في المسألة السوريّة: سؤال الهويّة!

في المسألة السوريّة: سؤال الهويّة!

Sep 21 2023

فاروق حجّي مصطفى
برز سؤال الهويّة شيئاً فشيئاً على المسرح السوري، على مستوى المعارضة وعلى مستوى النظام أيضاً!
الهويّة التي يتبناها النظام واضحة لا تقبل غيرها: "الأمة العربية"، و"الشعب العربي السوريّ"، وحتى الجيش هو "الجيش العربيّ السوريّ"، ولا نستغرب حتى النطق بالحكم في المحاكم السوريّة "باسم الشعب العربي .."، وقبل ذلك الكتّاب الذين كانوا بالأطر النقابية والذين انضموا اليها "اتحاد الكتّاب العرب"، وهكذا
أما على مستوى المعارضة فهي انطلقت بهويّة جامعة إلا أنه سرعان ما تموضعت في هويتها الطائفيّة اضافة إلى الصبغَنة العربيّة في خطابها إلى حدٍ كبير؛ وما هو المستغرب، إنّ أصحاب الهويّات القومية والدينية "غير السائدة" وهم شركاء أطر مؤسسات المعارضة، أخفت نفسها كما لو أنّها "لم تسمع أو لم ترى!"..
إستطراداً .. فإنّ حراك السويداء أعاد المشهد ليكون حديث الساعة، خاصة بعد رفع الراية التي تخص الأهالي في السويداء!
وليس خافيّاً على أحد بإنّ للشركات راية، وللفرق الرياضية رايّات إلا عندنا نحن السوريين الراية مشكلة ومعضلة.
بيد إنّ الأمور لا تقف عند هذا الحد أي الحد الذي يرتقي إلى مستوى "المشكلة"، بقدر ما إنّ تخوين المكونات وإلصاق صفة "الانفصال" تصبح سيد الموقف.

في ٢٠٠٥، وعندما اراد العراقيون تغيير علم بلادهم صمم أحد أهم المبدعين العراقيين علم "جامع" لم يبق كاتبٌ عربيٌ إلا وعلق على ذاك العلم، وأتهموا العراقيين بـ"تقليد الصهيونية" فقط لأنّ ذاك العلم المقترح كان يحمل في أحد ألوانه "السماوي".
والحال إنّ سؤال الهويّات يُطرح ويصبح مهماً في حالة حدوث "الحروب الأهليّة"، وفي الأزمات السياسيّة لكن تصبح من القضايا الأكثر رواجاً عندما تقمع القومية السائدة في الدولة القوميات والطوائف الأخرى.
في الحقيقة لا يمكن الحديث عن علم وطني أصلاً في سورياً، ولعل السبب إنّ العلم والذي رددنا الشعارات المدرسية أمامها وحييناها، لم يكن نتاج لعقد اجتماعي سوري، وفي كل محطة من المحطات الدستوريّة السوريّة كان يُهمّش على الأقل مكون أو مكونين فضلاً عن الإلتزام بالمعايير الدولية المعروفة في عمليات "الاصلاح الدستوري"؛
ولهذا فإنّ النقاش حول التعرّف والاعتراف بالهويّات المتنوعة في سوريا بات أمراً ملحاً، ولكي نكون أكثر جديين في معالجة قضايانا، فأنّ هذه القضيّة لا يمكن النظر إليها كقضيّة مؤجلة! وبالتالي بعد الإنتهاء من صياغة الدستور تصبح من مسؤولية الحكم الجديد، البحث عن الآليات للخوض فيّ مباشرة البحث عن الحلول لـ"قضايا ذات الاشكاليّة" لأنّه عادةً تؤخذ مثل هذه الخيارات لكن حسب التجربة وعلى طرفي سوريا العراق ولبنان فإنّ حل القضايا المعلقة تصبح هي نفسها خلافاً تعرض البلاد برمته إلى الخطر، مثلاً في لبنان عدم التعامل مع ميثاق الطائف بشكل أكثر شمولاً ، وفي العراق المادة الدستوريّة (١٤٠) حول "المناطق المتنازع عليها"!
بقي القول، إنّ سؤال الهويّة يحتاج إلى جواب، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الهويّة الجامعة دون الإعتراف بالهويّات المقموعة، ولذلك، أما آن الأوان لنعتز بتنوعنا وتعدد ثقافاتنا؟!




طاولة الزهر.. لعبة القدماء وتقاوم البقاء في كوباني على أيدي كبار السن

طاولة الزهر.. لعبة القدماء وتقاوم البقاء في كوباني على أيدي كبار السن

Sep 14 2023

برجاف|كوباني- عمر محمد
غيرت سنوات الحرب الدامية في سوريا ملامح الحياة اليومية وأثرت فيها على جميع الأصعدة فعلى الصعيد الاجتماعي غيرت من بعض العادات والتقاليد في المجتمع كما فقدت بعضها الأهمية، وانحدر المرء نحو القادم ونسيان الماضي، وبرزت سبل العيش بنوع آخر مع مرور الأيام والتطورات الحاصلة، فما كان رائجًا وهامًا في الماضي أصبح غائبًا عن الساحة الاجتماعية والعائلية اليوم.
ولعبة "طاولة الزهر" واحدةٌ من الالعاب الشيقة التنافسية باتت تفقد مكانتها في المجتمع إلى جانب الالعاب الأخرى, التي كانت لها مكانتها الخاصة في الماضي بين أهالي مدينة كوباني وباتت الآن من النوادر في الساحة الاجتماعية والقلة من يتقنوها ويمارسوها ويهونها.
يذكر البعض بأن اللعبة فقدت مكانتها المرموقة بفقدان المقاهي الشعبية في مدينة كوباني وتحولت إلى الكفيتريات التي تعتمد على المأكل والمشرب وفقدت اللعبة روحها الاجتماعية.
فيما يقول الثلاثيني "أحمد رشو " ل #برجاف_FM الذي يجلس بجبهة تنافسية مع "أبو رشيد" من عفرين ويخوض منافسة باللعبة الطاولة أمام محله لبيع الأدوات الكهربائية بمدنية كوباني، بأن لعبة "طاولة الزهر" باتت تفقد مكانتها في المجتمع لأسباب عدة منها سوء الوضع المعيشي والعادات الاجتماعية الجديدة أبعدت الناس عن ممارسة هواياتهم اليومية.
ويستمر "رشو" في اللعب بتحريك الزهر,(حجر مرسوم عليه نقاط مختلفة العدد), بين قبضة يده اليمنى ويحررها ويرميها على طاولته لتكشف النتيجة التي تحملها الزهر اعتمادا على الحظ والذكاء اللذان يعتمد عليهما لاعبي طاولة الزهر.
وتنحدر لعبة "طاولة الزهر" بحسب معلومات "رشو" إلى العهد الفارسي, ولها أنواع وقواعد مختلفة منها "محبوسة" أو " المغربية أو إفرنجية", أكثرها صعوبة من حيث قواعد اللعبة, التي تجمع بين الإثارة والحظ والتركيز والتوقع والحذر والمغامرة والتخطيط في نفس الوقت؛ الهدوء.
وتوضح بعض التقارير المفتوحة المصدر بأن اللعبة تعود للقرن الثلاثين قبل الميلاد ، فقد اكتشف علماء الآثار في مدينة أور العراقية في حضارة ما بين النهرين ألواح زهر تستخدم في هذه اللعبة، ثم بعد ذلك أخذها عنهم الفرس وجاء من بعدهم الروم الذين طوروها وباتت تشبه إلى حد بعيد لعبة الزهر الحديثة التي نستخدمها في وقتنا المعاصر.
وتتكون لعبة الطاولة أو النرد من رقعة خشبية أو صندوق خشبي يمكن أن يكون مزخرفاً من الداخل والخارج, تحمل في طيته قطع خشبية ثمينة من الأبنوس، وعدد من الأقراص العاجية أو البلاستيكية أو الخشبية بلونين مختلفين عددها 15 قطعة لكل لاعب, يتم وضعها بشكل متقابل.
ويشير "أحمد رشو" خلال حديثه بأنه أتقن لعبة طاولة الزهر منذ صغره وتعلمها عندما كان يمارس والده اللعبة مع أقرانه خلال السنوات الماضية, ويمارسها الآن مع بعض اللاعبين القدامى الذين قلّ عددهم تدريجياً مع مرور السنوات, لقضاء بعض الوقت والابتعاد عن مشاغل الحياة اليومية.
فيما يقاطعه منافسه "أبو رشيد" نازح من مدينة عفرين الحديث ويقول كنا نملك في البيت خمسة طاولات زهر وكنا نلعب بحماس مما تحمله اللعبة من المتعة, موضحاً بأن اللعبة لها فائدة على العقل من حيث التخطيط والتركيز في قواعد اللعبة.
ويمارس أحمد رشو اللعبة خلال أوقات فراغه مع بعض من الكبار السن ممن بقوا على تلك المحنة القديمة تجاه اللعبة, ويوضح في نهاية حديثه ل #برجاف_FM بأن بعض من أعمامه كانوا يلعبون الطاولة لمدة يوم كامل دون انقطاع.
هذا وباتت لعبة النرد تفقد حماسها إلى جانب العاب شعبية اخرى التي كانت تمارس بشكل يومي بين المنافسين في المنازل أو العمل أو المقاهي كلعبة "ماغل" )magel( باللغة الكردية, فيما باتت العاب الفيديو الإلكترونية تسيطر على الساحة الاجتماعية بين الكبار والصغار.
ولعبة الطاولة تحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي وكذلك في العالم كله، ففي العالم العربي تُقام المنافسات لدورات اللعب تلك اللعبة بين رواد المقاهي.




آريا عطي مع لوحاتها في هولير

آريا عطي مع لوحاتها في هولير

Sep 03 2023

برجاف|هولير
تقيم الفنانة التشكيلية المبدعة "آريا عطي" معرض للوحاتها في هولير ، وسيكون المعرض في صالة ميديا القريب من فندق "شيراتون".
وهو معرض فردي ويقتصر على لوحاتها فقط،
وعُرفَت آريا عطي بصاحبة ريشة "الفن المعاصر "؛
وسيقام المعرض في عاصمة كُردستان في أربيل /هولير في الفترة الممتدة من 11 حتى 18 أيلول.
وستحضر المبدعة "عطي" بنفسها لحضور أفتتاح المعرض وسيكون في الساعة الثالثة بعد ظهر الإثنين؛
والذي يستمر من 11 أيلول إلى ١٨ أيلول في الساعة الثالثة في قاعة "ميديا".
وتجدر الإشارة إنّ آريا عطي تنحدر من مدينة كُوباني ومقيمة في ألمانيا، ولها أكثر من عقد ونصف من الخبرة الإبداعية، واقامت معارض عدة في السنين الاخيرة بالشتات ولا سيما في ألمانيا.




