أهمية الملكية الفكرية
برجاف|د. عبد الله الردادي
تأثير الملكية الفكرية على الاقتصاد لا يمكن إنكاره، فالأمم تصدّر علومها وتقنياتها تماماً كما تصدّر مواردها البشرية والطبيعية، والمنتجات المصدّرة من كثير من الدول تعتمد أساساً على تميزها المكتسب من الأبحاث العلمية والتطويرية.
وكما أن الدول تتمايز في ما بينها بصادراتها من الموارد الطبيعية والزراعية والصناعية، فإن التنافس الآن انتقل وبشكل واضح إلى العلوم والتقنيات، وتنعكس هذه العلوم اقتصادياً على الصادرات وتوليد الوظائف، كما تمتد لتؤثر على التقدم العسكري أيضاً.
وانطلاقاً من هذه الأهمية الاستراتيجية للملكية الفكرية، جاء القرار الرئاسي الأميركي بمنع الشركات التقنية الصينية من شراء الشركات التقنية الأميركية للسبع سنوات القادمة، بعد أن قدم البيت الأبيض تقريراً مفصلاً يشير إلى التسرب التقني من الولايات المتحدة إلى الصين والذي يتم عبر الاستحواذ الصيني على الشركات التقنية الأميركية ومن ثم نقلها قسرياً إلى الصين.
وتشكل الملكية الفكرية أهمية عظمى في الاقتصاد الأميركي، فما نسبته 80% من القيمة السوقية للشركات الأميركية يأتي على هيئة أصولٍ غير ملموسة، مثل حقوق النسخ والعلامات التجارية وبراءات الاختراع العلمية. هذه القيمة تشكل أكثر من نصف الحقوق الفكرية في العالم. كما أن هذه الحقوق تعطي قيمة إضافية للاقتصاد الأميركي، فمن بين الأرباح المكتسبة خارجياً للشركات الأميركية، تشكّل نسبة الأرباح المحققة بسبب الملكية الفكرية أكثر من 65%.
ولعل أقرب مثال الموقع المشهور «نتفليكس» الذي يملك 117 مليون مشترك، 73 مليوناً منهم خارج الولايات المتحدة، أي ما يقارب 62%. وعلى أهمية الحقوق الفكرية في المجالات الثقافية والترفيهية، تزيد هذه الأهمية في العلامات التجارية وفي براءات الاختراع والمجالات العلمية والتقنية، فشركة «نفيدا» الأميركية الشهيرة والمختصة بمجال الذكاء الاصطناعي تصدّر أكثر من 87% من مجموع مبيعاتها خارج الولايات المتحدة.
وفي عام 2014، بلغت القيمة المضافة للاقتصاد الأميركي من خلال الملكية الفكرية أكثر من 6.6 تريليون دولار، وقد كان هذا الرقم 5 مليارات دولار في عام 2010، وزادت الصادرات الأميركية المتعلقة بحقوق الملكية على 840 مليار دولار في عام 2014، مقارنةً بـ775 مليارا عام 2010، وهو ما يوضح التزايد المستمر لأهمية الحقوق الفكرية.
هذه الصادرات تشكّل قيمة مضافة لاقتصاد أميركا، ولهذا السبب فإن الولايات المتحدة تتبنى أنظمة الحقوق الفكرية حول العالم بمساعدة منظمة التجارة العالمية التي تتولى مراقبة تطبيق هذه الأنظمة في باقي الدول. وحتى مع وجود هذه الأنظمة، فإن أميركا -وحسب هيئة الحقوق الفكرية الأميركية- تخسر سنوياً أكثر من 600 مليار دولار بسبب عدم تطبيق قوانين الملكية الفكرية.
أما على النطاق الداخلي، فإن للملكية الفكرية دوراً جوهرياً في توليد الوظائف في سوق العمل الأميركية. ففي عام 2016 كان عدد الموظفين العاملين بشكل مباشر في قطاعات تعتمد على الملكية الفكرية أكثر من 28 مليون موظف، إضافة إلى أكثر من 17 مليون موظف يعملون في هذه القطاعات بشكل غير مباشر من خلال سلاسل التوريد. هذا العدد البالغ أكثر من 45 مليون موظف يشكل 30% من مجموع القوى العاملة في الولايات المتحدة، وهو سبب آخر يفسر حرص الولايات المتحدة على حماية الملكية الفكرية.
