في صناعة السلام

في صناعة السلام

Nov 05 2018

برجاف|سردار شريف*
دون شك انّ النزاعات والحروب والصدامات الثقافيّة التي تحدث في عالمنا المتعدد والمتنوع على اللغات والأديان والثقافات والحضارات أثرت في ديناميكيّة العيش، وتركت أثراً بالغاً على مستوى إثارة العنصريّة بين المجتمعات والافراد والذين ما لبثوا وصاروا جزءاً من وقودها وساهموا في صناعتها.
ويمكن القول، ونتيجة قراءة ما يحدث وما حدث، إنّه إذا كانت أحد آسباب النزاعات هي اقتصاديّة فإن الهدف الآخر هو صناعة العنصرية ما يعني إنّ النزاعات تلك تضعنا في خانة العجز في بلورة تقيّم السلام والتعايش بسبب ما أفرزته الحروب والصدمات من الأنماط والجدران للعزلة الإجتماعي وعقم الأفكار والثقافات في خلق بيئات يصعب الحديث عن السلام فيها .

بيد أنّه، ،بالرغم من الآثار السلبيّة للصدمات والحروب فإن التواصل المجتمعي والثقافي يفعل فعله بحكم إنّ العقل الخلاق لا يبقى خاملاً، فهو ينتج مسار آخر ومتجاوزاً الركام من الأحقاد، منطقلاً في خلق مساحات للعمل الجماعيّ وهذا الأمر أيضاً ما نشاهده حتى لحظة الحروب مثل منصات العمل الجماعي و تشكيل المجموعات الإنسانية عابرين كل الحدود العرقيّة والدينيّة-المذهبيّة ثم ما لبثت وتحوّلت هذه التشكيلات لتكون لحظة الفصل بين ما تنتجه الحروب من العنصريّات وما تعمله التشكيلات في حمايّة القيّم وبناء جسور التواصل التي لا تقف في حدود التعايش انما لإنتاج مسارات أخرى كمسار التطور الطبيعي التدرجيّ بحيث لا تساهم في تفكيك العائلة من قيّمها المجتمعيّة ولا ينزلق المجتمع نحو الثقافات الإستهلاكيّة والتي سرعان ما تنقل المجتمع من كونه متماسك الى كونه هش، وهنا لم يخطأ آلان تورين عندما تحدث بأنّ"الديمقراطيّات تنشئ في البيئات الارستقراطيّة " بما معناه انّ التماسك المجتمعي وقبله حفاظ العائلة على تماسكها والمحافظة على قيمها بحيث تواكب ما هو جديد وتأخذ بها لتكون معبراً حقيقياً نحو الحداثويّة المرتكنة على القيّم النبيلة، قيّم تنجذب نحو الحداثويّة وتنفر من التخلف؛ ولعل الحداثويّة فقط تعزز مفهوم وصناعة السلام والتعايش.
قد يستغرب البعض، ويسأل، هل السلام يُصنع ؟
مثلما للحروب رجالها وأهلها، فان للسلام رجالها، ومثلما هناك من يخطط للحرب فهناك من يعمل لأجل السلام!
وبوسع أي فرد أن يكون صانعاً للسلام، خاصة إذا كان هذا الفرد مسلح بالقيّم التعايشيّة ويفهم ويحاور الآخر فانه من السهولة بمكان أن يكون صانع السلام، لان السلام يبدأ من الفرد ذاته، فصانع السلام كما لو أنه قسٌ يحقق السلام الداخلي مع نفسه ويبادل مع غيره وهكذا؛
ثمّة من يقول بأن السلام يبدأ من ذاتنا من فكرنا أولاً، فإذا بدأنا من الآخرين قبل تصفية أفكارنا كأننا نطلب من الأشخاص أن يزرعوا الورود في حدائقهم وحديقتي خالية من الورود فهذا هو التناقض بعينه لأن قبل اي شيء يجب البحث عن السلام بداخلنا واظهاره والعمل على الحفاظ عليه وتبدأ المسألة بالكلمة المناسبة مهما كانت المسألة أو المشكلة كبيرة عندما نقوم باختيار الكلمات والأفكار الإيجابية هنا نستطيع أن نتخطى كل العوائق التي تواجهنا او المراحل التي يجب أن نتخطاها للوصول لفكرة السلام

والحق إنّ الامثلة أعلاه، وان كانت بديهيّة لكنها بمثابة عبَر، ولذلك يمكن أسقاط أعلاه على مستوى العائلة و الشارع والمدرسة والجامعة والأماكن الدينية والمراكز الخاصة والعامة، فمثلا" في اليابان من أهم المسائل التي تم الاهتمام بها هي وجود كتب في المدارس والاماكن الدينية بعنوان (الطريق إلى الأخلاق)
رغم أن اليابان بلد تعرض أرضه للكوارث والحروب والدمار ولكن لم يمنع كل هذا الشعب الياباني من التقدم والتعلم وصناعة السلام لنفسه .

بالاحترام والأخلاق والتعلم وعدم النظر إلى الوراء تقدمت شعوب كثيرة وخرجت شعوب كثيرة من عمق الحروب لتؤكد أنها أقوى من كل شيء
بقي القول انّ السلام يصنع، بالتحية، وثمّ الآخر، ومشاطرته على تطلعاته رغم اختلافنا مع الآخر من حيث اللغة وقد يكون الدين، وانماط المعيشة، والسؤال، هل بوسعنا نحن، وما زلنا نعيش الويلات أن نكون صنّاع السلام في ظل هذه الفوضى العارمة؟ هنا مربط الفرس.
*ناشط شبابي