ارتفاع اسعار المواشي يمنع اقبال المواطنين على شراء الأضحية

ارتفاع اسعار المواشي يمنع اقبال المواطنين على شراء الأضحية

Jul 29 2020

برجاف| كوباني
تراجع نسبة الاقبال على شراء الاضاحي في كوباني بعد تفاوت سعر الصرف وارتفاع سعر الأضاحي بشكل كبير بنسبة أربعة اضعاف مقارنة مع السنة الماضية.

غلاء وتفاوت أسعار المواشي وغلائها مع اقتراب عيد الأضحى يسبب حالة من الركود وتراجع حركة الشراء في سوق المواشي في منطقة كوباني، ويمنع المواطنين من شراء الأضحية.

وتشهد اسواق المواشي مع اقتراب عيد الاضحى تراجعاً وركوداً كبيراً في حركة الشراء لغلاء سعر الماشية بسبب تفاوت سعر الصرف وخاصة في ظل انهيار الليرة السوري مقابل ارتفاع الدولار، بحسب التجار في اسواق الماشية.

وصرح أحد تجار الماشية حسين حاج علي لــ "برجاف_"FM: أن سعر الماشية لهذا العام بلغ أربعة اضعاف مقارنة مع السنة الماضية، وشهدت اسواق المواشي تراجعاً ملحوظاً على الشراء، حيث وصل سعر رأس الغنم الواحد 400 ألف ليرة سورية فيما كان السنة الماضية رأس الغنم الواحد ما بين 80 إلى 100 ألف ليرة سورية، وأما البقر يبلغ سعره الحالي 3 ملايين ونصف ليرة سورية وهو سعر مرتفع مقارنة مع العام الماضي الذي كان بسعر700 إلى 800 ألف ل.س، وبسبب ذلك يشتكي العديد من الأهالي من عدم قدرته على الشراء.

وبدوره قال المواطن نزهت نوري أن تفاوت الاسعار وارتفاعها تمنع المواطنين من شراء الاضحية التي يقدر سعر رأس الماشية بما يقارب نصف مليون ليرة سورية، وهذا السعر مرتفع جداً بالنسبة للأضاحي، ويثقل هذا السعر كاهل المواطن ويمنعه من الاقبال على الشراء.

هذا ويحل العيد هذا العام ضيفاً ثقيلاً على المواطنين في ظل انتشار حاد لوباء كورونا وارتفاع اسعار مستلزمات الحياة كافة بشكل عام، وارتفاع ملحوظ في اسعار الاضاحي خاصة، ما يجعل المواطن عاجزاً أمام تلبيتها.




مرةً أخرى اللجنة الدستوريّة..

مرةً أخرى اللجنة الدستوريّة..

Jul 24 2020

فاروق حجّي مصطفى
مبدئياً تم تثبيت موعد انعقاد اللجنة الدستورية، وهو في ٢٤ آب، إذا لم يحدث أي طارئ طبعاً ،وهذا ما أعلنه المبعوث الأممي غير بيدرسون.
قبل أكثر من أسبوع قرأت ستاتيوس للدكتور هادي البحرة، تحدث فيه عن اتصال بيدرسون معه، حول انعقاد اللجنة الدستورية، وأشار إلى إنّ المبعوث الأممي الخاص نوه من خلال المحادثة إلى تكثيف العمل لمعاودة ما فات.
الخبر جيّد، ونعتقد إنّ كل السوريين، أو لنَقُل غالبيتهم يتمنون ذلك، والجهود التي يبذلها المبعوث الخاص وفريق العمل، هي جهودٌ مقدّرة واستثنائية، ولعل من الصعوبة بمكان إقناع الكُتل الصلبة في اللجنة، خاصةً إنّ الكثيرين منها جاؤوا وأخذوا المكان فيها ليبلوروا مواقفهم السياسية ويحولوها ولتصبح واقعاً قانونياً دون مراعاة المواقف السياسية من الأطراف الأخرى، بمعنى آخر أخذوا مكاناً في اللجنة لينسجوا دستوراً على مقاسهم لا على مقاس سوريا، وهنا نتحدث بالضبط عن أحد أسباب اعطال اللجنة.
والحق انّ الأشهر التي فاتت هي الأشهر ذات الثمن الغالي للسوريين، خاصةً إنّ مستوى الإلتزام( من قبل أطراف النزاع) بطلب الأمم المتحدة لوقف الحرب في أشهر "كورونا" كان متدنياً، ما انفك واستُهدف في هذه الفترة المدنيين، وازداد عدد النازحين، وتم تأسيس "مجلس الحرب" التشريعي في منطقة النظام، وفِي جهة شمال شرق سوريا صار إبتزاز الناس من خلال المياه، وقرصنة المارة على طريق "M4"، وبالإضافة للخروقات الأمنية القاتلة.
بيد أنّ وبالمقابل يمكن الحديث عن تطوراتٍ جمّة في هذه الفترة، ولعل حدوث التغيرات في منظومة الهيئة التفاوضية، وعمليات التشكيك بها، وحتى الإخلال بالشرعيّة، هو أكبر دليل على إنّ المشهد كله بحاجة إلى قراءة وميكانيزم جديد، فضلاً عن التطورات في منطقة النظام..نواب كُثر سمته جريدة الشرق الاوسط بـ"مجلس حرب" نسبةً لإن الغالبية الذين صاروا نواباً كانوا يقودون جماعات قتالية شعبية ضد الثورة.
ما لفت نظري، هو إنّ المسار الحواري بين المبعوث الأممي الخاص ما برح وحُصر فقط بعملية "عقد جلسة" أو إحياء العملية لمولودٍ ولد عاجزاً بسبب آلية الإختيار، وحسبان نفوذ(تدخل) الدول المؤثرة في العملية السورية؛ وهذا، نعتبره السبب الثاني لعطل العملية!
ومجازياً، يمكن القول إنّ مخاوفنا تضاعفت، ففي حين كنا نراقب اللجنة الدستورية لتحسين أدائها، وما يقدمه المبعوث الخاص وفريقه من أدوات التطوير،صرنا نحسب بإنّه ربما أعضاء اللجنة ومرجعيات قرارها يختصرون دور الأمم المتحدة فقط بإقناع الطرفين السوريين لعقد جلسات، لتطويل خيط " حوار بيزنطة"، ونعتقد قد يصبح العطل الثالث.
بقي القول، إنّه كنا كمجتمع مدني، ومكتب المبعوث الخاص أمام فرصة، ونعتبرها استحقاق المرحلة، حيث كان من الممكن خلال الأشهر الماضية التفكير معاً حول كيفية إزالة أسباب العطل التي تلازم العملية الدستورية، وتصحيح المسار من خلال قراءة الأسباب الحقّة لأعطال اللجنة الدستوريّة، خاصةً كلنا يعرف إنّ السبب الأساسي لتعطيل اللجنة هو التزمت وانحياز الأعضاء لمرجعياتهم، حتى لو كان هذا الإنحياز على حساب مستقبل سوريا وناسها؛ وهنا مربط الفرس!




بادرة جديدة يطلقها بعض الكتاب والشعراء هي الأولى على مستوى روجافا

بادرة جديدة يطلقها بعض الكتاب والشعراء هي الأولى على مستوى روجافا

Jul 23 2020

برجاف|كوباني

قام مجموعة من الكتاب والشعراء المشاركين في معرض هركول الرابع في قامشلو بإطلاق مبادرة على صفحاتهم الشخصية تعد الأولى من نوعها على مستوى روجآفا وذلك نظراً للأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد تم شراء مجموعاتهم الشعرية على حسابهم الخاص وتوزيعها مجاناً على القراء والمهتمين .

وأعلن كلٍ من الأساتذة والكتاب جان بابير وروني علي ومايا درويش وميرفان فقة عن المبادرة لزوّار معرض الكتاب الدولي الرابع في مدينة قامشلو .

أوضح الكاتب والشاعر جان بابير لبرجاف"FM" " بإن هذه المبادرة في معرض هركول الرابع في قامشلو اردت أن اكون معها والسبب رأيت العديد من القراء والرواد كانوا يشتكون من سعر المرتفع للكتاب و المجموعة الشعرية فقررت واتصلت بصاحب دار النشر واتفقت معهم واخبرتهم بإن كل مجموعاتي الكردية والعربية ساتكفل بها على حسابي الشخصي وأوزعها مجاناً على القراء والمحبين .

