في ١٥ آذار: سنوات القسوة وصعوبة ولادة القيّم المدنية

في ١٥ آذار: سنوات القسوة وصعوبة ولادة القيّم المدنية

Mar 15 2022

فاروق حجّي مصطفى
الكثير من السوريين والسوريّات يربطون ولادة المجتمع المدني مع ولادة الثورة السوريّة، وفي غالب الأحيان ينظر شريحة واسعة من الجغرافيّات السوريّة بمنطقية العمل المدني عندما يحمل قيّم "الثورة"، وبرأيهم لا مجتمع مدني إذا لم يتبنى الناشطونوالناشطات المدنيون والمدنيات شعارات "الثورة"، وثوارها!
لا نستغرب إنّ الغالبية من النشطاء والناشطات العاملون والعاملات، والأصح الفاعلون والفاعلات في الحقل المدني بنظرهم/ن بإنّ الأعباء وما نتج من ظروف الحراك يشمل تحديّاً أمام بلورة واقع أسمه المجتمع المدني، وبرأيهم/ن فإنّ الإصطفافات الحالية والتي هي طاغيّة على المشهد العام السوريّ سببٌ لعدم بلوغ المشهد المدني لموقعه الطبيعي.
في واقع الحال فإنّ ولادة المجتمع المدني السوري لا يصادف مع ولادة الثورة، إذ وُجد المجتمع المدني قبل الثورة بعقود، بيد إنه عانى خلال مسيرته منعطفاتٍ عدة وأغلب المنعطفات كانت قاتلة وكادت أن تمحو المجتمع المدني من أساسه، وسرعان ما فرض نفسه في التاريخ السوريّ الشائك بالرغم من الإستبداد؛
ولا ننظر إلى الأمر بغرابة عندما نقول إنّ الحكومات السوريّة كبحت مسيرة المدني، في وقت إنّ الحكومات البعثية شوهت الواقع المدني ومؤسساته عندما ألحقت المؤسسات والنقابات بحزب البعث وأعتبرتها رديفة له؛
ما بعد الألفين ظهر من جديد واقعٌ يلغي نظرية "رديف"، وخاصة عندما تبنت النخبة القيّم المدنيّة وحاولت إحياء المجتمع المدني عبر الإنخراط الفعلي لعمل الديمقراطي السلمي ومشاركة حاملي القيّم والأهداف المعارضة في مطلبها الإصلاح والإنتقال التدرجي إلى الديمقراطيّة؛
وما بعد الثورة فرض الواقع المدني نفسه عبر تبني مطالب التغيير وإصلاح بنيان الحكم إلى جانب القوة الثورية.
بيد إنّ انزلاقات الحراك وطغيان العسكرة وثم الأجندات مزق الحلف غيرالمعلن بين القوى "الثورية "، وبين حاملي الهم المدني واستجابة احتياجات الناس في مسائل التوعية أو التدريب على المأسسة والحكم والديمقراطية لذلك وما إن تم دعوة المدنيين إلى جنيف حتى حضر شخصيات مدنية النقاشات من المنظور المدني وبقناعة استثمار كل المنابر لخدمة التحول الديمقراطي وتعزيز مسألة السلام، من خلال "الإصلاح الدستوريّ"، وثم الإنتخابات بموجب الدستور الجديد ليحمل لاحقاً مهمة الإصلاح المؤسسي ومسائل العدالة الإنتقالية وجبر الضرر.
بعد هذه السنوات في معادلة الحراك تطور المشهد على منحيين:
الأول عبر مؤسسات مكتب المبعوث الخاص: غرفة دعم المجتمع المدني، والمجلس الاستشاري النسائي، وعبر قطاعات الامم المتحدة الأخرى أسكوا وبرامجها الخاصة بمراجعة الدستور أو مسائل القانون وتنمية المجتمع المدني..الخ؛
والثاني عبر تواصل مع الفاعلين والفاعلات في العملية الجارية ولا سيما الدستور ومطالبة المدنيون والمدنيات بتطوير الصيغة، واصلاح العملية، من جهة ومن الجهة الأخرى الحرص على الصالح العام السوري في التزاحم بين التيارات السوريّة المعارضة والموالية.
بقي القول إنّ المشهد المدني أمام استحقاق فعلي وهو العمل لأجل الإنخراط والمساهمة في صناعة القرار بما يخص مستقبل سوريا، وأيضاً الوقوف جنبًا إلى جنب مع الكتلة المدنية في الدستوريّة وتقديم الدعم الكامل من خلال ربطها مع المجتمع المحلي من جهة أو من خلال تقديم الخبرة وأولويات العمل التفاوضي وصولاً إلى سوريا لجميع أبناءها مصونة بدستور يكفل حقوق الجميع ويوزع الوظائف والأدوار بين ما هو إقليمي محلي وما هو وطني..
هي مرحلة تحتاج إلى جهدٍ كبير وقيّم جامعة مصدرها روح الديمقراطية والتنوع والتعدد.