هل المجتمع المدني السوري أمام لحظات الفرز ؟

هل المجتمع المدني السوري أمام لحظات الفرز ؟

May 07 2018

فاروق حجّي مصطفى :
رئيس تحرير
ما إن انتهى مؤتمر بروكسل الذي عُقد لبحث مستقبل سوريا في 24 - 25 أبريل (نيسان)، حتى قامت القيامة من قبل نشطاء يحسبون أنفسهم من حيّز الثورة، ولعل السبب يعود إلى أن عدداً من المنظمات التي شاركت في فعاليات المؤتمر، خرجت برؤية سموها «رسالة» إلى الجلسة الوزارية في 25 من الشهر الحالي.
للحظة تنفس الحاضرون في المؤتمر من المجتمع المدني السوري الصعداء؛ لأنه ورغم انتماءاتهم المختلفة، حيث هناك من أتى من منطقة النظام، وهناك من منطقة المعارضة، وهناك من الحيّز الكردي، فقد اعتبر الحاضرون أنهم للتو وضعوا اللبنة الأولى لبناء التوافقات في المشهد العام السوري في الوقت الذي يعجز النظام والمعارضة عن صياغة خطاب من خمس كلمات توجه للعالم معاً، فإن المجتمع المدني السوري الذي حضر فعاليات بروكسل استطاع أن ينجز توافقاً على أهم تحديات المرحلة واحتياجاتها ومآلاتها. حيث وقف الكل ضد احتلال مناطق من سوريا وطالبوا بانسحاب كل الأطراف، كما أن العدالة الانتقالية وتطبيقها بالروحية الوطنية لا الانتقامية ممر لإحلال السلام إلى ذلك، مثل فك الحصار الاقتصادي على مجال التعليم والصحة وما يحتاج إليه الناس في حياتهم اليومية واعتبار القرار الأُممي 2254 هو مقياس الحل ومكانه جنيف.
في الحقيقة، كان المجتمع المدني في حالة من مفاوضات شاقة لمدة 4 أيام، وكونه من بيئاتٍ مختلفة؛ فإن ذلك أثار حساسيات جمّة، فمثلاً من يعتبر الحصار الاقتصادي وسيلة لإحداث التغيير في الحياة العامة، بينما لدى الآخر قد يكون الحصار الاقتصادي تدميراً لحياة الناس.
ولأن كاتب السطور كان بين الحاضرين، فإن الوضع كان صعباً جداً، ليس سهلاً أن تُدوّن فقرة أو فقرات تشغل بال مواطنينا، مثل الاعتراف بشهادات الطلاب الذين هم خارج سيطرة النظام، وأيضاً قد تجد من الصعوبة أن تقنع زميلك المقابل والآتي من تركيا (مثلاً لا حصريّاً) أن وجود تركيا في عفرين يخلق توتراً وفتناً بين المكونات في الشمال السوري والذي هو حاضنة للتعددية والتنوع المجتمعي.
في الحقيقة، أن المجتمع المدني السوري عاش في حالة مخاض حقيقي وأصبح بين خانتين «يكون أو لا يكون»، بيد أنهم تجاوزوا الشقاق، ويمكن القول إنه بدأ للتو اختراق الجدران التي بنتها وحمتها المعارضة والنظام معاً، فالانطلاق بالمسؤولية تجاه الناس والتفكير في حالهم قد يزعج السقف السياسي من الحيزين المعارضة والنظام.
ولا نستغرب أنه ما زال البعض يعتقد أن المجتمع المدني ليس إلا أداة بيد المعارضة؛ ولذلك نراهم اليوم يشاكسون أنفسهم ويشاكسون من حضر مؤتمر بروكسل؛ لأن ليس في حساب منطقه أن هوية المجتمع المدني تنحصر في مدى خدمته للصالح العام.
ثمّة من يرى أن المعادلة «علينا أن نكون منتصرين» هي المعادلة التي تشغل همّ الكل، بيد أنه قدم المجتمع المدني بصفته أمراً آخر مختلفاً، وهو أن الكل يخسر، والمنتصر الوحيد هو تجاوز الشقاق والخوض في معركة استحقاق المرحلة، أي بناء توافقات لأجل أن يكون مستقبل البلد واضحاً. لا يمكن أن تصبح سوريا كما تريد المعارضة، ولا كما يريد النظام. فسوريا المستقبل تصنعها التوافقات بين المكونات المجتمعية والسياسية.
ولعل الإيمان بآلية التوافقات هو عملياً تأسيس للثقافة المختلفة على النمطية السائدة.
في المجتمع المتنوع والمتعدد لا يمكن فرض رأي على الآخر. الصحيح هو فرض كل الآراء على المشهد للخروج برأي يعبّر عن جميع البيئات والمكونات أو لنقل الجماعات، فهي مفردة لها محدداتها المعرفية ومصدرها علم اجتماع سياسي على عكس «المكونات» التي أبدعها الخطاب السياسي اللحظي.
والحق أن مؤتمر بروكسل أسس لعدد من الخطوات:
أولها: بلورنا ثقافة صياغة التوافقات، وهذا أهم إنجاز، حيث لا يمكن الوصول إلى العقد الاجتماعي الجديد من دون اعتمادنا على آلية التوافقات.
ثانيها: استطاع المجتمع المدني اختراق تابوهات المعارضة والنظام، وركز على حال الناس ورؤاهم وتطلعاتهم.
ثالثها: تبيّن للكل أنه بوسع المجتمع المدني السوري أن يوجه خطاباً موحداً إلى محفل دولي، ويعود الفضل في ذلك إلى الإحساس بمسؤولية الفاعلين تجاه قضايا الناس لا سفسطة البعض سواء من المعارضة أو النظام.
رابعها: الكل مع قضايا البلاد بروحيّة مسؤولة مثل رفض احتلال أراضي سوريا، سواء كان من تركيا أو إسرائيل وحتى في مجال التعليم كاعتراف بشهادات الطلاب الذين هم خارج إطار النظام هو تعامل مسؤول واستجابة لاستحقاقات المرحلة.
بقي القول: إنه في بروكسل لم يضع المجتمع المدني واقع الحال أمام الأوروبيين والأمم المتحدة فحسب، إنما تم إنجاز اللبنة الأولى لبلورة واقع المجتمع المدني المسؤول عن قضايا الناس وفرض مسارات للسياسة بحيث تكون قريبة من الواقعية وبعيدة عن النرجسية مصبوغة بالدم.