برج بابل كردي..!

برج بابل كردي..!

Jan 02 2019

حسين محمد علي
اعلم يا شانسو ، إن الإنسان لا يساوي أكثر من غيره إلا إذا أنجز أكثر من غيره. من حوار بين دونكيشوت وتابعه شانسو

منذ مايقارب عاماً ، لذت بصمت واعتكاف فكري ووجداني ، بعد حائط مبكى جديد ، حائط كركوك ، حائط عفرين.... وما أكثر حيطان مباكينا نحن الكرد ؟ !
وها نحن ذا على مرمى حجر من نكبة وجودية هذه المرة ، وعلى وقع تهديدات يومية ، وقرار بالانسحاب من ابي الشعر الكنافة ( ! ) وكما هي العادة بدأ تسونامي مرعب من جلد الذات والتهويش ، ورشق التهم ، والتخوين ، وأبلسة الخصم السياسي والشماتات، وامواج من بثات مباشرة وندوات وبوستات وهات يا تحاليل وممن ؟ من أناس لم نعرف عنهم يوما أنهم مارسوا السياسة وكلها غبية وحمقاء وعلى طريقة التشفي ( ألم نقل ) !!!
وسواء أكان ذلك عن حسن النية أو سوئها ، فإنها كانت تستهدف إحداث شرخ واستيهامات وخلق القلق لنا نحن المزروعون في هذه الأرض ،( ففيها ما يستحق الحياة) ، وأصبحنا في حمى برج بابل كردي بائس ومقزز ، وبلبلة لغة مستشرسة يغيب عنها العقل الراشد ، وبغرائز منفلتة في كل اتجاه إلا جهة الشعب والوطن والجغرافيا ...

أيها السادة ...
* - في السياسة ، ان كوننا مختلفين في الرؤى والموقف ، لا يمنحنا الحق في إلغاء الآخر هكذا ببساطة !
* - في السياسة كما يقول نابليون ، لا بد أحياناً أن نخطو خطوة خاطئة من أجل هدف أكبر أو خطر كبير محدق .
* - في السياسة لا يصح استحضار مقولة الإنجيل أنه من ليس معي فهو عليّ
* - في السياسة ما من دروب مستقيمة واوتوتسترادات ممتدة ، بل زواريب وأزقة ملتوية لولبية...
* - في السياسة لا يمكن التمترس وراء ثوابت دوغمائية شعبوية ، بل حصافة وخيارات أقل كلفة فالسياسة في ابسط تنظيراتها المدرسية هي فن الممكن ولا تمنحنا ترف وبذخ الوقت ...

والحال فإنني وبوجدان نقيِّ أهمس في آذان قوانا السياسية على هذه الجغرافية وبحسها الوطني وأقول : ستعلمكم الأيام أن الناس ليسوا ضدكم ، هم فقط يعيشون لأنفسهم بعد سبع سنين عجاف .
الوقت لا يسمح بتسجيل المواقف والنكايات ، فالفوز بالضربة القاضية لن يتم ولن يكون الفوز إلا بالنقاط ..

أيها السادة..
من هنا وعلى هذه الأرض ، أملك من الشجاعة لأقول ربما أكثر من الٱخرين ... قد لا تكون تجربة الإدارة الذاتية موضع إجماع ، وقد تكون تمت في غيبة من القوى السياسية ، قد تكون استزراعاً قسرياً وفي أرض غير محروثة ، وقد تكون ذات نزوع سلطوي أو إقصائي ، قد تكون انها تصدت لمهمة اكبر من قوتها ، ومتسرعة وغير احترافية ، قد تكون ذات جرعة ايديولوجية أكثر من اللازم ، وقد تكون أنها تعمل مع حلفاء طارئين (بالمياومة) ولا يمكن الارتهان عليهم وفي واحدة من أكثر مراوغات التاريخ غرابة !
يمكن أن أقول هذا واكثر أقلها لربما مصادرة الحراك السياسي ،ولكن هناك حقائق على الارض نافرة تفقىء العين ، إدارةً واقتصاداً وعملية سياسية ، وتنظيماً وأمناً وعسكرةً ، ورقماً صعباً في ساحة الصراع .
وكذلك يمكن أن أقول في النظام في دمشق الكثير الكثير وأكثر مما قاله مالك في الخمرة ولكن هذه الهجائيات باتت باهتةً لا قيمة لها ...
وبالمقابل .،،فإن التلطِّي وراء اربيل أو قنديل لن يوصلنا الى مكان وهذه الثنائية الشريرة التي تحكمت في مشهدنا السياسي وفرقتنا ايدي سبأ كما يقال هي سياسة وعمل اتكالي حتى كنا مجرد ماكيتات مصغرة بائسة ،
فالرئيس مسعود هو رجل دولة وإرث نضالي ، هو حريص دائماً وبحصافة يؤكد أننا يجب ألّا نستنسخ تجربة الإقليم فهي نسيج وحدها ولا تعمّم ولها حضورها التاريخي والجغرافي ، إنه ببساطة يقول أنتم ادروا بشؤون جغرافيتكم ، فلقد فاضت عيناه بدموع نبيلة حين تحدث عن روزٱفا ، وهذا مما لن يُنسى !