ويزيد أجر الموظفين في القطاعات المتعلقة بالملكية الفكرية بنسبة 46% على الموظفين ببقية القطاعات، وفي ذلك توضيح للتشجيع على التوجه إلى هذه الوظائف. ويعمل أكثر من 4 ملايين موظف في القطاعات المتعلقة ببراءات الاختراع، وهؤلاء الموظفون غالباً ما يكونون من ذوي الشهادات العليا والأجور المرتفعة، ومن خلال اختراعاتهم تتنافس الشركات التقنية الأميركية سواء على النطاق التقني في وادي السيليكون، أو في الشركات الدوائية والطبية.
إن مستقبل الأمم يعتمد اعتماداً كبيراً على ما تملكه من علم، سواء على المستوى الاقتصادي أو المستوى العسكري، ولو كانت الموارد الطبيعية قابلة للنضوب حتى لو على المدى البعيد، فإن الإبداع البشري غير قابل لذلك. ولذلك كان استثمار الدول في التعليم ونتائجه من بحث وتطوير شديد الأهمية. وما نراه الآن من إحباط بين المفكرين والأدباء والعلماء في عالمنا العربي من قلة المؤلفات والزهد في طباعتها، سببه الرئيسي ضعف حماية الملكية الفكرية، والتي تجعل العائد المادي من طباعة الكتب شبه معدومة. ويقاس على ذلك نتائج البحث العلمي، فالشركات لن تستثمر في البحث والتطوير في بيئة لا تحمي حقوقها الفكرية، ولا تضمن لها استثمار نتائج أبحاثها دون تعرضها للسرقة. وبانعدام هذه القوانين، فإن منظومة البحث العلمي ستكون في خطر، بكل ما يترتب عليها من تطور اقتصادي وعسكري وتقدم للبلد بأكمله. هذه التبريرات هي ما جعلت الرئيس الأميركي يزداد حرصاً على عدم تسرب التقنيات الأميركية إلى الصين، تماماً كما يحرص على الأسرار العسكرية، ففي هذه التقنيات مستقبل الاقتصاد الأميركي، وهو ما لن يسمح بانتقاله إلى دولة تنافسه اقتصادياً.
(المصدر:الشرق الأوسط)
-
بمناسبة عيد المرأة العالمي:
Mar 08 2024 -
دروس دستورية في مقابلة الرئيس بارزاني مع"مونتي كارلو"..
Mar 03 2024 -
في حوار حصري مع مونت كارلو الدولية: الزعيم الكردي مسعود برزاني يقول إن النموذج الديموقراطي مهدد في العراق وصف قرارات المحكمة الاتحادية بالاجحاف ضد الاقليم وتحدث عن القلق حيال الانسحاب الامريكي من العراق
Feb 28 2024 -
بيدرسون: النظام السوري رفض عقد جولات اللجنة الدستورية في جنيف
Feb 28 2024 -
بناء الثقة .. كشرط لتقدم العملية السياسيّة..!
Jan 27 2024 -
لنعمل لأجل بناء الثقة!
Jan 14 2024 -
لنعمل لأجل بناء الثقة؟
Jan 04 2024 -
يدون تاريخ المنطقة، ويزيل الستار عن خفايا "الهندسة الديمغرافية "! كتاب تقسيم "كوردستان العثمانية" لدكتور آزاد أحمد علي
Dec 30 2023 -
"الحركة الكُردية في العلاقات الدولية" للراحل رشيد حمو
Dec 16 2023 -
شكوى في سويسرا تتّهم الرئيس الإيراني بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية»
Dec 13 2023
-
دلبخوين دارا: من شاشة روداو العربية!
Jun 11 2020 -
تقزيم المسألة السورية في قالب (صياغة الدستور)
Aug 15 2018 -
جمهورية شرق الفرات
Oct 14 2018 -
أولويات التفاوض كُردياً: الحفاظ على نظام الإدارة الذاتية، وعفرين:
Aug 14 2018 -
الدنمارك: ستة وجوه من حَمَلَةِ شهادات الماجستير على خشبة التكريم الكُردية.
Oct 17 2018 -
ورحلت القامة: رحيل الرجل الشجاع
Aug 21 2018 -
(الإصابة بالتوحد) أسبابها وأعراضها وكيفية االمساعدة على تحسن حالة الطفل التوحدي
Sep 01 2018 -
حقن البلازما بين هوس النساء والحقيقة العلمية..
Feb 21 2019 -
اختطاف المحامي ياسر السليم من كفرنبل بعد دعوته التعايش مع الدورز والكُرد وأهل الفوعة
Sep 22 2018 -
المحلل الإقتصادي خورشيد عليكا لبرجاف: الضغط على البنك المركزي ليس حلاً..والأزمة تتفاقم!
Aug 14 2018