على أوتار القدماء.. جيلٌ جديدٌ في كوباني يلحن عزف بزق المستقبل

على أوتار القدماء.. جيلٌ جديدٌ في كوباني يلحن عزف بزق المستقبل

Aug 30 2023

برجاف| كوباني/ عمر محمد
على بُعد مسافةٍ قصيرةٍ من الحدود السورية التركية في عمارة بطابقها الثاني ضمن إحدى أزقة مدينة كوباني الضيقة، يجلس "مصطفى حسين" على كرسي خشبي وأمامه طاولةٌ مربعةٌ بمساحة كبيرة واضعاً عليها عدة أنواع من الآلات الموسيقية، ومن حوله جيلٌ جديدٌ من الأطفال الصغار يتعلمون ويتقنون منه العزف على أنغام الموسيقى الكُردية.
مصطفى حسين شاب كردي من مدينة كوباني في عقده العشرين هوىّ حب العزف عندما كان في الثامنة من عمره، بدأ مسيرته الفنية بتعليم نفسه العزف على البزق" الطمبور" بالموسيقى الكُردية، على أيادي كبار العازفين كالفنان "رشيد صوفي"، إلا أنه ما آلت إليه البلاد في سوريا، أجبرته على الهجرة والاستقرار في تركيا في ذلك الوقت.
لم تثني الهجرة من حبه للعزف فعمل على تنمية مهارته الموسيقية بشراء آلة البزق عندما كان في السابعة عشر من عمره، وأتقن إيقاع العزف على الآلات الموسيقية واحدة تلو الأخرى.
مع مرور الزمن ومشقته في عمله اليومي وتلبية احتياجات المنزل، تلقى مصطفى الدعم العائلي مادياً ومعنوياً ما دفعه لإكمال مسيرته الفنية بثبات.
يقول حسين لـ #برجاف_FM بأنه انضم إلى معهد هارموني للموسيقى والرسم في كوباني، بعد سنوات من عودته إلى مسقط رأسه في خطوة منه للاستمرار في مسيرته الفنية، ليرث ذلك الشغف إلى الجيل الجديد ويحفزهم بحب الموسيقى الكُردية ويسرد به أنغامه القديمة والجديدة.
ويوضح العازف خلال حديثه لبرجاف بأنه يشرف حاليًا على تدريب جيل جديد من الأطفال والشباب على الموسيقى الفلكلورية الشعبية الكُردية، ويطور ذلك الدافع ويحوله إلى واقع يُلحّن.
يقول مصطفى بأن العزف على البزق أو أية آلة موسيقية باليد لها نكهة ومزاج استثنائي رغم التطورات الحاصلة من الناحية التكنولوجية في صناعة الموسيقى, والتي مزجت بعضها ببعض ولم تُبقي من الفلكلور شيء.
يقضي مصطفى معظم أوقاته في المعهد منذ ثلاثة اعوام لينقل ذلك الإلهام إلى طلابه الذين توجهوا اليه لتعليم العزف، بآلاته المختلفة، ليكونوا صوتًا جديداً لماضي العزف القديم.
ويعاني الموسيقيون في المدينة المشقة بسبب قلة في الإمكانيات المتاحة لديهم، وكونه لا توجد جهة رسمية تدعمهم، معتمدين على ذاتهم لتطوير مهاراتهم.
هذا وعلم ”مصطفى حسين" قرابة 80 طلاباً/ةً على العزف خلال سنوات عمله في المعهد.
ويطالب مصطفى في ختام حديثه الجهات المعنية بالعمل على دعم الموسيقيين في مدينة كوباني، والعازفين على التطوير للحفاظ على الفلكلور الكُردي من الاندثار.
إلى جانب عمله في المعهد يعزف مصطفى لوالدته في المنزل خلال أوقات الفراغ على آلة البزق، والتي تعتبر من الآلات الموسيقية القديمة ذات قيمة تراثية للقدماء أكثر من الجدد.
ويحضر مصطفى حالياً ويعد طلابه للمشاركة بالمهرجان الموسيقي مع طلابه خلال الأيام القادمة, الذي سينطلق فعاليته في مدينة كوباني.
ومن منظور مصطفى حسين إنه بإمكان إي شخص إتقان العزف على آلة موسيقية خلال مقدار غير ثابت اعتمادا على نفسه في التعليم بثبات، مع العلم بعدم وجود أي أكاديمية أو جامعة أو معهد حكومي رسمي مدعوم لتعليم الموسيقى والعزف في مدينة كوباني.
ويختتم مصطفى حسين حديثه مع #برجاف_FM بأن الازمات التي تشهدها سوريا يؤثر بشكلٍ سلبي على التعليم بجميع أنوعه.
وبحسب الفنانين في المنطقة فأنّ الأهالي ينقسمون إلى جهتين لتعريف الموسيقى والعزف جهة تراها ترفيهية وتسلية والأخرى تراها ثقافة ويجب الاعتناء بها.




Decentralization perspectives from northern and eastern Syria

Decentralization perspectives from northern and eastern Syria

Aug 20 2023

According to the following paper, there is a wide gap between Legislative Decree (107), and what is people’s demands and requirements, in both Eastern and Northern Syria.
There are some who believe that Decree 107 does not answer Syrian demands, especially considering the country’s devastation, the disintegration of the social fabric, and the conflict of interests.
According to both male and female respondents, Decree No. (107)( ), in addition to not meeting the demands of the movement, is also incapable of addressing Syrian issue, one that has political, human, national, and legal dimensions. This reiterates the question of decentralization, which that fulfills the purpose and answers Syrian demands. A decentralized approach also better addresses the various imperfections in Decree 107, whether it be the text itself, its amendments, or the deficient application that increased its shortcomings when meeting people’s needs.
According to everyone at Bercav, responsibility should be thought of nationally, and the Syrian government should favor a structure of governance in favor of equality, just development and dignity, both on a local and a national level.

When discussing governance in Syria, three administrative bodies jump to the surface, bodies that were not consensually agreed upon, but rather imposed by circumstances since (2011). Therefore, amending the situation, organizing the country’s resources, and answering to the demands of the people require thinking more broadly than (107). Moreover, statistics show that the overwhelming majority leans towards political decentralization, while an increasing number of people seem to consider expanded decentralization. All in all, data show that good governance, democracy and the rule of law can be strengthened through “political” and “expanded” decentralization.
Consequently, respondents believe that a sustainable peace-making process requires involving local communities in decision-making, empowering them through self-governance and giving them the liberty to determine and estimate financial budgets.
This paper indicates that thinking from the bottom-up is the best way to achieve progress. This, we believe, is the only approach capable of meeting the interests of the local population in all its diverse and numerous identities.


https://drive.google.com/file/d/1cXp-kZwpsNQSlrwF-FIRNVK9MBDjJ3EV/view?usp=sharing




اللامركزيّة وسؤال الشراكة؟

اللامركزيّة وسؤال الشراكة؟

Aug 19 2023

فاروق حجّي مصطفى
تطرق الرئيس مسعود بارزاني في خطابه التوجيهي والذي جمّع (وزراء وبرلمانيين وبرلمانيات في المركز قبل أيام) إلى ثلاثة مفاصل مهمّة، وهي مفاصل لها دلالاتٍ قانونيّة، وممارسة الصلاحيّات ولعب أدوار تُحقق الإستقرار والإستقلاليّة، ولعل المفاصل تلك هي: الضوابط، والتوازن، والشراكة.
ومن يُلمّ في القانون الدستوريّ يُدرك تماماً أهميّة هذه الكلمات الثلاثة، وإلى ماذا تؤدي وتشير وتحقق.
كمتابع للخبرات الدستوريّة كان لي وقعٌ مختلف، إذ فكرت بالأمر، وأعدت بذاكرتي ما قرأته في النظام الفيدرالي لأمريكا، والبرلماني في بريطانيا، وشبه الرئاسي في فرنسا؛ ونحن نعرف كيف إنّ النظام الرئاسي يعزز التوازن، والضوابط ويعزز الإستقلالية وبالتالي فصل السلطات، بينما البرلماني يعزز التوازن والضوابط ، فيما شبه الرئاسي يعزز الأثنين معاً ويعزز الشراكة.
ما ذكره الرئيس بارزاني جاء كنتيجةٍ لخبرته السياسيّة وكمشاركٍ وموجّهٍ فاعلٍ في العملية الدستوريّة العراقية في ٢٠٠٥، وكِدتُ أسئل جنابه في لقاءنا الأخير عن ما ينصحنا به كي نصل بدستورٍ جيدٍ لبلادنا ويكون محل الرضى لدى الجميع.
والحق، أم المعضلةِ هنا هي "الشراكة"، ومن المستغرب القول إنّ الكثير من الأطراف وبالرغم من سنوات النار لا يصرفون مثقال ذرة لكيفيّة بناء دولة معززة بقوة الشراكة.
استطراداً .. لا يجب القفز على ما صدر من الرئيس بارزاني، وهو كلامٌ بالنسبة للسوريين والسوريّات جاء في وقته، إذ كيف لنا أن نصل إلى دولةٍ تكون مرتكزة أساساً على "الشراكة"؛ وهنا أتحدث عن الشراكة على مستوى الكُتل السياسيّة، وعلى مستوى التنوع القومي، بمعنى آخر القوميّات؟
ما يجب ذكره هنا هو إنّ الرئيس ينطلق من كون الدولة هي الاتحاديّة، وهي بالأساس أو من المفترض أن تكون عملية "الشراكة" منجزة، وأصبحت جزء من الثقافة السياسيّة؛ بيد أنّ هذه المسألة لو كانت فاعلة لما كان الرئيس يتطرق اليها أصلا! فهي موجودة نظرياً، وتُرددْ من منظور "الاستثمار السياسيّ" ومن يعمل في الشأن العام يعرف أنّ الشراكة في الحكومات تحتاج الى ركائز دستوريّة وقانونية ولا يقف عند هذا الحد بقدر ما إنّ لذلك موجبات وأول هذه الموجبات إرادة الشراكة والتسليم بالأمر بأن للناس، أفراداً، وأقوام، حقوق.
وإنّ ذلك لا يتحقق إلا من خلال:
-التحرر من ثقافة القوميّة السيدة والقوميّة التابعة.
-القبول بالشراكة من خلال ركائز دستورية متوازنة في الصلاحيات وضابطة في توزيع الصلاحيات(الحصرية وغير الحصرية) وعلى أن تحكم بين الحكومة المركزية والإقليمية علاقة التوازن،ولهذا كان من المفترض أساساً تفعيل الغرفة التشريعية الثانية أي مجلس القوميات او الحكماء إلى جانب البرلمان وهذا ما اشار اليه الرئيس في اوقات سابقة




تصورات اللامركزية :من منظورات عيّنة من شمال وشرق سوريا

تصورات اللامركزية :من منظورات عيّنة من شمال وشرق سوريا

Aug 12 2023


بدا من خلال هذه الورقة بين أيديكم بون شاسع بين المرسوم التشريعي (١٠٧)( )، وما هو المطلوب في نظر نخبة من كل مدن شمال وشرق سوريا.
بنظر الذين/اللواتي أبدو/ن رأيهم/ن أنّ المرسوم (١٠٧) لا يجيب على الأسئلة السوريّة خاصة بعد مآل الخراب والدمار وتفكك النسيج المجتمعي، وتباين المصالح، وفضلاً عن ظهور معطيات جديدة مثل حالات الولادة ما بعد (٢٠١١) فالذي كان طفلاً أصبح رجلاً الآن يستطيع أن يبدي رأيه في التصويت وحق الترشيح.
وبنظر المستطلعون والمستطلعات أنّ مرسوم (١٠٧) فضلاً عن إنّه لم يلبِ مطالب الحراك هو عاجز أيضا عن الإجابة عن أسئلة المسألة السوريّة؛
فالمسألة لها بُعد سياسيّ وحقوقيّ وقوميّ وقانونيّ، وهذا ما يعيد دائرة الضوء أنّ الاستحقاق هو اللامركزيّة التي تفي بالغرض وتجيب على الأسئلة السوريّة وتعالج مختلف ثغرات (107) على صعيدي النص وتعديلاته والتطبيق القاصر الذي زاد في قصور تلبيته للحاجات.
وبرأي الكل الذي تواصلت معه برجاف يجب التفكير بمسؤولية عالية وطنيّاً، وعلى الحكومة السوريّة التفكير قبل المعارضة بإنّ هيكلية الحكم يجب أن تفتح الآفاق أمام المساواة، والتنمية المتوازنة، وتعزيز الكرامة على المستوى المحلي لتنعكس على المستوى الوطنيّ العام.
وعند الحديث عن خارطة ادارة الحكم في سوريا يظهر على السطح ثلاث ادارات حكم، وهي لم تُصنَع بقرار بقدر من أنّ أوضاع البلاد فرضتها، ولذلك جبر البلاد وتنظيم مواردها ورعاية مصالح الناس تتطلب التفكير بأفق أوسع من (١٠٧)؛
ولغة الأرقام تفيد بأنّ الأغلبية الساحقة من العدد ما يقارب (٣٠٠) تنحو نحو اللامركزيّة السياسيّة، وهناك العدد المهم أشار إلى اللامركزيّة الموسعة، وتظهر البيانات إنّ الحكم الرشيد والديمقراطية وسيادة القانون يمكن تعزيزه بين "اللامركزيّة السياسية"، و"الموسعة"؛
ونحن نتحدث عن هيكلية الحكم ولعدم تكرار تجربة الحرب المريرة، والانطلاق الى رحاب سلام مستدام فإنّ المنخرطون والمنخرطات بنظرهم/ن تحقيق المشاركة السياسيّة على المستوى الوطني العام يستلزم إشراك المجتمعات المحلية في القرار، واعادة الاعتبار لها من خلال ادارة الذات، ومنحها صلاحية تحديد وتقدير الموازنة.
نحن برجاف لا نقف هنا، فعندما قمنا بتصميم استعلام البحث كان تفكيرنا يتطلع بحيث يمكن التعمق لاحقاً حول كل سؤال من الاستبيان، وهذا ما يجب فعله لاحقاً.
الورقة هي مؤشر على أنّ المآلات لا تتحقق عبر تفكير من الأعلى بقدر من أنّ الادنى يوجه البوصلة والمسار لنصل في الأخير إلى هيكلية اداريّة قادرة على رعاية مصالح السكان بكل صنوفهم المتنوع والمتعدد والوافد
للمزيد والإطلاع على الرابط التالي :

https://drive.google.com/file/d/1xD9s_r9mA4nK2x9-UW5LAGvAl7PUK_C_/view?usp=sharing