وشارك الأستاذ جان بابير بمجموعة"هيمن و كؤوس الالم peyalên janê، والرواية "هيمن هي بحدود سبعمائة صفحة وتحوي العديد من المواضيع المتنوعة ومنها اللجوء والمجزرة في كوباني وقصة حب بين "مانو"وحبيبته "هيمن " وتم اختيار اسم الرواية أيضاً على إسم "هيمن "وهي كما مدينة كوباني اسم مذكر لمدينة مؤنثة فهيمن اسم مذكر لفتاة.

فيما أكد الأستاذ الكاتب "روني علي" لبرجاف "FM" حول الغاية من المبادرة بأنها
ليست مبادرة بقدر ما أنها قراءة نحاول من خلالها أن نوضح بأن الإبداع الجمالي لم يكن يوما من الأيام تجارة مربحة .. وباعتبار أن الحالة المعاشة في البلد ونظرا للاوضاع الاقتصادية قد خلقت فجوة بين القارئ والكتاب وبما أن هدف الكتاب فيما لو كان مؤمنا برسالته هو إيصال صوته، رأيه، قناعاته، ورؤيته للجمال بل والارتقاء بكل ما ذكر، كان لا بد من ردم هذه الفجوة وإيصال الكتاب إلى يد القارئ دون أن يتحمل أعباء الوصول إليه ..باختصار .. الابداع هو مشروع خاسر ماديا لكننا نسعى لأن يكون رابحا في التأسيس لمرتكزات الجمال.

وشارك الأستاذ روني علي في المعرض بأربعة مجموعات شعرية هي:
- صوت بلا صدى (إلى مشعل التمو)
- رحيل الجن إلى السماء
- Çivîkên baskokirî
- Sirûda hestên penaber

وجميعها من إصدارات دار آفا للطباعة والنشر.

كما و بينت الكاتبة مايا درويش لبرجاف "FM" :إن هدفي من المبادرة هو إن الأوضاع الإقتصادية في البلد ونتيجة إرتفاع الدولار والأوضاع الظروف الصعبة احببت أن أساهم بنسخ من ديواني التي شاركت بها في المعرض كمساهمة مني ولكي تكون في متناول من يريد إقتناء الكتاب ولا يملك ثمنها .

ولفتت الأستاذة "مايا " بإن الأسعار المرتفعة شكل عبئاً على الناس وبما فيها اسعار الكتب وهي مبادرة تشجيعية ومساعدة من يحب القراءة ولا يستطيع امتلاك الكتاب فبإمكانه الحصول عليها مجاناً وخاصة بعد ان تواصل معي مجموعة من الأصدقاء وشكو من ارتفاع سعر الكتاب وعدم قدرتهم على شرائها وتراودت لي هذه الفكرة اتفقنا نحن ومجموعة من الكتاب ممن طبعوا مجموعاتهم في دار آفا للنشر بإطلاق هذه المبادرة "

ويشار بإن الكاتبة مايا درويش شاركت بديوان "الضفة الثالثة "وهو الديوان الوحيد ويدور احداثه عن منطقة الفرات ويتكلم عن الحرب التي مرت فيها المنطقة والاوضاع الصعبة وعن الغربة وهو ديوان شعر .

وانضم الكاتب ميرفان فقة أيضاً إلى المبادرة وقال لبرجاف "FM" يمكن لنا أيضاً أن نحدث فرقاً في أوطاننا، في ظل هذه الأزمة الاقتصادية على المنطقة ونظراً لسوء المعيشة لدى الشعب وبعد معرفتنا بأن سعر الكتب مرتفع في ظل هذه الظروف ، فقد قررت أنا أيضاً أن أكون أحد جوانب هذه المبادرة التي قام بها مجموعة من الكتاب أيضاً
بأولى إصداراتي .

وأشار الكاتب "ميرفان " إن " جداريات زاغرو "وهي من إصدارات دار آفا للنشر والتي حملت في عنوانها كنوع من الجرافيتي في زمن الحرب التي دمرت كل معالم الإنسانية والحياة فيها ، كما يشير الكتاب بنصوصه الشعرية إلى نوع من أنواع كتابة الكتمان الذي لا نستطيع البوح به في ظل سياسات القمع وعدم سماع العالم أوجاعنا ومعاناتنا ، وتشير هذه الكتابات الى معاناة شعبنا
الأمهات والأطفال
الشهداء والشهيدات
الخيام والمخيمات
الشجر والحجر
المقاتلات والمقاتلين
عفرين وسريكانيه وتل أبيض
والكثير من الأفكار والزوايا المعتمة في زمن الحرب .
وأضاف الكاتب :من مبدأ من يحيا بما يحصل عليه
فإنني أحيا بما أقدمه لذلك توجب علينا نحن أيضاً أن نحمل أعباء هذه الفوضى التي تعم مناطقنا وشعبنا .

ولم يدلي لنا دار "آفا" للنشر بتصريح حول المبادرة معللين ذلك لإعتبارات خاصة بهم

وتجدر الإشارة إن كل من يريد أن يحجز الديوان بإمكانه التواصل مع الكتاب على الخاص أو على رقم الدار 004571447911




