لا يمكن إدارة المرحلة بنجاح بمعزل عن بحث القضايا المشتركة لمصيرنا معاً

لا يمكن إدارة المرحلة بنجاح بمعزل عن بحث القضايا المشتركة لمصيرنا معاً

Apr 18 2018

برجاف: رنا عمر - هولير
الدكتور رضوان باديني وهو اكاديمي يُدرّس مادة الإعلام بجامعة صلاح الدين في كوردستان العراق. له عدة مؤلفات عن الكُرد ومستقبلهم مع المجتمعات المحلية الأخرى؛ و كتب الدراسات والابحاث عن الإعلام تحديداً عن تاريخ الصحافة الكُردية. انخرط منذ سنوات طوال في الحيز السياسي الكُردي ، وكان يقارب المشهد من زاوية الدولية والوطنية
حضر عدة مؤتمرات ومحافل حول سوريا وكان قد مثل الكُرد في بعض من جولات مفاوضات جنيف ما يعني أن لديّه ما يحكي به عن تجربته عن هذه المؤتمرات والمحافل وعن دور الكُرد وحضورهم ودورهم في رسم مستقبل سوريا. في لقاء #برجاف معه، يسرد الدكتور رضوان تجربته المثقلة بالدروس والعبر. أدناه نص الحوار:
نمر الآن بمرحلة صعبة كيف تقيّم المشهد الكُردي؟
- المرحلة التي تمر بها الحركة السياسية الكُردية مرحلة حرجة للغاية حيث تعترض طريقها مجموعة كبيرة من الصعوبات والعراقيل وتطرح تحديات جمة وهائلة على مجمل أطراف الحركة، وسيتوقف لدرجة كبيرة على مدى تذليلها لهذه الصعوبات والعراقيل مستقبلها على المدى المنظور. للأسف الشديد لا توجد حالياً إشارات إيجابية مشجعة توحي بأنها ستتغلب بنجاح على هذه الصعوبات وتشق طريقها نحو مستقبل زاهر، آمن ومستقر. هنا لا يمكن الرهان على شيئ آخر سوى العامل الذاتي، لتقوية التعاضد والتقارب بين القوى والفصائل الرئيسية لحركتنا لحل المهام الغير قابلة للتأجيل. لا بديل عن ذلك. وعلى رأس هذه المهام: وحدة الصف الكُردي. ينبغي على الكُرد التكلم بلغة واحدة وبخطاب بركائز واضحة مقبولة عالمياً، تتماشى مع روح العصر، والتحلي بعزيمة ومثابرة جديدة لإنهاء حالة التردي والتقهقر والإحباط..
حالياً للأسف، يفتقر المشهد الكُردي لمبادرات نوعية سواء على مستوى الأحزاب أو على مستوى النُخب الثقافية. في الأفق لا توجد مؤشرات تبشر بإمكانية إجتيازهم لمحنتهم الشبه أزلية وهي الإنقسام والتشتت. المرحلة تفرض حالة واحدة من التصرف والسلوك، وتتطلب تجيّيش وتحشيد كل الطاقات والإمكانيات لإنجاز هذه المهمة. المسألة تطرح بحدة وإلحاح كمسألة لا تهادن بها. لا خيار آخر أمامنا سوى البقاء أو الفناء! أما أن ننتصر جميعنا أو نستهان وننكسر جميعنا!! أن من يفكر بأنه سينجو من المهلكة، سواء بمراضاة الأعداء، او المراهنة بإسكات الصوت الآخر المختلف والمنافس أو بالتماطل في تنفيذ شروط وحدة الصف والموقف، يصطف لجانب العدو، لأنه يفوّت الفرصة سواء عن علم أم عن سوء فهم أو عن جهل. لا غاية أكثر قدسية من العمل القومي المشترك اليوم؛ لا شيئ أثمن وأهم من التعاون والتنسيق في بناء الجبهة الداخلية، وترتيب البيت الكُردي. من يقبل بأدنى من