في المسألة السوريّة: اللامركزيّة السياسيّة توحد البلاد (٥-٥)

في المسألة السوريّة: اللامركزيّة السياسيّة توحد البلاد (٥-٥)

Aug 10 2023

فاروق حجّي مصطفى
تحدثنا في الحلقات السابقة عن عدد من أوجه اللامركزيّة، وأبرزنا التحديّات والثغرات، وأشرنا بشكلٍ واضحٍ إلى إنّ اللامركزيّة هي الحل، بحكم الواقع السوري، وتفكك جغرافياتها، وتوزع سيادتها بين ما هو خارجي، وما هو داخلي في وقت إنّ الحديث عن السيادة في المسألة السوريّة حديث غير منطقي من كل الجوانب.

من جانب الشعب هو المصدر، ومن جانب وظيفة سلطة القهر، ومن جانب عسكرة البلاد، ومن جانب فقدان السيطرة على المعابر السياديّة ومن عجز الحكومة على كافة الأراضي السورية، والإنتخابات غير كاملة وتفتقد المعايير.. الخ.
وأنا أدون هذه القصقوصة خطر ببالي "رسائل الفيدرالية"، تحديداً مناقشات هاملتون، وماديسون وكيف ساهما في بلورة الصورة الفيدرالية للكونفدراليات الأمريكيّة، ولذلك سميا بـ"آباء الفيدرالية ".

أستطراداً.. فإنّ الحديث عن الفيدرالية أو اللامركزيّة فرضه الواقع المتحكم بسوريا الآن، عدا عن أسبابٍ موضوعيةٍ أخرى كالتعدد والتنوع القومي؛ فالوضع السوريّ الآن يحكمه ثلاث سلطات محليّة، وفي عدد من المحافظات دور المؤسسات الحكومية فيه هش، ما يعني إنّ مبررات الحكم ضعيفة وإنّ سنوات الحرب أنتجت استحقاقاً جديداً لسوريا، وأهم أستحقاق هو كيفية توحيد البلاد وصون استقلاله.

في العموم ليست سوريا الوحيدة في هذا المسار، فاللامركزيّة تُطرح الآن في ليبيا، واليمن، وكما طبقتها تونس.
تُرى أي شكل من أشكال الدولة سيكون مقبولاً لدى جميع الأطراف وربما يصبح محورتوافق ويفتح الآفاق نحو حلول مستدامة لكل القضايا؟!

في الواقع هناك عدد من الطرق لتوحيد البلاد، هناك الاتحاد بالتفكك، والاتحاد بالتجمع، ونوع اللامركزيّة الأخرى يُسمى بـ "اللامركزيّة المعقدة"، وهو تصنيف جديد في القانون الدستوري كما الديمقراطيّة التوافقية إضافة مهمة في المسألة الديمقراطية!

فالاتحاد بـ "التجمع" لا يمكن الحديث عنه لأنّ هذا النوع خاص بتوحّد الدول، وإنّما الاتحاد بـ"التفكك" هو الأنسب، لأن ما نتحدث عنه هو ليس الدول، إنّما السلطات المحلية التي فرضتها الظروف السوريّة ولذلك من السهولة بمكان الحديث عن توحيد البلاد من خلال بناء توافق سياسي وربط هذه السلطات ببعض لبناء مركز من خلال توزيع الصلاحيات بشكلٍ متوازن لما هو للمركز وما هو للحكم المحلي!

بقي القول إنّ الحديث عن هذا النوع من اللامركزيّة لا ينبع من كونه نظري بقدر ما إنّ حاجة السوريين والسوريّات ومن المكونات السياسيّة والقومية والدينية والمذهبية مختلفة، وهنا لا نتحدث عن شكل الدولة بقدر ما نتحدث عن تصميم لشكل الدولة يعطي الصورة الحقّة لهوية سوريا ومجتمعاتها، وكل هذا يتم عبر تفعيل الحوار والايمان ببناء التوافقات على مستوى الحل وعلى مستوى الاستقرار المستدام.




السويداء بعد 12 عاماً على الصراع.. تحولات العلاقة مع دمشق وفعالية أدوات السيطرة

السويداء بعد 12 عاماً على الصراع.. تحولات العلاقة مع دمشق وفعالية أدوات السيطرة

Aug 10 2023

شهدت العلاقةُ بين مركز السلطة في دمشق ومحافظة السويداء خلال فترة الصراع الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من عشر سنوات تحولات عدة وتغيرات في خرائط ومراكز القوى وتموضعاتها وتحالفاتها، فرضتها ديناميات الصراع وتوجهاته. فالمحافظة الحدودية ذات الأغلبية الدرزية لم يشفع لها موقف الحياد الذي اتخذته إزاء الحرب السورية التي اندلعت في مارس 2011، إذ إنها لم تبقَ في منأى عن المعارك والاشتباكات في أكثر من مناسبة خلال فترة الصراع، علاوة على ذلك فهي تعيش تحت وطأة فلتان أمني، وانتشار للجريمة والمخدرات. يحدث كل ذلك في ظل تراجع كبير لدور الدولة الحمائي، وعجز شبه تام للحكومة عن توفير حلول لتردي الأوضاع المعيشية والإنسانية، ووسط انحسار القبضة الأمنية للسلطة، وبروز لاعبين آخرين على الساحة السورية. بالرغم من كل ذلك، لا تزال دمشق هي المرجعية الأساسية للسويداء، سياسياً واقتصادياً.

تبحث هذه الورقة في العلاقة بين دمشق والسويداء ما بعد عام 2011، من خلال تناول التحولات التي طرأت على طبيعة وشكل العلاقة بينهما بفعل ديناميات الصراع، ثم توصيف فعالية أدوات السيطرة للحكومة في هذه المرحلة، وأثرهما المباشر على المجتمع في السويداء.

تمهيد

يمكن النظر تاريخياً إلى العلاقة بين دمشق والسويداء وفق نظرية المركز والأطراف، وما يتصل بذلك من تباين وتجاذب بينهما، تحددها الديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضمن سياقاتها التاريخية. حظي المجتمع الدرزي بمكانة خاصة عبر تاريخ سورية، ليس بسبب خصوصيته الطائفية فحسب، بل أيضاً نتيجة لدوره المهم في صياغة تاريخها إبان تشكل الدولة الوطنية، إذ تميّز سلوك الدروز في تاريخ سوريا الحديث بغلبة النزوع الاندماجي لديهم في الإطار الوطني، واحتضان الأكثرية لهذا النزوع، وحرصها على حضورهم السياسي في المشاريع الكبرى بتمثيل يفوق وزنهم الديمغرافي.

إلا أن هذا الحضور بدأ يتضاءل بعد انقلاب حزب البعث عام 1963، ليصبح هامشياً بعد وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم، عبر نهج وسياق عام للدولة يتسم بفرض السيطرة على المجتمع السوري باستخدام جملة من الأدوات والوسائل، من أهمها: الأدوات الحزبية، والوسائل الأمنية والعسكرية،فضلاً عن التحكم في الموارد الاقتصادية واحتكار توزيعها، وبناء شبكة من الولاءات داخل مؤسسات الدولة وخارجها.

تحولات العلاقة بين دمشق والسويداء بعد 2011

لقد أخفى مشهدُ الحياد النسبي لمحافظة السويداء إزاء الحرب السورية، العديدَ من التحولات في مسار الخط البياني للعلاقة مع دمشق، فضلاً عن التغيرات التي طرأت على خرائط القوى (تموضعاتها وتحالفاتها) بفعل ديناميات الصراع. فقد كانت استراتيجيات الحكومة ترمي إلى إحكام السيطرة على المحافظة بهدف توظيفها في المعركة ضد القوى والفصائل المعارضة لها، من خلال الأدوات الآتية:

1. الأداة الأمنية والتعامل مع الحركات المناوئة (الاحتجاجات والمجتمع المدني والفصائل المسلحة)

لم تتأخر السويداء عن الالتحاق بحركة الاحتجاجات التي انطلقت في درعا في مارس 2011 وانتقلت فيما بعد إلى المحافظات السورية، فقد استشعرت بعض النخب المثقفة من فئة الشباب وبعض المعارضين المنتمين للطائفة الدرزية أهميةَ وضرورة الانخراط فيها.[i]إلا أنه وفي الوقت ذاته، لم يحظَ هذا الحراك بتأييد شعبي واسع، فغالباً ما كان يقتصر على عشرات الناشطين والمئات في بضع مناسبات. يرجع ذلك إلى عدة عوامل، بعضها مرتبط بطبيعة مسار الاحتجاجات السورية، في حين ترتبط العوامل الأخرى باستخدام الحكومة آليات السيطرة التي طورتها وأتقنتها على مدى العقود الماضية.

بدايةً، شهد الحراك تحفظ الكتلة الاجتماعية في السويداء عن المشاركة بسبب توجسها من قيادة الإسلاميين له، وتَعزز ذلك التحفظ بعد تحولاته نحو العنف المسلح- المضاد لعنف السلطة -من جهة، ونحو ما أُطلق عليه "أَسْلمة الثورة" من جهة أخرى، حيث لا تستطيع السويداء الذهاب في مشروع إسلامي عاجز عن توحيد جميع السوريين.[ii] يضاف إلى هذه العوامل، تخوف أهل السويداء من ممارسات النظام المتمثلة بالقمع الممنهج ضد المحتجين في أنحاء سورية.

واستعانت الأجهزة الأمنية بما يمكن تسميته "مجتمع السلطة"[iii] الذي نواته الجيش والمخابرات، وشبكة الحلفاء المحليين المتمثلة بالسلطة الدينية والزعامات التقليدية بالإضافة إلى فئة رأسمالية المحاسيب[iv] التي ساهمت بتمويل الميليشيات المؤلفة من مدنيين متعاقدين ومنتفعين، والذي كان متأهباً دوماً (مجتمع السلطة) لمناهضة من يهدد الحكومة وامتيازاتهم. وقد استخدمته الحكومة للتعامل مع احتجاجات السويداء، كأحد استراتيجياتها في التعاطي الحذر مع المظاهرات في مناطق الأقليات خشية توسع رقعة الاحتجاجات، فقد عملت الأجهزة الأمنية من وراء الكواليس دون أن تتدخل بشكل مباشر وعنيف للتصدي للمظاهرات، لكنها في الوقت ذاته لم تتوانَ عن ملاحقة الناشطين واعتقالهم.