مصر وتركيا والخطط الوهمية لإردوغان

مصر وتركيا والخطط الوهمية لإردوغان

Jul 22 2020

رمزي عز الدين رمزي*
خلال ذروة العلاقات المصرية - التركية إبان حكم الإخوان المسلمين في مصر، كتبت مقالاً عام 2013 توقعت فيه ألا تستمر تلك العلاقات على هذه الحال، فعاجلاً أم آجلاً سيتحول التعاون الوثيق وغير المسبوق بين الحكومتين الإسلاميتين إلى تنافس بين القاهرة وأنقرة.
بعد بضعة أشهر من المقال، أزاحت انتفاضة الشعب المصري الرئيس محمد مرسي عن سدة الحكم، وبدأت العلاقات المصرية - التركية في التدهور السريع، حتى وصل الأمر إلى احتمال حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولتين في ليبيا.
حدث هذا في الوقت الذي لكل من مصر وتركيا مصلحة مشتركة في إقامة علاقات ثنائية قوية، تخدم مصالحهما الوطنية وتسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة. وبالمناسبة هذا رأي وافقني عليه كل دبلوماسي تركي التقيت به على مر أكثر من أربعة عقود.
وفي محاولة لاستشراف إمكانية تطوير العلاقات المصرية - التركية، أرى أنه من المهم العودة إلى متابعة تاريخ هذه العلاقات: فحتى الحرب العالمية الأولى كانت مصر نظرياً جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، لكن في الواقع كانت منذ عام 1805 تتمتع بالحكم الذاتي الذي جعلها عملياً مستقلة، إلى درجة أن الجيش المصري تحت قيادة إبراهيم باشا كاد يسقط الإمبراطورية العثمانية عام 1827 لولا تدخل كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا في معركة نافارينو البحرية. والعبرة هنا أن العلاقة بين القاهرة وإسطنبول منذ أوائل القرن التاسع عشر - على عكس الوضع مع دول عربية كثيرة - كانت تتسم بالندية وليس التبعية، الأمر الذي يوفر أرضية مواتية لإقامة علاقة متوازنة بين البلدين.
ومنذ ذلك الوقت، شهدت العلاقات المصرية - التركية تقلبات تراوحت بين الصداقة والعداء وحتى اللامبالاة والتجاهل. ومع بداية تسعينات القرن العشرين، تحسنت العلاقات تدريجياً، ولكنها اتخذت منحى شديداً نحو التدهور عام 2014 بانتهاء حكم الإخوان المسلمين في مصر. ومنذ ذلك الحين سعت تركيا لتطويق وعزل مصر عن محيطها العربي وحتى الأفريقي.
هذا يذكرني بسعي الاتحاد السوفياتي دعم «جبهة الصمود والتصدي» التي أنشئت عام 1977 بهدف عزل مصر عن محيطها العربي، بعد أن قام الرئيس السادات بزيارة القدس. والآن تبدو تركيا أكثر طموحاً من الاتحاد السوفياتي آنذاك، حيث أقامت قاعدتين عسكريتين في كل من قطر والصومال كما حاولت الشيء نفسه في السودان، وتسعى الآن لإقامة قاعدتين بحرية وأخرى جوية في ليبيا، كما يبدو أنها تحاول أن تتدخل بشكل غير مباشر في اليمن، ذلك في الوقت الذي تواصل فيه تدخلها العسكري في كل من سوريا والعراق. وكلها سياسات تهدف بشكل مباشر أو غير مباشر لتطويق مصر ومحاولة لتمهيد الطريق أمام سيطرة أنقرة على المشرق العربي.
كدبلوماسي مصري في موسكو في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، كنت شاهداً على إدراك موسكو أن سياستها في عزل مصر قد فشلت، وبالتالي بداية سعيها إلى إعادة بناء علاقة قوية مع القاهرة مبنية على أسس جديدة وواقعية.
إذا كان الاتحاد السوفياتي القوة العظمى حين ذاك قد فشل في عزل مصر عن محيطها، فلا أرى كيف يمكن أن تنجح تركيا في فعل ذلك الآن. ومع ذلك يؤسفني أن أقر أن فرص تغيير أنقرة لسياستها تجاه مصر تكاد تكون معدومة في ظل حكم الرئيس إردوغان، فيبدو أن العداء الذي يكنه لمصر مسألة لها أبعاد شخصية لا علاقة لها بمصالح تركيا الحقيقية. ومع ذلك فمن المعروف أن الرئيس إردوغان سياسي براغماتيكي يمكن أن يعيد حساباته إذا ووجه بتحديات يصعب عليه تجاوزها.
وما يزيد من تعقيد الأمور هو وجود تيار في المجتمع التركي يبالغ في أهمية دور تركيا في النظام الدولي الجديد الجاري تشكيله، حيث ينظر إلى أن القوى الكبرى (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا) تسعى إلى تحجيم القوة الصاعدة لتركيا التي يعتبرها التيار نقطة التوازن بين الشرق والغرب من جهة والشمال والجنوب من جهة أخرى، وارتباطاً بذلك ينظر إلى العالم العربي كالفناء الخلفي الذي يمكن من خلاله لتركيا أن تشكل منصة للتصدي لتلك القوى. وهذا يعكس، وللأسف، عقلية استعمارية عفى عليها الزمن.
أمام هذا الوضع المعقد، وحتى لا يتم قطع الطريق أمام بناء علاقات قوية بين تركيا والدول العربية في المستقبل، فمن الأهمية التحرك من أجل الحد من الآثار السلبية للسياسات التركية الحالية.
وحتى أكون واضحاً، فليس الهدف عزل تركيا عن المنطقة، بل على العكس، فالمطلوب دمجها اقتصادياً على أساس سليم وواقعي. فتركيا دولة مهمة ذات إمكانات اقتصادية كبيرة، ومجتمع عصري له جذور عميقة في الإسلام والمشرق يجب مساعدتها لتسخير تلك المزايا لبناء علاقة منفعة متبادلة مع الدول العربية على المدى الطويل.
أما من الناحية السياسية، فعلى تركيا حسم خياراتها الاستراتيجية: الاستمرار في السعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، أو النظر شرقاً نحو المنطقة العربية وبناء علاقات على أساس الاحترام المتبادل والتكامل وليس الهيمنة، وتنحية أحلام الرئيس إردوغان بإقامة العثمانية الجديدة. فتركيا يمكن أن تكون أحد الجسور الرئيسية بين الشرق والغرب، ولكن لا يمكن أن تكون الجسر الوحيد.
إن الخطوة الأولى لإنقاذ تركيا من الخطط الوهمية للرئيس إردوغان تجاه العالم العربي تكمن في التصدي للتمدد التركي في ليبيا، حيث تواجة أنقرة اختبارها الحقيقي وربما فرصتها الأخيرة لإثبات أنها حريصة على بناء علاقة متوازنة مع الدول العربية المؤثرة. فإذا تمادت أنقرة في تدخلاتها في المنطقة فإنها ستجعل تحقيق ذلك الهدف صعب المنال، إضافة إلى ذلك فقد تتسبب سياساتها في ضرر بالغ في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. وعليه يكون المطلوب بذل جهد مشترك من قبل الدول العربية والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى روسيا، لحمل أنقرة على إدراك الحقائق التالية:
أولاً، أنها تحتاج إلى تطبيع علاقاتها مع مصر إذا كانت بالفعل جادة في بناء علاقة مستقرة طويلة الأمد مع العالم العربي، وهذا ممكن، فليس لديَّ شك أنه سيكون موضع ترحيب في القاهرة، إذا كانت تلك العلاقة مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ولكن على أنقرة بداية اتخاذ المبادرة لإعادة الثقة مع القاهرة بالتوقف عن توفير منصة للحملات الإعلامية المناهضة لمصر.
ثانياً، أن تثبت أنها تتراجع عن طموحاتها في المنطقة على أن يبدأ ذلك بالموافقة على وقف لإطلاق النار على طول خطوط المواجهة الحالية في ليبيا، حتى يمكن إيجاد تسوية سياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، وأنه لن يسمح لها بإنشاء قواعد عسكرية دائمة في ليبيا أو السيطرة عليها حتى ولو بشكل غير مباشر.
ثالثاً، أن ضمان أمن واستقرار حدودها على المدى الطويل مع كل من سوريا والعراق، لن يتأتى إلا من خلال احترام سيادة تلك الدولتين على كامل أراضيهما.
رابعاً، لن تقف أوروبا والدول العربية مكتوفة الأيدي أمام الطموحات المبالغ فيها لأنقرة في مجال الطاقة. فإذا كان هدف تركيا هو ضمان نصيبها في موارد الطاقة بشرق البحر الأبيض المتوسط والحصول على نصيب في عقود إعادة الإعمار في ليبيا المستقبلية، فهذا أمر يمكن ترتيبه بين الأطراف المعنية دون أن تنجرف في مغامرات غير محسوبة.
ختاماً يحدوني الأمل أن تدرك أنقرة تلك الحقائق كي يعيد الرئيس إردوغان النظر في سياساته ويخفض من طموحاته الإقليمية، تاركاً الباب مفتوحاً في المستقبل لبناء علاقات وطيدة مع الدول العربية. فالبديل سيكون ليس فقط مواجهة لا تخدم مصلحة أحد، بل مزيد من تعقيد الأمور أمام إمكانية حدوث انفراجة في المستقبل المنظور في العلاقات العربية – التركية.
*سفير مصري ومسؤول أممي سابق
المصدر الشرق الاوسط




10 إشارات ودلالات في «الانتخابات» السورية (تحليل إخباري)

10 إشارات ودلالات في «الانتخابات» السورية (تحليل إخباري)

Jul 22 2020

تضمنت «الانتخابات البرلمانية»، وهي الثالثة منذ احتجاجات 2011، كثيراً من الدلالات على حجم التغيير الحاصل في سوريا، خصوصاً ما يتعلق بصعود «أثرياء الحرب» و«أمراء الحرب». وذلك رغم افتقادها إلى معايير الحرية والشفافية والمشاركة في الترشح والتصويت، وتجاهلها مسار عملية السلام برعاية الأمم المتحدة لتنفيذ القرار الدولي (2254).. وهنا 10 إشارات ودلالات:

1 - غالبية «البعث»: رغم أن الدستور الحالي، المقرر في 2012، ألغى المادة الثامنة من الدستور التي نصت على أن «البعث» هو «القائد للدولة والمجتمع»، فإن قيادة الحزب التي تغير اسمها حافظت على دورها في تسمية مرشحي «البعث» والأحزاب المرخصة المتحالفة معه في «الجبهة الوطنية التقدمية». وبمجرد تسمية القيادة أسماء مرشحيها الـ183 (بينهم 166 بعثياً)، باتوا بحكم الفائزين، بصرف النظر عن التصويت، لاعتمادها على قاعدة الحزب والعاملين في القطاع الحكومي. لذلك، فإن «المنافسة» بين المرشحين كانت على المقاعد الـ67 المخصصة لـ«المستقلين» من رجال أعمال وحرب.