ذلك ويلعب على تصنيف وترتيب الأولويات حسب أجندات حزبية ضيقة يتهرب من الإجابة الموضوعية المطلوبة. ولا شيئ أغلى وأثمن من الوقت اليوم، إذ لا يمكن بتاتاً إدارة الوقت بنجاح بمعزل عن القضايا المشتركة المحددة لمصيرنا المشترك. التحدي الأكبر يطرح نفسه بصورة لا ريب فيها: أن نكون أو أن لا نكون! لا توجد مفاضلة أخرى. لا يوجد وقت إضافي للإجتهاد بين التوقعات والفرص: بين الجيد والأجود، بين الحسن والأحسن، بين اليوم أو الغد... أنها معركة مصيرية حاسمة قائمة أمامنا اليوم، والعدو يسحق الجميع بدون وازع لكنه يوزع وقت تنفيذ خططه على مراحل، جزءاً جزءاً، فصيلاً فصيلاً.. عاملاً بمبدأ "فرق تسد"! اليوم جزء وغداً آخر، وبعد غد ما تبقى... هذه الإستراتيجية إتضحت معالمها أكثر من أي وقت مضى بعد 16 أكتوبر وإبان أحداث عفرين. الأعداء موحدون ويتربصون بنا من الجهات الأربعة، ويمعنون في تنفيذ خططهم على مراحل. لا يحاربوننا دفعة واحدة وفي آنٍ واحد. لا يتصرفون بمثل هذا الغباء، بل يقسموننا ويشتتوننا لتسهيل القضاء علينا. أن إستمالتهم للبعض ضد البعض الآخر ليست إلا حلقات من سلسلة تآمرية واحدة متتالية غايتها الأولى والأخيرة إنهاء وإبادة الكُرد. إذاً لا سبيل للحرية بدون نبذ الخلافات والتعاطي بإيجابية مع وحدة الموقف! الإهتمام بغير ذلك وبغير هذا المنطق مضيعة للوقت وتسويغ للإبقاء على الوضع المشين الراهن.
كُنت قد حضرت اللقاءات والمؤتمرات واللجان لصياغة البيانات أو الوثائق وربما حتى الدستور، ماهي أهم الدروس التي يمكن الحديث عنها ؟
- نعم لقد شاركت في مؤتمر جنيف7 ضمن الفريق الذي عمل تحت إشراف فريق ستيفان ديمستورا خلال ثلاثة أيام 11-12-13/07/2017 لصياغة إقتراحات مفصلية للدستور السوري المقبل. لقد صغنا سبعة إقتراحات تشبه المواد فوق الدستورية تتعلق بهوية سوريا القادمة وشكل الحكم وصلاحيات المؤسسات الثلاث: الرئاسة والبرلمان والجيش. لقد كان عملنا مثمراً جداً، لكن للأسف الشديد عدم إتفاق أطراف المعارضة على فريق مهني واحد لم يسمح لفريقنا بالإستمرار في تكملة عملنا المهني.
بالنسبة لطريقة حل المسألة الكُردية وتحديد مكانة الكُرد في الدولة السورية القادمة إسترشدت بعدة نماذج من الدساتير المنجزة حتى الآن من قبل المنظمات الحقوقية والسياسية الكُردية، منها: النموذج الذي أعده المجلس الوطني الكُردي؛ دستور الإدارة الذاتية، نموذج جمعية "ياسا"؛ والنموذج الذي أعده مجموعة الحقوقيين المستقلين الكُرد. لقد أبديت برأيي كذلك بالنموذج الروسي الذي طرحته روسيا في آستانا. وهنا ينبغي القول بأن الأخير نموذج جيد ويمكن القبول به وبالأخص في الفترة الإنتقالية.
ما ينبغي عمله في هذا الجانب هو أن تتحد جهود كل المنظمات الكُردية المعنية والحقوقيين الكُرد المستقلين لإستصدار نموذج موحد يكون موضع رضى الأطراف السياسية والمجتمعية الفاعلة.
