الجانب الآخر من قضية

الجانب الآخر من قضية "خاشقجي"

Oct 12 2018

برجاف|سردار ملادرويش
تشكل قضية الصحافي السعودي "جمال خاشقجي" أخيرًا قضية رأي عام، وذلك باختفائه بعد أنباء عن زيارته لقنصلية بلاده السعودية في إسطنبول، حيث وقفت القضية عند دخوله ولم يغير كل ما يقال فيها طالما أن جمال لم يخرج أو يتبين ما حصل له. رافق ذلك روايات مختلفة منها تحدثت بأن خاشقجي قتل داخل القنصلية بعد دخوله بساعات، إثر حضور فريق سعودي مختص للقيام بعملية الاغتيال، وتقطيعه وتشريحه ونقله إلى السعودية، مقابل معلومات غير متقاربة وغامضة، أخذت فيها القضية بعدًا صراعيًا أكثر من أهمية الشخص وسلامته، وفي هذا تبنت وسائل إعلام مختلفة روايات مختلفة، لكن دون أن يستطيع أحد جزّم معلومات حقيقية بخيوط مؤكدة.
إن قضية مثل هذه من الطبيعي أن تكون قضية رأي عام، ومعايشتنا لها يعني أننا جزء من الاهتمام بقضية تشغل الرأي العام العالمي، فيما خيوطها الأنية معقدة وشائكة، في ظل صمت سعودي عن القضية، وعدم تحرك دولي جاد، مقابل تصريحات تركية غير جازمة وغير واضحة أحيانًا وأقرب إلى الاستفزاز بحق السعودية أحيانًا، تتحدث تارة عن مقتل الخاشقجي وأحيانًا عن وجود تسجيلات لها تؤكد ذلك فيما ليس هناك أي توثيق حقيقي للقضية برغم أن السعودية تنفي وجوده في القنصلية، مقابل كل هذه الأطراف نرى أن المحرك الوحيد للقضية عبر الإعلام هي مؤسسات إعلامية تدعمها قطر، تحاول عدم إيقاف القضية بل العمل على استمراريتها ليس على ما اعتقد إيمانًا بقضايا حقوق الإنسان، وانتهاك صحافي بقدر ما هي صراع التضاد بين الأطراف أحدهم يريد أن يظهر سوء الأخر.
القضية وبرغم أنها تشغل الرأي العام لكن بحكم عدم وجود خيوط تثبت صحة الأخبار المتداولة من عدميتها. تظهر هذه القضية أن تعامل الإعلام مع الأزمات ومن الجانب المعياري لا يكون دومًا كافٍ لإبراز اجتهاد وسائل إعلام عن أخرى، طالما أن هناك خيوط لا تخرج للعلن لتساعد في العمل من خلالها في البحث بالقضايا. من هنا تؤكد أحداث كهذه لنا، بأن هناك تحكم واضح بلعبة الإعلام على الصعيد الدولي، وصحيح أن لا مؤسسات إعلامية غير مستقلة، لكن الصورة الحالية تظهر بشكل صارخ، التحكم وبشكل سلبي بالإعلام، وأيضًا إدارة الإعلام في الصراعات والآزمات، فرغم قراءتنا بأن الإعلام يخلق قضايا في أزمات معينة لتقوم بالتغطية على أحداث أخرى، لكن لا ندري ما هي القضية المغطاة بحادثة اختفاء الصحافي جمال خاشقجي.
كان البحث في قضية اختفاء خاشقجي يحتاج البحث في سيرته كصحافي ودوره مع السلطات السعودية، ثم البحث لماذا هو مغيب عن بلاده! وما هو موقفه من السلطة الحالية، ولماذا يقيم في الولايات المتحدة ويتنقل منها إلى إسطنبول، ثم البحث عن مدى الخطر الذي يشكله على سلطات بلاده، وإلى أي حد هو رجل خطير من وجهة نظرهم، هذا كله مع ضرورة البحث في فكر الرجل ومقاربته مع واقع السعودية اليوم كبحث استقصائي. لم يتم الافلاح في الوصول لكل هذه الخيوط التي نبحث عنها، لأن هناك عدة حلقات مفقودة في القضية بالأساس.
في اليوم التالي لقضية خاشقجي أجريت بحث على "التويتر" للبحث عن ملابسات القضية كان يكفي أن تضع اسم "جمال خاشقجي" فترى قائمة من المعلومات جميعها من مصدر واحد يتصّدرها مؤسسات إعلامية إما قطرية أو مدعومة من قطر، وشخصيات تعمل لدى مؤسسات أيضًا قطرية أو مدعومة من قطر، في المقابل ترى معلومات شحيحة متشابهة ومكررة، لم تصل حتى اليوم لأي اثبات حول القضية بقدر ما تدور في فلكها، ومقابل هذا نشهد مراوغة تركية في القضية بين تراخي بداية في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وعدم وجود أقوال كافية عن القضية، ثم الشد بأن تركيا تمتلك أشرطة مصورة تتعلق بالقضية، لكن لم تعلن عنها، في حين أن الولايات المتحدة عبر ترامب لم تبدي أي موقف جاد من ذلك، ويبقى أن السعودية هي المتهم الأول والمطلوب من المملكة تبيان حقيقة ما يحصل بخصوص قضية خاشقجي.
لقد جذبتنا قضية جمال خاشقجي كصحافيين، وجذبتنا كقضية إنسانية بالأساس لشخص خطف داخل قنصلية بلاده بحسب الأنباء المتداولة، الأمر الذي يشكل خطرًا كبيرًا على حياته، ويعطي مؤشر سلبي بالخطر على حياة الفاعلين في الشأن العام ضد سلطات بلادهم في الشرق الأوسط، كما شكلت القضية مران مهم للصحافيين، بإعادة خطوة للوراء كصحافي والبحث في ملابسات القضية قبل تبني خيوطها، ولا يعني غياب عناصر القضية ضرورة وجود سبق للحدث، الأمر الذي يزيد من نظرية الشك في الصحافة وضرورة وجودها، وعدم الإسراع في تبني المعلومات والأنباء في قضايا حساسة قد تؤثر على مصداقية الوسيلة الإعلامية وتترك أثرًا سلبيًا، ومن هنا فإن الملعب متاح للكتابة في زوايا أخرى مختلفة حول القضية وما نشر عنها، حتى تظهر خيوط وملابسات الحادثة التي توضح للرأي العام العالمي ما حدث وكيف وأين ومتى ولماذا!
أمام كل هذه السيناريوهات يبقى الأساس أن جمال خاشقجي من الصحافيين المهمين على مستوى العالم، واليوم هو مختفي، وهذا بحد ذاته مهم لمتابعة القضية ضمن مجال حقوق الإنسان، وغياب شخصية فاعلة على أرائه، ثم كصحافي، وهذا يكفي لأن تكون هذه قضية رأي عام حقيقية، لكن هل ستتابع بمجراها القانوني أم ستغيب بصفقات دولية! الأهم هو أن يكون خاشقجي بسلام، ويعود لحياته الطبيعية وعمله ورؤاه ومواقفه بسلام.