بين ناسنا وناس ناغورني كاراباغ..

بين ناسنا وناس ناغورني كاراباغ..

Nov 14 2020

فاروق حجّي مصطفى
لم أجد مشهدًا دقيقًا يجمع ناسنا بناس ناغورني كاراباغ مثلما شاهدناه اليوم، فسكان قرى ناغورني كاراباغ الذين رفضوا البقاء في منازلهم واضرموها بالنيران ، قبل خروجهم نحو أرمينيا نتيجة الإتفاقية الأخيرة لوقف الحرب (بين أذربيجان وارمينيا) بدا عليهم ترك كل شيء مقابل ألا يعيشوا تحت حكمٍ طالما نظروا إليه تحت مسمى "الأعداء".

والحق إنّ ذلك المشهد هو الوحيد الذي سيبقى مخلدًا في الذاكرة، ويصبح مادة تاريخيّة مثقلة بالظلم.

بعيداً عن مدى الشبه الذي يحكُمنا ويحكم الناس في ناغورني كاراباغ، لكن ثمة شبه أكثر تجسيداً لواقعنا بواقع الناس هناك، فالرفض التام للناس في مناطقنا ليس للاحتلال فحسب إنما لرياحه أيضاً.
ولعل الناس أكثر ذكاءاً حينما يعبرون عن مواقفهم على خلاف السياسيين، وما لبث وإنّ كان موقف الناس العفوي أكثر وقعاً، وتأثيره أقوى من بيانات الساسة، فهذا الموقف العفوي هو دليلٌ دامغٌ وقوي مفاده إنّ وعي الناس الرافض لوجود المارقين والمحتلين وحلفائهم ، ما هو إلّا انعكاسٌ لتاريخ لم يدوّن صفحة ناصعة من العلاقات الحسنة والطبيعية، بقدر ما دوّن من الظلم الذي مارسه أولئك الحكام، والطغاة ضد ناسنا، سواءً أكانوا أرمناً أم كُرداً!
ولا نستغرب حين يُحكى عن التهديد التركيّ، إن ناسنا يتركون بيوتهم خلفهم، ويلتجئون إلى مناطق النظام أو مناطق العمق (أي الرقة والحسكة).

بدا لي، وبعد مشاهدة إشعال النيران بمنازل ناغورني كاراباغ أن ضمائر الناس تبقى بمثابة ذاكرة قويّة، وعندما يطلّ الظلّام برأسه فإنّ هذه الذاكرة تستقيظ وتيّسر السلوك العام المجتمعي.

بقي القول، إنّ ما ظهر على الإعلام قبل ساعات، من حرق للمنازل في ناغورني كاراباغ، وقبل ذلك حدث في مناطقنا عندما هاجم الأتراك بلداننا ومناطقنا، في بذل الجهود والعمل المستحيل كي لا يكونوا تحت حكم الأتراك، الانتماء أقوى من أي تعبير سياسيّ، والذاكرة الحيّة هي التي تحرق نفسها عندما يعيد التاريخ نفسه من نافذة الظلم.