في المحصلة استطاعت الحكومة استثمار جميع هذه العوامل في إيقاف حركة الاحتجاجات في السويداء بشكلها السائد نهاية العام 2012، إلا أن هذه السنوات الأولى (2011-2012) وضعت حجر الأساس في تمكين المجتمع المحلي لجملة من المفاهيم والحقوق وآليات التعبير السلمي، ظهر ذلك جلياً من خلال موجات الاحتجاجات المتقطعة التي اندلعت بدءاً من العام 2015 وحتى العام 2022 على خلفية تردي الأوضاع المعيشية والخدمية والأمنية والسياسية. جاءت هذه الاحتجاجات في سياق ضعف النظام العام بسبب الحرب الدائرة في سورية، وانحسار مجتمع السلطة مع تحوّل في مواقف بعض الحلفاء المحليين للحكومة، مثل مشيخة العقل والزعامات التقليدية التي ساندت الحكومة ووقفت بمواجهة احتجاجات 2011 -2012، إلى مواقف الحياد في معظم الاحتجاجات وصولاً إلى تأييد بعضهم لها.

بقيت الحكومة تعوّل على أداة العنف، وما بقي من "مجتمع السلطة"، لمواجهة المظاهرات منذ 2015. فقد أرسلت تعزيزات أمنية من دمشق في بعض المراحل، كما نفّذت حملة اعتقالات بحق المتظاهرين، علاوة على اتخاذ مجموعة من الإجراءات الأمنية، مثل إصدار مذكرات توقيف ومنع السفر وملاحقات أمنية بحق ناشطي منظمات المجتمع المدني التي بدأت تتشكل بعد عام 2011 وتضطلع بدور فاعل في المجال العام ضمن برامج التمكين والتوعية والحماية وسبل العيش وبناء السلام.

من الجدير الإشارة إلى أن أدوات سيطرة الحكومة شهدت تحولاً جوهرياً في هذه الفترة، سببه ضعف شمولية أداتها الأمنية على المحافظة، تمثلت في استهداف مجموعات أو شخصيات بعينها وعدّها مصدرَ تهديد للنظام العام في المحافظة. ظل هذا النهج قائماً حتى اليوم، نظراً لأن الحكومة لم تستعد عافيتها وقدراتها الأمنية والعسكرية للسيطرة، ولعل التعامل مع حركة رجال الكرامة أبرز مثال على هذا التحول.

تأسست الحركة عام 2013 على يد رجل الدين الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس، بمباركة من المرجعية الدينية الشيخ راكان الأطرش المؤيِّد إبقاء أهالي السويداء على الحياد،[v] وهي حركة اجتماعية مسلحة محلية الطابع، وتُعتبر من أكبر الفصائل المسلحة في المحافظة وتمتلك وجوداً في غالبية مناطق السويداء. تشكلت الحركة بهدف منع الحكومة من زج أبناء المنطقة في الحرب السورية، من مبدأ "دم السوري على السوري حرام"، بالإضافة إلى حماية حالة الحياد التي اتخذتها السويداء من الحرب، سيما أن المرجعية الدينية، أي مشيخة العقل، انحرفت عن مسار الحياد -بحسب رأي الحركة- وتماهت مع خطاب الحكومة السورية في العديد من المواقف.

اتخذت الحركة من شعار "حماية الأرض والعرض" بوصلةً لعملها، تمثل ذلك في مواجهة المحاولات الإيرانية لنشر التشيّع في السويداء وتشكيل ميليشيات محلية تابعة لـ"حزب الله" اللبناني، إلا أن هذه المحاولات قوبلت برفض شعبي واسع، بالإضافة إلى حماية المواطنين الدروز من الاعتقالات على الحواجز والضغط للإفراج عن المعتقلين على خلفية الحراك، وحماية المحافظة من أي أخطار خارجية، ما يعني ضمناً عدم استجداء الحماية من أحد، سواء كانت إيران أو أي قوة إقليمية أخرى، والانعتاق من المتاجرة بشعار "حماية الأقليات"، سيما أن الحركة تؤمن أن حماية السويداء تنبع من بناء تفاهمات وطنية مع السوريين.

من ناحية أخرى رأت مشيخة العقل (ممثلةً بحكمت الهجري، ويوسف جربوع، وحمود الحناوي) في الحركة تحدياً لسلطتهم وتأثيرهم على المجتمع الدرزي، الأمر الذي جعلها تجتمع في موقف نادر وتتوافق على إصدار بيان "حرم ديني" بحق الشيخ البلعوس. [vi]

من نافل القول إن صعود وحيد البلعوس شكّل تهديداً للتحالف التاريخي بين السلطتين السياسية والدينية، على اعتبار أنه رجل دين كما أن كاريزما القائد الشعبي التي تمتَّع بها البلعوس كانت قادرة على جذب شرائح كبيرة من أبناء السويداء والالتفاف حوله كقوة عسكرية مدعومة مجتمعياً تشكل تهديداً للسلطة وتتعارض مع استراتيجيته في إبقاء السويداء ضعيفة وبحاجة للحماية.

مع اغتيال البلعوس في 4 سبتمبر عام 2015 بانفجار استهدف موكبه في محافظة السويداء، حيث وجّه أنصاره الاتهام إلى الأجهزة الأمنية بأنها وراء عملية الاغتيال[vii]، أثبتت الحكومة أنها لاعب أساسي في المحافظة، حتى لو لم تسيطر عليها بالكامل، وأن لديها القدرات الأمنية لاستهداف أولئك الذين يهددون دورها المركزي، كما أنه ساهم في استمرار تحالف السلطتين السياسية والدينية عبر الاستثمار في دور مشايخ العقل الذي تَعزز خلال الحرب.

2. ديناميات بناء التحالفات الاجتماعية- مشيخة العقل نموذجاً

عملت السلطة على استمالة الدروز (كأقلية)، عبر تمتين العلاقة مع مشيخة عقل الطائفة (الرئاسة الروحية للطائفة)، والتي تضم ثلاثة شيوخ، هم: حكمت الهجري، ويوسف جربوع، وحمود الحناوي، مع حرصها على ألا تكون هذه الهيئة منسجمة ومتماسكة ومتوافقة في قراراتها، خشية الانقلاب عليها؛ فعملت على تعزيز حضور أكبر للهجري، وإبراز دوره كرئيس روحي للطائفة، من خلال التجاوب معه في تلبية تدخلاته لصالح أبناء الطائفة بغية تقديمه بوصفه مرجعية أولى وممراً وحيداً للوصول إلى صانع القرار على حساب جربوع والحناوي. واستفادت السلطة من دور الهجري في احتواء المظاهرات ودعوة الشباب إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية والمطالبة بتسليح الطائفة الدرزية عام 2015.

إلا أن هذه العلاقة تدهورت في إثر انقلاب الشيخ الهجري على الحكومة، حيث بدأت مواقفه تتراجع مطلع 2021 بعد ما وجّه رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء لؤي العلي، إهانة له خلال اتصال جرى بين الطرفين، الأمر الذي أشعل ثورة غضب على مستوى الطائفة. ثم توالت مواقف الهجري ضد الحكومة السورية من خلال تأييده للاحتجاجات، وإصدار بيان وجَّه فيه انتقاداً للسلطة محمِّلاً إياها مسؤولية "ما آلت إليه أوضاع البلاد من فقر وجوع وفَلَتان أمني لم يعرف السوريون عبر تاريخهم مثيلاً له".

بالمقابل قامت الحكومة بإعادة تمتين علاقتها مع جربوع والحناوي، عبر انتهاج ذات المعادلة القديمة؛ أي إعطاء دور وامتيازات للشيخين وتحجيم للهجري، في مقابل استمرار تأييدهما لها. فعلى سبيل المثال، فور انقلاب الهجري، استجابت الحكومة لمقترح الشيخين الحناوي والجربوع بإجراء تسوية أمنية شاملة لجميع المطلوبين من أبناء السويداء، وتقديم تسهيلات إدارية كتأجيل لمدة سنة للمتخلّفين عن الخدمة الإلزامية التي أعلنت عنها الحكومة في أوائل أكتوبر 2022.

3. الاقتصاد والإدارة والخدمات

تراجَع دور الدولة الإداري والاقتصادي والخدمي في سنوات الحرب، وبخاصة في السنوات الأخيرة، وتراجعت معها القدرة على شراء الولاءات وبناء شبكات زبائنية عبر توظيف مؤسسات الدولة والمؤسسات الوسيطة. فمثلاً فقدت الإجراءاتُ التي كانت تتخذها الحكومة، كالتسريح والفصل التعسفي من الوظائف الحكومية بحق الناشطين والمعارضين أو غير الملتحقين بالخدمة العسكرية، فعاليتَها بسبب تراجع معدلات الرواتب في الوظائف العامة إلى ما يعادل 12 دولاراً في الشهر. لكنْ في الوقت ذاته استخدمت دمشق أدوات أخرى مؤثرة تزيد من اعتمادية السويداء عليها على الصعيدين الإداري والاقتصادي وسط غياب البدائل.

فعلى الرغم من إصدار قانون الإدارة المحلية بالمرسوم التشريعي رقم 107 لعام 2011، الذي يهدف إلى تطبيق لا مركزية السلطات والمسؤوليات، وإيجاد وحدات إدارية قادرة على عمليات التخطيط والتنفيذ للتنمية وتعزيز إيراداتها المالية، إلا أن القانون جاء مُفرغاً من مضمونه، بسبب مقتضيات السيطرة التي تتطلب الإبقاء على مركزية القرار الاقتصادي في دمشق، كآليات مساومة للأطراف لضمان استتباعها. فقد عملت الحكومة على ربط حقوق اقتصادية وإجراءات إدارية وشبه قانونية، مثل تنظيم الوكالات القانونية وعمليات نقل الملْكيات بإجراءات أمنية (الموافقة الأمنية)، وإجراءات اقتصادية تعسفية، بالإضافة الى وضع قيود على قيم الحوالات الداخلية وقيم السحوبات اليومية من المصارف.

كما قامت الحكومة بتقنين توريد المواد الأساسية اللازمة لحياة السكان بشكل يومي عبر طريق دمشق-السويداء، الأمر الذي يجعل أبناء المحافظة يعيشون قلقاً دائماً من قطع هذا الطريق وما يشكل تهديداً لأمنهم الغذائي، علاوة على الإتاوات التي تفرضها الحواجز على البضائع الواردة الى المحافظة، والتي تزيد من تكاليفها على المواطنين، بالإضافة إلى عدم تجاوب مع مطالب فتح معبر حدودي مع الأردن وهو ما من شأنها أن يخدم الحركة الاقتصادية في المحافظة، خصوصاً في الفترة التي كانت تسيطر فيها جبهة النصرة على معبر نصيب في درعا بين عامي 2015 و2018.

وبالمحصلة، بالرغم من تراجع القدرات الحكومية، تبقى محافظة السويداء رهينةً لدمشق التي مازالت تُعتبر العمق الاستراتيجي والحيوي الأساسي للمحافظة.

الوضع الأمني والاجتماعي منذ 2018

منذ عام 2018، وبشكل متزايد، كانت هناك ثلاثة محددات أساسية في العلاقات بين دمشق والسويداء: احتفاظ الحكومة بأدواتها القسرية في السويداء؛ والتدهور المستمر في الوضع الأمني وانتشار الفوضى؛ والتدهور الكبير في الظروف المعيشية والاقتصادية وتراجع أبسط الخدمات.

تَشي أحداث ما يطلق عليه "الأربعاء الدامي" بصعوبة التزام السلطة بدورها كحامي للأقليات، بعد تعرض السويداء إلى هجوم دامٍ لتنظيم "داعش" في 25 يوليو 2018 ، أسفر عن أكثر من 250 قتيلاً، وقيام التنظيم بخطف 36 مدنياً بينهم نساء وأطفال. تولى أهالي المحافظة والفصائل المحلية مهمة التصدي للهجوم وسط غياب تام للجيش السوري والقوات الأمنية.

