يارا بيران ..الكتابة نافذتي التي استنشق منها ما يجدد أحلامي

يارا بيران ..الكتابة نافذتي التي استنشق منها ما يجدد أحلامي

Sep 20 2021

_من هي "يارا بيران"؟

أنا سورية كُردية ولدت وترعرعت في كوباني، ومواطنة ألمانية أيضاً ومقيمة فيها حالياً، كنت سابقة مدرسة للمرحلة الأبتدائية في كوباني وحلب وكانت لي تجربة تدريس صغيرة هنا في ألمانيا، ولهذه الحقبة كل ما هو جميل في ذاكرتي من تفاصيل (أشخاص وأماكن).

متزوجة وأم لثلاث شباب، انتقلت الى محافظة حلب بعد الزواج، ثم عدت مجدداً لمسقط رأسي كوباني في أحداث الحرب السورية، بعد عام من عودتي لكوباني نزحت لتركيا إثر هجوم داعش على مدينتي ومن هناك إلى ألمانيا، وحَوَت هذه التنقلات الكثير من الآلام التي أود الاحتفاظ بها كأي مواطن سوري عانى الحرب.

بدأت في ألمانيا مع عائلتي من الصفر، من جديد بإرادة وعزيمة لبناء حياة جميلة وهادئة تليق بأحلامي وعائلتي بعد كل ما عانيناه من آلام.
كانت البداية مع كورسات اللغة الألمانية كما ما هو مفروض على كل مهاجر يود العيش في هذا البلد، بعد الانتهاء من المستوى الأخير من اللغة C1 والذي يؤهلني لدخول الجامعات الألمانية، التحقت بجامعة ألمانية قسم التربية الاجتماعية، الجامعة كانت حلم، ولم يمنحني القدر آنذاك الفرصة لتحقيقه، لكنّي أبقيت على الحلم ولم أيأس، أنا اليوم في طور تحقيقي لحلمي، هنا في ألمانيا حصلت على مقعد جامعي، كنت دائماً على يقين أنه ليس للحلم تاريخ صلاحية، وتجربتي أكبر دليل.

_ما نوع كتاباتك، ماذا تعني لك الكتابة؟

اكتب بأسلوبٍ بسيطٍ وسهل جداً، أخترت الكتابة بشكل بسيط لأُسهل على من حولي أن يشعروا ويستلذوا بكلماتي وأن تلامس قلوبهم، اسمَي ما أكتبه بالشعر الحر، حيث اترك العنان لقلمي أن يرسم مشاعري حروفاً فقط لا أكثر.

يقول كافكا "الكتابة صلاة "، أما بالنسبة لي فالكتابة نافذتي التي استنشق منها ما يجدد الأماني والأحلام في قلبي، فحين يتوقف المرء عن الحلم يفقد جمال قلبه، أحب الكتابة وأكتب بلا تخطيط لأي نص أو فكرة، اكتب كلما داهمتني الأفكار على غفلة، وليس كل ما أكتبه هو شعور شخصي، أكتب عني مرةً وعن ما يحيط بي مرات.



_ كيف بدأتي الكتابة ، وما العوائق التي واجهتك؟

لن أقول منذ نعومة أظافري ولكنّي بدأت الكتابة بعد المرحلة الإعدادية، ولكن لكوني كُردية وكوبانية على وجه الخصوص واجهت الكثير من العوائق، فمجتمعنا لا يقبل المرأة النشطة والفاعلة في كل المجالات، فحددوا للمرأة مجالات نمطية حسب ما يقيسها المجتمع، وأصبحت مع الوقت هي الوحيدة التي يمكن أن تكون فيها.
رفض أبي فكرة الكتابة رفضاً قاطعاَ، ومنعني بالتهديد والوعيد، ظنّاً منه أن الكتابة ستجلب لي السمعة السيئة وينقص من قدري، فالكتابة في نظره حكرا للرجال فقط.

كتبت سراً لسنين، ونشرت كتاباتي باسم مستعار لظروف عائلية عوائق منعتني من الكتابة باسمي الحقيقي. كتبت في الملحقات الثقافية لعدة مجلات عربية حاولت إثبات نفسي فيها وفي مجلة سوركول الكُردية.

"يارا بيران" الإسم الذي منحني حرية أكبر للكتابة والتعبير، والذي له في القلب حكايا، "يارا" في لغتي الأم تعني الحبيبة، الملاذ الأول والأخير لكل خلجات القلب، وفي اللغة التركية تعني الجرح.
اخترت هذا الاسم لأنه جمع في معناه بين المتلازمين المتضادين (الحب والجرح) والذي لكل منهما
المه اللذيذ، هذا ما كنا نعيشه نحن الكرُديات الكوبانيات آنذاك.
أما عن اللاحقة "بيران" فلطالما كنت من عشاق الشيخ سعيد بيران رحمه الله، فاستعرتها منه.
عدتُ للكتابة مجدداً بعد سنين من الانقطاع، وكان الفضل في ذلك لأخوتي وشريك حياتي الذي شجعني لمواصلة رسم مشاعري بالحروف، واترك لحرفي ونفسي العنان بأن ينطلق ويحلَق، لم ينفك يقل لي: " يليق بأحرفك الطيران والتحليق".