2 - عملية جنيف: منذ بدء الاحتجاجات، تمسكت دمشق بمسارها العسكري والسياسي والاقتصادي... والانتخابي. فقد جرت انتخابات برلمانية في 2012 و2016، وعدل الدستور في 2012، وجرت انتخابات رئاسية بموجبه في 2014، وتعكس الانتخابات البرلمانية الثالثة تمسك دمشق بـ«مسارها»، بصرف النظر عن العملية السياسية الجارية في جنيف لتنفيذ القرار (2254). وكانت دمشق قد سمت أحمد الكزبري رئيساً لوفدها إلى تلك المفاوضات، وأصرت على أن يمر أي إصلاح دستوري من خلال البرلمان وعبر «المؤسسات الدستورية»؛ أي البرلمان. وتسبق هذه الانتخابات جلسة مقررة لمحادثات اللجنة الدستورية في جنيف نهاية الشهر المقبل. وعليه، فإن تمسك «البعث» بالغالبية في المجلس التي هي تحصيل حاصل يؤدي إلى ضمان أمرين: الأول السيطرة على الغالبية والثلثين في مجلس الشعب، في حال طرحت أي إصلاحات أو تعديلات دستورية، وهذا تحقق بسبب وجود 183 عضواً لـ«البعث» وحلفائه؛ الثاني توقيع 35 نائباً على ترشيح أي شخص لرئاسة الجمهورية؛ أي أن القرار بيد «البعث»، وقد حصل هذا في 2014، وسيحصل في انتخابات الرئاسة العام المقبل.

3 - الرئاسية بعد البرلمانية: واضح عدم نية دمشق فتح هامش أوسع في انتخابات البرلمان، ما طرح تساؤلات عما إذا كانت انتخابات الرئاسة، العام المقبل، ستكون مشابهة، في حال عدم حصول توافق أميركي - روسي إقليمي، أو تفاهم عبر مسار جنيف على الانتخابات الرئاسية، ودور الأمم المتحدة.

4 - المساحة والسيطرة: جرت الانتخابات بصرف النظر عن المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها قوات الحكومة التي انخفضت إلى نحو 10 في المائة، وعن القوات الأجنبية الموجودة في البلاد. حالياً، هناك جيوش أربع دول، أميركا وروسيا وإيران وتركيا. وتسيطر قوات الحكومة على نحو 63 في المائة من مساحة البلاد، فيما تسيطر قوات أميركا وتركيا وحلفائهما على نحو 37 في المائة من مساحة البلاد. وهناك محافظات إدلب والحسكة والرقة، وجزء من دير الزور، خارج السيطرة، لكن الانتخابات جرت في مناطق النزوح. وقد كان لافتاً أنه فيما كانت عمليات فرز الأصوات تجري، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات على مناطق في سوريا، بينها مطار المزة العسكري على بعد بضع مئات من الأمتار من مقر إعلان نتائج الانتخابات.
5 - نسبة المشاركة: بموجب الدستور الحالي، يسمح للعسكريين ورجال الأمن بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، ولا يسمح للسوريين خارج البلاد الذين تحق لهم المشاركة في انتخابات الرئاسة، لكن شهود عيان أفادوا بأن نسبة التصويت كانت منخفضة جداً. والسؤال: كيف ستبرر دمشق ذلك؟ هل انتشار وباء «كورونا» أم الهجمات الإرهابية؟

6 - وجوه قديمة: تشير التقديرات الأولية إلى أن نصف أعضاء المجلس هم من الوجوه الجديدة. وكان لافتاً خروج أعمدة من البرلمان، بينهم رجل الأعمال محمد حمشو الذي انسحب بناء على «توجيه بعثي» قبل يومين من الانتخابات، والخسارة المفاجئة لرجل الأعمال الحلبي فارس الشهابي. وفي حمص، كانت المفاجأة غياب كبير برلماني اعتاد افتتاح الجلسات، وهو عبد العزيز طراد الملحم، علماً بأن ابنه نواف عضو الوفد المشارك في اللجنة الدستورية في مفاوضات جنيف.

7 - أثرياء الحرب: بين الوجوه الجديدة التي تدخل البرلمان لأول مرة، أو ثاني مرة، هناك صعود واضح لدور «أثرياء الحرب» الذي جمعوا ثروتهم في السنوات الأخيرة، وبينهم حسام قاطرجي عن حلب، وبلال نعال وعمر خيتي اللذان برزا في تجارة ريف دمشق في الفترة الأخيرة، وألان بكر تاجر الأدوية في حلب، وعمار الأسد في اللاذقية، وبديع الدروبي في حمص، إضافة إلى استمرار دور سامر الدبس في دمشق. كما برز الدور الصاعد لمحمد همام مسوتي على حساب حمشو.

8 - «أمراء الحرب»: كان واضحاً صعود دور قادة الفصائل والميليشيات التي قاتلت إلى جانب قوات الحكومة منذ 2011، وبينهم باسم سودان قائد «كتائب البعث» في اللاذقية الذي يرأس شقيقه الفرع السوري لـ«تنظيم حزب الله»، وحسام قاطرجي (وهو جزء من عائلة تعمل بالتجارة والقتال) في حلب، وعمر حسن قائد «لواء الباقر» في حلب، وفاضل وردة القائد السابق في «قوات الدفاع الوطني» في السلمية في حماة، إضافة إلى آل بري أحد أركان عائلة بري الذين شكلوا تنظيمات مسلحة إلى جانب قوات الحكومة في حلب.

9 - تمثيل طائفي: حسب مركز أبحاث أميركي أجرى دراسة عن خلفية المرشحين المعتمدين، فإن هناك صعوداً واضحاً بعدد العلويين في المجلس إلى 39 عضواً، من أصل 250، مقابل 171 سنياً، و23 مسيحياً، و5 شيعة، 2 منهم عن محافظة إدلب التي كانت تضم بلدتين شيعيتين، هما الفوعة وكفريا، قبل إجراء تهجير بموجب تفاهمات إقليمية.

10 - انتقادات: لوحظ أنه بمجرد بدء صدور نتائج الانتخابات، شن بعض الخاسرين حملة غير مسبوقة عليها، إذ إن رجل الأعمال فارس الشهابي، المعروف بولائه للسلطة، اتهم تحالف «الفاسدين» و«أمراء الحرب» بالمسؤولية عن خسارته، الأمر الذي عد إشارة إلى قاطرجي وبري. كما اتهمت الكردية بروين إبراهيم رئيسة «حزب الشباب للتغيير والبناء» دمشق بـ«تزوير الانتخابات»، فيما حمل الفنان بشار إسماعيل الذي ترشح عن ريف دمشق «المال السياسي» سبب خسارته
المصدر :الشرق الاوسط