زاد هجوم "داعش" من يقين أبناء المحافظة بأن السلطة غير قادرة على حماية أهل السويداء من أخطار خارجية كما كان في السابق، وأسهم في فقدان الثقة بدمشق ما أدى إلى تنامي عمليات التسليح بين المدنيين وتشكيل فصائل ومجموعات مسلحة تحت مسمى "بيارق" بهدف حماية الذات.[viii] توحد بعض هذه المجموعات ضمن تشكيلات على غرار تشكيل ائتلاف الشريان الواحد، ضمّ مجموعات مسلحة شبابية خارجة من عباءة حركة رجال الكرامة، وساخطة –بحسب زعمها– على خروج الحركة عن مبادئ المؤسس البلعوس بعد اغتياله عام 2015، واتخاذها خطاً مهادناً للسلطة. وأعلنت أن أهدافها حماية المحافظة من أي اعتداء خارجي ، كهجمات تنظيم "داعش"، والوقوف في وجه التعديات التي تقوم بها عصابات الخطف والسرقة، بالإضافة إلى منع القوات الحكومية من تنفيذ الاعتقالات بحق المطلوبين للخدمة العسكرية من أبناء المحافظة على الحواجز التابعة للقوات الرسمية. وقد لمع نجم نجل وحيد البلعوس ليث الذي أسس مع أخيه فهد فصيلاً تحت اسم قوات شيخ الكرامة، مُعلناً معارضته للحكومة وللمشروع الإيراني في المنطقة.

لم يقتصر غياب دور الدولة الحمائي في التهديدات الآتية من خارج المحافظة فقط، إذ تمثل أيضاً بغياب دورها في تطبيق القانون وملاحقة منتهكيه ومحاسبتهم، الأمر الذي نجم عنه حالة فلتان أمني وانتشار عمليات السطو والخطف مقابل فدىً مالية، وارتفاع في معدلات الجريمة وحصيلة ضحايا العنف من المدنيين، وفق ما ترصده وتوثقه شبكة السويداء 24 الإعلامية في تقاريرها السنوية.

لقد تأججت علاقة أهالي السويداء مع السلطة، وبخاصة الأمن العسكري المكلَّف بملف المحافظة، على خلفية الانتشار غير المسبوق لهذه العصابات وسط غياب الأمن والأمان، وأدى إلى اشتباكات عنيفة. وأبرز مثال على ذلك هو القضاء على أبرز هذه العصابات "حركة قوات الفجر"، التي أسسها أبو فجر، راجي فلحوط، واتخذ من بلدته عتيل، ومحيطها القريب، مقراً له. اتُهِمَت الحركة وقائدها فلحوط بأفعال إجرامية كثيرة، مثل فتح جبهات متعددة مع عشائر بدو السويداء والاتجار بالمخدرات وتصنيعها بالإضافة إلى عمليات الخطف واحتجاز المدنيين. في 27 يوليو 2022، انتفضت مجموعات محلية بالتعاون مع حركة رجال الكرامة وبعض الفصائل المحلية لمهاجمة مقراته وتصفية جماعته.

حمَلت هذه الأحداث تطورات مهمة على صعيد توازنات القوى المحلية، حيث أعلنت حركة رجال الكرامة كأبرز فصيل، بالإضافة إلى فصيل لواء الجبل الذي يقوده مرهج الجرماني وقوات شيخ الكرامة، أنهم "أخذوا على عاتقهم إعادة الاستقرار والأمان للمحافظة"، التي عانت خلال السنوات الأخيرة من "الفلتان الأمني" نتيجة انتشار المجموعات المسلحة. وأُطلقت حملة لاجتثاث المليشيات ، الأمر الذي أدى إلى بروز دور مدير "إدارة المخابرات العامة"، اللواء حسام لوقا، في ملف السويداء الأمني، على حساب رئيس "شعبة الاستخبارات العسكرية"، اللواء كفاح الملحم، الذي فشل في إدارة هذا الملف.

وفضلاً عن غياب الأمن، تُواجه شريحة واسعة من سكان محافظة السويداء أسوأ واقع معيشي على الإطلاق منذ عام 2011، حيث وصل الاقتصاد إلى أدنى مستوياته، مع تصاعد التضخم وتهاوي قيمة الليرة السورية، وغلاء الأسعار والنقص الحاد في الوقود والكهرباء ومياه الشرب بسبب قلة الأمطار وخروج 67 بئراً عن الخدمة، فضلاً عن تردي واقع قطاعات التعليم والخدمات العامة والبنى التحتية والتهديد بانهيار القطاع الصحي.

في وجه هذه التحديات، يُلاحَظ زيادة دور المجتمع بهدف إيجاد حلول ذاتية تدعم صمود حياة السكان. يأخذ هذا الدور أشكالاً مختلفة، أبرزها عبر تنامي الحركات الاحتجاجات في إثر تراجع الوضع المعيشي والاقتصادي؛ فمثلاً، شهدت السويداء احتجاجات غير مسبوقة على مدار أيام في فبراير 2022 بسبب تردي الأوضاع المعيشية، والتي تكررت في ديسمبر من العام ذاته. وبالتوازي مع الاحتجاجات المعيشية، تَطورت المبادرات الاجتماعية التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، وزيادة اعتماد المجتمع على ذاته من خلال نوى التكافل الاجتماعي التي أسسها أبناء المحافظة المغتربين مع المقيمين، والتي لم تقف عند حدود الدعم الإنساني، بل تعدته للقيام بدور الدولة في كثير من الخدمات، مثل بناء وصيانة المدارس والمراكز الصحية، وإصلاح آبار مياه الشرب وتزويدها بالطاقة البديلة، بالإضافة إلى الأدوار التي تقوم بها الهيئات الاجتماعية لملء الفراغ الناجم عن ضعف مؤسسات الدولة، مثل نشوء ظاهرة القضاء البديل ولجان الصلح المحلية وفض النزاعات.

خلاصة واستنتاج

بعد أكثر من عقد من الحرب والدمار، والتراجع الهائل في قدرات الدولة، تبقى محافظة السويداء مرتبطة بدمشق، لسببين: الأول، نجاح الحكومة -رغم ضعفها- في الحفاظ على بعض أدوات السيطرة التي استعملتها في سبيل بقائها المرجعية الأساسية، أما السبب الثاني فيرتبط بقرار مجتمع السويداء وقياداته الذين يرون محافظتهم ضمن الدولة السورية ويرفضون الارتباط بأي مرجعية سياسية خارج حدود الدولة السورية.

لكنْ هذا لا يعني أن العلاقة بين الجانبين ستكون سلسة في المرحلة المقبلة، فقد لا يرغب أهل السويداء في تبديل مرجعيتهم، إلا أن ثقتهم بأن تقوم الدولة بالأدوار المناطة بها تراجعت، سيما أن التعافي الاقتصادي الحقيقي مستبعَدٌ على المديين القريب والمتوسط، وبالتالي يُرَجح أن يبقى الواقع الاقتصادي والمعيشي متردياً أو ربما قد يتراجع أكثر وسط غياب الحلول، الأمر الذي يجعل من العاملَين (الأمني والمعيشي الإنساني) محركاً رئيساً لإعادة رسم العلاقة مع دمشق.

[i] بدأت أولى المظاهرات في بلدة القريا (26 مارس 2011) في ذكرى وفاة سلطان الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى، تلتها مظاهرتان في مدينة السويداء في 14 و17 أبريل من العام نفسه، ثم توالت المظاهرات في المحافظة والتي تركزت بشكل خاص في مدينتي السويداء وشهبا و بلدة القريا.

[ii] مقابلة أونلاين مع أ. منير الخطيب (باحث سياسي سوري).

[iii] انظر، جاد الكريم الجباعي، "المجتمع المدني والمجتمع الأهلي في سوريا"، مجلة عمران المحكّمة، العدد السابع، مجلد 2، شتاء 2014، ص 153.

[iv] "رأسمالية المحاسيب" تُعد شكلاً محدداً من الاقتصاد الذي يقوم على تبادل الخدمات والمنافع بين الطبقة السياسية الحاكمة ورجال الأعمال، حيث تمتلك الطبقة السياسية الحاكمة القدرة على تمرير تشريعات وقوانين تخدم سياقاً محدداً في الإنتاج، وهو ما يسمح لفئة من رجال الأعمال، تتصف بالقرب من الحلقة الضيقة للسلطة السياسية وتدين بالولاء لها، بالاستفادة من التشريعات والقوانين، ومراكمة ثروات مالية ضخمة تتشاركها مع النخبة السياسية.

[v] ركان الأطرش هو شيخ درزي يُعتبر من أرفع المرجعيات الدينية لدى طائفة الموحدين الدروز في سوريا ولبنان وفلسطين، توفي في السويداء في نوفمبر 2019؛ وكان للأطرش، المُنحدر من عائلة قائد الثورة السورية الكُبرى سلطان باشا الأطرش، مواقفَ عدة أثناء الحرب الأهلية السورية ساهمت في إبقاء شباب الطائفة الدرزية على الحياد دون اشتراكهم في الحرب.

[vi] الحرم الديني، هو أقسى حكم أو عقاب يمكن إصداره على أبناء المذهب، إذ إنه يشمل الحرم الاجتماعي بما يوجب المجتمع القطيعة الكاملة للذي يقع عليه الحرم، ويخضع من لا يلتزم أو من يخرق هذه القطيعة الى ذات العقوبة، مضافاً إليه منعه من دخول أماكن العبادة (المجلس) إذا كان رجل دين، وفي حال وفاته لا يُصلى على جنازته.

[vii] تلاه تفجير ثان في اليوم نفسه في ساحة المشفى الوطني، راح ضحيته نحو 40 شخصاً، عدد منهم من أعضاء الحركة.

[viii] نظام البيارق هو تقليد حربي يقوم على أن تكون لكل قرية أو عائلة كبيرة رايتها الخاصة (بيرق) تقاتل تحته ويُعين حامل لكل بيرق، وهذا التقليد اتبعه أهالي المحافظة سابقاً خلال حروبهم مع العثمانيين والفرنسيين.

المصدر: مركز الإمارات للسياسات




الدردري لـ

الدردري لـ "المجلة": عالمنا متعدد الأزمات... ومنطقتنا تدرك هشاشتها

Aug 10 2023

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومدير المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية، عبدالله الدردري، يرى أن “عالمنا متعدد الأزمات”، ويتضمن أمورا تدعو إلى التشاؤم وأخرى تدعو إلى التفاؤل، وأن “منطقتنا تدرك هشاشتها".

وقــــــال الدردري في حديثــــــه إلى “المجـــــلة” إنه قبــــل أربعــــين ســـــنـــــة كــــانت لــــدى دول أميـــــركا اللاتينيـــــــة وأفــــريقيا وجنــــوب آســـــيا وشــــــرق آســــيا، التحديات الاقتصادية والاجتمــــــــاعيــــة ذاتــــها المـــــوجودة في العــــالم العربي، و“هي تجــــــاوزت هذه المواضيـــــــع ونــــحن في المنطقة ما زلنا تقـــــــريبا نراوح مكاننا”، ذلك أن “تحــــديات التنميـــــة في العالــــم أعادت ترســــيخ فكـــــرة أن المنطقـــــة لم تتحــــــرك كثيــــــرا، تحــــــركت إلى الوراء في كثيـــــر من المحــــــاور ولكـــــــن التحــــــرك إلى الأمــــــام بــــــشـــــكل عـــــام مــــحــــدود للــــغــــــاية".

وتجنب إصدار “حكم أخلاقي” على “الربيع العربي” بعد 12 سنة ويترك هذا لـ“التاريخ”، لكنه يقول: “ما يهم الآن، ألا نعيد تكرار الأخطاء”، لافتا إلى بعض الجوانب الإيجابية بينها وجود “إدراك لحجم المشاكل”.

وتوقف الدردري عند التغييرات الحاصلة في السعودية، مشيرا إلى “التقاطعات” بين رؤية الأمم المتحدة لأهداف التنمية في 2030، و“رؤية 2030” في السعودية.

