مؤتمر بروكسل لدعم مستقبل سوريا والمنطقة
أنا لست خبيرا في الصورة البصرية ومعلوماتي عن برامج التصميم عادية، لكن الشعار ملفت في بساطته ولا يبدو ان مناقصة تمت بين مصممين محترفين للتنافس على تقديمه أو هكذا تصورت في البداية.
ها أنذا أدعوكم للتأمل قليلا فيه، المثل الفرنسي يقول "البساطة هي الجمال" فهل يتحقق الشرط هنا.
يبدو ممكنا فهم المربعات ككيانات تخوض نقاشا من نوع ما. ثمة مربع أحمر يبدو ناتئا عن السياق. وأسفله مربع أخضر وتفصل بينهما مساحة فارغة، نعم بلاشك سيقفز للذهن الانقسام السوري حول العلمين أحمر (رسمي) وأخضر (تاريخي).
أما المربع الثالث الأسود هل هو لتنظيم الدولة؟ ربما! لأن عام إطلاق مؤتمر بروكسل الأول تسبق بأشهر قليلة عملية حسم مناطق نفوذه في العراق وسوريا.
ثمة احتمال أن مربعا رابعا بلون أصفر كان جسرا بين الأحمر والأخضر ويحدد مساحة لقوات سوريا الديمقراطية. أتخيل أن موظفا في السي أي ايه كان يراقب عن بعد حاسب المصمم عبر أدوات الاختراق غير المكتشفة واستخدم أداة الممحاة في برنامج كوريل أو فوتوشوب ليلغي المربع الأصفر انه يقول هنا منطقة مغيبة خاصة تحت مسمى وضع اليد وربما تصير على غرار الاسكا ولاية 51 ولكن هذه المرة دون أن ندفع بنسا واحدا للقيصر الروسي.
الى اليسار 4 مربعات زرق هذه دول الجوار بلا شك تركيا-العراق-الاردن-لبنان، ومفهوم أن لا داع لتجسيد مربع خفي خامس عن الجار الذي تفصلنا عنه اتفاقية هدنة ما بعد حرب تشرين، أولاد العم من نسل سارة، سيبدو التشكيل ناتئا ومشوشا معهم.
على اليمين ثماني مربعات زرق أيضا هي تلك الدول الراعية أو الداعمة أو المتدخلة لا فرق وهكذا يجري احتواء الملف السوري بين ضفتين زرق او هكذا يرغب المصمم أن يقول.
تم حسم داعش منتصف 2014 هذا يعني ان النسخ التالية من بروكسل كان يجب ان تمسح المربع الأسود لكن يبدو أن الواقع السوري كبلد ومواطنين - مقيمين فيه وفي الشتات- هم تجسيد لهذا المربع الأسود في المعيشة والتشظي والتجزئة والأماني.
لا ليس بسيطا هذا اللوغو وديناميكيته الداخلية ليست جامدة بل يقدم منظورا مواكبا للحدث دون أن نضيف إليه أو نبدل مكوناته، ولا يبدو أن المصمم موظف صغير في دائرة المعلومات شكّله على استعجال، بل أقرب لمحترف استراتيجيات سياسية، وقارئ جيد لمآلات شرق المتوسط.
في اللقاء الافتتاحي لهذا الحدث بنسخته الثامنة وعبر ست طاولات مستديرة أجريت فيه، والتعديلات التي ظهرت على برنامج عمله والاختتام المكثف لمختلف النقاشات ثمة حاجة لقراءة متأنية لهذه التفاصيل. لاسيما أنها ستصب بشكل من الأشكال في الاجتماع الوزاري (وهو السياسي الذي سيضم صناع قرار على مستويات مختلفة من الوصول وسيعقد أواخر أيار الحالي) ولا شك التركيز على المحور الرئيسي لهذا كله كيف يمكن للدور المدني أن يبرز ويتفاعل ويؤثر على مختلف المسارات وبشكل خاص على لائحة التوصيات المتوقع إصدارها كخاتمة وهل هي برؤى استراتيجية أم مزيد من التخطيط تحت ضغط بيئة الطوارئ؟
حضرت في هذا الملتقى طاولتين من أصل ست وتتبعت أخبار الأربع الباقية، وربما من هنا انطلق عنوان هذا المقال " هل تولد رؤية وازنة عبر تكتيكات طوارئ؟" اذ غلبت على مجمل النقاشات أفكار الاستجابة للواقع الآني دون أن تنسحب تلك الاستجابة لتكون عتبة في مستقبل الحل، وهذا استمرار لعقد لم تتغير مؤشرات كثيرة فيه نحو الأحسن بل التنقل والتجريب بين توليفات استجابة مورست في ظروف أخرى اعتادتها المنظومة الأممية وتمارس منهج نسخ لصق وهي مرتاحة للأرقام التي توزعها علينا وتعترف أن لا شيء تغير فوق ذلك.