التحقيق الذي لم يحدث

التحقيق الذي لم يحدث

Jul 21 2020

مايكل يونغ
فيما تستعد المحكمة للنطق بالحكم في قضية اغتيال رفيق الحريري، ثمة أسئلة كثيرة ينبغي على الأمم المتحدة الإجابة عليها.
مركز كارنيغي للشرق الأوسط:21/7/2020
أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان عن موعد النطق بالحكم في 7 آب/أغسطس المقبل، والذي يُفترَض أن يشكّل لحظةً درامية قوية. ولكن القرار الذي يصدر بعد أكثر من 15 عاماً على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005، أي الجريمة التي يُفترَض أن تلفظ المحكمة حكمها للبت فيها، سوف يبدو مجرد حاشية لكتابٍ نفدت طبعته.
من ذلك أنه طلب تكليف قوى الأمن الداخلي بتحليل بيانات الاتصالات الخاصة بمنفّذي عملية الاغتيال، علماً بأن هذا الجانب هو الأكثر حساسية في التحقيق، والغريب أن طلبه جاء بعد أن عزل فريقه عن قوى الأمن الداخلي خوفاً من التسريبات.
ليس واضحاً لماذا أقدم براميرتس على هذه الخطوة. التفسير المحتمل هو انطباعه ربما بأن الأمم المتحدة لاتريد كشف ملابسات الجريمة كاملةً، ولاسيما إذا ثبت تورّط حزب الله فيها. وجاء تعيينه لاحقاً مدّعياً عاماً للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ليغذّي التكهنات بأن الأمم المتحدة كافأته على تقاعسه في بيروت. ربما استشعر براميرتس بأن المنظمة الدولية متخوّفة من أن يؤدي الكشف عن قتلة الحريري بالاسم إلى اندلاع نزاع مذهبي، على خلفية اتهام حزب الله الشيعي بقتل شخصية سنّية مرموقة.
إن كانت ثمة شكوك بشأن حقيقة المخاطر، فقد حرص الرئيس السوري بشار الأسد على تبديدها في 7 نيسان/أبريل 2007، عندما اجتمع في دمشق بأمين عام الأمم المتحدة آنذاك بان كي مون. فما ورد على لسان الأسد، بحسب ماسُرِّب إلى صحيفة "لوموند" الفرنسية، لم يُظهر فحسب أن الرئيس السوري يعرف مَن هي الجهة التي تقف خلف الجريمة، بل انطوى أيضاً على تهديد في وقتٍ برز فيه كلامٌ عن إنشاء محكمة لمقاضاة المشتبه بهم بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
فقد قال الأسد على مسامع بان كي مون: "الانقسامات والنزعات الطائفية متجذّرة بعمق في لبنان منذ أكثر من 300 عام"، مضيفاً: "المجتمع اللبناني شديد الهشاشة. السنوات الأكثر أماناً [التي عرفتها البلاد] كانت خلال وجود القوات السورية هناك. فقد كان لبنان مستقراً بين عامَي 1976 و2005، لكنه بات يعاني الآن من عدم استقرار شديد". ولذلك، من شأن إنشاء محكمة بموجب الفصل السابع أن يفاقم زعزعة الاستقرار، وفقاً للأسد الذي ما لبث أن أخذ الحديث في منحى مباغت ومقلق قائلاً إن المحكمة "قد تتسبب بسهولة باندلاع نزاعٍ يتحوّل ربما إلى حرب أهلية، ويولّد انقسامات بين السنّة والشيعة من البحر المتوسط إلى بحر قزوين".
لقد أقرّ الأسد ضمناً بأن حزب الله مسؤول عن اغتيال الحريري، وبأن التداعيات الخطرة التي يمكن أن تترتب عن هذا الأمر قد تمتدّ بعيداً جداً متخطّيةً الحدود اللبنانية. ويبدو أن مسؤولاً في الأمم المتحدة برفقة بان كي مون، أو ربما بان كي مون نفسه، أقدم على تسريب كلام الأسد. ويمكن أن نستشفّ أن الرئيس السوري طرح مسألةً كان على يقين من أنها ستثير قلق الأمم المتحدة.
بحلول ذلك الوقت، ظهرت شكوك بأن منظمة الأمم المتحدة – خلافاً للدول الأعضاء الأساسية في مجلس الأمن مثل فرنسا والولايات المتحدة – غير متحمّسة لإجراء تحقيق معمّق في مقتل الحريري. سألتُ القاضي الألماني ديتليف ميليس الذي تولّى رئاسة لجنة التحقيق الدولية قبل براميرتس في مقابلة أجريتها معه العام 2008، إذا كان كوفي أنان الذي شغل منصب أمين عام للأمم المتحدة خلال مرحلة التحقيقات التي أجراها ميليس في النصف الثاني من العام 2005، قد تدخّل في عمله. فكان جواب ميليس النفي، لكنه أشار أيضاً إلى أن "أنان قال لي بوضوح إنه لايريد بؤرة اضطرابات جديدة. احترمتُ ذلك لكنه احترم أيضاً وجهة نظري. تقليدياً، ثمة تشنجات بين السياسة والقضاء، وقد تقبّلتُ أن أنان لايريد مشاكل إضافية بسبب قضية الحريري".
لكن عندما كثّف ميليس عمله في خريف 2005، بل سعى إلى مقابلة الأسد نفسه، أعلمته الأمم المتحدة بأنها لم تعد قادرة على ضمان أمنه في لبنان، وبأن عليه متابعة تحقيقاته من خارج البلاد بعيداً عن فريق عمله. يقول ميليس إن المندوب الألماني لدى الأمم المتحدة ردّ بأن ميليس لايستطيع القبول بمثل هذا الشرط، وبحلول كانون الأول/ديسمبر، عاد القاضي إلى بلاده.
لم يعمد ميليس مطلقاً إلى الربط علناً بين قرار الأمم المتحدة بنقله من لبنان ووجود رغبةٍ في التضييق على تحقيقاته. ولكن يصعب أن نتصوّر أن رجلاً بخبرته لم يلمس إشارة بأن الأمم المتحدة غير مرتاحة لإجراء تحقيق معمّق للغاية. ولم تعلّل الأمم المتحدة لماذا أبقت براميرتس في لبنان بعدما كانت قد سعت إلى نقل ميليس إلى خارج البلاد. ما الذي تضمّنته تحقيقات براميرتس ليطمئن الأمم المتحدة إلى سلامته، فيما طُلب من ميليس مغادرة لبنان؟
في المقابلة نفسها التي أجريتها مع ميليس في كانون الثاني/يناير 2008، وجّه هذا الأخير انتقادات لاذعة لجهود براميرتس. فقد قال صراحةً: "لم أرَ كلمة واحدة في تقاريره الصادرة خلال العامَين المنصرمين تؤكّد أنه أحرز تقدّماً. عندما غادرت، كنا جاهزين لتسمية المشتبه بهم، لكن يبدو أن [التحقيق] لم يتقدّم بعد ذلك". وتيرة التحقيقات البطيئة أكّدها لي أشخاصٌ مطّلعون عن كثب على ما كان يجري داخل فريق براميرتس.
تسلّم براميرتس رئاسة لجنة التحقيق الدولية في لحظة محورية من التحقيقات في قضية الحريري، حين كان يتوجّب توسيع نطاق التقصّي الأولي الذي أجراه ميليس من خلال استجواب الشهود وتوقيف المشتبه بهم. ولكن لم يجرِ توقيف أحد خلال رئاسته لفريق الأمم المتحدة، ماتسبب بتعطيل شديد للتحقيقات، ولاحقاً للمحاكمة أمام المحكمة الخاصة بلبنان. واقع الحال هو أن البعد الأساسي الذي تمحور حوله قرار الاتهام الصادر عن المحكمة، ويتمثّل تحديداً بتحليل الاتصالات بين قتلة الحريري، لم يطوّره في البداية محققو براميرتس، إنما ضابط لبناني في قوى الأمن الداخلي يدعى وسام عيد، وقد حصل على المعلومات من فريق الأمم المتحدة. اغتيل عيد في كانون الثاني/يناير 2008، فيما نجا رئيسه سمير شحادة بأعجوبة من محاولة اغتيال في أيلول/سبتمبر 2006.
لماذا سلّم براميرتس كلاً من شحادة وعيد المعلومات الأهم في ملفاته؟ حتى داخل فريق الأمم المتحدة، لم يتمكّن البعض من تفسير هذا القرار. وعلى نحوٍ أدق، لماذا أقدم براميرتس على ذلك بعد أن حجب الجزء الأكبر من تحقيقاته عن اللبنانيين؟ التفسير الوحيد هو أن القاضي البلجيكي لم يرد الكشف عن أي شيء، وتوقّع أن يصطدم اللبنانيون بحائط مسدود، وبالتالي طمس بيانات الاتصالات التي تحمل مفاجآت من العيار الثقيل. لكنه أساء التقدير، إذ اكتشف عيد الذي عمل بمفرده، معلومات كثيرة تُورّط حزب الله. وفي كانون الأول/ديسمبر 2007، أكّد فريق تحليل تابع للأمم المتحدة دقّة الاستنتاجات التي توصّل إليها عيد، وفقاً لما جاء في وثائقي بثّته هيئة الإذاعة الكندية.
لا يمثّل التحقيق في قضية الحريري انتصاراً للعدالة تحت رعاية الأمم المتحدة، بل إنه بمثابة عبرة يجب أن يؤخَذ بها لتجنّب تكرارها. قد تُصدر المحكمة الخاصة بلبنان حكمها بحق عناصر حزب الله، إنما لا أحد منهم موجود في الحجز، ويُعتقَد أن الكثير منهم قد لقوا مصرعهم. يُشار إلى أن براميرتس الذي غادر بيروت من دون أن يحقق شيئاً على الإطلاق، عُيِّن في إحدى المحاكم التابعة للأمم المتحدة، مايطرح تساؤلات بشأن المعايير التي تستخدمها المنظمة لترقية المسؤولين فيها. وأكثر مايبعث على الاضطراب هو أن وسام عيد لقي حتفه لأن التحقيق التابع للأمم المتحدة ألقى بين يدَيه المعلومات الأشد إدانةً.
لقد أشيد سابقاً بتحقيقات الأمم المتحدة من خلال الإشارة إلى أنها تشكّل آلية لإنهاء حالة الإفلات من العقاب. لكن تبيّن أنها عكس ذلك تماماً. فالأشخاص الذين يُعتقَد أنهم نفّذوا عملية اغتيال رفيق الحريري قد لا يواجهون أي عقاب اليوم. مع ذلك، ستكون الأمم المتحدة راضية عن نفسها وتعلن أن العدالة قد تحققت. ولكن سلوكها منذ العام 2005 يؤكّد أن نواياها كانت في الواقع تجنُّب إحقاق العدالة
المصدر:مركز كارنغي للشرق الاوسط




