فيلم وثائقي

فيلم وثائقي "سنتان و8 أشهر، و6أيام" للإعلاميّة هيرو اسماعيل: تنتزع الحريّة لليلى من قلم أخاها..

Dec 14 2018

فاروق حجّي مصطفى
ليس أمراً سهلاً، وأنت تراقب الكاميرة، وهي تتجول من قصة لقصة، وتسمع كلمات الألم وسيرة النار من فم الضحيّة المرتجفة؛ من الخطأ وصف حال الضحيّة واختصارها بعنوان قد يصلح لروايّة أو قصة عشق""سنتان و8 أشهر، و6أيام" ، فهو أبعد من ذلك، حتى إنّ عنواناً كعنوان" ليلى، وليالي النار" أقل وصفاً، أو عنوانٌ ناقص، لما عاشتها ليلى في الأيام الجهنميّة، وإجبارها على أن تكون سبيّة، فاقدة للحيل والإرادة، والترجي الدائم من الظالمين لتعيش لحظة كإنسانة، لحظة أن تكون في خارج النار.
"سنتان و8 أشهر، و6أيام" فيلم وثائقي للإعلاميّة هيرو إسماعيل، وهو من إنتاج فضائيّة كُردستان، تسلط الضوء على النساء؟ الإيزيديات عاشرنّ النار في محنة هجوم داعش على "شنغال"، تقول زميلتنا هيرو بأنّ فكرة الفيلم مستوحاة من كتاب شقيق الضحية ليلى خالد تعلو الذي دون كتاب بعنوان"ليلى، وليالي الألم".
هيرو خان كانت تلتقط لحظات النار بألمٍ أيضاً، ما فتكت وأصبحت جزءاً من السيرة، وجزءاً من البحث عن الحريّة لضحايا الكُرد الإيزيديات، من بوابة حريّة الكُرد وكُردستان أيضاً.
تحمل الهاتف وهي أمام سجلات أسماء الضحايا وقصص حياتهن؛ تتصل بشقيق الضحيّة الإستثنائيّة ليلى خالد تعلو ، وتضع قدماها من خلال مكالمة على طريق سرد أيام النار من نافذة الضحيّة الجريئة ليلى، وهي منطلقةً من هولير متجهةً نحو دهوك السند الناجي، ومسند الباحث عن الحريّة، لتدخل إلى مخيّم أهالي الضحايا. في كل خيّمة قصة، وقد تكون أكثر وطأة من القصص الأخرى، بيد أنّه ثمّة قصصٌ اكتملت بنيانها وثمة قصصٌ لم نتمسك بخيوطها بعد. وهنا لعبة ذكاء هيروخان هو دورٌ قلما التمسها غيرها.
الفيلم عرض في صالة إمباير، بفاملي مول، وكانت الصالة تعج بالضيوف، وحضر أيضاً مدير القناة ومسؤولون آخرون بينما هيروخان ترحب بالضيف الأول هي "ليلى" مع عائلتها، قال شقيقها خالد أنا الآن اشعر بالفخر وبجانبي ليلى، لم يخطأ، إنّما صحح إعوجاج الذهن لأنّ الكرامة مركزها الحريّة، وها قد أنجز خالد حريّة ليلى ولتصبح هي رسولة سبيّات، إخواتنا اللواتي يدفعنّ ثمن الحريّة.
هو ليس بموسم "الإيزيديات" المعذبات، فـ"شم برهم علي" لها كتاب عن الأطفال الإيزيديين تم توزيعها قبل أيام وهي طفلة كتبت عن الاطفال الايزديين بلغة صاحب القرار، كتبت بالانكليزيّة بهدف أن يكون صاحب القرار الكبير في صورة حالنا، فمن تكتب بالانكليزيّة لغة القرار تكتب بالكُرديّة كما "يسيل الماء في المجرى دون أن تكلف نفسك ان تمد لماء الحفرة ، الماء قادر أن يسيل بلا معيّة. وبينما كنا نتابع لحظات النار وكيف أنّ ليلى تنتقي كلماتها بعنايّة وتكتشف مفاصل الظلم كانت ناديا مراد عائدة للتو من إستلامها لجائزة "نوبل"؛ ما يعني بأننا في أيام موسم الحريّة في لحظة أن كُردستان تدخل في مرحلة أخرى أكثر تفاؤلاً من ما مضى..قيادة الجيل الثالث من البارزانيين..والبارزاني الكبير يوزع الأدوار من فحوى تجربةٍ غنيّةٍ بسيّر الألم والنار وصفحاتٍ من الحريّة أنجزها الكبير بإرادته واستقامته وصدقه مع الهدف.
ولا نستغرب، ونحن نشاهد كلام ليلى، وهي تتلو قصة يومٍ وآخر بشفاهها المرتجفة، مرة عن نفسها ومرة عن قصص شقيقاتها وهنّ سبيّات أيضاً، وتذكر إسم ظالمٍ وراء الآخر وتذكر ملامحهم، فإنك سرعان ما تفكر بما أنجزته هيروخان نفسها، وكيف أنّها سحبت قصةً من بطن قصةٍ والقصتين مصدرهما النار..تفتح الدفتر لتدوّن ليلى قصتها، وما إن تسمع الكلمات، حتى تدون كلمات خالد، وكيف أنّه يؤمن المال لشقيقته التي تعيش النار في "الرقة"؛ بدا لي الرقة -وهي مدينة قريبة لبلد كاتب السطور -كما لو ان ليلى تتحدث عن حي من "أحياء "شنغال" فهي كانت عاصمة دولة داعش، ومقر "سبيّاتٍ هنّ أخوات لنا .
في فيلم"سنتان و8 أشهر، و6أيام" لم تكشف هيروا خان عن موهبتها الأخرى فحسب إنّما، سحبتنا ولتقول لنا إنّ للحريّة طرقٌ أخرى، ولا يمكن أن تنفصل الكرامة عن الحريّة..
هيروخان دونت أيام النار، من "سنتان و8 أشهر، و6أيام"، لكنها وثقت صفحة أخرى من تاريخ بلادنا وعذابات أهلنا، فهي كانت من أمهر المؤرخات، وليس هناك صدقٌ أعمق من أن تؤرخ ظلم الأنثى بقلم أنثى..تبقى عبارات صادقة أكثر صدقاً حتى عندما نسرد القصص مع أنفسنا..بكل تأكيد