الطاولة الأولى والتي تناولت موضوع "قرار مجلس الأمن 2254- تقييم الوضع الراهن وسبل الانطلاق للأمام". أعتقد أنها خطوة جريئة حيث من الواضح أن المحور سياسي ويعد تناولا للملف السوري على غير عادة مؤتمرات بروكسل، الا أنه لم يقدم أي توصيات أو تلميحات ذات طابع اجرائي واكتفى بالسياسات العمومية للاتحاد الأوربي، ربما مشكلة هذه الطاولة الأوضح أنه دعت أحد أطراف النزاع (الهيئة العليا للتفاوض) ولم تكن هناك دعوات لآخرين، وبقي السؤال هل تمت دعوتهم واستنكفوا أعتقد أن الإشارة لذلك كانت مفيدة فيما لو كان الأمر كذلك.
الطاولة الرابعة " استدامة الخدمات الأساسية وفرص العيش للاجئين السوريين في دول الجوار"
ضمت كادرا سوريا خالصا من لاجئين موزعين على دول الجوار قدموا الشكر للدول المضيفة ثم أمطرونا بصور التهميش والبؤس وسوء الخدمات والعنصرية فغاب الشكر وتبين أن الواقع يحمل مخاطر جدية وكارثية على المنطقة برمتها والخط البياني يبدو منحدرا شهرا بعد آخر. الاغلاقات والمرور ومشاكل البيانات والأوراق الرسمية وخطاب الكراهية وتحميل المهاجرين مشكلات عقود من سوء الإدارات أصبح صورة نمطية عامة على مستوى الحكومات وعلى مستوى المجتمعات المضيفة.
كان على أن اقترح معيارية قياس في هذه الجلسة وهي أن واقع اللاجئين يتناسب طردا مع مستوى حوكمة المؤسسات في الدولة المضيفة ومدى تجذر الديمقراطية وحقوق الانسان في اداراتها ومجتمعاتها، وعليه نشهد تفاوت وضع اللاجئين من الناحية القانونية ومستوى الخدمات بحسب التفاوت في المعايير المشار اليها. وان كانت تزداد انحدارا يمكن القول إن انحدارا حقيقيا يتم على مستوى أداء المؤسسات للدولة المضيفة وتراجعا إضافيا على مسألتي حقوق الانسان والديمقراطية.
هل تولد رؤية وازنة عبر تكتيكات طوارئ؟
أسأل للمرة الثالثة لأجيب
لا أبدا ليس هناك إرادة سياسية منخرطة في الحل، هناك فعل إداري -وهو مهم بلاشك- ولكنه يعمل على هوامش المشكلة وافرازاتها، أما البعد الأعمق الجذري التأسيسي فالضوء الأخضر المتعلق به سيحتاج لعبور ضفة الأطلسي وأيضا تجاوز عقدة كييف من الطرف المقابل.
سيكون اللوغو في بروكسل 9 على حاله وسيبتسم المصمم الذي أطلقه منذ ثمان سنوات بفرحة الانتصار أن الأحمر والأخضر والأسود باق، وتلك المربعات الزرق المرشوشة يمينا ويسارا تتابع نقاشات المصير السوري للمقيمين والمهجرين واللاجئين، وثمة عصر جديد لغجر جدد كانوا شرق المتوسط وجابوا البحار المختلفة وحيثما حلوا أخذوا روح الأرض وعبق الحياة التي لا يمكن أن تزول.
لهؤلاء أينما حلوا الحب والتقدير والعمل دونما تعب كي يمكثوا في الأرض كبذار للتغيير القادم.
4/5/2023