دراسة نقدية للإعلان الدستوري السوري

دراسة نقدية للإعلان الدستوري السوري

Apr 10 2025

قد نعجز عن وصف ما جرى في سوريا وصفاً دقيقاً، هل ما جرى هو "تحوّلٌ ديمقراطي" أم "تحوّلٌ في الحكم" أم "الحكم للفريق المنتصر بعد زوال الفريق الآخر، بمعنى إدارة بحكم الأمر الواقع"؟
ومثلما نحتار في توصيف ما جرى على مستوى الإنتقال، نحتار في توصيف تلك الوثيقة المسماة بـ"الإعلان الدستوري"، فلا هو "إعلانٌ دستوري" كون الإعلان عادة ما يكون على شكل لائحة ومختصرة، ولا هو دستور والذي يتطلب شروطاً أعمق من "الإعلان الدستوري" الحالي.
بالمختصر يمكن تسميته ب" دستور انتقالي" أي مؤقت ؛

استطراداً… إنّ هذا العجز في التوصيف لعل سببه يكمن في عدة أسباب:

1- منذ أن هرب رأس النظام (السابق) إلى الآن، فإنّ طريقة التعامل مع "إعادة بناء الدولة" تختلف عن جميع تجارب الدول الخارجة من النزاع ، فصحيح إنّ التجارب لا تتطابق ، إلا إنّ مصمموا تجربتنا السورية أرادوا وضعها في إطارٍ مختلفٍ واستثنائي من حيث المبنى، والمعنى، وتالياً، صرنا في موضع قد لا تكون تجربتنا مهمّة لغيرنا، وقد لا تُؤخذ يوماً كوصفةٍ مضافةٍ للنزاعات الأخرى!
إذ ستتعذرعلى الشعوب والمكونات المتحاربة أخذ دروسٍ مستفادةٍ ومهمّةٍ لتجربتنا ومفيدة لأي شعب في دولةٍ أخرى خرجت من النزاع وتحتاج إلى وصفاتٍ أو نماذج في مسارات لانتقال الحكم ؟
2- منذ إن دخل الحكم في المرحلة التأسيسية، وحتى آخر محطة، وهو يؤسس ويؤلف مؤسسات "الحكم الإنتقالي"، فإنّ سياسة إلغاء الآخرالسياسية أو القومية، أو الطائفية، وحتى المذهبية كان سيد الموقف، بدءاً من إعادة تعيين النقابات وانتهاءاً بأبسط مؤسسة نواتية في الدولة! وما أن تمت المباشرة في رسم مسار بناء المؤسسات المختصة بالعدالة (على سبيل المثال)، كانت الأفضلية هي لرجال الشريعة، وليس لرجال القانون، مع إنّ بلدنا بلدٌ متنوع دينياً، وطائفياً، ومذهبياً، ما يعني بإنه يتعذر ممارسة حكم يكون الإعتماد الحصري على الشرع الإسلامي، عدا الحديث عن العصرنة، وإبعاد الدين كعقيدة عامة في المسالك السياسة هي من شروط ومعايير الدولة الحديثة!
3- بناءاً على مقولة علم المنطق، "المقدمات الخاطئة تعطي النتائج الخاطئة"، ومنذ العمل على عقد مؤتمر "الحوار الوطني"، وانتهاء بـ "تشكيل الحكومة"، ومروراً بـ "الإعلان الدستوري"، فإنّ المسار الذي من المفترض أن يشكل رافعة للتغير وبناء السلام، وللإنطلاق إلى المرحلة التأسيسية لا يوافق على ما هو المأمول مجتمعياً على الأقل، وهنا يمكن ذكر أمرين:
الأول: مؤتمر "الحوار الوطني" حيث شابه نوعاً من التمييز السلبي إلى درجةٍ وصفه البعض بـ" كان مؤتمراً تمييزياً!" ، حيث أعتمِدَ هذا المؤتمر على لجنة تحضيرية معينة من قبل الحكم لتقوم باختيار مندوبي المؤتمرات الفرعية، وأيضاً بالنسبة للمؤتمر الرئيسي الذي عُقِدَ في قصر الشعب، وهذا الأمر ينطبق على "الإعلان الدستوريّ" أيضاً!
والأمر الآخر (الثاني): هو إقصاء الخبرات، حيث كان لدينا خبرات للصياغات الدستورية، بما لا تقل عن عشر سنوات ، والكثير منهم حضروا المئات من ورش عمل حول "الدستور" و"الحوكمة" حتى من قبل أعضاء من "هيئة التفاوض"، وأيضاً منظمات قانونية عملت جاهدةً على التطوير والتمكين الدستوري، وفاعلون وفاعلات شاركوا/نّ في مسار "أسكوا" لمقارنات الدستور السوري، وأيضاً جهدٌ كبيرٌ من الحيّز المدني تم بذله، إلى درجةٍ أصبح لديهم تصورٌ واضحٌ حوّل الدستور المناسب لسوريا بحيث تكون مضبطة "لجميع السوريين والسوريات" لا "تفرقهم، إنما تجمعهم "، وتالياً "عدم تكرار النزاع".
تم رفض كل تلك الجهود، وحصل إختيار الفريق لإعداد"الإعلان الدستوري " بسرعةٍ كبيرةٍ، إلى درجةٍ شوبه باللغط بين "الدستور المؤقت"، و"الدستور الدائم"؛