وهنا نص الحديث الذي أجرته “المجلة” عبر تطبيق “تيمز” في 19 يوليو/تموز:

* تواجه المنطقة العربية تحديات كثيرة. وإضافة إلى التحديات السياسية، هناك تحديات دائمة ومستدامة لها علاقة بالفقر وتحدي الجفاف. ما أولويات “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، وما برنامجكم للتعاطي مع هذه التحدياتفي المنطقة العربية؟

- منذ أربعين سنة، تتحدث المنطقة العربية عن تحديات الجفاف والفقر وتراجع فرص العمل وعدم الكفاءة في النشاط الاقتصادي وعدم تنافسية الاقتصادات التي تعاني منها المنطقة. ثم جاء تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول في عام 2002 ليضيف لتلك التحديات ثلاثة نواقص أساسية: النقص في الحرية والنقص في تمكين المرأة والنقص في المعرفة.

وقبل أربعين سنة واجهت دول أميركا اللاتينية ودول أفريقيا جنوب الصحراء ودول جنوب وشرق آسيا التحديات الاقتصادية والاجتماعية ذاتها، ولكن معظمها تجاوز تلك التحديات بينما نحن في المنطقة العربية ما زلنا تقريبا نراوح مكاننا، إذ أكد تقرير تحديات التنمية في العالم الذي أصدرته “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا” (اسكوا) في العام 2022 أن تحرك المنطقة إلى الأمام كان محدودا للغاية بشكل عام، بل إنها تحركت إلى الوراء في بعض المحاور. وهو شيء مؤسف أننا لا زلنا نواجه التحديات ذاتها وأن حواراتنا حول التنمية التي كنا نجريها منذ 30 و40 سنة ما زالت تناقش المواضيع ذاتها.

واليوم نفكر في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كيف يمكن لنا أن نوظف ما ننفقه في المنطقة العربية بما يناهز مليار دولار أميركي سنويا- وهو رقم زهيد نسبيا مقارنة مع احتياجات المنطقة- ليكون عاملا محفزا للتغيير التحولي ولتعزيز الحوار التنموي وتطوير آليات مواجهة فعالة لتلك التحديات، وعلى رأسها تحدي المناخ كأولوية كبرى. فقد يفاجئك أن تعرف أن عدد اللاجئين والنازحين بسبب المناخ على مستوى العالم هو اليوم أكثر من عدد اللاجئين والنازحين بسبب النزاعات، بل إن معظم النزاعات اليوم ترتبط بالصراع على الموارد الطبيعية التي أثر المناخ عليها.

فاليوم لم يعد بالإمكان أن نفكر بشكل منعزل بتحديات التنمية بحيث نناقش الاقتصاد بشكل منفرد والصحة بشكل منفرد والمناخ بشكل منفرد. هذا الكلام انتهى. لذلك نفكر في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كيف يمكن لنا أن نصبح مركزا للتفكير المتعدد القطاعات، بما يُمكّننا من أن نقدم للدول الأعضاء حُزَم التعاون الفني التي تسمح لها بأن تطور مؤسساتها بحيث تكون قادرة على التعامل الفعال مع التحديات الراهنة. فبينما هذه التحديات بطبيعتها مترابطة فإن التعامل معها غالبا ما يتم عبر مؤسسات غير مترابطة، وبالتالي لا يمكن لوزارة ما أن تعالج قضايا مثل المناخ أو التنمية الاقتصادية أو غيرها من القضايا منفردة.

لم يعد بالإمكان أن نفكر بشكل منعزل بتحديات التنمية بحيث نناقش الاقتصاد بشكل منفرد والصحة بشكل منفرد والمناخ بشكل منفرد. هذا الكلام انتهى

* تقرير التنمية البشرية وتقرير الإسكوا اللذين أشرت إليهما كانا بمثابة منعطف في التأريخ للعالم العربي، هل هناك رغبة في تقديم قراءة لماذا نحن في العالم العربي وفي هذه المنطقة التحديات لا تزال موجودة وبدل أن نعالجها نتراجع؟ هل هناك تحليل لنقوم بناء عليه بوضع خطط لمعالجة جذرية لهذه الأمور؟

- كل التقارير التي نتحدث عنها، بما في ذلك تقرير التنمية الإنسانية العربية المقبل الذي نشرع في الإعداد له الآن لينشر نهاية العام المقبل، تدور جميعها حول قضية ذات أهمية محورية في منطقتنا وهي الحوكمة. وفي إطار الحوكمة نهتم بشكل خاص بكفاءة المؤسسات وشفافيتها ونزاهتها، لأن المؤسسات في النهاية هي التي تترجم السياسات إلى ما ينفع الناس. وهي التي يجب أن تعبر عن أولويات الناس كما يعبرون عنها من خلال امتلاكهم لهذه المؤسسات.

فالآلية الأساسية في عملية التنمية هي تطوير السياسات وكيف يمكن ترجمتها إلى واقع يحسّن فرص العمل، ويعزز التنافسية وبيئة الاستثمار وإمكانية مكافحة الفساد وتخفيض نسبه. لذلك نركز على حوكمة المؤسسات وعلى تعزيز قدراتها، وشرعيتها في نظر الناس. فقد تكون المؤسسات شرعية لأنها أسست بموجب القانون لكننا نعيش اليوم في سياق لا تكفي فيه شرعية المؤسسات على الورق، ولكن الأهم هو شرعيتها في نظر الناس، ومصداقية هذه المؤسسات وقبول ما تنتجه من قبل الناس، ومدى قدرتها على قيادة عمليات تنموية متكاملة في سياقات الحاضر المتشابكة والمعقدة.

فنحن لا تنقصنا الموارد في أي بلد عربي، وليس فقط في الدول التي تملك موارد نفطية كبيرة. فلا يوجد بلد عربي فقير، هذا محسوم، من موريتانيا إلى الخليج لا يوجد بلد عربي فقير. ولكن هناك مستويات متفاوتة من الحوكمة ما بين الكفاءة وغيابها، تنعكس بدورها على النتائج التنموية التي نشهدها، سواء بالتقدم أو التراجع.

نحن لا تنقصنا الموارد في أي بلد عربي، وليس فقط في الدول التي تملك موارد نفطية كبيرة. فلا يوجد بلد عربي فقير، هذا محسوم، من موريتانيا إلى الخليج لا يوجد بلد عربي فقير. ولكن هناك مستويات متفاوتة من الحوكمة ما بين الكفاءة وغيابها

* الأمم المتحدة تتعاطى مع الحكومات العربية الرسمية. كما ذكرتَ هناك تحديات كثيرة موجودة، وحقيقة بعضها مردّه غير سياسي. لكن في الوقت نفسه هناك أزمات سياسية في المنطقة، من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا وغيرها، كيف تستطيع كبرنامج للأمم المتحدة أن تعمل على مواجهة هذه التحديات في بيئة سياسية في وقت أنت لا تريد فيه أن تكون منخرطا في الجو السياسي؟

- في المقام الأول نحن لسنا جهة سياسية ولا نشارك في قضايا مفاوضات السلام وغيرها من مثل تلك المواضيع. لكن دورنا كمنظمة تنموية هو أن نحافظ على حد أدنى من قدرة الشعوب على الصمود في مواجهة التحديات التنموية الضخمة. فعندما يكون هناك ملايين من البشر تسقط تحت خط الفقر لأسباب معظمها سياسي بالأصل، وليس بالضرورة بسبب النزاعات. مثلما في لبنان، حيث والحمد لله لا يوجد صراع مسلح اليوم، ولكن يرزح 90 في المئة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر. لذلك لا بد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن يقوم ببناء قدرات المؤسسات الوطنية والمحلية. فعملنا اليوم يركز على العمل مع المحليات ليكون أكثر قربا من الناس لإيصال الدعم مباشرة لهم ولتحفيز قدراتهم الهائلة على الصمود والإبداع.

ولا شك أن الصراعات السياسية والنزاعات تخلق جوا غير مناسب للعمل التنموي، بل هي تخلق جوا خطيرا ضد التنمية، فنحن نعمل في مناطق فيها مخاطر عالية على العاملين لدينا إذ نعمل في مواقع نزاعات حامية وساخنة في كثير من الأحيان، ولكننا نبقى ونعمل.

وهنا يجب أن نميز بين عمليات صنع السلام بالمعنى التقليدي الذي يشمل المفاوضات، وعمليات بناء السلام والتي تعنى ببناء المقومات الاجتماعية والمؤسساتية والاقتصادية والتنموية التي تسمح لأفراد المجتمع بأن يشعروا أن هناك مستقبلا يجمعهم بما يشجعهم على أن يتجاوزوا النظر إلى ما هم فيه اليوم إلى مستقبل محتمل يمكن أن يجمعهم ويكون أكثر ازدهارا. هذه مساهمتنا في عملية صنع السلام، من خلال بناء السلام.

يجب أن نميز بين عمليات صنع السلام بالمعنى التقليدي الذي يشمل المفاوضات، وعمليات بناء السلام والتي تعنى ببناء المقومات الاجتماعية والمؤسساتية والاقتصادية والتنموية التي تسمح لأفراد المجتمع بأن يشعروا أن هناك مستقبلا يجمعهم

* ذكرت أن هناك أزمات في جميع الدول العربية ولكن ليست هناك مشكلة موارد، فالموارد متاحة من موريتانيا إلى الخليج. كنت في العراق أخيرا وأجريت سلسلة من الاجتماعات حتى إنك التقيت مع قيادات شبابية ولكننا نعرف أن العراق من الدول الغنية جدا ولديه موارد نفطية هائلة وموازنة هائلة. ما شعورك وأنت في بلد ثري بهذا القدر وتبحث موضوع التنمية؟

- شعور يدمي القلب، فالعراق مصنف دوليا ضمن فئة ما يسمى بالدول متوسطة إلى عالية الدخل، لكن جميع مؤشراتها التنموية، مثل الفقر والبطالة وغيرها، هي مؤشرات لدولة منخفضة الدخل أو أقل نموا. هذا التفاوت سببه 40 سنة من الحروب التي تكفي لتأخير أي عملية تنموية في أي بلد في العالم، ولكنه يعيدنا كذلك إلى أهمية الحوكمة. فالعراق ينفق موازنات هائلة. ولكن موازنته الأخيرة التي صدرت منذ أسابيع، تنفق معظم موارد الموازنة على توظيف أعداد هائلة جديدة في وظائف الدولة، بينما كان يمكن إنفاق هذه الأموال على مشاريع تنموية قادرة على تحويل شكل العراق، مثل مشاريع ترفع من كفاءة الاقتصاد والبنى التحتية وإدارة الموارد المائية.

فهل لك أن تتخيل أن العراق ذا النهرين يعاني من العطش؟ وهل من المعقول أن بلاد الرافدين بكل ما لديها من النفط تستورد الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية؟ وهل من المعقول أن العراق بكل ثرواته ليس لديه كمية كافية من المشتقات النفطية؟ وأنه يعاني من انقطاع التيار الكهربائي لساعات وساعات؟ وهل من المعقول أن أهل جنوب العراق، الذين يعيشون فوق بحر من أغنى بحار النفط والغاز في العالم، يواجهون بطالة تصل إلى 60 في المئة؟

كل هذه الأسئلة تعيدنا إلى الحوكمة التي تصل ما بين موارد البلاد ونتائج التنمية فيها، وتبقى هي حلقة الوصل أو الآلية التي تترجم الموارد إلى نتائج. هذه الآلية كانت معطلة لفترة طويلة، بل ومسببة للكثير من التراجع.


