ينتعش السوق المغلق بمنبج من جديد

ينتعش السوق المغلق بمنبج من جديد

Sep 13 2018

برجاف|منبج-خاص
أرتالٌ من النساء، وهنّ حاملات أطفالهنّ، وأكياسهن، غالبيتهن من ريف منبج يدخلن من بوابة السوق المغلق من ناحيّة الغرب بمنبج.
وما أن تجدهن، في الشارع حتى يختفين من أمام ناظريك، تسأل للوهلة الأولى ، ترى أين أختفين، خصوصاً إن كنت لا تعلم شيء من كواليس وشوارع منبج؟ وإذ بهنّ (نسوة )، وهن بكامل اناقتهن الريفية، مرتدنّ القفطان والكلابية وعلى رأسهن شالٌ أسود، مخطط بخطوط حمراء، والبعض منها منقّط بالأزرق ويظهرن؛ يظهرنّ خواتين وبعض منهنّ "بخجة " يحملنّ أطفالهن على ظهرنّ.
نساء يأتين من الريف عند وجه الصباح، وأحيانا مع شروق الشمس، ليس كلهنّ يقصدن السوق، ربما لزيارة الطبيب، وثم يأخذن جزء من الوقت، أي قبل أن تنطلق سيارة القريّة يذهبن ليعرفنّ جديد السوق الذهب والقماش وليرينّ إلى جانب تبضعهن منبجيّات من مدينة يسموهم المنابجة بـ"الحضر".
السوق، ليس للنساء،و لا للغنامة ولا لريفيّات ، ولا تستغرب وانت تسير في هذا الزحام من النسوة والرجال ويبدو عليهم الكهولة، وهم حاملين بيد "عباية" وفي يد الاخرى، كيس كعك أو دواء، أو عصي، تجد فتيات بعمر قبل العشرين، وهن يشترين اللوزام المدرسية كالكنزات و"اللفاحات"، ويتمعنّ بأسعار الذهب بحسرة.
وسوق منبج المغلق، سوق قديم يمتد تقريبا مائة وخمسون متراً، وسقفه ليس عالياً، انّما تشعر كما لو انّ رأسك ستصدم بحديد السقف.

بجانب باب السوق المغلق بمنبج تنتشر محلات لبيع سندويشات ا"لكباب" و "الفلافل" و"الفرافيش"، والقطايف، و تجد كيف انّ النسوة تخفيّ وجوههنّ وهن يأكلن السندويشة، أو "المشبك" بالخفية قبل أن يدخلنّ الى السوق فيما مرافقهن من الرجال ، الزوج أو الأب يقف بصمت وأعينهم تدقق بالمارّة.

ويشبه، إلى حد كبير، السوق المغلق بمنبج سوق المدينة بحلب، حيث تجد فيه كل شيء ولكن الطاغي محلات الذهب والقماش.

محلات السوق مساحتها ضيقة الأمر الذي يدفع بأصحاب المحلات لتعليق الأغراض على طرفي باب محلاتهم.

و أكبر محل للصياغة(مثلاً) لا يتسع لثلاثة أشخاص، وأكثر المحلات شهرة من الصائغين محلات الشوخي حيث يوجد لهم محلات لبيع السجاد أيضاً.

تسرد إحدى النسوة وبيدها اليسرى طفلٌها إن العروسة التي تحالفها الحظ بمنبج تشتري جلّ جهازها من هذا السوق، وتتابع بالحديث بصوتها الريفيّ الطليق " ابني اذا لم تشترى العروسة من السوق المغلق، قد تشعر العروسة بأنّ حظها سيء".
في منبج، النسوة الكبيرات في السنّ يتحدثنّ بحريّة، وهنّ واثقات من أنفسهن، ولا يفرقنّ بين الغريب والقريب، يجبن على كل أسئلتك، دون تردد، فيما يغضنّ النظر النسوة بعمر أقل من خمسين الصوت الذي يأتيهن من الخلف، ولا يلفتنّ إلى خلفهن.

وللسوق بابان، الغربي يتصل بالشارع الرئيسي، شارع السرايا، والشرقي يتصل بمحلات للادوات المنزليّة مثل السجاد والكراسي بلاستيك.

وسوق منبج من أشهر الأسواق وحتى في أيام العيد يعرض البائعون على أرصفة الشوارع، وغالباً تخصص البلدية للبائعين ساحة لبيع أغراضهم بهذه المناسبة، ومع ذلك يضج السوق المغلق بالمتبضعين.

ويقول شاب، ويدعى خلف، في عمر الأربعين لبرجاف" ان سوق منبج تقريباً توقف في زمن داعش لانّ داعش فقط فرضت القماش الأسود على الناس الأمر الذي يجعلك تجد في كل محل بمنبج القماش باللون الاسود".

وانت تتسوق في هذا السوق الذي ينتعش يوماً بعد يوم، بعد تحرير منبج، تسمع صوت الجامع وهو يخبر الأهالي بوفاة الـ"حج أحمد.."، وما أن ينتهي صوت الجامع من الخبر حتى يصيح الإمام بفقدان طفل بعمر الخمس السنوات، وهو يرتدي كلابية بيضاء.

منبج وبسوقها الذي يضّج بالناس هي مدينة بهيئة عاصمة. ويقصد أسواقها من كل المناطق التي تحيط بها وحتى من جرابلس بالرغم من كونها منطقة "درع الفرات".

فما لبثت و النظام السوري أدرج اسمها لتكون محافظة، ولكن ليس سبباً ليقصد الناس هذا البلد بسبب ضخامتها إنما بسبب تنوعها السكاني بكل تأكيد، وقناعة تجارها بالربح القليل مقابل جذب المتبضعين ، فإذا صادفت جشع التجارة في بعض المناطق قد لا تصدف في منبج، وهم قلة في منبج!