النادي الرياضي في كوباني

Jul 21 2020


برجاف ترصد المشهد العام في شمال وشرق سوريا وتركز على كارثة انقطاع المياه في الحسكة

برجاف ترصد المشهد العام في شمال وشرق سوريا وتركز على كارثة انقطاع المياه في الحسكة

Jul 21 2020

برجاف| كوباني
رصدت منظمة برجاف للتمنية الديمقراطية والإعلام في تقريرها السابع عشر المشهد العام في شمال شرق سوريا، ركزت فيه على كارثة انقطاع المياه في محافظة الحسكة، وطريق "M4 " وارتباطها بالوضع المعيشي للناس، وعقوبة القيصر وكيفية تجنب تداعياتها.
وبدأت برجاف تقريرها الذي أرسلته لمكتب المبعوث الخاص، بملخص تنفيذي أوضحت فيه ميل المؤشرات الأمنية والعسكرية للأسوء وذلك لما شهدته كوباني والدرباسية والمناطق المحيطة لرأس العين وتل أبيض من قصف متزايد من قبل فصائل الجيش الوطني والاحتلال التركي، بالإضافة إلى استهداف طريق "M4" في عين عيسى. وطرأت إلى تحسن المشهد السياسي في المنطقة إثر الحوار الكردي الكردي.
كما وقدمت برجاف مجموعة من المقترحات بمثابة توصيات وأشارت إنه يتوجب على المجتمع الدولي والقوى ذات الشأن وبمساعدة مكتب المبعوث الخاص والاتحاد الأوربي والجامعة العربيّة العمل على:
• إعادة النظر في مسألة المعابر من قبل هيئات الإستجابة الإنسانية الأممية، ولا سيما معبر اليعربيّة/تل كوجر، وعدم استثمار ما هو إنساني سياسياً.
• عزل السكان والمدنين ومصالحهم عن أي صراع أو نزاع، وبالتالي الضغط على الأتراك لعدم محاربة المدنيين في شمال وشرق سوريا مائياً.
• تأمين الطرق بين القرى والبلدات والمدن، واعتبارها طرق "إنسانيّة"، والعمل على منع قرصنة أو قطع الطرق من قبل القوات العسكريّة للطرق الرئيسية ولا سيما طريق M4.
• العودة الآمنة للنازحين الذين ينتشرون في أكثر من (١١) تجمع، وفي مدن وبلدات شمال شرق سوريا، إلى منازلهم، وتأمين الإحتياجات الأساسية لهم.
• اعتبار حق الملكية حق مقدس، ومن المبادئ فوق دستورية، وتالياً يُمنع إحداث التغيير في الهندسة الديمغرافيّة.

وبالإضافة إلى المشهد الصحي وتخوف الإدارة الذاتية من تفشي الوباء في المنطقة بعد الكشف عن إصابات في شمال غرب سوريا،
بسبب تنقل الطلاب الذين قدموا امتحاناتهم في المناطق الخاضعة للحكومة، وأيضاً المرضى العائدين والذين كانوا يتعالجون في دمشق وحلب وبقوا هناك لمدة زمنية طويلة.
ومشكلة انقطاع المياه عن محافظة الحسكة والكارثة التي يمكن أن تحدث في حال استمرار حجز مياه سد الفرات.
وما تشهده منطقة شمال وشرق الفرات من انقطاع متكرر للكهرباء، نتيجة قيام تركيا بحجز مياه نهر الفرات ومنعه للتدفق نحو سوريا.
كما غطت برجاف المشهد التعليمي وما يعانيه طلاب المراحل الثلاث من انقطاع التعليم، والمعابر الحدودية التي أغلقت للتدابير الوقائية، واستمرار إغلاق معبر اليعربية الذي كانت تستخدمه الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية لشمال شرق سوريا.
ولم تنسَ المجتمعات اللاجئة والنازحة وحال مخيم واشوكاني في ظل ازدياد تفشي كوفيد19 في العراق.

واختتمت برجاف تقريرها بالاحتياجات التي ازدادت بعد تقليص عدد المنظمات الإنسانية، وتداعيات قانون قيصر.
وفقاً للمسح الذي أجراه متطوعو ومراقبو برجاف تبين أن الأحتياجات هي:

على مستوى القوى ذات الشأن
 العودة الآمنة للنازحين، وضمان السكن في منازلهم واستعادة ممتلكاتهم.
 تحسين شروط الحياة، وتأمين المواد الأساسية وبأسعار مناسبة لدخل الناس ومقدراتهم المالية.
 الحد من الاشتباكات، ووقف الحرب وسياسة التوسع من الأراضي من قبل الاتراك، وذلك للحؤول دون انزلاق الأوضاع إنسانياً.
 الاستقرار السياسي الحزبي.
على المستوى المعيشي والإنساني
 عودة المنظمات الدولية الإنسانية، والمدنية، والمساهمة في تنفيذ.
 دعم المشهد الصحي، وبرامج الاستجابة الطبية المجانية.
 برامج سبل العيش، والتمكين الاقتصادي للناس.
 دعم السكان من خلال برامج تنفيذ المواد الغذائية وغير الغذائية.
 برامج إمكانية الفصل بين معيشة الناس والعقوبات الاقتصادية.
 برامج مناسبة لتأهيل المجتمع المحلي، سياسيا واقتصاديا وبرامج دعم للحوار المجتمعي والتماسك الاجتماعي.
 برامج دعم السكان لترميم منازلهم، وتخفيف من آثار وأعباء الحرب.




انطلاق فعاليات معرض

انطلاق فعاليات معرض "هركول" للكتاب الرابع في قامشلو

Jul 20 2020

برجاف|قامشلو

انطلقت فعاليات اليوم الأول لمعرض "هركول" للكتاب بدورته الرابعة ، تحت شعار “اقرأ … اعرف ذاتك”،اليوم الإثنين، والذي سيستمر حتّى 25 من تموز الجاري، في صالة زانا بمدينة قامشلو برعاية هيئة الثقافة في شمال وشرق سوريا.

وشارك في المعرض 39 دار نشر، و120 ألف نسخة كتاب، تتضمّن 11 ألف عنوان، تحمل موضوعات مختلفة ثقافية وتاريخية واجتماعية ودينية وسياسية وعسكرية وفلسفية وروايات، وبعدة لغات (الكردية والسريانية والعربية والتركية والإنكليزية).

كما وشارك دار آفا للنشر بنحو 2000 كتاب وحول المشاركة لم يدلوا لنا بتصريح لإعتبارات خاصة .

وحضر فعاليات الافتتاح نُخبة من المثقّفين والكتّاب ووفد من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والمجلس التنفيذي في إقليم الجزيرة وممثلي بعض الأحزاب السياسية.

وأكدت نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الثقافة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا روناهي حسن إلى أنّ المعرض يفتتح كل عام أبوابه تخليداً لذكرى استشهاد القامة الأدبية والثورية القيادي في وحدات حماية الشعب حسين شاويش (هركول).

وأضافت حسن أن: “ الهدف من افتتاح معرض هركول هو منع تفشّي الجهل في المجتمع والتّشجيع على القراءة ونشر الثقافة” .

وبدوره هنّأ الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لإقليم الجزيرة طلعت يونس افتتاح المعرض بنسخته الرابعة مشيراً إلى أنّ المعرض يعدّ من منجزات ثورة 19 تموز، التي هي مثال لكفاح ونضال شعوب شمال وشرق سوريا وتضحية الآلاف من أبناء هذا الشعب مضيفا إلى أن اليوم: “ تحقّقت أحلام وآمال جميع المثقّفين والكتّاب الذين حلموا بأن يحيوا ثقافاتهم بلغتهم الأم” .