لكن ما أثلج صدري في العراق، هو أنني سمعت كلاما جديدا، ليس فقط من الشباب الذين أبهروني حقيقة- إذ وجدتهم واعدين جدا، متصلين بالتكنولوجيا فاهمين لها، ومتابعين لما يجري في العالم حولهم- ولكن أيضا من الحكومة التي سمعتها تتحدث لغة جديدة، لغة تتفهم آثار تغيّر المناخ وكيف يجب التعامل معها، لغة تتحدث عما يسمى التحول الطاقي، وتناقش بدائل التنويع الاقتصادي والابتعاد عن الاعتماد على النفط. هذا الكلام أسمعه لأول مرة في العراق بهذا الشكل المتجانس بين جميع الأطراف الذين تحدثت إليها، سواء كانت أطرافا حكومية أو من أطياف المجتمع العراقي أينما ذهبت، في بغداد وكربلاء وأربيل وكل مكان آخر. هذا الحوار التنموي الجديد وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فجأة في قلب العملية التنموية في العراق ونحن فخورون بهذا الأمر، وسنبذل الغالي والرخيص حتى نتمكن من دعم هذا التحول في التفكير وفي آلية التخطيط وفي تطور قدرة المؤسسات على ترجمة هذه الثروات إلى نتائج يتمتع بها الشعب العراقي.

شعور يدمي القلب، فالعراق مصنف دوليا ضمن فئة ما يسمى بالدول متوسطة إلى عالية الدخل، لكن جميع مؤشراتها التنموية، مثل الفقر والبطالة وغيرها، هي مؤشرات لدولة منخفضة الدخل أو أقل نموا. هذا التفاوت سببه 40 سنة من الحروب التي تكفي لتأخير أي عملية تنموية في أي بلد في العالم

* أنت تتحاشى الحديث في السياسة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي غير سياسي، لكن أليس الحديث عن الحوكمة كلاما سياسيا؟

- كل ما نقوم به يمسّ السياسة وتمسّه السياسة بشكل أو بآخر، ولكننا نعمل في نطاق صلاحياتنا التنموية ونحن واثقون من أن هناك علاقة تبادلية بين ما نقوم به من عمل تنموي وبين الحياة السياسية. فالتحول السياسي-المتمثل في حكومة السيد شياع السوداني الذي يتحدث بهذه اللغة الجديدة- وليس الاقتصاد، هو ما فتح لنا نافذة الفرصة للعب هذا الدور الجديد في العراق الذي بدأنا نبلوره اليوم لرفع جاهزيتنا للاستفادة من نافذة الفرصة التي أتيحت. ونأمل أن يسهم نجاح عملنا التنموي في إطار هذا التوجه الجديد في تعزيز الاتجاه السياسي الذي يتبنى هذا التوجه.

* ماذا عن اللاجئين والنازحين، هناك طبعا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تتعاطى موضوع اللاجئين، لكن بالنسبة إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ما دوركم في التعاطي مع مسألة النازحين واللاجئين وهم كثر في منطقتنا العربية؟

- عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يُعنى بالحراك السكاني داخل وخارج الدول. فأهم مصدر للتنمية الاقتصادية هو السكان. وفي حال النزاعات، عندما يتحرك ملايين البشر من مكان إلى آخر فمن شأن مثل ذلك التحرك أن يحدث خللا اقتصاديا كبيرا في البلدان المستقبِلة للوافدين، بما ينجم عنه من أعباء على الخدمات الأساسية، والموارد المائية، وموارد الطاقة، وغيرها. ولكن في نفس الوقت، قد تنجم عن هذا التحرك كذلك نتائج إيجابية لأن البلدان المستقبِلة يمكنها أن تستفيد من هؤلاء اللاجئين في تعزيز الموارد المتاحة لها وتعزيز قدرتها الإنتاجية.

أولا، دورنا كبرنامج إنمائي يركز على دعم الدول المستقبلة اللاجئين والمهجرين، لتعزيز قدراتها على الصمود والتعامل مع هذا التدفق من الناس، وهو ما نقوم به عالميا وفي منطقتنا.

ثانيا، قد تكون المعونات الإنسانية أول ما يتلقى اللاجئ بعد وصوله إلى بلد آخر، حيث تقوم منظمات الأمم المتحدة الإنسانية والمنظمات الدولية غير الحكومية بتقديم مثل تلك المعونات، ولكن إلى متى؟ فالبيانات تشير إلى أن تجربة اللجوء يطول أمدها اليوم في جميع أنحاء العالم، إذ لا يعود اللاجئ إلى بلده إلا بعد 26 سنة في المتوسط. فهل يمكن الاستمرار في تقديم مساعدات غذائية ومعونات إنسانية لمدة 26 سنة؟ أم هل يكون من الأنجع أن نقوم ببعض النشاطات الإنتاجية المدرّة للدخل التي تعزز من قدرة اللاجئ على الصمود كما تجعل منه مصدر فائدة ونمو للمجتمع المستقبِل له؟

وثالثا، ما نقدمه من دعم للمجتمعات المستقبِلة للاجئين، يخدم سكان تلك المجتمعات واللاجئين على حد سواء. فعلى سبيل المثل إذا ما تخيلنا قرية صغيرة عدد سكانها ألفا شخص يصبح عدد سكانها بين يوم وليلة خمسة آلاف شخص بسب موجات النزوح، بينما هي لا تملك الموازنات ولا القدرات على إدارة المياه والصرف الصحي والنفايات الصلبة. عملنا هنا يدعم قدرة المجتمعات المضيفة على توفير الخدمات الأساسية على نحو يساعد على خلق فرص للعمل. هذا العمل يخدم الجميع مستقبلين ولاجئين في الوقت ذاته.

إذا ما تخيلنا قرية صغيرة عدد سكانها ألفا شخص يصبح عدد سكانها بين يوم وليلة خمسة آلاف شخص بسب موجات النزوح، بينما هي لا تملك الموازنات ولا القدرات على إدارة المياه والصرف الصحي والنفايات الصلبة. عملنا هنا يدعم قدرة المجتمعات المضيفة على توفير الخدمات الأساسية على نحو يساعد على خلق فرص للعمل.

* في السودان وسوريا تحديدا، ما أولويات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ما يتعلق بموضوع اللاجئين؟

- بعيدا عما يحيط قضية اللاجئين السوريين اليوم من جدل كبير في عدد من البلدان تبقى القضية أن هناك ملايين من البشر تحركوا وأصبحوا يقطنون أماكن أخرى، وفي هذا السياق نطبق ما ذكرته: دعم المجتمعات المضيفة، ودعم اللاجئين لكي يكونوا منتجين، والتحول من المعونة الإنسانية البحتة إلى العمل التنموي.

في النهاية، حلم كل لاجئ طبعا هو العودة إلى وطنه، ولكن اللاجئ له الحق في أن يختار خيارات أخرى. فمن حقه مثلا أن يختار الذهاب إلى بلد لجوء نهائي ليتوطن فيه.


ولكن في البلدان المحيطة بسوريا والتي تستضيف حاليا العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، هذه الدول عانت ما عانت وتحملت ما تحملت واستفادت أيضا في بعض المجالات من اللاجئين السوريين بطبيعة الحال، لأن اللاجئ السوري منتج وفعال وكفء ولا أحد منهم يجلس منتظرا المعونة. لذلك نأمل أن نرى، يوما ما، شكلا من التعافي في سوريا نفسها من شأنه أن يشكل عامل جذب اقتصادي لعودة الناس، أو على الأقل الذين ليست لديهم مشكلة بالمعنى السياسي أو الأمني أو غيره. ولكن الوقت ما زال مبكرا لهذا الحديث بشكل معمق، وإن كنا قد بدأنا بالفعل في التفكير بشكل جدي في موضوع "الإنعاش المبكر" في سوريا في حدود ما هو ممكن وفق محددات العمل الأممي في سوريا، واجتمعنا في بيروت مؤخرا مع فريق عملنا في سوريا لمناقشة عملنا في هذا المجال.

حلم كل لاجئ طبعا هو العودة إلى وطنه، ولكن اللاجئ له الحق في أن يختار خيارات أخرى. فمن حقه مثلا أن يختار الذهاب إلى بلد لجوء نهائي ليتوطن فيه

* موضوع "التعافي المبكر"، جزء أساس لأن لديه مرجعية، فعلى الأقل هناك قرار دولي تحدث عن "التعافي المبكر". هل يمكنك إعطاؤنا فكرة أكبر عن دور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في هذا الموضوع المتعلق بسوريا وما تفعل تحديدا في هذا الموضوع؟

- لدينا برنامج في سوريا بقيمة حوالي 50 مليون دولار سنويا وهو رقم متواضع بالنسبة للاحتياجات طبعا، ومتواضع مقارنة بالمعونات الإنسانية التي وصلت إلى سوريا خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية، ولكن اليوم هذه المعونات الإنسانية في تراجع فمن كان يقدم المعونة الإنسانية مشكورا لم يعد لديه المال الكافي لتقديم هذه المعونة وبالتالي يرى في الإنعاش المبكر أو التعافي المبكر وسيلة لتحسين كفاءة هذا الإنفاق، لأن إنفاق دولار واحد في التنمية يعادل عشرة دولارات في المعونات الإنسانية. وهذا تحول ممتاز ونحن له جاهزون.

داخل سوريا، نحن نعمل أولا على تقديم الخدمات الأساسية في المجتمعات المحلية من مياه شرب وصرف صحي وإدارة نفايات صلبة وبعض البنى التحتية المحلية التي لا يمكن العيش من دونها. ثانيا، نعمل على تعزيز الخدمات الصحية والتعليمية وتحسين قدرة المواطنين على إيجاد فرص عمل في السوق. ثالثا، نعمل على تعزيز فرص تشكيل الشركات الصغيرة والمتوسطة أو تعزيز الموجود منها للتوسع والعودة إلى العمل. هذه هي المحاور الرئيسة الثلاثة التي نعمل عليها في إطار الإنعاش المبكر ونخطط للتوسع أفقيا فيها في سوريا ونسعى لتأمين موارد أكثر للوصول إلى عدد أكبر بكثير من السوريين لتخفيف الضغط الذي يعيشون تحته.

هذا العمل مفيد وضروري، لكن له حدوده من حيث الأثر الأوسع نطاقا. وخلال عملي سابقا في أفغانستان واجهت مثل هذا الموقف حيث كان ممنوعا علينا العمل في قضايا تمس السياسات العامة للدولة والسياسات القطاعية، ولذلك ركزنا في عملنا بشكل واسع على المحاور الثلاثة التي ذكرتها. ولكن في الواقع تعافي الدول لا يكون على هذا النحو، فالدول تحتاج إلى سياسات مالية ونقدية ومؤسسات فعالة وتحتاج إلى موازنات استثمارية وموازنات جارية. فالتعافي الحقيقي لا يتم إلا من خلال مثل هذا النهج الأوسع الذي نأمل أن يصير متاحا بعد أن تتغير الظروف الحالية في سوريا.

داخل سوريا، نحن نعمل أولا على تقديم الخدمات الأساسية في المجتمعات المحلية من مياه شرب وصرف صحي وإدارة نفايات صلبة وبعض البنى التحتية المحلية التي لا يمكن العيش من دونها

* كما تعرف هناك انقسام وجدال عميق بين الدول المنخرطة في الموضوع السوري الأعضاء في الأمم المتحدة حول موضوع التعافي المبكر وما المشمول ضمن مظلته وما حدوده... إلى أي مدى يعتبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جزءا من هذا النقاش الحاصل حول تحديد المشاريع التي تأتي تحت سقف "التعافي المبكر"؟

- النقاش قائم ومحتدم. ونحن نسعى الآن لتوافق مع الجهات المانحة لتحديد تعريف دقيق لـ"التعافي المبكر" بشكل عملي، لأن من واجبنا كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ضمن صلاحياتنا أن نعمل على توسيع مفهوم "التعافي المبكر" في سوريا. ولكن في الوقت ذاته يجب على الجهات المانحة أن تتفق فيما بينها أولا حول تعريف الإنعاش المبكر في سوريا، لأن الإنعاش المبكر خارج سوريا له تعريف أوسع وأعمق مما يتم الحوار حوله داخل سوريا.