ذهبت إلى جنيف، وأيضاً حضرت سوتشي، هل لك أن تحدثنا عن التقاطعات ونقاط الخلاف بين المكانين؟
- نعم حضرت مؤتمرين من مؤتمرات جنيف (الثاني يناير 2014) و (السابع تموز 2017) ومؤتمر سوتشي (يناير2018). أعتقد أن الكُرد أضاعوا الكثير من الفرص الذهبية لتعريف المعنيين على الصعيد الدولي بحقوقهم ومطالبهم. هناك مثل روسي يقول:" ليس للغائب حصة في الكعكة"! لا أحد يمثل الغائب والمستنكف والمُبعد. ينبغي للكُرد إعتماد دبلوماسية نشطة خارج الأطر التي تنفي وجودهم أو تلك التي تكبل مشاركاتهم بقيود وشروط مميتة.
رغم حضوري في هذه المؤتمرات والعديد من النشاطات الدبلوماسية العالمية في الشأن السوري إلاّ أنه لا توجد هيئة معنية ومختصة تدعو أو تعمل للتنسيق الجماعي وتوحيد الجهود.
هل لامست دوراً كُردياً في مسار النقاشات وأيضاًعند إتخاذ القرارات من قبل المعارضة السورية ؟
- القضية الكُردية ليست شأناً حقيقياً من شؤون المعارضة السورية الرسمية. حقيقة مقاربتهم للمسألة الكُردية، في أحسن أحوالها، تقضي بتأجيل مناقشة المسألة تحت سقف البرلمان السوري القادم، أي لحين "العودة المظفرة" وسقوط النظام!؟ ما عدى ذلك موقف المعارضة "المعتدلة" عبارة عن وعود مبهمة بألفاظ فارغة من أي محتوٍ قانوني.
في هذا المجال هناك عدداً لا يعد ولا يحصى من الأمور والنواقص التي ينبغي حلها وتذليلها لكي يتطلع الكُرد بدورٍ ما في طرح مسألتهم في المحافل الدولية والتفاعل مع الآليات التي تعني بحل الأزمة السورية. وفي ظل إنتفاء التمثيل الشرعي الموحد ينبغي تأسيس مجالس ولجان مختصة تضمن المشاركة الواسعة من الأكاديميين المستقلين والذين بغالبيتهم العظمى خارج الأطر الحزبية.
الآن ثمة مشهد يوحي بالحرب الباردة ، برأيكم ماذا على الكُرد فعله، بمعنى يقفوا مع أيٍ من المحاور؟
- صحيح، لم تكن الظروف الدولية أكثر تشنجاً وتوتراً بين الشرق والغرب من الأجواء السائدة حالياً منذ سقوط الإتحاد السوفيتي بداية تسعينات القرن الماضي. بل أن حدة هذه التناقضات تشبه لدرجة كبيرة وتيرة أحداث "خليج الخنازير" حينما كادت تتصادم في حرب عالمية هوجاء في ستينات القرن الماضي جراء نصب الإتحاد السوفيتي للصواريخ الإستراتيجية في جزيرة كوبا والتي إستهدفت الغالبية العظمى من المنشآت الأمريكية الحيوية.
مسألة إتخاذ الكُرد موقف من المحاور من أشد المسائل تعقيداً. يجب أن تعالج المسألة بكثير من التأني والروية ومن قبل فرقاء وخبراء وسياسيين بارعين وأكاديميين ضالعين بالأمور الدستورية والدبلوماسية ومعرفة بواقع السياسة الدولية وقوانينها.
أن توزع الكُرد على المحاور الرئيسية بشكلٍ إعتباطي مسألة قاتلة ومميتة. أنها تعني اللاموقف والعشوائية العمياء.