أيها السادة ...
، ،،
إننا أمام تسونامي مرعب ، والتاريخ يكتب لمرة واحدة ، وإن ممارسة التشنيع بحق بعضنا لن يؤسس لشيء ، إنني أشعر بالقهر وكذلك الناس المرابطون هنا من حجم المواقف الغوغائية المتشنجة والبكائيات والمناحات والمراثي التي صدرت عقب ما تم في منبج والتفاهم الذي قيل مع دمشق، وهو خيار لاقى قبولا من الناس بالكامل وحتى من أنصار ال ب ي د ، ويجب بعث المقولة التي شاعت بين الكرد في سورية وهي ان حل المسألة الكردية سيكون في دمشق وليس في مكان آخر ،
طيب لماذا للقوى الأخرى خياراتها بينما لا يحق للآخرين ذلك ؟ فنحن وطنيون كرد سوريون فهل في ذلك مراء ؟
فالبكائيات والمناحات المفتعلة هي ليست الا للتهويش والتحريض وهؤلاء لم يسجل عنهم انهم ابّنو شهيداً او كرموه ، هكذا التاريخ الإنساني ، السياسات لا ترسم للموتى والشهداء ، بل من أجل الاحياء والاوطان وللشعوب ، هذا ما حصل في الغرب على قبور خمسين مليون إنسان، وهل كان الشيخ سعيد خاطئاً لأنه لم يقرأ الواقع بشكل صحيح وبالتالي هو مسؤول عن الشهداء ؟ ومن هو المسؤول عن قتل الخونة الذين تمت تصفيتهم بعد القضاء على الثورة ؟ وهذا معيار ينطبق على الشهيد قاضي محمد وعلى البرزاني الخالد عام خمسة وسبعين وفي مسألة الأستفتاء كذلك... لقد قال كونفوشيوس إن من يرى الصواب ولا يفعله فهو جبان...
(إننا حين نرى العالم بملكة العقل نكون أمام مسرحية كوميدية ، وحين نراه بعين القلب والوجدان نكون امام تراجيدية مرعبة ...)
لم يكن أبداً أمراً حصيفاً تحت وطأة الاجتياح أن نرقص على مساحات قلقنا، وخاصة من قبل طيورنا المهاجرة ، وهم يدبّجون البوستات ، وصور الموائد العامرة ( المنزوعة من كاسات العرق ) حرمة لولي النعمة (؟) ، وكذلك خدش مشاعر اهلنا بصور برج ايفل ، وبوابة براندنبيرج وجسر مانهاتن وخلفيات عن ماركات الأطعمة ماكدونالد وكينتاكي و kfc والسيارات الفارهة ، وبث فيديوهات عن الرقص والقصف والعربدة توقظ الفحولة ، والأدهى انها تشجعنا على المقاومة لآخر قطرةمن دمنا وآخر بلوكة في حيطاننا...نحن الذين عدنا الى هذه الارض ، وسط الخرائب والأسقف الراكعة ، ورائحة الجثث والبارود وحلبات الفئران والجرادين والكلاب الداشرة....حال بعضنا أنهم وبنفاق يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي !؟
الشعوب التي تفشل في تشخيص مرضها بشجاعة تموت من تناول دواء خاطئ
أما ما يسمى بالحلفاء أقول انظروا الى البحر كم هو واسع إلا إنه عاجز عن إرواء عطش وردة

نحن هنا نعادل الكل ، والكل هناك لا يكتمل دوننا