ويتضمن المعرض هذا العام قسما خاصّا بالأطفال، وسيتمّ إلقاء 12 محاضرة، وتحضير 5 جلسات نقاشيّة على الطاولة المستديرة، وتوقيع عدّة كُتب ،وستستمرّ فعاليات هذا المعرض مدّة 6 أيام، وتنقسم فعالياته بين فترتي الصباح والمساء




لا تتخلوا عن حل الدولتين

لا تتخلوا عن حل الدولتين

Jul 20 2020

لا تتخلوا عن حل الدولتين
دينيس روس؛ وديفيد ماكوفسكي* – (ذا أميركان إنترست) 14/7/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

قد يكون الضم الإسرائيلي أحادي الجانب خطأ. لكنّ حل بيتر بينارت القائم على فكرة الدولة الواحدة هو نهج يضيف خطأ إلى آخر.
* * *
قمنا بكتابة كتابنا “كن قويًا وشجاعًا جيدًا” Be Strong and of Good Courage، لأننا كنا نخشى أن يؤدي المسار الذي تسلكه إسرائيل إلى نتيجة الدولة الواحدة. بكل تأكيد، سوف يجعل الاستمرار في البناء خارج مناطق التجمعات الاستيطانية من المستحيل الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسوف ينتج في الوقت المناسب دولة واحدة لشعبين. ومن خلال إظهار الكيفية التي حدد بها أهم قادة إسرائيل ما هو الأهم، وكيف اتخذوا قرارات صعبة ووضعوا احتياجات البلد قبل احتياجاتهم السياسية، كنا نأمل في تذكير قادة إسرائيل اليوم بمسؤوليتهم عن اتخاذ خيارات سياسية صعبة بوضوح -خيارات سوف يكون من شأنها أن تثير الآن معارضة كبيرة من حركة المستوطنين.
ولم يتحقق ذلك الأمل حتى الآن. والأسوأ من ذلك هو أن دافع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، للاستفادة من خطة ترامب لضم ما يصل إلى 30 في المائة من الضفة الغربية من جانب واحد، أثار ردود فعل في الولايات المتحدة. والكثير من ردود الفعل المنتقدة مشروعة، لكن بعضها، للأسف، منفصل عن الواقع إلى حد كبير. من ناحية، هناك بيتر بينارت Peter Beinart الذي يدافع الآن عن دولة يهودية-عربية ثنائية القومية. ومن ناحية أخرى، ثمة أشخاص مثل صديقنا إيلان غولدنبرغ Ilan Goldenberg، والذين يريدون بشدة إنقاذ حل الدولتين، ويعتقدون أن الرد الصحيح على الضم هو الاعتراف بدولة فلسطينية من أجل الإبقاء على أمل الفلسطينيين حياً.
لسنا متفاجئَين من أن يكون احتمال الضم قد أثار ردود الفعل هذه. فالضم بعد كل شيء هو إجراء إسرائيلي أحادي الجانب، والذي ينتهك فرضية مركزية في اتفاقيات أوسلو: لن يغير أي من الطرفين وضع المنطقة -ما يعني أن إسرائيل لن تضم أي أراضٍ، وأن الفلسطينيين لن يعلنوا قيام دولة. وكان ينبغي أن يتم التفاوض على الوضع الدائم للمناطق؛ نعم، ليست هناك مفاوضات الآن بعد فشل ثلاث محاولات رئيسية بقيادة الولايات المتحدة منذ العام 2000 وفقدان ثقة كل من الجمهورَين بالآخر.
ومع ذلك، فإن ضماً تقوم به إسرائيل من جانب واحد لأراضٍ تسيطر عليها مُسبقاً ليس هو الحل. إنه لن يجعل إسرائيل أكثر أمناً. ولا أحد يعرف ما إذا كان سيؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، أو أنه سينهي التعاون الأمني بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، أو أنه سيوفر ذريعة لحماس وحزب الله لتوجيه ضربات صاروخية رمزية ضد إسرائيل، والتي يمكن أن تتصاعد إلى شيء أكبر. لكننا نعلم أنه سيثير أسئلة أساسية حول شرعية موقف إسرائيل في الضفة الغربية، وسيكون بلا شك نعمة لحركة نزع الشرعية عن إسرائيل في وقت أصبحت فيه مسألة العدالة قضية مركزية في أميركا.
لا عجب أن بيتر بينارت قرر إظهار أنه يقف على الجانب الصحيح من العدالة. وبعد أن أمضينا قرابة ثلاثين عامًا في محاولة صنع وتعزيز السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، نريد نحن أيضًا العدالة والكرامة لكلا الجانبين. لكن وصفته ستنتج سفك دماء لا نهاية له، وليس عدالة. إن دعوته إلى إقامة دولة واحدة لا يمكن أن تعمل ببساطة في الشرق الأوسط: فهو منطقة لا توجد فيها تقاليد ديمقراطية؛ لم يصلها بعدُ عصر ما– بعد- الطائفية؛ وحيث تُخاض الحروب بلا أي حدود (شاهد العراق وسورية)؛ وحيث لا يوجد استعداد لقبول أو احترام حقوق الأقليات.
في الشرق الأوسط، حيثما يُفرض نظام مركزي على مجموعات طائفية/ عرقية مختلفة، فإن النتيجة هي الصراع المستمر. فهل تكون قصة العراق، وسورية، ولبنان وليبيا، هي ما يجب أن نصفه لمستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين؟
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن بينارت يعتقد أن الهويات الوطنية المنفصلة للإسرائيليين والفلسطينيين تعني القليل لكل منهم، وأنها سوف تذوب وتتلاشى. وما مِن مكان يبدو فيه المرء منفصلاً عن العالم الحقيقي أكثر من هذا. لقد دفع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين ثمناً باهظاً للحفاظ على هوياتهم. من جهتهم، بنى الإسرائيليون دولة في بيئة كانوا مرفوضين فيها، وفُرضت عليهم الحروب. فهل يمكن لدولة ذات ثقافة مزدهرة، والتي حققت وجودها بنجاح من خلال جلب أكثر من مليون يهودي من الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى توفير وطن لليهود من إثيوبيا وسورية واليمن، وعبر كل المجتمعات التي تتعرض للتمييز في الشرق الأوسط، أن تتخلى فجأة عن هذه الهوية؟ هل يمكن لدولة يبلغ عدد سكانها حوالي تسعة ملايين -ما يقرب من سبعة ملايين يهودي وحوالي مليوني مواطن عربي إسرائيلي- والتي تمكنت من البقاء بعد كثير من الحروب لتصبح دولة “صاعدة” بناتجٍ محلي إجمالي بمستوى نظيراته في فرنسا واليابان، أن تقول إن دولتها وهويتها فشلتا؟ ومن بين 105 برلمانيين صهيونيين في الكنيست المؤلف من 120 عضوًا، هل هناك حتى نائب واحد يمكن أن يقبل بتغير هوية إسرائيل؟
كما ثابر الفلسطينيون بدورهم أيضًا. في أماكن تفرقهم، في مخيمات اللاجئين وعبر انتفاضتين، لم يتخلوا عن هويتهم. وشرح أحمد غنيم، وهو ناشط في حركة “فتح” ما يزال مقربًا من مروان البرغوثي، ذات مرة سبب تفضيله لحل دولتين: “في دولة واحدة، سوف يشعر أحدنا (إسرائيليون أو فلسطينيون) بالحاجة إلى الهيمنة على الآخر”. وهو محق. سوف تضمن دولة بينارت ثنائية القومية أن يتحول الصراع إلى الداخل. وهو يشير إلى أن قانون العودة الإسرائيلي ستقابله مطالبة فلسطينية بنسخة موسعة من حق العودة الفلسطيني، والتي تشمل الملايين. وبالنسبة لدولة لا تشترك في نفس اللغة أو الدين أو الخبرة، قد يتحول هذا كله إلى كابوس بسرعة كبيرة. وسوف يضمن الصراع المستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
إذا لم يكن كل هذا كافياً، فكأنما يبدو لبينارت أن أعداء إسرائيل هم أناس متخيلون. لكن الإسرائيليين يعرفون أنهم ليسوا كذلك. أيُّ دولة هي التي قد ترهن وجودها نفسه لاحتمال أن إيران وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ربما يغيرون مواقفهم فجأة إذا لم تعد إسرائيل كما نعرفها موجودة؟ هل سيحارب العرب العرب ويقاتل المسلمون المسلمين نيابة عن اليهود؟ سوف يأخذ القليل جداً من الإسرائيليين مثل هذه المقامرة على أنها الخبرة الأفضل. كان جوهر الصهيونية دائماً هو روح الاعتماد على الذات. وبعد 2000 سنة من الاضطهاد، بُنيت الدولة اليهودية على فكرة أنه يجب أن تكون لليهود وكالة لتأمين مصيرهم.
