الإحصاء الإستثنائي:استئصال المواطنيّة:

الإحصاء الإستثنائي:استئصال المواطنيّة:

Aug 23 2018

فاروق حجّي مصطفى:
وما أن يمر ٢٣ آب ، وهو ذكرى صدور المرسوم الجمهوري التشريعي رقم (93) في 23 أغسطس/آب 1962 في سوريا في عهد رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس مجلس الوزراء بشير العظمة والمتضمن قرارا سياسيا بإجراء الإحصاء الاستثنائي للسكان الأكراد في منطقة الجزيرة لتحديد هوية المواطن وتحديد الأكراد الأجانب القادمين من تركيا والعراق وتصحيح السجلات المدنية، حتى نستعيد في بالنا مفهوم المواطنيّة والإنتماء، ونفكر كيف أنّه وليوم واحد أستطاعت حكومة "الانفصال " وتبعتها حكومات وانظمة من بعدها بتجريد أكثر من مائة ألف كُردي سوري، كانوا مواطنين سوريين، بمعنى أنهم ولدوا على أرضهم التاريخيّة، وشاركوا مع محيطهم في صياغة الذاكرة الجمعيّة، حتى إنّ البعض منهم كانوا منخرطيين في مؤسسات الدولة التي كانت جديدة النشأة ومثقلة من صراع ضباط الجيش والمستبدين.
ما لبث وتحوّل هؤلاء الكُرد بينما كانوا منخرطين ومشاركيين مع محيطهم المجتمعي في الحياة العامة؛ ما لبثوا وبلمحة بصر تحوّل هؤلاء الذين يُقدر عددهم فوق مائة ألف من "مواطن" سوري" إلى " مواطن" أو صاروا "أجانب" حسب ما كُتبت في الوثيقة التي استحوذها المجردون من الجنسيّة.
فاقد الجنسيّة فقط يعرف معنى الجنسيّة، ويعرف كم هو صعب أن تعيش في بلد لا تستطيع أن تكون جزءاً من الحياة العامة، إذ افتقدوا كل امتيازات المواطن.
والحق إن العبرة هي أن لا تقف بحدود أن نقول من يقف خلف هذه السياسات، هم ثلة من الشوفيين، لا أبداً، هؤلاء الشوفيين كانوا يخونون الدولة بممارساتهم وكانوا يؤسسون دولة لعصبيات لا دولة للمواطنيين، ولذلك نرى وخاصة في الحرب التي نعيشها انّ انتماء آخر يتبلور هو ان روح الانتماء للطائفة أقوى من روح الانتماء للدولة، وإلا لماذا يطالب غالبية أهل شمال غرب سوريا بالضم إلى تركيا وفك ارتباطهم بسوريا، وهم يتعاملون مع الليرة التركيّة ويحذرون من التعامل بالليرة السوريّة.
ولا نستغرب انّ فكرة العزوف عن صياغة الدولة المواطنة تبلورت منذ أن قامت تلك الحكومة "حكومة انفصال" وتبعتها حكومات قومويّة من بعدها بتجريد مواطنين كُرد سوريين من مواطنيتهم، ومنذ ذاك اجهضدت سوريا وطنيّة ناسها، ما دفع السوريون أهل التغيير لا أهل الطائفة بمناداة "دولة المواطنة الحقّة".
والنقطة الثانيّة والتي تثير التساؤل هو كيف بوسع الاستبداد اختصارالقضيّة الكُرديّة بمسألة مجردين من الجنسيّة، كما لو انّ للكُرد قضيّة واحدة أسمها" الجنسيّة"..مع انّ للكُرد قضيّة بقيت بلا حل وحاولت الأنظمة أن تقدمها كقضية أمنية وليست قضية سياسيّة لناس تقدر أعدادهم فوق المليونين والنصف، هي قضية الانتماء، والتعليم والاقتصاد وقضيّة الشراكة في الحكم والسياسة!
بقي القول إنّ قضية المجردين الكُرد من الجنسيّة هي قضيّة من قضايا الناس طالما أرادوا أن يكونوا من المواطنين الحقيقين .. أي مثل غيرهم من الدرجة الاولى.
صحيح أنّ قرار إعادة الجنسية ما بعد ٢٠١١ هي خطوة نحو صياغة الإنتماء والمواطنيّة إلا إنّه يحتاج هذا القرار إلى جملة من القرارات أهمها اعادة اعتبار لكل عائلة تم تجريدها من الجنسية وتعويضها المعنوي والماديّ حتى يشكل قرار اعادة الجنسيّة منعطفاً نحو تعزيز المواطنيّة ، وبناء دولة لكل ناسها ومكوناتها دون تمييز ودون مناخات تفرخ الشوفيين مرة أخرى