من يكتب الدستور؟

من يكتب الدستور؟

Dec 11 2018

فاروق حجّي مصطفى
منذ فترة، كنت قد شاركت ورشة عمل في ألمانيا، وبسبب خلفيتنا الصحافيّة سرعان ما نشرنا صورة جماعيّة لمن حضر الورشة غيري، فكان هناك، السياسيون، والنشطاء، وذوي الإحتياجات الخاصة، وأيضا أكاديميون في مجال الإقتصاد والقانونيون أيضاً.
وما أن نشرنا الصورة حتى علق الأصدقاء والصديقات، والنقطة الجامعة للكل، أتت على شكل سؤال، وهو،" أين القانونيون؟". ومع إنّه كان يتواجد أكثر من قانوني إلا انّ أصدقائنا، وصديقاتنا، لم يتسع الوقت لرؤيتهم، ونتيجة سرعة النقد والتعليق أحدهم كتب" الدستور الذي لا يكتبه صاحب إختصاص قانون الدولي لا أومن به"، ومع إنّ القانون الدستوري هو الأهم بالنسبة للدستور، فإننا ابتلعنا نقده، وتعليقه.
تجدر الإشارة، إنّ تلك الورشة كان ثمة من القانونين، وأحدهم كان قد اشتغل ويشتغل على النقاش في الدستور السوري على الاقل منذ، الأزمة أو الحراك، وحتى أنه يعتبر من الخبراء وسبق أن حضر في جولاتٍ في الأمم المتحدة بصفته خبير، فضلاً عن ميسري تلك الورشة، من أهم الخبراء الأوروبيين أحدهم من سويسرة والثاني من المانيا، والبلديين نعرف حفنة من الكلمات عن بلديهما، ونحن السوريين بأمس الحاجة لتجربتيهما.
في العموم، إنّ الدستور عمليّة سياسيّة بامتياز وله دلالة قانونيّة، وله بعد مجتمعي كونها تمس بشكل مباشر ليس لنظام الحكم او المؤسسات فقط إنّما أبعد من ذلك ما يمس الحالة المجتمعيّة في كل جوانبها، وهذا الكلام ما يلبث ويضعنا أمام استحقاق كبير، وهو إنّ القانونيين في عمليّة الدستور له دور تقني أكثر، وهم فنيين، فضلاً عن انّ القانونيين هم من يحولون النص العادي إلى النص الدستوري، وهم من يضع الكلام أو المبادئ إلى صيغة دستوريّة، لكل حيّز صانعه، والصانع هنا، هم القانونيين، ومن القانونيين هم الذين لهم خبرة في عمليّة صياغة الدستور، هل يوجد في بلدنا من لهم خبرة في ذلك؟
الدستور يشتغل عليّه ثلاث الاطراف: الساسة، القانونيين، المجتمع المدني، على الاقل تجارب العقود الاخيرة تقول ذلك، وهذا الكلام بشكل مختصر. لأن اذا كان القانونيين، وخاصة الذين هم خبراء واختصاص القانون الدستوري، فانّ المجتمع المدني هو الوحيد الذي يمكن أن يعبر عن الصالح العام، وهو الطرف الذي يعبر عن المصلحة المجتمعيّة، وهو الطرف الذي له دور الحرص على المسائل الحقوقيّة وبناء المؤسسات.
ما نود قوله، إنّ عمليّة صياغة الدستور هي عمليّة شائكة، ولا تتم بسهولة، ولا يمكن أن تضع دستوراً جاهزاً أمامك او تضطلع عليه وتنقله بصياغاته ليكون دستور بلدك الذي مزقته الحرب والنزاعات، وهنا أيضاً نحتاج ليس إلى القانونيين فحسب إنما النخبة المجتمعيّة حتى تتمكن لجنة صياغة الدستور من صياغة دستورٍ على مقاس طموحاتنا وتطلعات مجتمعاتنا وحقوق أفرادنا.
بالمختصر، الكل يكتب الدستور من خلال ممثليهم وشخصٌ واحد يقرأ في الأخير…
ولنا مقالات أخرى عن ذلك ولكن بدءاً من النظام الداخلي، واللجان، والفحوى، والدستور الذي يناسب المرحلة، وشروط الكتابة والقارئ الماهر الأخير..فضلاً عن دور الإعلام والمجتمع المدني..، وحال الأقليات: الجماعات العرقية، والمذهبيّة/الدينية..الخ.