ملخصات لحوارات دستورية بين أعضاء من كتلة المجتمع المدني من اللجنة الدستورية السورية-القسم السابع العدالة

ملخصات لحوارات دستورية بين أعضاء من كتلة المجتمع المدني من اللجنة الدستورية السورية-القسم السابع العدالة

Jan 11 2022

ملخصات لحوارات دستورية بين أعضاء من كتلة المجتمع المدني من اللجنة الدستورية السورية

تنشر عبر هذه البوابة ملخصات حوارات تدور بين مجموعة من أعضاء كتلة المجتمع المدني بمبادرة ذاتية سورية منذ شهر أيار ٢٠٢١ عبر اجتماعات أسبوعية تجري عبر وسائل التواصل عن بعد.

مع التأكيد انها نقاشات غير مُلزمة لأي طرف بل هي مساحة لتبادل وجهات النظر بشكل مستقل حر وقد تناولت هذه الحوارات لغاية هذا التاريخ المحاور التالية:

الهوية السورية
اللامركزية
آليات تمكين المجتمع المدني في الدستور السوري القادم
فصل الدين عن الدولة
حقوق المرأة في الدستور
القضية الكُردية
العدالة
تم تخصيص الحوارات بين الأعضاء المشاركين في هذه الجلسات حول مفهوم العدالة وفي هذا السياق تمت مناقشة النقاط التالية:

في بداية الحوار تم نقاش الخلاف الذي ظهر بعد صدور احاطة المبعوث الدولي على أثر انعقاد الجلسة الرابعة للجنة الدستورية السورية في نهاية العام الماضي، والتي استَخدم ضمنها مصطلح العدالة التصالحية وما نجم عن ذلك من ردود أفعال رافضة للمصطلح من قبل المعارضة والتمسك من قبلهم باستخدام مصطلح العدالة الانتقالية والذي يتم رفضه بالمقابل من قبل الحكومة ومن هذا المنطلق نشأت حالة خلاف وتمترس حول المصطلحات والتي يُفترض إيجاد مخرج منها لضمان تحقيق مسار العدالة للمتضررين.
ورد في الحوار أن هناك مخاوف من أن يتم تحميل طرف واحد مسؤولية كل ما حدث في العقد المنصرم بينما الجرائم جرت من قبل الطرفين ويجب اعتبارها كجرائم حرب لمحاسبة كل من شارك بالانتهاكات. كذلك تمت الإشارة الى أن العدالة التصالحية يجب أن يُنظر لها بكونها مسار يسعى لإرضاخ الجاني للمساءلة مع عمليات تعويض وجبر ضرر للمجني عليه والوصول الى السلم الاهلي يتطلب ان يكون هناك عدالة تصالحية في المرحلة الانتقالية. كما تم طرح مخاوف تتعلق بمواقف المعارضة بالتوجه الى تجريم فئة كاملة من السوريين وذلك موقف لا تختلف عن موقف الحكومة باتهام كل من يتعامل مع حكومات خارجية بكونه إرهابي.
تمت الإشارة أن النص الذي تم طرحه من قبل أعضاء في كتلة المجتمع المدني حول العدالة في الجلسة الدستورية الرابعة تناول مصطلح العدالة التعويضية الذي يؤكد على حق جميع السوريين والنازحين ان يعودوا طوعا بأمان وكرامة وتستند العودة لقرار حر وضمان حقوقهم باستعادة الاملاك وبتحقيق العدالة التعويضية.
كما تمت الإشارة الى أن مصطلح العدالة الانتقالية قد تم الإساءة له بعدة نقاط:
تم طرحه دون توضيح الى أن ما حصل في سوريا من جرائم وانتهاكات يتطلب ان نحدد المؤسسات المسؤولة وكيفية اجراء المحاسبة
تم طرحه دون فصل واضح بين الانتقام والمحاسبة
توقيت طرح المصطلح ظهر بشكل مبكر والدراسات المقدمة بهذا السياق افتقدت لمواكبة السياق السوري وتطوراته المستمرة
طرح المصطلح بالارتكاز على سقوط النظام وبالتالي تم اغفال نموذج الانتقال السياسي الذي ستصل له الأطراف السورية
تبعاً لذلك يتوجب اعادة بناء هذه الرؤية بعيداً عن وجود برامج جاهزة طبقت في مناطق أخرى، لأن شكل النزاع مختلف في سوريا ويتوجب بناء عليه أن يتم استعراض السياق وسبل تحقيق الانتقال السياسي واطرافه ثم معالجة القضية السورية انطلاقاً منهما لتحقيق العدالة لجميع المتضررين.