خلاصة القول من كل هذا واضحة. لا بديل عن السماح لهذين الشعبين بالسعي إلى -وتحقيق- تطلعاتهما القومية. ولا يمكن حل نزاعهما إلا إذا تم فصلهما عن بعضهما بعضا، وسوف يستمر هذا النزاع إذا لم يتم فصلهما. صحيح أن الدولتين الموعودتين لن تكونا متاحتين في أي وقت قريب، وقد يؤدي الضم من جانب واحد إلى تهديد ظهور هذا الحل جملة وتفصيلاً. لكن هذا يعني أن علينا أن نواصل العمل ضده. إذا تم انتخاب جو بايدن، فمن شبه المؤكد أن إدارته لن تعترف بالضم. ونأمل أنها ستسعى إلى تغيير الواقع على الأرض، واستعادة الإحساس بالإمكانية لدى كلا الجانبين، والعمل على جعل كل جانب يتخذ خطوات لإظهار التزامه بالسلام وبحل على أساس الدولتين -على سبيل المثال، يتوقف الإسرائيليون عن البناء خارج الحاجز الأمني حتى تتمكن دولتان من إجراء تبادل مناسب للأراضي. (تعيش الغالبية العظمى من المستوطنين في تجمعات أو كتل داخل الجدار). ومن جانبها، يجب على السلطة الفلسطينية التوقف عن منح عائلات أولئك الذين يقومون بأعمال إرهاب وعنف ضد الإسرائيليين معاملة تفضيلية ورواتب أكبر من عائلات معوزة أخرى.
بما أننا نعتقد أنه لا يوجد خيار سوى العمل في اتجاه هذين الكيانين، فإننا متعاطفان مع رغبة غولدنبرغ في الحفاظ على الأمل في حل الدولتين حياً. وهو يخشى أن يؤدي الضم إلى استسلام الشعب الفلسطيني، ويعتقد أن نتيجة دولة واحدة هي النتيجة الوحيدة التي ستكون ممكنة. وهو يريد أن يمنحهم الأمل من خلال الاعتراف بدولة فلسطينية باعتبار أن ذلك سيكون الرد الصحيح على قيام إسرائيل بفرض سيادتها من جانب واحد على جزء من الضفة الغربية.
للأسف، من المرجح أن تفشل أي سياسة قائمة على الرغبات. بادئ ذي بدء، لا ينبغي للفلسطينيين، الذين لم يكونوا على استعداد للتفاوض مع إسرائيل لبعض الوقت، أن يعتقدوا بأن عدم الانخراط سوف ينتج المكافآت. لكنَّ هناك شيئاً أكثر إشكالية في وصفة غولدنبرغ أيضًا: أنه يقدمها من دون أي شروط. هل يجب أن تلتزم الدولة الفلسطينية التي يعترف بها بالسلام مع إسرائيل، الدولة القومية للشعب اليهودي؟ هل يجب عليها أن تتجاوز الانقسامات بين سلطتين منفصلتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهل يجب أن تقوم أي مصالحة بينهما على مبادئ تجعل السلام مع إسرائيل ممكناً؟ هل يجب أن تكون لهذه الدولة مؤسسات ذات مصداقية والتي تلتزم بسيادة القانون -أم أن الفساد واسع النطاق الذي يغذي العزلة العميقة للجمهور الفلسطيني عن السلطة الفلسطينية لا يهم؟ هل يجب أن تكون مواردها المالية شفافة؟ هل يجب أن تسمح بحرية الكلام وبوجود وسائط إعلام حرة؟ هل يجب أن تحترم حقوق الأقليات؟
ومن الواضح أن هناك مشكلة أخرى في هذا الخيار أيضاً. ماذا يحدث في اليوم التالي بعد الاعتراف؟ هل سيتغير أي شيء عمليًا بالنسبة للفلسطينيين؟ نعم، إن الاعتراف قد يعطي أملاً كاذبًا بأن المجتمع الدولي أو أميركا يفعلان شيئاً للفلسطينيين حقاً. ولطالما كان انتظار الآخرين ليفعلوا شيئاً ابتليت به الحركة الوطنية الفلسطينية، لكن تعميق اتكالية الفلسطينيين لن يجعل التقدم أكثر احتمالاً أيضاً. سوف تظهر الفجوة بين خطابنا وأفعالنا بسرعة كبيرة عندما لا نتمكن من إنتاج الدولة الموعودة في وقت قريب. ينبغي أن تكون سياساتنا مصممة لتوفير أمل متجذر في إظهار أن الحقائق على الأرض يمكن أن تتغير، وليس في إعطاء الفلسطينيين سببًا للاعتقاد بأن أي شيء لن يكون ممكناً. عاجلاً أم آجلاً سوف يؤدي ذلك بدوره إلى حدوث انفجار.
بينما نحترم نوايا غولدنبرغ ونشاركه التزامه بخيار الدولتين لشعبين، يبدو أنه يتقاسم عنصرًا أساسيًا واحدًا مع بينارت. بالنسبة لكليهما، تتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن إدامة الصراع. والفلسطينيون بالنسبة إليهما مجرد ضحايا لم يسهموا في استمرار النزاع. ويبدو الأمر كما لو أن الفلسطينيين استجابوا -أو قدموا مقترحات مضادة- لمعايير كلينتون في كانون الأول (ديسمبر) 2000، ومقترح أولمرت في آب (أغسطس) 2008، ومبادئ أوباما في آذار (مارس) 2014 -وهو ما لم يفعلوه، بطبيعة الحال. وكأن الانتفاضة الثانية التي قتلت معسكر السلام في إسرائيل لم تحدث قط. كما لو أن القيادة الفلسطينية لم تطرد رئيس الوزراء آنذاك، سلام فياض، الذي كان يسعى إلى بناء مؤسسات دولة حقيقية وإرساء المساءلة داخل السلطة الفلسطينية.
لكن نقدنا لاقتراح غولدنبرغ ليس حجة للاستسلام. ليس هناك حل بسيط ولن نقوم فجأة بحل القضايا المشحونة بشدة مثل مسائل القدس واللاجئين. إننا بحاجة إلى سياسة تعود إلى التدرج، لكنها تركز بشدة على الانفصال كوسيلة للحفاظ على خيار قيام دولتين لشعبين. وقد يبدو الطريق إلى الأمام أقل بريقاً، لكنه يبقى ضرورياً مع ذلك.
نعم، لقد استغرق الأمر ما يقرب من 100 عام من الصراع حتى تتعامل هذه الحركات الوطنية -المتجسدة في إسرائيل والسلطة الفلسطينية- مع بعضها بعضا بشكل يومي: التعاون الأمني والتجارة، والآن التعاون الصحي المتعلق بـ”كوفيد-19″. وليس هذا التواصل مثالياً. لكن الحكمة السياسية الذكية سوف تبنى على هذين الهيكلين التأسيسيين. ويبدو لنا أن هدمهما كليهما -كما سيفعل بينارت- وسط الأمل في أن هناك شيئاً آخر يمكن بناؤه، هو ضرب من قمة اللامسؤولية والخيال.
لا يمكن أن يكون خطأ الضم عذراً لتجاهل حقائق الشرق الأوسط. ونحن لسنا بحاجة إلى نهج للشرق الأوسط، والذي يفاقم خطأ قائماً بإضافة واحد آخر ويعكس مرة أخرى وجود القليل من الفهم لما يدفع هذه المنطقة. دعونا لا نتخلى عن الانفصال والمفاوضات ودولتين لشعبين. ودعونا لا نتبنى مواقف لها جاذبية مجردة، لكنها في حقيقتها منفصلة بشكل محزن عن الواقع.
*دنيس روس: عمل مديراً لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية في عهد الرئيس جورج بوش الأب، والمنسق الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس بيل كلينتون، وكان مستشارًا خاصًا لشؤزن الخليج الفارسي وجنوب غرب آسيا لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
*ديفيد ماكوفسكي: هو زميل زيغلر المميز في معهد واشنطن ومدير مشروع العلاقات العربية الإسرائيلية. وروس وماكوفسكي هما المؤلفان المشاركان لكتاب: “كن قويًا وشجاعًا: كيف شكل أهم قادة إسرائيل مصيرها”، الصادر عن “بابليك أفيرز” في أيلول (سبتمبر) 2019.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Don’t Give Up on the Two-State Solution
المصدر:الغد الأردنية:20/7/2020




Pages