_هل لكِ أمسيات شعرية أو مشاركات في نشاطات ثقافية وأدبية؟

شاركت هنا في بعض الأمسيات الثقافية مع الكنيسة الكاثوليكية التابعة للمركز الثقافي بحكم عملي في المركز الثقافي كمتطوعة منذ ٤ سنوات، شاركت مع أصدقاء ألمان ومن جنسيات أخرى،

كما شاركت في استذكار ضحايا الحرب، وقُدم لي بعض العروض من دور النشر من دول عربية ومن كُرد مغتربين، لم أرفض الفكرة ولكن أجلتها، لست مستعدة الآن لهذه المسؤولية الكبيرة.
أولويتي اليوم الاهتمام بدراستي وعائلتي، فالكتابة بالنسبة لي موهبة ومساحة بوح ولكن ربما في السنوات القادمة عندما أملك الوقت الكافي، وأن ما أنشره سيغني المكتبة ويثريها ولن يكون عالة عليها سأخطو هذه الخطوة حتما بكل جدارة.



_ماذا تعني لك كوباني، ومارأيك بواقع النساء الكوبانيات وما تعانينه من معوقات؟

السؤال جميلٌ ومؤلمٌ في نفس الوقت، كوباني انتمائي والملاذ الأول والأخير لروحي، أترك روحي كل ليلة لتجوب في شوارعها الموحلة كلما داهمها الحنين على غفلة، وقْع اسمها في أذني يشعرني بما لا يمكن وصفه.

الواقع الحالي بلا بوصلة، أضعنا البوصلة والاتجاهات، أتمنى من الله السلامة والأمان لمدينتي وأهلها لأنهم يستحقون الحياة ويكفيهم الآلام والجراح والفَقْد، كوباني جديرةٌ بالحياة.

النساء عدوات للنساء، ومن أكثر الأشياء إيلاماً أن تجد من يعاديك من نفس جنسك.
نساءنا شقيقات الرجال، هن النصف الجميل للحياة، ليس لدي كلمات تنصف المرأة فهي أصل الأبجدية، ولكن أشدَ على أياديهن وأبارك كل خطوة فيها خير وتقدم وحياة جميلة وكريمة للمرأة بشكل عام والمرأة الكوبانية على الوجه الخاص.


_ما الفرق بين يارا مذ ١٠ سنوات ويارا اليوم؟

يارا الآن أكثر نضج وتجربة وأكثر شجاعة وقدرة على المواجهة، والفرق بين يارا اليوم و يارا مذ عشر سنوات هو أنها تعلمت من المسافات مالم تتعلمه من الكتب في سنين، فنحن بشر نتطور ونتعلم و نتغير، وأنا كباقي الناس تغيرت وتطورت وتعلمت ولازلت.


_ما الذي تفتقدينه من عادات وتقاليد كوباني، ومالذي يسعدك أنك تجاوزته ؟

أحب ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وفلكلورنا كثيراً، رغم أنه يحمل في طياته ما هو سلبي، لكني لطالما اشتقت الألفة والحَميَّة والتماسك فيما بين الناس وقت الشدائد، والعرف الذي كان رادعاً للكثير من التجاوزات الأخلاقية.
اما السلبي هو سوء الظن والخيال الواسع في تصور وتفسير الأمور بسلبية بحتة فيما بين الناس.
والحكم على شخص حسب العائلة ومستواها المادي والاجتماعي،

يجب أن يعامل المرء على أساس من هو، ما أنجز، وكيف هي أخلاقه، أتمنى من الجيل الواعي الجديد أن يكون قدوة حسنة، ويسعى لتسليط الضوء على الخطأ وتصليحه.
حملت معي الكثير من الألم والفرح، الألم سيبقى كندبات على جدار الروح ما دمت حيّة، بينما الفرح مؤلم أيضاً، فكلما تذكرته تألمت أيضاً لأنني لن أعايشه ثانية.

_كلمتك الأخيرة لنا؟
وافر الشكر والامتنان لجميلات مدينتي على هذه اللفتة الجميلة والخطوة التي ترفع لها القبعة، لتسليط الضوء علينا كنساء كوبانيات مررنا بظروف صعبة وواجهنا المصاعب لكن وبالرغم من ذلك عدنا للوقوف.
لكم مني تحية حب مع قوافل ورد لمسيرتكم.
شكراً لكن.


"قمْ
الفجرُ تَجَلَّى
وأنا أرتبُ محراب الشغف
توضأ بلهفتي
واخشع بين يدي قلبي
وابتهلْ
فهو دائماً بك رحيم".