في استعراض السياق في سوريا يطرح دوماً سؤال حول نقطة البدء، من اين نبدأ؟ في هذا السياق نوقشت الآراء المتعددة التي تطرح حول هذا التساؤل وتراوحت الآراء حول تواريخ البدء على المراجعة من اجل تحقيق العدالة حول أحداث تاريخية هي وفق الترتيب الزمني من الاحدث للأقدم:

البدء منذ عام ٢٠١١ مع بدء الثورة السورية والانتهاكات التي جرت بحق السوريين منذ ذلك التاريخ والعمل على الانتهاكات التي جرت من جميع الأطراف، الطرف الحكومي وأمراء الحرب ومؤسسات المعارضة وسواهم.
البدء منذ سيطرة حزب البعث عام ١٩٦٣ وتعطيل الدستور وجميع الانتهاكات التي جرت منذ هذا التاريخ في ظل حكم شمولي وما حدث فيها من تدمير وقتل من قبل جميع الأطراف.
البدء من مرحلة الوحدة مع مصر عام ١٩٥٨ حيث تم ضمنها تبني صبغة قومية ودستور ديكتاتوري يلغي الانتخاب، وشهدت سوريا في هذه المرحلة السجون والقتل تحت التعذيب وتم الاستيلاء على أموال الناس والتأميم وكان هناك ممارسات عنصرية تجاه القوميات الاخرى وبالتالي يمكن البدء بالمراجعة وتحقيق العدالة منذ حصول الوحدة مع مصر.
البدء من مرحلة الانقلابات العسكرية عام ١٩٤٩ حيث حمّلت الجيوش مسببات الهزائم العسكرية للسياسيين وانقلبت عليهم.
البدء من مرحلة منذ عام١٩٢٠ لأن الانتهاكات تعود في جذورها الى تقسيم سوريا بناء على معادلات مصالح الدول بتقاسم الثروات السورية والمنافذ الطبيعية والمصالح الاقتصادية أو الجيوسياسية الأخرى، وتجاهل مصالح السوريين والعوامل اللازمة للحفاظ على الشروط المناسبة لاستمرارية حياتهم إضافة الى عمليات التهجير القسري للشعب السوري والتي بدأت في تلك المرحلة ولم تتوقف لغاية اليوم.
الوقوف عند جميع المجازر التي جرت بحق السوريين في الماضي وذلك أمر ممكن فنحن نشهد اليوم محاكمات لقادة عسكريين حتى بعد موتهم ولا يجب التخلي عن تحقيق بالعدالة بأي انتهاك جرى بحق السوريين.
مقترحات عملية
بعد النقاش العام تم التركيز على النقاط العملية التي يتوجب العمل عليها في المسار الدستوري وفي هذا السياق تم تناول النقاط التالية:

بناء رؤية مبنية على الوضع السوري تحديداً ووضع خارطة الانتهاكات لتتم قراءاتها ضمن السياق العام وتحديد الجهات المسؤولة عنها، بدءاً من انطلاق الربيع العربي ولماذا تأثرت به سوريا والتجارب السلبية في العراق وليبيا ومن ثم الانتقال للسياق الداخلي بدءاً بأطفال درعا ومظاهرات يوم الجمعة ووقوع الانتهاكات والمؤسسات المسؤولة عنها وارتكاب المجازر والجهة المسؤولة عن إعطاء الأوامر ومن ثم التسليح والقصف بالصواريخ والبراميل. أي بناء سردية أكثر وضوحاً ورؤية متماسكة لما حدث في سوريا بالاعتماد على توثيق مهني رواية كل طرف، الأرشيف، الاعترافات.. الخ الهدف هو تحيق العدالة وضمان عدم تكرار ما حدث بأي شكل من الأشكال في مستقبل سوريا.
العمل على تأسيس هيئة العدالة والمصالحة وجبر الضرر في المرحلة الانتقالية وتحديد مهامها وآليات تطبيقها، واعطاءها الصلاحيات والامكانيات ضمن الدستور لتقوم بتنفيذ المهام الموكلة لها بمحاسبة المجرمين من كافة الاطراف وكذلك تحقيق عودة المهجرين وتعويضهم وتطبيق مسارات العدالة في كافة الانتهاكات. والاخذ بعين الاعتبار لنموذج الانتقال السياسي الذي سيطبق في سوريا وبين العدالة وبرنامج تطبيقها والتأكيد أن تبني نموذج عادل للانتقال السياسي سيفضي لتطبيق العدالة بشكل أكبر.
في هذا السياق وردت آراء بضرورة وجود إطار دستوري للإشراف على عدة مؤسسات تنفيذية تضمن كل منها تحقيق العدالة والمصالحة وجبر الضرر في المرحلة الانتقالية ضمن مجالها الاختصاصي (على سبيل المثال لا الحصر: ملفات المعتقلين والمختطفين والمغيبين، الانتهاكات العسكرية، انتهاكات حقوق الانسان، الانتهاكات العقارية، وكل ما يبرز من انتهاكات تتطلب تحقيق العدالة بشأنها) بحيث يسمح تعدد المؤسسات وفق الاختصاص بتجاوز حالة التعطيل التي قد تنجم عن الاستعصاء السياسي لأي ملف.
الأخذ بعين الاعتبار لبروز مطالب جديدة من العدالة متعلقة بالملكيات العقارية ناجمة عن مرحلة النزاع، مثل حقوق السكن وحدود الملكية، مع العلم أن الحلول القضائية لمواضيع العقارات كانت ضعيفة في سوريا قبل فترة الحرب فهناك عدد كبير جداً من القضايا العقارية المعلقة قبل عام ٢٠١١ ويُضاف لها اليوم أعداد كبيرة من قضايا عقارية وقضايا تتعلق بالإرث ناجمة عن النزاع في العقد المنصرم مع وجود نسبة مرتفعة من هذه القضايا تخص النساء وحقوقهن بالملكيات العقارية. في ظل هذه المعطيات فان علاج القضايا العقارية سيتطلب حلول إدارية وفق قانون اداري يُنفذ تحت اشراف قضائي للوصول لحالة من الإنصاف وإيجاد آليات تعويضية في حال غياب الحلول المباشرة، ويمكن الاستفادة من نتاج التجارب عالمية في هذا المجال كاتفاقية دايتون أو غيرها.
بما يتعلق بنقطة البدء جاءت مقترحات بعدم اغفال أي من المراحل الزمنية، واعتبار انتهاكات العقد الأخير كمسار أول بحكم حداثتها وما يتعلق بذلك من توثيق وشهود ويتم العمل بشكل رديف على المسارات الأخرى من قبل لجان مختصة بكل مرحلة زمنية.
كما تم نقاش كيف تمت معالجة مسارات العدالة في تجارب أخرى بالعالم كالحرب العالمية الثانية وغياب مسار محاسبة جميع الأطراف وكذلك عمليات التغيير السياسي بعد انهيار النظام الاشتراكي وما تلاها من حراك ومسارات التغيير العميق بالبعد الانساني والوعي.

