ساكنات القصور

ساكنات القصور

Nov 26 2018

برجاف|إنعام كجه جي*
في مذكراتها الصادرة حديثاً، تكتب ميشيل أوباما أنها لم تفتح نافذة طيلة إقامتها في البيت الأبيض لثماني سنوات. كان من غير المناسب لها، ولابنتيها، فتح الشبابيك والإطلالة على الشارع. هناك دائماً كاميرات وعدسات مُقرّبة قيد الانتظار. ثم انتهت ولاية زوجها وغادرت القصر الرئاسي لتقيم في بيت عادي في واشنطن. خرجت إلى الحديقة وتمتعت بتلك البهجة التي يعرفها الناس الأحرار. سمعت نباح كلاب الجيران تأتيها من بعيد وشعرت بالغبطة. تقول إنها التفتت إلى كلبيها «بو» و«ساني» وشعرت بالرثاء لهما لأنهما لم يسمعا أصوات كلاب أخرى من قبل.
كتاب ميشيل أوباما على كل شفة ولسان. أغبط هؤلاء الذين يغادرون المواقع العليا ويسرعون إلى استثمار يومياتهم في كتب تدرّ الملايين. غالباً ما يستعينون بمن يحرر لهم المذكرات.
خرجت برناديت شيراك من مقر الرئاسة فلم تعرف أين ترسل حقائبها. كانت قد عاشت لربع قرن في بيوت الدولة الفرنسية. أقامت في القصر التاريخي الفخم للبلدية حين كان زوجها عمدة لباريس. ثم انتقلت إلى قصر «ماتينيون» حين كان شيراك رئيساً للوزراء. وحين صار رئيساً للجمهورية انتقلت إلى قصر «الإليزيه» لتمضي فيه أكثر من 10 سنوات. وبعد ولايتين رئاسيتين اكتشفت أن لا بيت لها في العاصمة التي كانت سيدتها الأولى. وارتضت أن تحلّ وزوجها ضيفين على آل الحريري في شقة على ضفة السين. صار في مقدورها أن تفتح الشبابيك. وذات صباح رصدتها العدسة المقربة لأحد المصورين وهي تسقي النباتات في شرفة الشقة. عادت برناديت، مثل ميشيل أوباما، إلى يوميات عموم البشر.
كانت دانييل، زوجة الرئيس ميتران، عاقلة تكره تقلبات الأنواء الجوية. لذلك بقيت في بيتها القديم ولم تنتقل للإقامة في قصر الرئاسة. وفي حفلات الاستقبال الرسمية وعشاءات الدولة تذهب إلى هناك وتسبق المدعوين وتقف مع زوجها للترحيب بهم. ومثلها فعلت كارلا ساركوزي. فهي تملك منزلاً لائقاً ولن يرضيها السكن في جناح سبقتها إليه زوجة سابقة. وكان الرئيس هو الذي يترك «الإليزيه» ويذهب لتمضية نهايات الأسابيع في منزل كارلا. وفي العراق يسمونه «قعيدي». أي يقعد عند أهل زوجته.
في عدد من بلادنا يهجر الميسورون أحياءهم التي ترعرعوا فيها وينعزلون في مجمعات سكنية مُسيّجة، يحرسها رجال أمن عماليق من أصحاب السماعات في عروة السترة. في زماننا كانوا يسمونها «توكي ووكي». جهاز أبّهة سرعان ما تحوّل إلى لعبة أطفال. يكبر أبناء «الكومباونات» دون أن يسمعوا نداءات الباعة الجوالين ولا زعيق سيارات الشرطة أو مشاجرات الحارات الشعبية. وقد فتحنا أعيننا على المسلسلات المصرية، أول ما فتحناها، بمسلسل كان اسمه «بنت الحتة». ثم تفتتت الحتت وغادرها أبناؤها إلى مساكن جديدة أو إلى عشوائيات. راح مؤلفو المسلسلات يحنّون إلى أيام الحلمية وزيزينيا وعابدين وشبرا.
ما علاقة الست ميشيل أوباما بحي شبرا؟ تقول في مذكراتها إنها نشأت في حي شعبي فقير في شيكاغو وتسلحت بدأب وطموح عظيمين لتبلغ ما بلغته. أحبّت الشاب الوسيم باراك وراهنت عليه. ومعه صارت أول سيدة أميركية سوداء للبيت الأبيض. لعل هذا هو السبب في أنها اختارت لمذكراتها عنوان «أصبحتُ».
حذت جيهان السادات ونور الحسين حذو الأميركيات ونشرت كل منهما كتاباً عن تجربتها في قصور الحكم. وخرجت غيرهن من القصور إلى المنافي. وما زالت فرح بهلوي تتنقل في أرض الله الواسعة وتحلم بأن يعود ابنها إلى عرش الشاهنشاهات. العرش الذي تزوجت إمبراطوراً لكي تلد وريثاً له. الدنيا مصائر وحظوظ.
*صحافيّة وروائيّة عراقيّة.
المصدر:الشرق الاوسط