مثلا، نعد الآن برنامجا للتعافي الاقتصادي على مستوى المجتمعات المحلية في لبنان، ومع أن المبدأ الأساسي واحد وهو التعاون مع المجتمعات المحلية من أجل التعافي من أزمة اقتصادية شديدة إلا أن الوضع هناك مختلف وكذلك مجالات العمل.



* ما التعريف الذي تريد أن تراه عن "التعافي المبكر" في سوريا؟

- أولا، من المهم أن يشمل التعافي المبكر في سوريا إحياء الزراعة. فسوريا بلد نجح عبر التاريخ وصمد عبر الأزمات لأنه بلد ناجح زراعيا. نريد أن نعود إلى دعم الملكية الصغيرة، والفلاح الصغير، الذي لم يعد يملك إمكانية دفع ثمن المازوت والمواد الزراعية، ومثل ذلك الدعم قيمته منخفضة نسبيا، ولكن أثره على المستوى الأفقي يمكن أن يكون واسعا جدا. الزراعة أولا.

ثانيا، الخدمات الأساسية: بما في ذلك خدمات الطاقة المتجددة، ومياه الشرب، ومياه الصرف الصحي، وإدارة النفايات. كل هذه نشاطات مدرّة للدخل لأنها ستكون نشاطات كثيفة اليد العاملة.

ثالثا، سوريا بلد تجاري وبالتالي إحياء القطاع التجاري الصغير أمر مهم للغاية لنجاح التعافي، فمع الإحياء الجزئي للقطاع الزراعي، لا بد من إعادة الحياة إلى جزء من القطاع التجاري صغير الحجم، وتعزيز الصناعات الغذائية الزراعية الصغيرة الحجم، لأنه لا بد من تطوير سلاسل القيمة، فالمزارع إذا زرع، وكان غير قادر على التسويق وغير قادر على التصنيع، يبقى منتجه الزراعي في مكانه. وقد يكون غير قادر على التسويق لأنه ليس لديه مازوت لتشغيل شاحنته لنقل بضاعته... لذلك نحن ندخل في التفاصيل التي قد تبدو صغيرة لكننا نعرف أن الريف السوري يعتمد على سلاسل قيمة قائمة على الثقة، إذ يمكن للمزارع طلب كمية معينة من السماد وتصله على أن يدفع ثمنها لاحقا. سلاسل القيمة تلك القائمة على الثقة هي اليوم مقطعة ومهشمة، فهل بالإمكان إعادتها؟ هنا السؤال، ولكن إعادتها يمثل أحد أهداف هذا التوجه الذي نناقشه.

من المهم أن يشمل التعافي المبكر في سوريا إحياء الزراعة. فسوريا بلد نجح عبر التاريخ وصمد عبر الأزمات لأنه بلد ناجح زراعيا. نريد أن نعود إلى دعم الملكية الصغيرة، والفلاح الصغير، الذي لم يعد يملك إمكانية دفع ثمن المازوت والمواد الزراعية

* ما دور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا وكيف يتم التنسيق مع بقية المنظمات التابعة للأمم المتحدة؟ وهل هناك تنسيق بينك وبين المبعوث الأممي غير بيدرسون، ومفوض الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث؟

- بالطبع هناك تنسيق بين المنظمات الأممية وأيضا هناك تنسيق مع الإدارة السياسية في الأمم المتحدة. والتنسيق الأهم هو على مستوى الفريق القطري للأمم المتحدة في كل بلد. وفي سوريا المنسق المقيم للأمم المتحدة الذي يمثل الأمانة العامة للأمم المتحدة هو المنوط بالتنسيق بين كافة المنظمات في فريق الأمم المتحدة، بينما "البرنامج الإنمائي" هو المنظمة الرائدة داخل منظومة الأمم المتحدة في المجال التنموي ولنا ممثل مقيم يقود عملنا على الأرض.

* "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" موجود في دول فيها أزمات، في سوريا والسودان واليمن... بصراحة، هل دور "البرنامج" هو ذاته في جميع الدول؟

- الدور يختلف بحسب السياق، ففي العمل التنموي لا يوجد "مقاس واحد يناسب الكل". مثلا في أفغانستان هناك سياق تنموي مختلف عن اليمن حيث يتوسع عملنا اليوم، ويختلف أيضا عن دورنا في سوريا. كذلك السقوف المتاحة للعمل الإنمائي تختلف من مكان إلى آخر، وواجبنا أن نفعل أقصى ما هو ممكن ضمن السقوف المتاحة. ففي ليبيا، مثلا، نجحنا في تثبيت الاستقرار والنمو الاقتصادي من خلال العمل المباشر مع السلطات المحلية. بينما في مصر مثلا، تتركز معظم أعمالنا مع الحكومة المركزية. والحمد لله التحدي التنموي هناك لا يشمل أي نزاعات.

العرض الذي نقدمه يختلف من مكان إلى آخر، لكنه لا يختلف في المضمون الرئيس، وهو تحقيق تنمية مستدامة تحفظ كرامة الناس- تحقيق تنمية مستدامة متعددة القطاعات من خلال حلول متكاملة، بعيدا عن التجزئة المعتادة- تربط بين التحديات المناخية والاقتصادية والاجتماعية وتجسر الفجوة بين موارد التمويل المتاحة في العالم وحاجات الناس على الأرض. فهناك 530 تريليون دولار في الأسواق المالية تملكها 500 شركة عالمية. واجبنا أن نكون جسر الربط بين الموارد المالية المتاحة لدى مؤسسات القطاع الخاص وحاجات الفقراء في المناطق التي تحتاج للتدخلات التنموية، وعلى رأسها مناطق النزاع. فكلما كان النزاع معقدا أكثر كانت العمليات التنموية معقدة أكثر.

في العمل التنموي لا يوجد "مقاس واحد يناسب الكل". مثلا في أفغانستان هناك سياق تنموي مختلف عن اليمن حيث يتوسع عملنا اليوم، ويختلف أيضا عن دورنا في سوريا

* كمسؤول أممي ما رأيك في "الربيع العربي" بعد 12 سنة؟

- انتهى تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي أصدرناه من 22 سنة وكان لي شرف المشاركة فيه تحت قيادة الدكتورة ريما خلف والذي أبرزنا فيه نواقص التنمية في المنطقة العربية، المتمثلة في الحرية وتمكين المرأة والمعرفة، بجملة أخيرة لا يزال صداها يتردد حتى الآن. هل تدري ما هي؟

* ما هي؟

انتهى التقرير بمقولة عبد الرحمن الكواكبي: "هذه صيحة في واد، فإن لم يؤخذ بها، فإنه سيؤخذ بالأوتاد". وللأسف تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 لم يؤخذ به. ومن ثم رأينا ما حصل. من غزو العراق إلى اليوم، نحن في صدمات متتالية. في "الربيع العربي"، كان هناك حراك مجتمعي واسع، لا يهم أن نحاول الحكم عليه اليوم أخلاقيا أو تنمويا أو خلاف ذلك. التاريخ سيحكم عليه.

ما يهم اليوم هو أن الأوضاع التي تسببت في "الربيع العربي" ما زال الكثير منها قائما كما يشهد الواقع الذي نعيشه، فلدينا دول مدمرة وشعوب فقيرة أو أفقِرَت، وبنى تحتية هدمت. كل مكاسب التنمية في بعض الدول سُحقت. هذا هو واقعنا اليوم. ما يهم الآن، هو كيف نعالج جذور المشكلات المزمنة لكي نخرج من وضعنا الإنمائي المتردي حاليا وأن نضمن أن لا نعيد تكرار أخطاء الماضي.

* أكيد تسمع أخبار التغيرات المناخية، من خلال جولاتك العربية هل وجدت اهتماما بالمناخ؟

- العالم العربي من أفقر المناطق مائيا في العالم. هجمات الجفاف تتكرر وأصبحت أكثر قسوة وأكثر تواترا مما أدى- ليس سيؤدي، بل إنه أدى بالفعل- إلى التأثير سلبا على كل أنماط الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في العالم العربي.


مؤخرا، أصبح الحديث عن التغير المناخي جديا لزيادة الإدراك بأنه موضوع مصيري. الحديث عن التغير المناخي في المنطقة العربية، يكاد يكون أول موضوع يتحدث فيه أي مسؤول. وإذا ما أضفنا إلى تغير المناخ، الحرب الأوكرانية التي أدت إلى انقطاع واردات القمح في منطقة تستورد أكثر من 80 في المئة من غذائها، نجد أننا أمام أزمة مركبة: الجفاف ونقص الغذاء.

عبر العالم كله نعيش اليوم في زمن متعدد الأزمات، والمنطقة العربية هشة أمام هذه الأزمات لأنها تعتمد على الاستيراد. المنطقة العربية هي الأفقر في العالم بالمياه وليس لديها كفاءة في استخدام مواردها المائية وهو ما يعيدنا إلى موضوع الحوكمة وكفاءة المؤسسات.

الأوضاع التي تسببت في "الربيع العربي" ما زال الكثير منها قائما كما يشهد الواقع الذي نعيشه، فلدينا دول مدمرة وشعوب فقيرة أو أفقِرَت، وبنى تحتية هدمت. كل مكاسب التنمية في بعض الدول سُحقت. هذا هو واقعنا اليوم.

* عقد في الأمم المتحدة اجتماع بحضور خبراء مع الأمين العام أنطونيو غوتيريش عن الذكاء الاصطناعي. بالنسبة إليكم، إلى أي حد أنتم حاضرون فيه؟ وأين منطقتنا العربية منه؟

- منطقتنا العربية لديها فرصة هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه أن يحقق قفزات كبيرة وبسرعة. وخلال لقائي الأخير بوزيرة التنمية المستدامة المغربية تحدثت عن مبرمجين في منطقة قريبة من مراكش، شباب في مركز بحثي يعملون في الذكاء الاصطناعي. أيضا، تعرفت من خلال لقاء وزيرة التخطيط المصرية على مجموعة مهمة في القاهرة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي تقرير التنمية الإنسانية العربية المقبل، سنشرع في استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمواطن الضعف في المنطقة العربية. وسيسهم الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بنقاط الهشاشة على نحو مترابط– هشاشة متعددة الأبعاد. لن نبحث عن الهشاشة بسبب النزاعات أو النمو الاقتصادي أو البطالة كل على حدة، إنما سنتدارس الروابط بين عوامل الهشاشة المرتبطة بالمناخ والسكان والحوكمة والنزاعات والاقتصاد والتكنولوجيا خلال 15 إلى 20 سنة مقبلة. وسنتعاون في ذلك مع المراكز العربية البحثية الرائدة.

في تقرير التنمية الإنسانية العربية المقبل، سنشرع في استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمواطن الضعف في المنطقة العربية. وسيسهم الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بنقاط الهشاشة على نحو مترابط– هشاشة متعددة الأبعاد.

* ماذا عن علاقتكم بالسعودية وهل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 تتقاطع مع برنامج "رؤية 2030"؟

- آخر مرة زرت السعودية كانت في 2015 عندما كنت مع "الإسكوا"، ثم ذهبت قبل شهر ونصف الشهر، هناك تغيير هائل يحصل. ما يحصل في السعودية اليوم هو تغيير مهم جدا للمملكة وللمنطقة العربية كلها.

فحين التقيت أخيرا وزير التخطيط والاقتصاد السعودي وجدته وزيرا شابا يحمل رؤية جديدة للمملكة تسعى من خلالها لتكون منصة للتغيير والتفكير الجديد في المنطقة، بل وعبر العالم ومن ثم ناقشنا آفاقا واسعة للتعاون والعمل المشترك.

ولقد شرعنا في البحث مع الإخوة في السعودية عن التقاطعات بين الخطط الوطنية المندرجة تحت "رؤية 2030" للمملكة وأهداف التنمية المستدامة التي تلتزم بها بقوة، بل إنها بدأت في التفكير فيما بعد 2030 وهو ما شرعنا فيه كذلك في الأمم المتحدة.
المصدر: المجلة




Pages