رئيس اقليم كوردستان وضع النقاط على الحروف!

رئيس اقليم كوردستان وضع النقاط على الحروف!

Nov 17 2020

نوري بيخالي*
بعد اسقاط النظام البعثي عام ٢٠٠٣ على ايدي قوات التحالف الدولي, شارك الكورد في بناء العراق الجديد بأرادته الحرة, مبيتغيا بناء دولة المواطنة, دولة اساسها التعايش والسلم, دولة تتبنى مباديء التوافق والتوازن والمشاركة في ادارة الحكم. وعلى هذه الاسس شارك الكورد مساوما على كثير من حقوقه المشروعة في وضع دستور يستجيب لمرحلة ما بعد الدكتاتورية وتطلعات الشعب العراقي بتنوعه القومي والاثني والديني والمذهبي, لكن يبدوا ان من حكموا العراق فيما بعد صدام, عملوا على نقيض ما ورد في الدستور الذي صوتوا له شعبيا وسياسيا.

نص الدستور العراقي على ان الدولة الجديدة هي دولة اتحادية (فيدرالية), لكن لم تمر سنوات قليلة, حتى ظهرت في بغداد قوى وقيادات حاولت جاهدة وبشتى السبل العودة بالعراق الى ايام الديكتاتورية, حيث فرض المركزية وبسط سلطتها المطلقة. وهذا ما أشار اليه ضمنيا السيد نيجيرفان البارزاني رئيس اقليم كوردستان في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد اجتماع الرئاسات الثلاث في اقليم كوردستان لبحث تداعيات المصادقة على قانون تمويل العجز المالي وتمريره في مجلس النواب العراقي قائلا: ”إن ما عندنا الآن في العراق ليس نظاماً اتحادياً أبداً، بل مركزية قوية تريد السيطرة على كل شيء من بغداد“.

لذلك يخطيء من يعتقد بأن المشاكل العالقة بين اربيل وبغداد هي فقط ملف النفط, بل القضية اعمق من ذلك والمشاكل اكثر تعقيدا مما يتصور (بضم الياء وفتح التاء). بالأحرى, أن للكورد في العراق قضية شعب وأرض وحقوق مسلوبة. وهذه المشاكل لا تحل بالتهرب منها, أو بخلق أزمة جديدة, أو بفرض الارادة أو”بتمكن طرف أو أطراف لديها اليوم قوة في العراق من فرض قانون ما، فمشاكل العراق أعمق من ذلك بكثير - رئيس اقليم كوردستان“.

رغم اهميته الاستراتيجية, لكن ملف النفط وكيفية ادارته بين أربيل و بغداد, ليس الا قطرة من بحر المشاكل التي تتهرب منها بغداد طوال ١٧ السنوات الماضية. اهمها (طبيعة العلاقة بين اقليم كوردستان ودولة العراق, تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور العراقي, تأمين مستحقات اقليم كوردستان المالية في الموازنة العامة, الاستجابة لمطالب قوات البيشمركة التي هي جزء من المنظومة الدفاعية العراقية, تعويض ضحايا عمليات الابادة الجماعية...الخ), مشاكل جدية لا يستطيع العراق الحفاظ على استقراره بدون حلها جذريا.

ان اقليم كوردستان ككيان سياسي, امر واقع دولي (وفق القرار الدولي المرقم ٦٨٨) واقليم قانوني ودستوري (وفق الدستور العراقي). ومن هذا المنطلق يجب على من يحكمون العراق تغير عقليتهم وطريقة تعاملهم مع الاقليم بشكل يليق ومكانته السياسية والاستراتيجية. لكن يبدوا أن من قعدوا على سدة الحكم في بغداد ما بعد البعث ما زالوا مصممين على ممارسة السلطوية تجاه اقليم كوردستان, متناسين بأنه ولى زمن الموالي وأن ما يقومون به قد يقود البلد الى الهاوية, وهذا ما اكد عليه السيد نيجيرفان البارزاني: ”آن الأوان لكي تعيد بغداد التفكير في أسلوب تعاملها مع إقليم كوردستان, لإن هذا أكبر إخفاق لأي سياسي في العراق يظن أنه يستطيع إدارة البلد بهذه الطريقة. الذي يهمني هو أن هذه العقلية يجب أن تتغير“, مطالبا القوى السياسية العراقية جميعاً، بأن تقف بجدية على هذه المسألة, هذا إن كانوا حريصين على التعايش والسلام في العراق.

وعلى الرغم من كل تلك القساوة والضغينة التي تتعامل بها السلطات العراقية مع شعب كوردستان, الا ان رئاسة إقليم كوردستان و بسياستها الحكيمة كانت وما زالت مصصمة على حل هذه المشاكل مع العراق عن طريق الحوار, وسيبقى خيارها الوحيد في هذا الصدد هو الحوار والتفاهم, ساعيا من اجل التوصل إلى اتفاق شامل وجذري لكافة المشاكل وفق الدستور, لأن رئاسة اقليم كوردستان لا ترى من عداء احد من القادة والقوى العراقية لكوردستان وقضيتها مصلحة للعراق ومستقبل التعايش والسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي فيه.

*كاتب صحفي- اربيل