كذلك تمت مناقشة نماذج التغيير السياسي سواء الانتقال الهادئ أو حالات الصراع أو حالات التفاوض وكيف تؤثر نماذج الانتقال السياسي على مقاربات العدالة الانتقالية ومنها نوقش ثلاث احتمالات:

إما أن يحصل انتقام عنيف يرافق انتصار أحد الأطراف ومثال ذلك ما حدث في الثورات الاوربية، وقد تولد هذه المقاربة شعور مؤقت بتحقيق العدالة لكنها تُدخل البلد بحالة الانتقام ويُفقد الثورة أسباب نشؤها المُحقة فالتصرف بنفس طريقة الخصم تجعل من الطرفين متساويين.
أو أن يتم تبني مسار سلوان الماضي أو نسيان ما مضى ويتم طرحه بعد ان أجرمت جميع الأطراف واغتنام الفرصة لعقد صفقات سياسية واستمرارية هذه الاطراف، لكن مخاطر هذا المسار كبيرة. أولاً لأنه لا يمكن معالجة الماضي دون عدالة وثانياً لأن طلب التغاضي عن الجرائم وعدم المطالبة بالمحاسبة يناقض هدف الحراك المُطالب بالتغيير وبتحقيق العدالة عند نشوئه.
تبني سياسات الحق والانصاف لا الانتقام ولا السلوان ولا نسيان، وتأسيس محاكم مختصة وقانون يطبق على الجميع وهو النموذج الأقدر على تحقيق العدالة.
على ضوء ذلك نوقش الوضع السوري وبشكل خاص النقاط التالية:

فشل محاولات الإصلاح في سوريا لأنه لم يتم تغيير الأسباب التي أدت الى الوصول لما هو عليه الوضع المأساوي افي سوريا اليوم، فالإصلاحات لن تؤدي لنتيجة ان لم تعالج الأسباب.
رغم ان المعارضة ترفع شعار العدالة الانتقالية لكن الائتلاف لديه حكومة مؤقتة ودفاع وهي مؤسسات ارتكبت انتهاكات ولا يمكنها أن تدعم وجود عدالة انتقالية لذلك لا يمكن التعويل على موقفهم في هذا السياق. فالجرائم والمخالفات والانتهاكات والتهجير جرت بمناطق مختلفة وليس فقط من قبل الحكومة فالفصائل المسلحة في مناطق تنفذها ارتكبت انتهاكات مشابهة للنظام كالهيمنة على الاراضي والاستيلاء على العقارات والجرائم لذلك فالمعارضة تخسر المواقع والحلفاء.
تأرجح المفاوضات وتأثرها بمصالح القوى والمحاور المؤثرة بها واستمرارية الصراع والعنف على الأرض عوامل تؤثر بشكل سلبي في الوضع السوري وإمكانية التوصل لحلول.
موقف الحكومة سلبي تجاه المحاسبة لا يوجد استعداد للبدء بها، إضافة الى تقديمها حصانة لموظفيها ولعناصر الامن المرتكبين لانتهاكات خلال فترة الحرب ورغم هذه الانتهاكات نجد أن بعض المحافل السياسية تميل للانفتاح لحكومة أكثر من المعارضة. اما ما يجري من محاكمات في محاكم أوروبية على أهميته لكن لا يمكنه تحقيق مسار العدالة الانتقالية.
في المرحلة الحالية، الصراع اخذ وجهين بين الحكومة والمعارضة. المعارضة المتمثلة بالائتلاف ذات لون واحد وتحمل صبغة التيارات الاسلامية بقية منصات المعارضة تطرح توجهات مختلفة هيئة التنسيق والقاهرة وموسكو ولا تتفق معهم على خط واحد للحل.
رغم أن اي اتفاق في سوريا سيتضمن طرف حكومي ومعارضة ومجتمع مدني لكن لا يوجد من هو مؤهل ليقود هذه العملية سوى المجتمع المدني أما بقية الأطراف فهي متورطة بالجرائم لذلك فدورنا كمجتمع مدني هو التوجه لكشف انتهاكات الطرفين وتهيئة وإنضاج افكار ومبادئ صالحة للتنفيذ بكيفية العمل على تحقيق العدالة مستقبلاً وعلى ارض الواقع، وتحقيق التواصل بين الخارج والداخل فهو ليس ممكناً الا بين اعضاء مجتمع مدني.
يتطلب ذلك تحييد المجتمع المدني عن استقطابات الدول المتورطة بالنزاع السوري لتفادي أي تأثيرات بقراره.
المصدر:نواة سوريا