كيف تقيّم بيان سوتشي الختامي ؟
- بيان سوتشي كان تعبيراً عن المواقف المشتركة للنظام مع المعارضة "الداخلية" أو الغير متناحرة معه، بالإضافة إلى عدة منصات محسوبة على موسكو. وهذه الأطراف كانت تجمعها مع الدولة المستضيفة (روسيا)، العديد من النقاط، منها الحفاظ على تركيبة الدولة السورية وإجراء تغييرات تدريجية على نظام الحكم والسلطة إبتداءاً من كتابة دستور تمهيداً لإنتخابات عامة بمراقبة دولية . و المؤتمر نفسه كان رداً على حالة الجمود والترهل التي سادت مؤتمرات جنيف ومحاولة لسحب البساط من تحت أرجل الدول التي تتمسك بآليات جنيف من دون الإكتراث بالبحث الحقيقي لحل المسألة.
ماذا بوسع الكُرد عمله بالنسبة لمتابعة آليات بيان سوتشي ؟
- التواصل مع روسيا وإجراء حوارات مع صناع القرار فيها ومحاولة تفعيل دور القدرات العلمية الكُردية في روسيا للعب دورٍ نشيط لصالح تقوية وتوثيق العلاقات الكُردية الروسية على مختلف المستويات. هناك قدرة كمونية كبيرة في كسب تأييد الروس للعديد من القضايا السورية- الكُردية. المسألة بحاجة لعمل منهجي متواصل ودائم. العمل الكُردي القائم بغير جدوى وبغير مردودية إنتاجية.
عفرين بنظر الدكتور رضوان باديني ؟
- عفرين مأساة كُردية وكارثة إنسانية لم تنتهي فصولها بعد. أخشى أن يكون المخفي القادم أكثر هولاً وكارثياً.
كيف يقيّم الدكتور بين المثقف والحزبي؟
- يمكن القول بشيئ من المبالغة الكاريكاتورية: مفهومان على طرفي نقيض من بعضهما البعض! في واقع حال السياسة الكُردية قلما تجد مثقفاً أكاديمياً يكسب حياته ورزقه من العمل الذهني ثم يترك عمله ويتفرغ للعمل السياسي، مثلما هو نادر جداً أن تجد سياسيين يتمتعون بثقافة عالمية عالية، في الأطر الحزبية الراهنة. العملية بغير قواعد وماهيات محددة. القاعدة السائدة حالياً، كما في المثل العامي: "كل من ايدو الو". لا محاسبة ولا مسؤولية. لا ثوابت ولا ضوابط ولا معايير لقياس ومعالجة العمل الثقافي أوالحزبي. "المثقف"- يتيه بين عددٍ لا يحصى من الدكاكين المفلسة سياسياً وتنظيمياً ولا تشده إليها إلاّ حالة من الشفقة على أصحابها. والحزبي يحوم حول مجموعة من أصحابه في حالة من الضوضاء الموخزة لكل معان التنظيم والأهداف السياسية. الضياع والتسكع هما وصفان دقيقان للحالة التي نحن بصددها. المثقف ضائع والحزبي متسكع! وبالنتيجة بشكلٍ عام لا نمسك إلاّ على الهواء والخواء!. المثقف بغير أطر تنظيمية ولا بيئة وإمكانيات ملموسة للإنتاج. والآليات التنظيمية سواء الحزبية أم المجتمعية الموجودة لا تعكس حالة صحية من التعاطي الإيجابي بين الطرفين.
ماذا على المثقف فعله في هذه المرحلة ليقدم إضافة لهذا المشهد السياسي؟
- طرح المبادرات القابلة للتحقيق على المستوى الجماهيري وعدم ترك العمل السياسي للعبث بالمشهد العام بآليات رثة وبدون مردوية فعلية في أي جانب من جوانب الحركة.
هل لديكم إضافة أخرى ؟
- شكراً على إستضافتي. أتمنى لكم الموفقية والنجاح. أملنا كبير بالمبادرات الفردية وبمنظمات المجتمع المدني في الوقت الذي تتخبط الآليات التقليدية ولا تنتج شيئاً.